المولد والنشأة[1]

العلامة المشارك الفقيه النوازلي القاضي السلفي محمد بن إدريس العلوي، ولد سنة 1883م بمدينة مكناس، من أسرة علم وشرف تنتسب إلى الأسرة العلوية العبدلاوية الإسماعيلية. ووالده هو الشريف القاضي المولى إدريس، عاصر السلطان مولاي الحسن الأول، وأبناءه الثلاثة المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ والمولى يوسف. وكان صاحب إذن بتلقين أوراد الطريقة الناصرية بحاضرة مكناس في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع العشرين.

حفظ مترجمنا القرآن الكريم بالروايات العشر، وحصّل العديد من المتون العلمية في الفقه واللغة وغيرهما، وأخذ حظا من علوم عصره بمسقط رأسه على العلامة محمد السقاط، والفقيه محمد الزهراوي، والفقيه محمد بن أحمد السوسي، والفقيه الغالي السنتيسي، والفقيه محمد بن الحسن العرايشي وآخرين.

الرحلة في طلب العلم

انتقل المترجم إلى جامعة القرويين فأخذ عن شيوخها منهم: القاضي أحمد بن المامون البلغيثي، ومحمد بن جعفر الكتاني، ونال بها شهادة العالمية سنة 1916م وعمره آنذاك لا يتجاوز التاسعة والعشرين.

المشاركات العلمية والوظيفية

أسند إلى مترجمنا كرسي الوعظ والإرشاد بالمسجد الأعظم بمدينة مكناس في عهد السلطان مولاي يوسف، ثم مارس خطة العدالة بسماط عدول مكناسة، قبل أن يصبح نائب قاضي الجماعة بالمدينة نفسها، ليعيّن لاحقا نائبا لقاض في مدينة فاس، ثم قاضيا في مدينة زرهون، فسوق الأربعاء الغرب، ثم سلا، وفي سنة 1937م عين قاضيا بالمحكمة الشرعية بالدار البيضاء فأعطيت له صلاحيات واسعة فذاع صيته وطارت شهرته، فصار اليهود المغاربة يلجأون إليه لفض عدد من النزاعات التي كانت بينهم وبين المسلمين المغاربة طمعا في عدله. ولما ضاقت سلطات الاستعمار الفرنسي بنشاطه، عزلته من منصبه سنة 1944م وجعلت من أرض في ملكيته بمنطقة ابن مسيك-الدار البيضاء مطرحا للنفايات البلدية، إمعانا في إذلاله نظرا لعلاقته بالقصر والأسرة العلوية ولأدواره الوطنية. ورغم عزله من منصبه، ظل يؤدي دوره في المسجد المحمدي، وقد اشتهرت خطبه بالتنوع لطرقها قضايا اجتماعية وسياسية كانت تؤدي دورا كبيرا في توعية المواطنين، في زمن كان فيه المغرب غارقا في براثن الجهل والأمية والاستعمار.

ومن أجلّ أعماله: تثبيت عدد من الإصلاحات في خطة القضاء بالمغرب، ودعوته إلى إصلاح التعليم العمومي حيث قدم أول تقرير إلى السلطان محمد الخامس من أجل إصلاح التعليم الأولي، كما كان خصما شرسا للمدارس الفرنسية بإعطائه القدوة من نفسه بإرسال أبنائه وبناته إلى المدارس الحرة التي كان وراءها رجالات الحركة الوطنية، والتي ساهم في نشاطها وتطويرها بعلمه وماله.

استثمر مترجمنا وسائل زمنه من أجل تبليغ رسالته الإصلاحية، حيث انفتح على “راديو المغرب” الذي كان يبث دروسه ومحاضراته عبر الأثير، فضلا عن مشاركاته في الأندية الأدبية التي كانت ميادين للتناظر. كما تميز عن عدد من أقرانه بانفتاحه على الأدب الفرنسي من خلال الكتب والصحف والمجلات.

كانت تربط المترجم علاقات ودية مع علماء عصره كالفقيه العلامة محمد الرندة، وشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، والفقيه محمد بن محمد العبادي، والفقيه العدل محمد حركات السلاوي، والفقيه العدل محمد بن علي عواد السلوي، والقاضي الخطيب الهاشمي بن عبد الله بن خضراء، والعلامة المؤرخ عبد الله الجراري، والفقيه النبيه محمد بن حسن الحجوي، ومؤرخ الدولة العلوية النقيب عبد الرحمان بن زيدان، والعلامة محمد بن عبد القادر العرايشي، والفقيه النقيب سيدي عبد الكريم بن محمد الشبيهي المؤقت، ولا زالت مراسلاته لعدد منهم شاهدة على ذلك.

مناقبه وصفاته

اشتهر مترجمنا بحسه الاجتماعي، وكرمه الإحساني، فكان منزله العائلي ملاذا ومقاما للأرامل والأيتام، ولفاقدي المعيل من الأقارب والأحباب، ومنهم من قادته الظروف لمحكمة الفقيه القاضي فوجدوا أنفسهم بدون كفيل فيتكفل بهم الفقيه القاضي إلى حين.

قال عنه العلامة عبد الهادي بوطالب: “كان فريدا من نوعه من علماء وقضاة عصره ومفكري جيله المتنورين، ولقد كان فضيلته واحدا من طلائع النهضة الحديثة، وأحد رجال السلفية التي تجمع بين الدعوة إلى الدين الإسلامي الحق، وبين تجديد الفتاوى الشرعية طبقا لما جاء به الدين، وإغنائها بمتطلبات العصر”.

وحلاه العلامة عبد الحي الكتاني بقوله: ” العلامة المبجل، القاضي النحرير، الماجد الأصيل، سليل الأمراء”. وحلاه العلامة محمد بن العربي معنينو بقوله: ” الشريف السّميْذع المفضال، الفقيه العلامة الممتطي من المجد غاربه وسنامه، الدراكة المشارك النحرير، القاضي المقتدر الشهير”.

وفاته

توفي رحمه الله تعالى يوم 7 رمضان عام 1370هـ/1951م عن عمر يناهز الرابعة والستين.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. ص 265- 267.