مقدمة

تعتبر قصبة بولعوان من أهم القلاع الإسماعيلية (نسبة إلى السلطان مولاي إسماعيل العلوي) وأكبرها، تقع القصبة على صخرة إحدى منحنيات نهر أم الربيع مشرفة على أحد معابر هذا النهر الأكبر بالمغرب. منذ القرن 16م، تحدث ليون الأفريقي (حسن الوزان) عن قرية تحمل اسم بولعوان على ضفة النهر المذكور، إلا أنه من المرجح أن لا يكون الأمر يتعلق بالقصبة الحالية التي شيدت على ربوة مرتفعة. عرفت القصبة انطلاقا من عدة مصادر تاريخية من بينهـا كتـاب طومـاس بيلوو ومصدري الزياني والناصري. وفي بداية القرن 20 م، زار إدمون دوتي القصبة وخصص لها وصفا دقيقا.

وتتعرض القصبة إلى عدم مبالاة وتنكر لتاريخ عريق تشهد عليه جدران تتآكل يوما بعد إنها إحدى الحصون الضاربة في التاريخ والشاهدة على عظمة حضارة نسجت في قرون سالفة.

ولقد حاول فيلم “خربوشة” كشف بعض أسرارها وتقريب الجمهور المغربي من معالمها، وعمل الفاعلون الجمعويون والسياسيون والمتدخلون من برلمانيين وهيئات ومنظمات حكومية وغير حكومية  وأعضاء مجالس قروية ببولعوان وجمعيات مجتمع مدني تنبيه الجهات الوصية لاسيما وزارة السياحة والثقافة إلى الالتفات لهذا التراث المنسي وصيانته وترميمه. يشار إلى أن قصبة بولعوان تم تصنيفها في الفترة الاستعمارية تراثا وطنيا[1].

قصة تشييد قصبة بولعوان

بعد جلاء البرتغال من المنطقة ظلت مدينة بولعوان مهملة إلى أن شيد بها السلطان المولى إسماعيل قصبة عسكرية لحراسة الطرق التي كانت تربط عاصمته مكناس بمختلف نواحي المملكة. وقد تم بناء القصبة على قمة شاهقة من الصخر، تنزل عموديا على أضيق نقطة في منعطف مجرى أم الربيع. ويعتبر موضع بنائها من أكثر الأماكن توحشا، كما أن أنها تبدو للناظر من بعيد عظيمة الهيكل وهائلة البنيان[2]. فبمجرد إلقاء إطلالة  على القصبة تشد زائرها بجاذبية غريبة وتسحره بجمالها رغم أنها أصبحت بناية آيلة للسقوط وكومة من تراب في العديد من أجزائها ، لكنها تتحدى الطبيعة بشموخها وتأبى الخنوع والانبطاح وتواجه رياح الشتاء وحر الصيف، كأنها تقول لنا أنا هنا منذ زمن بعيد. وبعد عبور بوابتها تنطق أنا رابطة الشمال بالجنوب أنا تاريخ عظماء المغرب وكاتمة الأسرار.

كان لهذه القصبة في الماضي، باعتبار موقعها الذي يتحكم في الممرات الرئيسية بين مراكش وفاس، أهمية إستراتيجية. بالإضافة إلى موقعها على الحدود المشتركة بين ثلاثة تجمعات قبلية كبرى هي دكالة والشاوية والرحامنة، مما جعل منها من الناحية السياسية والعسكرية مركزا ممتازا للمراقبة، وإن اختفت اليوم هذه الأهمية، فان أهميتها الأثرية لازالت قائمة تؤكد على ما لأجدادنا من براعة في تشييد القلاع والحصون وإحكام وسائل الدفاع والحصار فيها بدقة ومهارة. وقد ظل المولى إسماعيل يستعمل هذه القصبة أثناء تنقلاته بين مدن فاس ومكناس ومراكش.

لقد تم تأسيس القصبة سنة 1122ه/1710م -كما هو مسجل في الكتابة التي تعلو الباب الرئيسي للقصبة- على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع، ولها مكانة إستراتيجية مكنت من رؤية محيطها عبر ثلاث جهات في غياب وسائل التقاط الذبذبات الخاصة بالمهاجمين، وتقع بين ثلاث قبائل مهمة دكالة والشاوية والرحامنة، مما أتاح لها إمكانية مراقبة محور طريقي هام بين الشمال والجنوب، أي بين فاس ومراكش عبر الرباط ، وكان يرتاح فيها المولى إسماعيل عند زوجته الدكالية حليمة غشاوة.

الهندسة المعمارية لقصبة بولعوان

تتميز قصبة بولعوان بهندسة معمارية جديرة بالدراسة والعناية، إذ أن الموقع الذي وقع عليه الاختيار لبنائها والبرج الذي أقيم فيها وكذلك باب السر والحصن الأمامي المنحدر والمغطى، المفضي إلى النهر وأبراج الدعم الجناحي التي تتوفر عليها والتي تم تشييدها بدقة ومهارة، كل ذلك يشير إلى أن تصميم القصبة كان من طرف بعض المهندسين الماهرين في فن الهندسة العسكرية؛ وبذلك فهي تمتاز عن مثيلاتها باستحكاماتها الدفاعية[3].

ينتظم هذا المعلم على شكل رباعي الأضلاع بشكل غير متساوي،  حيث لا يتعدى طول السور الشمالي 55 مترا بينما طول الجنوبي 102 أمتار، والشرقي 124 مترا والغربي 131 مترا [4]. والقصبة محصنة بسبعة أبراج، ترتفع خمسة أبراج منها في السفح الجنوبي. وفي البرج الأوسط، ينتصب باب كبير. أما السفح الشمالي فمحصن بأبراج تحمي زوايا السور فقط. من جهة الغرب نجد برجا نصف دائري ومن الشرق يوجد برج مستطيل. تتكئ على هذا الأخير بناءات تحتوي على باب سري يربط، عبر ممر منعرج، القصبة بالنهر الموجود أسفلها.

بني الباب الرئيسي بالحجر المشذب وهو على شكل عقد منكسر متجاوز ذو مركزين، وتحمله عضاضتان. وتعلو نقيشة على شكل إفريز إطار الباب، وتحمل تاريخ بناء القصبة واسم المهندس الذي أوكل إليه مولاي إسماعيل القيام بذلك. كان تصميم الباب في الأصل منعرجا إلا أن أدخلت عليه إصلاحات جعلته ممرا مستقيما. ويحتوي في داخله على حجرات وحجرات الحراس. ويمكن درج من الارتقاء إلى سطحه، كما يمكن من الوصول إلى غرفة فوق الباب تتصل بممشى الحراسة.

يوجد داخل قالب القصبة حي سكني يسمى [بدار السلطان]، يحتوي على برج مخصص للسكن وفي نفس الوقت للحراسة. يضم هذا الجانب كذلك المراحيض والحمام وبعض الغرف السكنية الجميلة كما تؤكد ذلك الزخرفة التي خصصت لها من زليج وجص منقوش وأجزاء من أعمدة رخامية.

كما تحتوي القصبة على مخازن وإسطبلات ومسجد ذو مئذنة وخزان للمياه. وفي المنطقة التي كانت فيها الربوة شديدة الانحدار تم تدعيمها بجدار لخلق منصة مصطنعة تقي هذه الحافة من الانجرافات. من جهة الشرق نجد ممرا طويلا بين جدارين جانبيين. وتحمي غرفة متعددة الأضلاع الزاوية المتجهة نحو الشمال. يصل هذا الممر إلى النهر وإلى صهاريج يحتمل أن تكون قد استعملت لسقاية الحيوانات.

تعتبر قصبة بولعوان، كما هو شأن العشرات من القصبات التي تؤثث المسالك والطرق السلطانية في عهد مولاي إسماعيل، مركزا مستقلا ، وتعيد إنتاج نموذج القصبة المعزولة التي عرفت منذ المعسكرات الرومانية إلى الحصون البيزنطية. منذ القرن الثاني عشر الميلادي، استعملها المرابطون عندما بنوا عدة قصبات وقلاع حقيقية لحصر الخطر الموحدي (أمركو، تاسغيموت…). واستمر هذا التقليد مع الموحدين والمرينيين الذين وطنوها في مناطق حيوية. وفي الفترة السعدية، بنيت قلاع وقصبات جديدة منها على الخصوص القصبة الزيانية (سهل تادلة) وقصبة الوليدية على الشاطئ الأطلسي بين الجديدة وآسفي.

فيلم “خربوشة ” يفصح عن وجه القصبة

استطاع فيلم “خربوشة” أن يعرف بالقصبة وبالبناية، وإن كانت أحداث الفيلم تتحدث عن قصة الشيخة “خربوشة” والقائد.  فخربوشة تخاطب في عيطتها القائد المفترس ” سي عيسى بن عمر” الذي كان يعد من ” أكثر القواد الجهويين أهمية في الإمبراطورية الشريفة ” نهاية القرن 19 بإقليم عبدة. خربوشة المرأة المغربية التي أعلنت من خلال أغانيها التحدي وحرضت القبيلة بالتمرد على هذا القائد المفترس تقول في عيطاتها:

خربوشة ماشي قصارة وركزة

خربوشة نخوة وعزة تشفي الجراح وقت الحزة

فينك أعويسة وفين الشان والمرشان

تعديتي وخسرتي الخواطر وظنيتي القيادة على الدوام

في أيامك الجيد مابقالو شان

والرعواني زيدتيه القدام

سير أعيسى بن عمر أوكال الجيفة.. ويا قتال خوتو ومحلل الحرام

عمر الظالم ما يروح سالم

وعمر العلفة ماتزيد بلا علام

ورا حلفت الجمعة مع الثلاث يا عويسة فيك لا بقات

أنا عبدة لعبـــــدة

ولسي عيسى لا

نوضا نوضا حتا لبوكشور

نوضا نوضا حتى دار السي قدور

زيدو أولاد زيد راه الحال مازال بعيد ……….

آسعدية طلبي بوك علي إلى اوتيت سامح لي

واخا قتلني واخا خلاني

مندوز بلادي راني زيدية

على كلمة خرجت لبلاد واخرجت لحكام لا سلامة ليك آليام

واخـــايت عليك الايــــام والايـــام الايــــــام أيـــام

القهرة والظلام فينك ياعويسة وفين الشان والمرشان ؟

حرقتي الغلة وسبيتي الكسيبة وسقتي النسا كيف الاغنام

ويتمت الصبيان بالعرّام

ما نحتاج نكرر قوالي* وما ناش بودربالة ولا بوهالي

واخا قلتو سكران راني حاضي حوايجي

سرجت للحق قلامي وسرت فطريق مظلاما مونس بنور العالي

نجهر بكلامي وفعالي كلمة على كلمة يتغير حالك وحالي.

… خربوشة ماشي قصارة وركزة

خربوشة نخوة وعزة تشفي الجراح وقت الحزة

لقد كشف الفيلم عن الظلم والاستبداد والاستعباد في زمن القائد عيسى وكيف واجهته قبائل أولاد زيد ، وجل أطوار الفيلم دارت بقصبة بولعوان التي هي الآن ممر لبعض الدواوير، وعرف المغاربة من خلال الفيلم قصبة اسمها بولعوان .

المراجع
[1] موقع وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية –قطاع الثقافة: https://www.minculture.gov.ma/?p=3947#.YrB_wFzMKM9.
[2] الشياظمي محمدن معلمة المغرب، ج6، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1992، ص1848.
[3] الشياظمي محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص1848.
[4] توري عبد العزيز، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1992، ص 1849.