مقدمة

بناصا Banasa، إحدى مدن المغرب القديم، وهي إحدى المستوطنات الرومانية التي أنشأها أوكتافيوس (Octave) في موريطانية (المغرب) في الضفة اليسرى لنهر سبو بسهل الغرب، وتبعد من ناحية الغرب عن شاطئ المحيط الأطلسي ب 30 كلم، وب 17 كلم عن مدينة مشرع بلقصيري من جهة الشرق. وقد أنشأت على مرتفعات موازية للنهر المذكور. وقد اقترن موقع المدينة بضريح سيدي علي بوجنون. وفي الفترة بين سنة 1871 و 1874 حدد السفير الفرنسي بطنجة شارل تيسّو (Ch, Tissot) موقع المدينة بشكل دقيق. وبسبب موقعها وموضعها في منطقة سهلية وبجانب وادي سبو فقد سمح ذلك بأن تزدهر وتتوسع، وهو ما عكسه تنوع المآثر العمرانية للمدينة.[1]

ورغم عدم وجود أطروحة واضحة ومقعنة حول معنى إسم المدينة “بناصا” أو “بناسا”، فإن أقدمية الموقع عن الوجود الروماني في المنطقة يفترض أن يكون لإسم المدينة جذور محلية في اللغة الأمازيغية. فقد ذكرت المدينة وإسمها في عدد من المصادر التاريخية القديمة، وخاصة عند بلينيوس القديم (Pline l’Ancien)، وبطليموس (Ptolemée) ، وعند أنطونان (Antonin)  في دليله، وعند الجغرافي الرافيني  (Géographe de Ravenne)، وكذا الجغرافي بومبنيوس ميلا (Pomponius Mela).[2] أما في العصر الوسيط فقد اختفى ذكرها في مصادر تلك الفترة، سواء لدى المؤرخين والرحالة العرب والمسلمين، أو لدى الرحالة الأوروبيين، وكأن وجود هذه الحاضرة قد اقتصر على الفترة القديمة.[3]

تاريخ استكشاف موقع بناصا

تعود البدايات الأولى للبحث في الموقع إلى سنة 1844م مع الباحث لابي (Lapie) الذي اقترح أن موقع بناسا يتطابق مع ضريح سيدي علي بوجنون. وفي 1871-1874 أعطى شارل تيسو وصفا دقيقا  لموقع بناسا وعثر في الموقع على نقيشة لاتينية. أما في سنة 1889م فقد زار هنري دو لامارتينيز موقع المدينة وعثر على الجزء العلوي من النقيشة التي عثر عليها تيسو سابقا.[4]

وفي سنة 1911 تم تدشين أولى الحفريات في موقع بناصا من طرف القائد العسكري  الفرنسي فييني (Viennet)، والتي أسفرت عن الكشف عن رأس من رخام للإلهة جينون (Junon) الذي يوجد حاليا بالمتحف الأثري بالرباط، إضافة إلى عدد من النقود البرونزية. كما كشفت الحفريات عن حمامات في الموضع الذي افترض تيسو وجود باب المدينة، بالإضافة إلى مجموعة من البنايات والقطع الأخرى.[5] وفي سنة 1933 بدأت الحفريات المنظمة في موقع بناصا تحت إشراف ريموند توفنو برفقة كل من أوجين ألبرتو وأرموند لوكي. وركزت هذه الحفريات على الكشف أساسا عن المعالم الأثرية الرومانية، ونشرت نتائج هذه الحفريات تباعا في دويات متخصصة، وقد استمرت هذه الحفريات إلى سنة 1955، فكشفت أيضا عن كل معالم المدينة التي نعاينها اليوم. وفيما بعد عمل أرموند لوكي تحت إشراف موريس أوزينا (M. Euzennat) على البحث في الفترة ما قبل الرومانية، وكذلك اعتماد المنهج الستراتيغرافي أو التطبيقي، واعتماد الفخار كعنصر لتأريخ المستويات التي سيتم الكشف عنها. كما تم إنجاز استبارين كشفا عن وجود ست مستويات أُرّخ لها من خلال اللقى الخزفية،[6] وتمثل المستويات الستة ثلاث مراحل للمدينة الرومانية، وثلاثة مستويات للسكن المحلي متتالية يرجع أقدمها إلى القرن الثالث قبل الميلاد على الأقل. كما سمح هذه الإستبارات بتأريخ التعمير والإستقرار في هذا الموقع وهو استقرار قديم جدا.[7]

وابتداء من سنة 1982 تكونت بعثة مغربية فرنسية ركزت على عمليات التحري في منطقة الغرب عامة وبناصا خاصة، وأسفرت نتائجها عن الكشف عن عدد من المواقع، وذلك قبل أن تتكون سنة 1990 بعثة مغربية فرنسية أخرى انصب اهتمامها على دراسة الحمامات ذات الصباغة الحائطية وإعادة التنقيب فيها بهدف تقديم تاريخ لها. وواكب هذه العملية إنجاز استبار مكن من التعرف على جزء من سور المدينة. إضافة إلى ذلك عرف الموقع بين سنتي 1992 و 1993 عملية جرد جيوفزيائي بهدف تعيين حدود الموقع.[8]

تاريخ مدينة بناصا

على عكس الإعتقاد السائد قبل منتصف القرن العشرين، والذي ذهب إلى أن الإستقرار في الموقع يعود إلى الفترة الرومانية، فإن الأبحاث التي أجريت على الموقع أكدت أن الإستقرار بمدينة بناسا يعود إلى الفترة المورية السابقة عن الإستيطان الروماني. حيث ارتبط السكن بداية في الموقع بإنتاج الفخار الذي يحمل إسم الفخار المصبوغ لبناصا، والذي كان ينتج في أفران مبنية بالآجر المطبوخ ومن الطوب يعود تاريخها إلى القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد. وتؤكد نتائج مختلف تلك الحفريات والإستبارات التي عرفها الموقع أن الإستقرار بالموقع من الممكن أن يعود للقرن السادس قبل الميلاد.[9]

في هذا الموقع الموري أسس أوكتاف (الإمبراطور أغسطس فيما بعد) مستعمرة لجنوده سميت كولونيا يوليا فلانتيا بناصا، في الفترة ما بين موت الملك الأمازيغي بوكوس وتنصيب يوبا الثاني (33-25 ق.م). وقد دام الإستقرار ببناسا إلى غاية القرن الثالث بعد الميلاد، وتم تدميرها في أواخر هذا القرن، فغدت بعد ذلك مجرد محطة من المحطات على الطريق الرابطة بين طنجة وسلا.[10]

مكونات مدينة بناصا

تتخذ مدينة بناصا في وضعيتها الحالية شكلا طوليا من الشمال إلى الجنوب، حيث أن أغلب المباني والمنشآت متركزة على الواجهة الغربية للشارع الرئيسي العمودي (الكاردو الرئيسي). ورغم عدم توفر التصميم الكامل للمدينة، فإن ما تم الكشف عنه إلى حد الآن يمنح المدينة كل ميزات مركز حضري، حيث كانت تتوفر على مجموعة من البنايات العمومية والخاصة، والتي تنتظم في وحدات تتخذ أشكالا مستطيلة ومحاطة في جوانبها بشوارع متوازية ومتقاطعة. ومن هذه المنشآت نجد: الساحة العمومية أو الفوروم (Forum) والتي تتوسط المدينة وتتخذ شكلا شبه منحرف، وهي بمثابة القلب النابض للمدينة، وإلى جانبها يوجد معبد متعدد المقصورات، وصُنف ضمن المعابد الموريطانية. كما تتوفر المدينة على محكمة (بازيليك)، وقاعة مخصصة لاجتماعات المجلس البلدي للمدينة (الكورية Curie)، وكذا حمامات عمومية وأخرى خصوصية. أما باقي البنايات فهي عبارة عن منازل للسكن  تتخذ أشكلا متعددة، أو محلات تستغل لأغراض تجارية وحرفية. كما كانت المدينة تتوفر على سوق (Maccelum)، ومحاطة بسور حضري.[11]

المراجع
[1]  العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مطبعة دار القلم بالرباط، ط 2022، ص 64-65.
[2] ليمان حسن، معلمة المغرب، ج 5، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1992، ص 1431.
[3] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 65.
[4] ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1432.
[5] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 65-66./ ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1432.
[6] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 66.
[7] ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1432-1433.
[8] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 66-67.
[9] ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1433./ العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 68-75.
[10] ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1433-1435.
[11] ليمان حسن، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1434./ العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 67.