تقديم

ارتبطت المقاصد بالشاطبي الذي لم يبارح “غرناطة” المدينة العلمية، التي كانت تشد إليها الرحال، ويزورها العلماء، فاستفاد منهم. فغرناطة كانت عاصمةً علميّة وسياسيّة في الغرب الإسلامي، وقد برز الشاطبي في علوم عدة لكن أهم كتبه والذي اشتهر به هو كتاب “الموافقات”، وهو حجر الزاوية في نظريته المقاصدية، وحينما يُذكر العلماء الذين أفردوا مقاصد الشريعة بالتأليف، فإن علال الفاسي يأتي ضمن الثلاثة الأولين البارزين: الشاطبي، وابن عاشور، وعلال الفاسي. وكلهم منتسبون إلى الغرب الإسلامي، ورابعهم العلامة أحمد الريسوني صاحب “نظرية المقاصد”.

ولعل الاختيار الموفق للدكتور عثمان كضوار لابن عاشور، بوصفه رائد الفكر المقاصدي المعاصر، مجالا للدراسة التطبيقية لأطروحته العلمية التي ضمنها هذا المؤَلَّف الموسوم ب “علاقة الفكر الإصلاحي بمقاصد العقيدة ومقاصد الشريعة محمد الطاهر ابن عاشور 1393ه- 1973م أنموذجا”، راجع إلى القيمة المعرفية والمنهجية للبحث المقاصدي في بناء معالم الفكر الإصلاحي المعاصر، انطلاقا من رؤية معرفية بنائية حريصة على وصل العلم بالعمل والاعتقاد بالتشريع والفكر بالأخلاق. (الكتاب ص5)

المؤلف

الدكتور عثمان كضوار، من مواليد مدينة آسفي بالمغرب سنة 1978م، أستاذ بوزارة التربية الوطنية. حاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي -الجديدة، حاصل على شهادة الماستر في التواصل الديني وحوار الحضارات من كلية الآداب والعلوم الإنسانية -جامعة شعيب الدكالي الجديدة، وحاصل على شهادة التميز في مهارات الاجتهاد المقاصدي بالمغرب، عضو هيئة التحكيم والمراجعة العلمية في مجموعة من المجلات الدولية العلمية المحكمة،  وهو عضو الهيئة العلمية ب”مركز المقاصد للدراسات والبحوث” بالمغرب، شارك في عدة ندوات علمية، وصدرت له عدة مقالات وأعمال منشورة، ومن كتبه: “الحوار عند المسلمين وغير المسلمين” و “إضاءات مقاصدية”.

سبب اختيار الموضوع وأهميته

يأتي هذا الكتاب الذي في أصله أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه لتسليط الضوء على الفكر المقاصدي الذي يعتبر من خلال مجالاته العقدية والتشريعية من الدعامات الأساس التي يمكن اعتمادها لبناء فكر إصلاحي قويم ومحكم، ذلك أن أساليب البحث عن آليات الإصلاح في جميع مجالاته تعددت منذ عهد قديم، واعتبرت منطقة الغرب الإسلامي المعاصر من أبرز الأماكن اهتماما بالفكر الإصلاحي، ذلك يبدو واضحا من خلال الحركات الإصلاحية التي ظهرت بالمنطقة، والتي تعود جذورها إلى ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي. (الكتاب ص 7)

إن اختيار تراث العلامة الطاهر ابن عاشور مجالا للدراسة التطبيقية، راجع للقيمة العلمية والفكرية التي يحظى بها، فالعلامة يعتبر من أهم المفكرين المعاصرين الذين أثاروا العلاقة بين مقاصد الدين والإصلاح الفكري والاجتماعي، وأعماله العلمية وأبحاثه الفكرية خير شاهد على ذلك.

وقد عاصر الرجل العديد من رواد الفكر الإصلاحي الإسلامي بالمغرب والمشرق، وأهم ما يميز جهوده العلمية هو وضوح مسالكه المنهجية وغزارة إنتاجه العلمي، تمثل في ما أصله من رؤى وتصورات وآراء فكرية شملت مجالات التأصيل والتنزيل، وتراوحت بين إصلاح الفكر والمجتمع، حيث شملت آراؤه إعادة بناء الاعتقاد الديني في صلته بالتشريع والأخلاق؛ بناء يخرجه من أتون الجمود والصيغ الكلامية إلى مستوى التأثير والفاعلية، وتصحيح التصورات الدينية وفق رؤية قرآنية مقاصدية. كما عمل على تنزيل ثمرات هذه الرؤى على الواقع الاجتماعي، من خلال مواقفه من قضايا الحرية والإصلاح الأسري والتربية الإيمانية والمسؤولية والأخلاق. (الكتاب ص 5)

إن مما أثار اهتمام المؤلف العلمي هو “الاشتغال على كتب الطاهر ابن عاشور – دراسة وتحليلا فالرجل سعى إلى تقديم حلول إصلاحية ناجعة من منظور مقاصدي بسبب الاختلالات التي عاشها المجتمع الإسلامي – ولا يزال – على مستوى التفكير العقدي وعلى مستوى طرق الاشتغال على القضايا الفقهية والأخلاقية في جل المجالات، سعيا منه رحمه الله إلى تقديم وصفة إصلاحية إلى المجتمعات الإسلامية على وجه العموم، من هنا ارتأيت التركيز على منتجات الرجل العلمية خاصة في المجال العقدي والتشريعي والأخلاقي من الزاوية المقاصدية، والتنقيب في ذلك انطلاقا من المنهج الذي اعتمده خدمة للفكر الإصلاحي وأثر ذلك على المجتمعات الإسلامية التي تدعو وضعيتها العقدية والتشريعية والاجتماعية والأخلاقية إلى القلق والتساؤل”. (الكتاب ص 10-11)

لقد شكل فكر محمد الظاهر ابن عاشور الإصلاحي المقاصدي إشكالية أثارت انشغالات المفكرين المعاصرين، وحيث يعتبر موضوع فكر الإصلاح العنوان العريض الذي اشتغل عليه ابن عاشور فترة طويلة، وكان ذلك داعيا إلى أن يضع أمام المؤلف تحديا علميا حقيقيا، مزج من خلاله علم المقاصد في أبعاده العقدية والتشريعية والأخلاقية بمجال الفكر الإصلاحي من جهة خدمة الأول للثاني، وحاول الإجابة على الدور الطلائعي الذي يقدمه هذا العلم الجليل في إعادة الاعتبار للمجتمعات الإسلامية التي باتت تتخبط في علل شتى.

محتويات الكتاب

بين مقدمة الكتاب وخاتمته، عنون المؤلف الباب الأول ب: الفكر الإصلاحي والمقاصدي عند الطاهر بن عاشور بين التنظير والتنزيل، وقد تضمن ثلاثة فصول بكل واحد منها مطالب، الفصل الأول: الفكر الإصلاحي والفكر المقاصدي؛ التأصيل والمفهوم، الفصل الثاني: الفكر المقاصدي عند ابن عاشور؛ من التنظير إلى التدوين، الفصل الثالث: الفكر الإصلاحي عند ابن عاشور منهجه؛ مجالاته الإصلاحية.

وعنون الباب الثاني ب: المقاصد الإصلاحية عند الطاهر ابن عاشور؛ دراسة تطبيقية، وبه ثلاثة فصول؛ الأول: المقاصد الإصلاحية العقدية عند الطاهر بن عاشور؛ الايمان بالله وباليوم الاخر نموذجا، الفصل الثاني: المقاصد الإصلاحية التشريعية عند الطاهر بن عاشور؛ العبادات والمعاملات، الفصل الثالث:  المقاصد الأخلاقية عند الطاهر بن عاشور.

خلاصات الكتاب

حاول المؤلف جاهدا جمع شتات ما تفرق في كتب العلامة محمد الطاهر عاشور لتحديد معالم الإصلاح في خطابه من زاوية فكره المقاصدي عقديا تشريعيا وخلص إلى أن الرجل قد بخس حقه، ولم يحض بالعناية العلمية .

وبخصوص ما توصل إليه من جهة الدراسة المقاصدية في أبعادها العقدية والتشريعية والأخلاقية من حيث عوائدها النفعية على الفكر الإصلاحي من منظور الطاهر ابن عاشور، فحددها على الشكل التالي:

  • الإصلاح من منظور ابن عاشور ينصرف إلى أمرين، فإما أن يجعل الشيء صالحا ابتداء، أو يجعل ما كان فاسدا صالحا.
  • الإصلاح عندما يتم ربطه بالمرجعية الإسلامية يلزم ذلك العودة إلى الإسلام باعتباره منهجا متكاملا يشمل الأفراد والمجتمعات، يصلح العقيدة والفكر والثقافة كما يصلح العبادة والسلوك.
  • النظر المقاصدي عند ابن عاشور كما يكون في الجانب التشريعي يتجلى في العقيدة، فالنظرة المقاصدية في العقائد تخدم النظرة التشريعية من عدة زوايا حيث تؤسس لأحكامها.
  • دعوة ابن عاشور إلى الاهتمام بالدرس العقدي من الناحية المقاصدية، لقصور الدراسة في هذا النوع.
  • العقيدة والشريعة من حيث اشتراكهما في عدد من الخصائص من قبيل الربانية والشمولية والاعتدال والتوازن تعتمدان في تحقيق الإصلاح ضمن جميع المجالات.
  • اهتمام ابن عاشور بقضايا الإصلاح سالفة الذكر نابع من أسباب ذاتية تكوينية، وأسباب ابستمولوجية – معرفية وأخرى موضوعية حيث واقع المجتمعات الإسلامية الذي يدعو باستمرار إلى القلق والتساؤل.
  • ميز منهج ابن عاشور الإصلاحي الانطلاق من التفكير بالإصلاح الجماعي.
  • تناول ابن عاشور مسألة حرية الاعتقاد من داخل التصور القرآني حيث حدد ماهيتها وفق الحدود المسطرة.
  • المقاصد العقدية الإصلاحية إحدى أبعاد الإيمان بالله على مستوى الفرد والجماعة.
  • تميز تفسير الطاهر ابن عاشور بالتحليل الموضوعي والمنهج البنائي.
  • اهتمام الطاهر ابن عاشور بالفقه الإسلامي من زاوية التنبيه إلى أهمية المقاصد في التشريع الإسلامي وحاجة الفقهاء إليها.
  • تميز رؤية ابن عاشور الإصلاحية في مجال الأخلاق من خلال تسليط الضوء على عدة أسس، أو ما اصطلح عليه بالقوانين الضابطة لتصرفات الناس والقوانين الأخلاقية لرعاية الأمة، حيث تمثل ركائز ودعائم للنهوض بالمجتمعات ودورها في إبراز معالمها الاجتماعية(الكتاب ص 377-380)

إننا ما زلنا في حاجة إلى التنقيب والبحث في فكر ابن عاشور  لبيان نظرية المقاصدية التي تميز بها، كما أن المرحلة تقتضي استعادة مقاصد الدين الكلية الناظمة للمقاصد العقدية والتشريعية والأخلاقية، التي تعد من القضايا الملحة منهجيا وعلميا، إذ بها يتم استعادة بنائية المعرفة الإسلامية وربط أصول الدين بفروعه.