من هو بوحمارة؟

هو الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني المكنى ببوحمارة، وعرف أيضا بلقب الروكي والذي يعني الفتان. ولد  سنة 1865 (أو 1868) في مدشر أولاد يوسف بجبل زرهون نواحي مدينة مكناس المغربية. وأطلق عليه بوحمارة، لأنه لما عزم على إعلان ثورته جاء الناس في أحد المواسم الدينية في قبيلة الحياينة راكبا أتانا (أنثى الحمار)[1]. وقد اختير لذكائه ليكون أحد أفراد فريق الطلبة المهندسين، الذي أوكل السلطان الحسن الأول مهمة تعليمه وتدريبه إلى القبطان الفرنسي طوماس Thomas أحد ضباط البعثة العسكرية الفرنسية المكلفة إلى جانب غيرها من البعثات العسكرية الأجنبية بتدريب الجيش السلطاني. وقد تقلد عدة وظائف ومناصب في الجهاز المخزني المغربي؛ فعين بعد إتمام تدريبه في وظيفة صغيرة بالقصر السلطاني، كما كان مساعدا للقائد الشهير عبد الكريم ولد أبا محمد الشرقي، وصار أيضا كاتبا لخليفة السلطان بفاس الأمير أبي حفص عمر؛ ابن السلطان مولاي الحسن الأول. وبسبب تزويره لتوقيع الخليفة أو السلطان، ووضعه صورة لطابع الشريف، ألقي القبض عليه وتم إيداع السجن[2].

وقد مكنه ذكاؤه ودهاؤه وتكوينه في اللغة والعلوم الشرعية، وأيضا تجربة المناصب التي تقلدها داخل جهاز المخزن، وتجربة السجن من مراكمة معرفة كبيرة بالمخزن ورجالاته. كما كان على إطلاع على أسرار وتقاليد القصر، ومعرفة كبيرة بأفراده ورواده، كما وقف على سخط وامتعاض الأميرين عمر ومحمد من تولية أخيهما الأصغر الفتى عبد العزيز. كما أنه كان ملما بجل حيثيات الوضعية العصيبة التي كان المغرب يجتازها آنذاك.

بوحمارة وإعلان الثورة ضد السلطان مولاي عبد العزيز

وفي سنة 1900، وبعد فشله في الحصول على وظيفة في الجهاز المخزني ومن صديقه القديم وزير الحرب المهدي المنبهي، خرج يجوب مناطق المغرب الشرقي للدعوة إلى الله، فانتهى به المطاف إلى دخول الجزائر المحتلة في سنة 1901، وهناك التقى فيها بشيوخ الطريقة الدرقاوية في مدينة غليزان قرب مستغانم، الذين كانوا على وفاق كبير مع سلطات الإحتلال الفرنسي، فأطلعهم على نواياه في التمرد ضد السلطان المغربي، فوعدوه بالسلاح والدعم. وصادف رجوعه من الجزائر  سنة 1902 وأثناء تجوله في المناطق الشرقية للمملكة انتشار خبر  فرار مولاي محمد الأخ الأكبر للسلطان مولاي عبدالعزيز –وهو الوريث الشرعي المحروم من العرش- من السجن بعد أن ظل سجينا طيلة ثمان سنوات. وقد استغل هذا الخبر لينتحل اسم مولاي محمد وأدعى أنه صنو السلطان عبد العزيز الذي استولى على ملك أبيه واستبد به بعد أن رماه في السجن، ليعلن في خريف 1902، انطلاقا من ملجئه وسط القبائل المقيمة بين مدينتي تازة وفاس أنه سيطرد عبد العزيز المغتصب للعرش، ويسترد عرش أجداده للدفاع عن بلاده وإنقاذها من الأجانب الكفار[3]. وفي بداية أمره التفت حوله قبيلة غياثة والحياينة ناحية مدينة تازا وبايعوه على نصرة الدين. وقد اتخذ من تازا مقرا لحكمه وخطب من على منابرها باسم السلطان مولاي محمد بن الحسن، بعد دخولها دون قتال وفرار عاملها الحاج عبد السلام ابن الشقراء الزمراني. وقد صار يخاطب ب”سيدنا” كما يخاطب السلاطين المغاربة، كما بدأ يحيط نفسه بعدد من مظاهر الملك، فأصبح يركب جوادا بدل الأتان، وأصبح يسمي الدور والرياضات التي ينزل فيها بدار المخزن، كما عين مساعدين له هم بمثابة حكومته وغيرها من المظاهر والتقاليد السلطانية المعروفة في المغرب[4].

وبعد انتشار خبره وتفشيه سارعت قبائل أخرى إلى مبايعته، وخصوصا القبائل الريفية، التي زودته بالموارد والرجال لخوض الحرب. وبين هذه الأخيرة تمكن من إنشاء قاعدة لمخزنه في قصبة سلوان قرب مدينة مليلية المحتلة، بعد سقوط معقله في تازا في يد الجيش المخزني في 7 يوليوز سنة 1903. وقد ضمن له الانتقال إلى مناطق الشمال الشرقي للمغرب من الحصول على منفذ بحري يتيح له الاتصال بالخارج والأجانب، والتزود بالأسلحة والذخائر الحربية.

معارك بوحمارة ضد المخزن المغربي ونهايته المأساوية

ورغم كون المخزن في بداية الأمر لم يكترث كثيرا لتمرد بوحمارة، ويستخف به، فإن توالي انتصارات بوحمارة وتزايد وتكاثر أنصاره خصوصا في المناطق الشرقية للمغرب وتهديده بدخول العاصمة فاس، جعل المخزن يحمل ثورة بوحمارة على محمل الجد. وقد بذل السلطان مولاي عبد العزيز جهدا كبيرا لإقناع أعيان وقبائل المنطقة للوقوف ضد “الفتان” بوحمارة. كما أرسل أول قوة عسكرية بقيادة أخيه غير الشقيق الأمير مولاي عبد الرحمان، الذي لم يبلغ آنذاك بعد سن البلوغ كما لم تكن له سابق تجربة في الميدان العسكري. وقد تعرضت هذه القوة التي كان قوامها 2000 جندي لهزيمتين متتاليتين يومي 5 و 8 نونبر 1902 من طرف مقاتلي الزرهوني (بوحمارة). وفي 22 دجنبر 1902 تعرضت القوات المخزنية فقيادة الشريف عبد السلام المراني للسحق من طرف قوات بوحمارة، فتمكنت هذه الأخيرة من الاستيلاء على الكثير من الذخائر والمؤن والأموال. ومن أجل مزاعم بوحمارة في أنه الأمير مولاي محمد بن الحسن، ويتيقن الناس من كذبها، تم إطلاق سراح الأمير مولاي محمد بن الحسن من سجنه بمكناس، الذي اعتقله فيه الوزير القوي باحمد بن موسى البخاري منذ بيعة أخيه السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1894[5].

وقد فشلت كل جهود المخزن في وقف زحف جيوش بوحمارة، فتمكنت من دخول مدينة وجدة من دون قتال في 25 يونيو 1903، فبويع بها وخطب به على منبرها باسم السلطان “مولاي محمد”. وقد اضطر إلى مغادرتها يوم 10 يوليوز 1903، بعد أن بلغه سقوط مدينة تازة في يد المخزن، فدخلها جيش السلطان عبد العزيز بدون قتال يوم 11 غشت 1903، والذي جاءها من مدينة طنجة عن طريق الجزائر بسبب انقطاع المواصلات بين مدينتي فاس ووجدة[6]. ورغم سقوط مدينتي تازة  ووجدة بيد المخزن، فإن الحرب اشتدت بين الطرفين، ودارت بين الطرفين معارك عدة، غطت طيلة سبع سنوات التي استمرها التمرد.

وبسبب اتصالاته مع الإسبان والفرنسيين من أجل طلب المساعدة لمواجهة المخزن مقابل منحهم امتيازات هامة، وكذا مهادنته للأجانب وسكوته عن احتلالهم لأجزاء من المغرب، وبعد بيعة المولى عبد الحفيظ وفق شروط محددة، بدأت القبائل الموالية للزرهوني تفكر في كيفية التخلص منه، وخاصة القبائل الريفية التي كانت ركيزة تمرده وبالتحديد قبيلة بني ورياغل وبني توزين وقبائل قلعية المخلصة للروكي وتمرده، والتي كانت شاهدة على تواطئه مع الإسبان.

وفي 6 أكتوبر 1908 بسوق بني سيدل تمت إبادة قوات الزرهوني من طرف قبائل المنطقة. ورغم محاولاته للإنتقام، فإن هذه القبائل اضطرته إلى التقهقر. وفي 4 دجنبر  1908 اتجه جنوبا بعد أن حالت القبائل بينه وبين مدينة مليلية المحتلة[7]، لينتهي به الأمر مطاردا من طرف جيوش السلطان مولاي عبد الحفيظ، إلى أن ألقت القبض عليه وهو مختبئ في زاوية مولاي عمران بقبيبة بني مستارة (قرب مدينة وزان) يوم 22 غشت 1909، واقتيد إلى فاس سجينا في قفص ومحمولا على بعير. وبقي معروضا على الجمهور داخل قفصه حوالي عشرين يوما بمشور باب البوجات بمدينة فاس، قبل أن يتم إعدامه يوم الخميس 9 شتنبر 1909 وأحرقت جثته[8].

المراجع
[1] بن منصور عبد الوهاب، أعلام المغرب العربي، الجزء الأول، المطبقة الملكية، 1979، الرباط ، ص 308.
[2] كريدية إبراهيم، ثورة بوحمارة 1902-1909، شركة الطبع والتوزيع، الدار البيضاء، ط2، 1988، ص 29.
[3] كريدية إبراهيم، مرجع سابق، ص 36.
[4] بن منصور عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 310.
[5] بن منصور عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 315.
[6] معلمة المغرب، برحاب عكاشة، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، الجزء السادس، 1992، ص 1655.
[7] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 1656.
[8] بن منصور عبد الوهاب، مرجع سابق، ص 390.