المولد والنشأة[1]

الفقيه الوطني، المربي المشارك، المدني بن عبد العاطي بن عبد الرحمان بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن ابراهيم (ابرايم) بن حمزة محيي الدين، ينحدر من أسرة علم وفضل، ولد بمنطقة “فم زكيد” بإقليم طاطا جنوب المغرب سنة 1930م، حفظ القرآن صغيرا على عادة أبناء جيله على يد الشيخ محمد بن الحسن والشيخ المدني بن عبد الواحد، ثم حَفظ بعض المتون في الفقه والحديث على يد جده الفقيه العدل الشيخ عبد الرحمان بن الحسين الذي كان صاحب فضل وجاه بالمنطقة كلها، يقصده الأهالي في أمور الدين والدنيا، فضلا عن والده عبد العاطي بن عبد الرحمان الذي لم يكن يقل عن الجد عبد الرحمان فضلا وعلما و حكمة.

طلبه العلم

التحق مترجمنا مبكرا بمدرسة الإمام العلامة سيدي عبد الوهاب الشنقيطي القادم من “الساقية الحمراء” والذي أسس رباطا علميا نفع الله به خلقا عظيما، ودرس على يديه علوم اللغة والفقه والتفسير إلخ. ثم التحق بجامعة ابن يوسف بمراكش، ودرس فيه سنة كاملة اضطر بعدها إلى الارتحال إلى الدار البيضاء سنة 1948 وهنا سيعرف مسار مترجمنا منعطفا جديدا بفضل أخيه حمو بن عبد العاطي الذي تفطن لعبقريته ودهائه وسرعة حفظه، وعمل على ربطه بمناضلي حزب الاستقلال بالمقاومة، وقدمه إلى العلامة الفقيه سيدي عبد الرحمان النتيفي -رحمه الله- في مدرسة “السنة” بدرب الكلوطي بدرب السلطان-الدار البيضاء. وهناك ستتفتق ومواهبه في علوم الحديث، بعد أن أبان عن مقدرة عجيبة واستعداد كبير في الحفظ، وبراعة في الأسانيد.

العطاء العلمي والدعوي 

شرع الشيخ المدني في التدريس والوعظ والخطابة، بداية السبعينيات، فدرّس في عدد من مساجد الدار البيضاء: كمساجد اليوسفي والمحمدي بحي الأحباس، ودرّس ووعظ بالمسجد العتيق بعين الشق، و مسجد بوطويل بالمدينة القديمة، ومسجد الحريزي بدرب السلطان، ومسجد آخر بحي السوارت، ومسجد دوار سي أحمد بالحي المحمدي، ومسجد المطار بالحي الحسني، ومسجد الإذاعة بحي ياسمينة بعين الشق، وخطب الجمعة في مسجدي الكدية والخليل بالحي المحمدي. وإلى جانب عطائه الرسمي في المساجد، كان بيتا الشيخ ـ سواء بالدار البيضاء أو بفم زكيد ـ قبلتين لطلبة العلم عامة، وعلوم الحديث خاصة، حيث انتظم فيه عدد من التلاميذ والمحبين لينهلوا من علمه وحفظه، فكان يدرّس لهم علم الحديث والتفسير والسيرة النبوية وكتاب مدارج السالكين، فتخرج منهم عدد لا بأس به تولى معظمهم الخطابة والوعظ بعد وفاته.

كفاحه الوطني والسياسي

كانت للفقيه المدني مشاركة في الكفاح الوطني منذ التحاقه بمدينة مراكش ثم الدار البيضاء، حيث انخرط في حزب الاستقلال، وكانت له العديد من المواقف الوطنية المشهودة في كلتا المدينتين. وفي سنة 1958 سينضم إلى المجموعة التي انفصلت عن حزب الاستقلال و سميت بالجامعة المتحدة لحزب الاستقلال، وفي سنة 1959 سيصبح عضو اللجنة الإدارية للحزب الجديد: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفي سنة 1960 سيكون مكلفا بعمليات توزيع الإعانات الاجتماعية الدولية والوطنية في إقليم ورززات ضمن برنامج سطر لمحاربة الفقر في هذه الجهة، وقد اشتهر الشيخ للمدني محي الدين آنذاك بخططه التنظيمية وصرامته وتوزيعه العادل الذي يتذكره الشيوخ إلى اليوم.

تعرض الشيخ المدني للاعتقال مرات عديدة أبرزها سنة 1963 و 1965 في إطار الاعتقالات التي تعرض لها مناضلو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة “حيازة السلاح و التخطيط لقلب النظام”، ولم يُتْنه ذلك كله عن التمسك بمبادئه و الوفاء لها، ولم يسجل عليه أنه تطلع إلى الاستفادة من المكافآت التي تلقاها أقرانه ممّن انخرطوا في العمل الوطني زمان الاستعمار الفرنسي أو بعده، على الرغم أنه كان يفتي لهم بقبولها.

كما عرف عن الشيخ انخراطه في العمل الجمعوي خصوصا في منطقة “فم زكيد” التي أنشأ فيها بمعية شباب الواحة: جمعية “الخرير للسقي و التنمية الفلاحية”، عملت على جلب الدعم المادي  وتهيئة السواقي وحفر الآبار ومد القنوات المائية لمكافحة الجفاف الذي مس المغرب عموما والجنوب خصوصا في الثمانينات من القرن الماضي، و كان عمله هذا سببا في التخفيف من آثار الجفاف وبقاء الواحة خضراء نسبيا مقارنة بالمجالات المجاورة التي تصحرت كلية. وللشيخ المدني حضور آخر في المناسبات والأعياد، حيث كان يهتم بالفقراء والأرامل وبأحوالهم، وكان شعاره: إن العلماء لا يجب أن يورثوا مالا بل علما وصدقات جارية، ولقد بقي الشيخ على حاله تلك إلى أن أقعده المرض الذي توفي بسببه.

آثاره العلمية

على عادة أبناء جيله، كانت للفقيه المدني تعليقات على هامش عدد من كتب الصحيح والسنن، وبعض الكراريس التي دوّن فيها ملاحظات في علوم الحديث وخاصة كتاب صحيح البخاري، وقد تواعد نجلاه الدكتور محمد محيي الدين وعبد الناصر محي الدين و بعض من تلامذته بالعمل على تحقيقها ونشرها. كما شرعوا في إنشاء موقع إلكتروني لنشر المادة العلمية السمعية التي خلفها مترجمنا رحمه الله تعالى.

وفاته

توفي رحمه الله بالدار البيضاء يوم 11 نونبر 2007 وكانت جنازته جنازة مهيبة، تولى إمامة المشيعين في الصلاة عليه الشيخ محمد زحل رحمه الله والذي كان يعرف للرجل قدره وفضله وعلمه. ووفاء من المقاطعة الجماعية الفداء بالدرا البيضاء لروح الشيخ المدني، فقد أطلقت اسمه على أحد الأزقة بتراب المقاطعة، وهو الزقاق الأول في شارع عبد الله الصنهاجي من جهة حي الأمل.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. صص: 328-331.