توطئة

صدر قبل أيام كتاب “الفتاوى الشرعية في النوازل القضائية والشذرات العلمية مع تقييد لتراجم أعلام الأسرة البحياوية” للعلامة الفقيه عبد الرحمن الزواوي الإدريسي البحياوي الشهير بالحاج (ت1418 – 1997) جمع وتقديم وتعليق: عبد الهادي بن بوشعيب جناح، وتقديم العلامة الفقيه محمد ضياء الدين الدكالي. وهو سفر يقع في 561 صفحة صدر عن مطبعة لينا بالرباط.

هذا الكتاب تعريف بأحد علماء دكالة، واعتناء غير مسبوق بتراثه الجم المتنوع، جمع فيه الأستاذ البحاثة، الشاب الواعد عبد الهادي جناح، فتاوى وشذرات وتقاييد تخبر بمكانة العلامة الزواوي الإدريسي خريج القرويين والقيّم على مدرسته بدوار “الشخاشخة” التي “ورثها عن أسلافه كابرا عن كابر، وعرف رجالها بالعلم والصلاح، والشغف بالتدريس والمدارسة”، والتي رابط فيها مدة تزيد عن ستين سنة، فتخرج على يديه عدد من العلماء الأعلام من دكالة وخارج دكالة.

محتوى الكتاب

والكتاب في قسمين كبيرين: اشتمل الأول منهما على مقدمة وخمسة فصول، عرّف فيها الكاتب بعصر الفقيه سيدي الحاج الزواوي، وموطنه وحياته، ونسبه وأسرته، وطبقة مشيخته، ومراحل دراسته. وهو قسم غني بالمعطيات والعلومات يمكن أن نعتبره مرجعا لا غنى عنه في بابه، نظرا لما بذله الباحث عبد الهادي جناح من جهد، وأبداه من صبر في التعامل مع تراث الشيخ عبد الرحمن الزواوي الإدريسي البحياوي، ونجاحه في نفض غبار الإهمال والنسيان عن هذه الذخائر ليقدمها في حلة قشيبة، ويجعل منها مادة علمية رهن إشارة الباحثين والدارسين والمهتمين والمحبين العاشقين لتراث أعلام دكالة الذي ضاع جلّه.

أما القسم الثاني فجاء في مبحثين كبيرين، الأول منهما في خصائص فتاوى الشيخ ومميزاتها، ومراسلاته وبعض إفاداته وتقييداته، وتراجمه لبعض علماء البيت البحياوي. و تجدر الإشارة هنا إلى أن تراجمه هذه بلغت ستا وعشرين ترجمة، لا يمكن أن تجدها مجتمعة إلا في هذا المنجز  الذي عكف عليه الشيخ الزواوي البحياوي شخصيا، وهو منجز يصلح أن يفرد في كتاب خاص، ويمكن أن يكون التفاتة إلى هذه الأسرة العلمية المباركة، التي تضاهي في عدد علمائها أسرا مغربية عريقة، وجدت من يلتفت إلى أعلامها، ويحقق تراثها ويعمل على نشره في العالمين، فاشتهرت أسماؤهم وتداول الناس سيرهم، وسيكون هذا العمل نافعا إذا تصدى له قريبا أحد العارفين بهذه الأسرة، التي لا يزال نفعها ممتدا إلى اليوم، وعميد الأسرة – اليوم – مولاي مصطفى البحياوي خير من يمثل هذا الامتداد.

وأمّا المبحث الثاني: فرتّب فيه الباحث جناح فتاوى الشيخ حسب المسائل الفقهية، ووضع لها عناوين مناسبة، سهل معها التعرف مباشرة على أبوابها التي جاءت على الشكل التالي: (الإمامة – الزواج والطلاق – الحضانة – الاستلحاق – البيع – إثبات الملك – الحياوة – الشفعة – القسمة – المزارعة – الوكالة – الحجر – الصدقة – الشهادات – التظلم – الإرث والوصايا والتنزيل – التصوف) وتحت كل باب عدد من الفتاوى. ثم عرض مراسلات الفقيه العلمية والودية والإصلاحية والتي بلغ عددها إجمالا  ثلاثا وخمسين رسالة، أما الشذرات فكانت فقهية ولغوية وتاريخية ومعظمها من نظمه وبعضها الآخر نقله عن غيره، وهي على كتب متداولة حينئذ منها: حاشية الوزاني على شرح الرسموكي، وشرح ميارة على تحفة الحكام، ومقامات الحريري، وكتاب الرحمة في الطب والحكمة للسيوطي، وكشف الرموز في بيان الأعشاب لعبد الرزاق الجزائري، وإرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني، وشرح الزرقاني على مختصر خليل… وغيرها كثير مما يؤكد سعة اطلاع الفقيه الزواوي البحياوي رحمه الله.

أما خاتمة هذا السّفر النافع الماتع،  فقد ضمّنها ملاحق متنوعة جمع فيها ظهائر  خاصة بهذا البيت الشريف. ونسخ عدد من فتاوى وتقييدات و مراسلات بخط يد الفقيه العلامة الزواوي.

خاتمة

ختاما، إن القارئ لهذا الكتاب، يجد فيه المتعة التاريخية من خلال ما تمّ تجميعه عن تاريخ دكالة عبر العصور، والتعريف ببعض قبائلها ومدارسها وأعلامها. والمتعة الثانية، متعة علمية، تتجلى في ما تمّ عرضه من فتاوى وأحكام قضائية تنبئ بعلو كعب هذا العلَم الفذ الشيخ الزواوي البحياوي، وتخبر بحدق الباحث عبد الهادي جناح، الذي أبدع في ترتيبها وعنونتها والتعليق عليها.

وأغتنم فرصة تقديم هذا الكتاب، لأجدد الدعوة إلى الباحثين الشباب بمغربنا الحبيب من أجل أن يلتفتوا إلى تراث مناطقهم ومدنهم وقبائلهم ومداشرهم وقراهم وقصورهم، والعمل على نفض الغبار عن ذخائره المعرَّضة للتلف والضياع، ففي تحقيقه ونشره حياة لنا، وإحياء لأجدادنا، وبعث لتراثهم.