مقدمة

النظر المتجدد في القضايا والإشكالات العلمية، من مهام المثقف العضوي المرتبط بهموم الإنسان ومشكلاته، والكتاب الذي بين أيدينا إعمال للعقل من قبل مؤلفه في مواضيع العولمة والثقافة والعلوم الإسلامية، رصدا لمجموعة من جوانبها وما تطرحه من إشكالات، بمنهج نقدي تحليلي، مع جهد علمي كبير في سبيل تقديم مقترحات ورؤى علمية معرفية، تروم الإسهام في تجاوز مختلف الإشكالات المعروضة في متن الكتاب. والكتاب موضوع التقديم يحمل عنوان: “الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية”، لصاحبه الدكتور سعيد شبار، يقع الكتاب في مجلد واحد، من 221 صفحة، صدر عن دار الإنماء الثقافي، الطبعة الأولى – 2014م.

هدف الكتاب ومنهجه

من قراءة الكتاب يستطيع القارئ القول بأن هدف الكاتب من هذا الكتاب، هو كما قال عن ذلك في المقدمة، أنه يروم تقويم جوانب من الاختلالات الفكرية والثقافية عند المسلم المعاصر، إيمانا من الكاتب بأهمية تقويم الذات وتحصينها من كل أشكال الاستلاب والهيمنة العولمية الكاسحة، والتي ترمي إلى إلغاء الآخر كل الآخر.

ويستطيع الباحث والقارئ تلمس المنهج التوثيقي من خلال هذا الكتاب، فإذا كان الجمع بما هو عمل يقوم على “جمع أطراف أو أجزاء جسم علمي ما، متناثرة في أحشاء التراث، وإعادة تركيبها، تركيبا علميا، متناسقا”،[1] فإنه يمكن القول بأن الكاتب قام بجمع مادة هذا الكتاب، من خلال كتب التراث المختلفة، وعمل على إعادة تركيبها تركيبا علميا، متناسقا بما يحقق الغاية من هذا الكتاب.

ومن المناهج التي تظهر في الكتاب المنهج التحليلي؛[2] القائم على عناصر منها: النقد، فيلاحظ أن هناك جهدا نقديا هاما من الكاتب لمجموعة من القضايا المطروحة في الكتاب.

وظف الكاتب المنهج الوصفي وذلك من خلال استقراء المادة العلمية التي تخدم موضوع الكتاب، وعرضها عرضا مرتبا منهجيا. ويعرف المنهج الوصفي بأنه “يقوم على استقراء المواد العلمية، التي تخدم إشكالا ما، أو قضية ما، وعرضها عرضا مرتبا منهجيا،”[3]

محتوى الكتاب

يتضمن الكتاب مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.

في المقدمة [4] تناول الكاتب موضوع العولمة وصورها التي ظهرت بها السلبية منها والإيجابية، ثم عرض أهم ما سيتناوله الكتاب من القضايا والإشكالات المعرفية.

في الفصل الأول والموسوم ب “الثقافة والعولمة، قراءة في جدل المحلي والكوني” (ص 7 وما بعدها). تطرق الكاتب إلى وجود علاقة وطيدة بين العولمة والثقافة، وتتخذ الثقافة المؤطرة للعولمة شكلين كبيرين هما: “الثقافة الكامنة الخفية” و”الثقافة الظاهرة”، التي تعلن بوضوح عن أهدافها الهيمنية التسلطية. وحتى يكون الكاتب موضوعيا، لم يفته الحديث عن إيجابيات العولمة، على حياة الإنسان إلى جانب سلبياتها الكثيرة. كما وقف الكاتب عند مفهوم الثقافة بين الوحدة والتعدد، من خلال عرض تعاريف بعض الباحثين أمثال مالك بن نبي، محمد عابد الجابري، برهان غليون، ليخلص من هذه التعريفات إلى فكرة أساسية مفادها: ليست هناك ثقافة واحدة، بل هي ثقافات مختلفة متعددة، وبقدر ما تملك ثقافة ما القدرة على الانفتاح على الآخر، بقدر ما تسهم في التثاقف الإيجابي (ص 7). ولم يفت الكاتب التعرض لمسألة التثاقف بين الإيجابية والسلبية، حيث أكد على أن الإسلام دعوة صريحة إلى الأخذ والعطاء والتفاعل الإيجابي مع الآخر، فثقافتنا الإسلامية الأصيلة، ليست في الحقيقة دعوة إلى إلغاء الآخر، على عكس العولمة التي يطبعها السيطرة على الآخر، والهيمنة والتحكم في رقاب العالم في كل مناحيه. فالغرب يرى نفسه مركزا وغيره هامشا، وهذا ما يجعل عملية التثاقف مع الغرب معقدة.

وفي معرض الحديث عن تعريف الثقافة ومقتضيات التثاقف قدم الكاتب ملاحظات حول مفهوم “التثاقف” في الفكر العربي المعاصر، وفيه يستعرض المؤلف تيارات العلاقة مع الآخر،  وهي ثلاثة: منها من يرى النهل من معين الغرب في كل شيء، وتيار ثان يرى رد كل ما يَرِدُ من الغرب فلا مجال للأخذ منه، وهنا تيار ثالث اصطلح على نفسه تيار “التثاقف الناقد” وكانت للكاتب وقفة مع هذا الأخير حيث علق عليه  بأنه: “وإن كان يدعو إلى الحفاظ على الذات، والانطلاق منها مع التفاعل الإيجابي مع الآخر، إلا أن أسسه المرجعية غير واضحة، أو قل إنها لا تنطلق من مرجعية الوحي وأصوله، بل تجعل من الممارسة التاريخية في تاريخ الأمة الإسلامية منطلقا لها في بناء الذات)”، وهذا ما انتقده المؤلف واعتبره من وجهة نظره غير سليم، وعلل ذلك بما  خلفه اتجاه هذا التيار من تفرقة وتجزئة في الأمة في الوقت الذي كان يقول في شعاراته أنه ينشد الوحدة، أضف إلى ذلك ما خلفه  تصور هذا التيار ” تيار التثاقف الناقد” من إشكالات منها: ظهور تقابلات لثنائيات من قبيل الأصالة/ المعاصرة، النقل والعقل، وكإجابة عملية على الإشكالات السالفة الذكر، يطرح الكاتب تصورا بحيث يرى ضرورة الرجوع إلى الأصل الذي هو الوحي، والذي يحمل عناصر قوته في نفسه، حيث نجد فيه القدرة على الانفتاح الإيجابي على الآخر، كما تطرق الكاتب لقضية المقاربة التفاعلية للثقافة، ويقصد بها “كون الثقافة كيانا حيا متفاعلا” (ص35).

وفي المبحث الثاني؛ “الثقافة والعولمة وجدل المحلي والكوني، فقد عرض المؤلف لبعض العناصر الرئيسة في هذا الباب، حيث تناول بعض مخاطر العولمة واعتبرها “ثقافة” ضد الثقافة.. ولا منطق المتناقضات، وفي هذا السياق يذكر الكاتب من جديد، بكون العولمة تقوم على أساس أن الغرب هو المركز وغيره هو الهامش، ونبه على خطورة هذا الطرح على الغرب نفسه، بحيث إن إضعاف الآخر/الهامش إضعاف له. ثم أبرز بعض مظاهر التناقض عند الغرب، إذ يجمع هذا الأخير بين كونه خصما وحكما في الوقت نفسه في العلاقة مع الهوامش. ثم إنه نموذج “للتحضر والتمدن … وكونه نموذجا للتسلط والهيمنة…” (ص 54). وبعد هذا يؤكد الكاتب على أهمية بناء الذات ويسوق من جديد تصور تيار “التثاقف الناقد” مع الملاحظات التي أبديت عليه، من أنه استبعد مرجعية الوحي الأصيلة، أو قل جعلها ثانوية في تصوره الفكري، كما قدم المؤلف وجهات نظر ودعوات إلى”امتلاك سياسية ثقافية” (ص56) تمكن من تحصين الأمة من كل التأثيرات السلبية للعولمة.

وفي الفصل الثاني، الذي حمل عنوان: “مفهوم الإصلاح وتجديد المنهج والرؤية لتجديد العلم والتدين”، أشار الكاتب في المبحث الأول منه والذي وسمه ب: مفهوم الإصلاح في اللغة والشرع، والاصطلاح (أو التداول التاريخي)، إلى مشكلتين منهجيتين تتعلقان بالمفاهيم والمصطلحات في الثقافة الإسلامية، المشكلة الأولى تتعلق بالتركيز على المعنى الاصطلاحي في تعريف الألفاظ الشيء الذي نتج عنه إفراغها من الطابع الشرعي الأصيل، والبناء على الاصطلاحات المذهبية المدرسية، ومنه تغيير وجهة المصطلح الإسلامي، وفي هذا يقترح الكاتب خوض معركة تحرير”جبهة الذات”، أما المشكلة الثانية فترتبط بالمصطلحات الدخيلة، الوافدة من الغرب بدلالتها وحمولتها المعرفية، وفي هذا الصدد يؤكد على أهمية خوض معركة تحرير مفهومي على “جبهة الأخر” (ص 60-62)، وفي المبحث نفسه، توقف الكاتب عند أهم الدلالات اللغوية والاصطلاحية للفظ الإصلاح، وكذا دلالاته في القرآن الكريم والسنة، من خلال الوقوف على جملة من النصوص الشرعية المؤكدة  لتلك الدلالات، كما تطرق إلى التطور الذي عرفه هذا اللفظ في التداول التاريخي، معتبرا ما قدمته الأمة  أفراد وحركات قديما؛ كالإمام الشافعي والإمام القرافي وابن حزم ….وحديثا ك”السلفية الإصلاحية الحديثة” كل هؤلاء اعتبروا بحسب الكاتب أقرب إلى الإصلاح بمفهومه القرآني-، غير أن حالة عدم التطور التي عرفها التاريخ بعد ذلك، أدت إلى انسياق نخب كثيرة مع الألفاظ الوافدة الغربية، اعتقادا منهم أن المصطلحات التراثية استنفذت أغراضها، ولم تعد مجدية في زمنهم ذاك، دون بذل جهد في استيعاب حقيقتها وفاعليتها. ويختم حديثه عن لفظ الإصلاح بإعلان موقفه، الذي يرى فيه أن الإصلاح يجمع بين الانطلاق من الذات، والاستفادة من خبرات الآخر الإيجابية.

أما في المبحث الثاني: من أجل منهاج قرآني تجديدي في الفكر والعلوم .. (رؤية منهجية)، فقد ألمح فيه الكاتب إلى أن لكل علم غاياته ومقاصده، ومن ذلك العلوم الإسلامية، وذكر مجمل غاياتها ومقاصدها (ص77). واعتبر أن هذه العلوم حققت هذه الغايات في بداية صدر الإسلام، بحيث كانت هذه الأخيرة موجهة للفعل والواقع الإنساني، لكن بعد هذه المرحلة عرفت تلك العلوم تراجعا على مستوى تحقيقها لأهدافها، ويدعو الكاتب في الأخير إلى ضرورة تجديد العلوم بما يجعلها تحقق أهدافها التي بنيت عليها.

وفي المبحث الثالث والموسوم ب “مداخل علمية وإرشادية .. في الإصلاح الديني والتغيير الثقافي”، وقف الكاتب على ما يلي:

  • مداخل علمية للإصلاح الديني: توقف المؤلف بداية عند إشكالية الإصلاح الديني ومقاربته لها من خلال البحث في المرجعية أو الأسس الفكرية لعملية الإصلاح، وكذا ضرورة ضبط مفهوم الإصلاح نفسه، وعموما فهو يدعو إلى ضبط الرؤية والمنهاج في عملية الإصلاح.
  • المكون الديني والتغيير الثقافي… آفاق جديدة في ترشيد الاسترجاع الديني: وفيه يؤكد المؤلف على مركزية الثقافة في كل فعل إصلاحي تغييري منشود، وعلى كون (الاعتقاد/ الإيمان) عمدة الثقافة، وفي هذا الصدد وقف عند مجموعة من العناصر الفرعية ذات الصلة بالمكون الديني والثقافي.

وفي الفصل الثالث الموسوم ب: استئناف التجديد والبناء في العلوم .. دفعا لآفات الانفصال والتحيز، وربطا بواقع تطلعات الأمة، وقف المؤلف عند مجموعة من القضايا ذات الارتباط بالعلوم، حيث تناول المؤلف في المبحث الأول: في الحاجة إلى استئناف التجديد في العلوم الإسلامية، فوقف عند مفهوم التجديد في المعاجم اللغوية والاصطلاحية، وكذا الاستعمال الشرعي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومما يستنتج من ذلك كله أن التجديد مصطلح شرعي أصيل له دلالته الشرعية الخاصة به، ثم إن التجديد يمتاز بالشمولية تميز الشريعة نفسها بالشمولية، وأنه عمل استئنافي كما دلت على ذلك بعض الأحاديث منها حديث التجديد المعروف.

ثم أشار إلى “بعض مشكلات العلوم الإسلامية مادة ومنهاجا، والحاجة إلى استئناف النظر التجديدي فيها” ص 122)، فإذا كان فعل التجديد عملا ونظرا استئنافيا، فإنه ـ بحسب المؤلف ـ مما ينبغي أن يشمله التجديد العلوم الإسلامية، لما طرأ عليها من مشكلات تستدعي الاشتغال عليها دفعا لها.

في المبحث الثاني: من مظاهر التحيز في العلوم الإسلامية وتأثيرها على ثقافة الأمة وعطائها الكوني، يقدم المؤلف في هذا المبحث أصولا مؤسسة للتواصل ونافية للتحيز، وهي التوحيد، والعدل، والحرية، مع تفصيل في دلالاتها ومعانيها بالشكل الذي يبرز انفتاح وتواصل هذه الأصول على غيرها من الثقافات، يقول الكاتب عن هذه الأصول أنها “أصول مؤسسة للثقافة والتواصل والعطاء الكوني،..” (ص 152).

ثم يستعرض نماذج من العلوم وكيف كانت مقولات أصحابها تؤسس للتحيز لا التواصل، ويذكر من ذلك مثلا ما قاله الشريف الجرجاني في مقدمة شرحه لكتاب (المواقف) للإيجي حول  أصول الدين، وكيف كانت نظرته للعلم المذكور آنفا، وكذلك الحال مع علوم أخرى كعلوم الحديث والقرآن، كيف رفعها بعضهم إلى درجة  يفهم منها أنهم جعلوها أصولا بدل الأصل المؤسس الذي هو الوحي، فهذه الأشكال من التحيز عطلت فاعلية هذا العلوم في ما ينبغي أن تكون عليه من العطاء الكوني المسهم في حل مشكلات الإنسان، أمام فشل منظومات الآخر/الغرب الذي كان وراء كثير من تلك المشكلات.

ويبحر بنا المؤلف في المبحث الثالث” فقه الواقع سياق تاريخي ومقامي للنص بحث في معادلة (فقه الواقع) ل (فقه النص) في تنزيل وتكييف الأحكام.

وفي العنصر الأول من هذا المبحث، يتوقف المؤلف عند “فقه الواقع، أصل شرعي وممارسة تاريخية”، ويعرض فيه أدلة من القرآن والسنة النبوية وعمل الصحابة الخلفاء الراشدين، كلها تؤكد على اعتبار فقه الواقع في فهم وتنزيل النصوص الشرعية. كما توقف المؤلف في عنصر ثان عند دور فقه الواقع في  فقه التنزيل  وتكييف الأحكام، وهنا قدم مجموعة من النصوص لأعلام من الأصوليين خاصة، ومنهم الإمام الشاطبي وكيف أبرز هذا الفقه في كتاباته الأصولية، كل ذلك لتقرير مكانة ودور فقه الواقع في تنزيل الأحكام وتكييفها، ولما كانت لفقه الواقع تلك المكانة فقد نبه الكاتب على أن المقصود منه ليس جعله أعلى درجة من النص الشرعي، كما الحال عند اتجاه ” الواقعية” الذي يروم اعتبار الواقع الأصل الحاكم على النص، وإنما التأكيد على ضرورة إعمال فقه الواقع بشكل متوازن مع فقه النص. هذا وقد أشار الكاتب إلى أنه إذا كان فقه الدين ينبني على العلاقة التفاعلية بين النص الشرعي والعقل فقط، فإن فقه التدين إضافة إلى العنصرين السابقين، يضاف إليهما اعتبار الواقع، ومن هنا ينطلق الكاتب إلى قضية أساسية تحدث عنها غيره من الكتاب، ومنهم عبد المجيد النجار، يتعلق الأمر بالحاجة إلى فقه التنزيل ومعرفة قواعده، طبعا ومعه فقه الفهم كذلك، وفي هذا الصدد يقدم الكاتب جملة من الأسس العامة لمنهج التطبيق، ومن بينها: التجزئة والإفراد، تحقيق المناط، تحقيق المآل،.. وغيرها من الأسس الأخرى التي وقف عندها شرحا وبيانا. (ص 180 وما بعدها ).

ويختم الكاتب هذا الفصل بمبحث رابع وسمه ب: “الخلفيات الفكرية الموجهة للقراءات الحداثية للقرآن الكريم، ونقد أطروحة التسوية بين الكتب المقدسة” (ص 142). وفيه يشير الكاتب إلى ما حصل من حسن استفادة الغرب من الإسلام وتحقيق التطور من خلاله، في مقابل الضعف والانحطاط جراء ابتعادهم عن النهل من معينه وهديه. ثم تناول الخلفيات الموجهة للقراءات الحداثية للقرآن وذكر منها: “التجربة التاريخية للنص اليهودي والمسيحي وحركة النقد العنيفة التي أطاحت بقدسيته”، وكذا “الرؤية التشكيكية التي شكلتها المدارس الاستشراقية”، مفصلا في هاتين الخلفيتين بشواهد من كتابات باحثين، مع النقد لها.

وفي خاتمة الكتاب يشير المؤلف إلى فكرة أساسية مفادها أن الطريق الأصوب إلى معالجة التحديات والإشكالات المطروحة في الكتاب، إنما هو مواصلة جهود إنتاج العلم والفكر والمعرفة، فكل ذلك من شأنه التغلب على قهر الأنظمة المتغلبة بقوتها المتنوعة.

مزايا الكتاب

  • العدل مبدأ من المبادئ وقيمة من القيم الإسلامية الأصيلة، والقارئ للكتاب يجده تحقق بهذه القيمة، حيث أن الكاتب وهو يتحدث عن العولمة بذل جهدا في إبراز جوانبها السلبية والإيجابية على حد سواء، فلم يكن الاختلاف معها ليمنعه من أن يعدل في عرض وتحليل طبيعتها وقضاياها. الشيء الذي قد لا يوجد في بعض الكتابات التي قد تختلف مع العولمة فتعمد إلى ذكر مثالبها، غاضة الطرف على ما فيها من المزايا الحسنة.
  • يبدو من خلال الكتاب، أن الكاتب يعلن بوضوح مرجعيته التي ينطلق منها في تحليله لقضايا الكتاب وموقفه منها موافقة أو مخالفة، ويمكن القول بأن أسسه المرجعية تنطلق من مرجعية الوحي بأفق منفتح ورحب في العلاقة مع الآخر ذي المرجعية المختلفة عن مرجعية الكاتب، وأعني هنا مثلا تيار ” التثاقف” الناقد الذي لم يفصح بوضوح عن أسسه ومنطلقاته المرجعية في سياق بناء الذات.
  • يحافظ الكتاب على قواعد علمية أصيلة تجد أصلها في نصوص الوحي، وتظهر من خلاله تقديم رأي الآخر وعرضه عرضا مفصلا باستحضار نصوص فكرية منسوبة لأصحابها، وبعد ذلك إبداء رأيه حوله موافقة أو مخالفة ولا شك أن هذا المنهج منهج قرآني أصيل.
  • من خواص الكتاب حفاظه على المقاربة العلمية والمعرفية طيلة صفحات الكتاب، بحيث يلاحظ حرص الكاتب على هذا البعد، وإن اقتضى سياق ما الخروج عن هذا المنحى فإنه لا يسترسل فيه كثيرا ليعاود مواصلة السير وفق المقاربة السالفة الذكر.
  • يجد الناظر في متن الكتاب أغلب مادته من بنات أفكار الكاتب، فشخصية المؤلف حاضرة بقوة في الكتاب وما تضمنه المتن من مواد أخرى مستقاة من مصادر ومراجع أخرى، فإن الكاتب لا يكاد يوظفها إلا ويقوم بالتعليق والتحليل والنقد والمقارنة لما جاء فيها من المضامين، الشيء الذي يقوي من جديد حضور الكاتب في الكتاب.
  • قدرة الكاتب على اختصار وتلخيص كثير من القضايا والمواضيع والمفردات الموجودة في كتب أخرى بطريقة جيدة وواضحة، يستطيع الباحث التعرف عليها بشكل مختصر ومفيد.
  • يتسم الكتاب بلغة سلسلة يستطيع أغلب القراء فهمها واستيعابها، خاصة إذا كان القارئ ملما بالعلوم الشرعية، متعرفا على مباحثها.
  • يفتح الكتاب آفاقا للبحث بما يثيره من قضايا وإشكالات سواء تلك التي قاربها المؤلف وقدم فيها وجهة نظر، أو غيرها مما نبه عليها وبقيت ورشا مفتوحا أمام الباحثين والمهتمين.
  • يعد التقويم في الدراسات الجامعية أحد عناصر العملية التربوية، والكتاب الذي بين أيدينا وثيقة ـ كغيره من الكتب الأخرى لباحثين وأكاديميين جامعين ـ مهمة، يمكن اعتماد نصوصه في تقويم معارف ومهارات الطلاب في مختلف العلوم الإسلامية.

خاتمة

من الخلاصات والنتائج التي يمكن استخلاصها من خلال قراءة هذا الكتاب ما يلي:

يلاحظ جهد علمي دقيق في تبين وبيان إشكالات العولمة، والتحديات التي تطرحها على العقل المسلم، مما يفرض عليه مواصلة المجهودات العلمية من أجل حسن استثمار إيجابياتها من جهة، وإكساب الإنسان المسلم مناعة ضد كل أشكال الهيمنة التي ترومها هذه الأخيرة من جهة أخرى.

يقدم الكتاب معالم بطاقة هوية لبعض المفاهيم والمصطلحات الأساسية في فهم كيفيات تجاوز مشكلات العلوم الإسلامية، يتعلق الأمر بكل من مفهوم الإصلاح والتجديد، إذ يظهر أن الكتاب استطاع تبين وبيان هذه المفاهيم، انطلاقا من مرجعية الوحي، بما يسهم في نجاح كل محاولة لتجديد تلك العلوم.

بنظر فاحص في الكتاب، يستطيع القارئ القول بأنه يعيد للعقل المسلم البوصلة الصحيحة، من خلال مجموعة من المؤشرات منها، التأكيد على حاكمية مرجعية الوحي على كل جهد إصلاحي تجديدي، سواء تعلق الأمر بمشاريع الإصلاح والتجديد في العالم العربي والإسلامي، أم تعلق بتجديد العلوم الإسلامية في علاقتها بالوحي. وكذا خلخلة ما قد أصبح عند البعض مسلمات لا تقبل النقد، ومن ذلك اعتبار العلوم الإسلامية التي أنتجها العقل المسلم أشبه بالمقدس الذي لا يستقيم نقده، والصواب أنها جهد بشري يدور بين الخطأ والصواب. كما يفتح الكتاب آفاقا بحثية أمام الباحثين من أجل النظر وتعميق البحث، لاستكمال مسار إعادة قراءة التراث انطلاقا من مرجعية الوحي.

المراجع
[1] ـ  الأنصاري فريد، أبجديات البحث في العلوم الشرعية (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق، دار الكلمة للنشر والتوزيع ـ مصر ـ المنصورة، الطبعة الأولى 1423ه / 2002م، ص 75.
[2]  الأنصاري فريد، أبجديات البحث في العلوم الشرعية (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق، مرجع سابق، ص 95.
[3]  الأنصاري فريد، أبجديات البحث في العلوم الشرعية (محاولة في التأصيل المنهجي) ضوابط ـ مناهج ـ تقنيات ـ آفاق، مرجع سابق ، ص 66.
[4]  الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية، الدكتور سعيد شبار، دار الإنماء الثقافي ـ الرباط، ص 3 وما بعدها.