تقديم

عن منشورات حركة الإصلاح والتجديد؛ صدر كتاب “في الفقه الدعوي؛ مساهَمة في التأصيل”، لكاتبه الدكتور سعد الدين العثماني، في طبعته الأولى سنة 1988، بحثًا في عناصر الثبات والمرونة في التشريع الإسلامي وبعض تطبيقاتها في فقه الدعوة، بغرض إبراز العناصر الثابتة في التشريع الإسلامي، وأنواع تلك العناصر، وتوجيه بوصلة العمل الإصلاحي للحركة الإسلامية صوب معرفة القواعد الأصولية والمبادئ التشريعية العامة التي تحكُم الفقه الدعوي، وإعانة الباحثين على فهم منهج التعامل مع تلكم المبادئ والعناصر، وتقديم قراءة تتجاوز أسلوب التعامل مع النصوص الشرعية كتلك التي قدمتها مقاربات “الجمود والتشدد”، ومقاربات “الميوعة والتسيب”[1].

والكتاب الذي نقدمه للقراء من الحجم الصغير، في طبعته الرابعة لسنة 1996 (دار قرطبة للطباعة)، جاء متضمناً فصلين أساسيين، وخاتمة عبارة عن كلمة موجَّهة للدّعاة، وقائمة المصادر والمراجع.

الفصل الأول: العناصر الثابتة في التشريع الإسلامي

يؤكّد الكاتب على ضرورة الاعتبار أثناء محاولة الفهم والتعرف والعمل على ثوابت التشريع، بما يأتي:

أولا: التبيّـن بوسائل إثبات العناصر الثابتة، التي تتمثل أساسا في:

  • النصوص القطعية (قطعية الثبوت، قطعة الدلالة)؛
  • استقراء النصوص الشرعية لصياغة قواعد عامة؛
  • الإجماع الذي هو من أنواع الدليل الاستقرائي، “إذ أنَّ إجماع الـمجتهدين من حُكم مُعيَّن دليل على أنه لا يُخالف نصا وارداً ولا مبدأ من مبادئ الشريعة العامة، فهو استقراء لهذه النصوص والمبادئ ومُقارَنتها بالحكم الـمجمَع عليه” (الكتاب ص 19-20).

ثانيا: التّعرف على أنواع العناصر الثابتة، التي يصنّفها الكاتب إلى ثلاثة أنواع:

  • الأحكام الثابتة بنصوص قطعية؛ ويتعلق أغلبها بالجزئيات والفروع لا الكليات والأصول، وتُضاف الأحكام التي تم استنباطها من نصوص ظنية لكن رَفعها الإجماع إلى مستوى قَطعية.
  • المعلوم من الدين بالضرورة؛ وهي الأحكام الشرعية الكلية التي شهدت لها النصوص الشرعية وأجمع عليها المسلمون، ويتوفر فيها شرطان: “أولهما؛ كَون نصوص الشريعة المتعددة تَشهد لها وتتظافَر لتؤكد قَطعيتها، فهي أحكام تتكرر في القرآن والسنة معاً، وثانيهما؛ الإجماع” (الكتاب ص 22).
  • القواعد الأصولية والمبادئ التشريعية العامة؛ التي تَــثبت لدينا من خلال الاستقراء العام لأحكام الشريعة الإسلامية ولجزئياتها (ومن أمثلتها: الضرر يُزال – الضرر لا يُزال بالضرر – الضرورات تُبيح المحظورات – يُحتَمَل الضرر الخاص لدفع الضرر العام – تُفَوَّت أدنى المصلَحَتين ويُتَحَمّلُ أخفّ الضررين – المشقة تَجلُب التيسير..).

ثالثا: منهج التعامل مع العناصر الثابتة، التي يَلزم _ حسب الكاتب _ الاعتبار بالآتي:

  • الوعي بأنّ ثمة عناصر نهائية لا يجوز للعقل البشري التدخل فيها تغييرا أو تبديلاً في أيّ طور.
  • وجوب التحاكم إلى الشريعة في النوازل والقضايا، لأنها من المعلوم بالدين بالضرورة، ولأنّ ذلك من مقتضيات الإيمان.
  • يتوجّب القطع بـيـقيـنية الـحُكم القائل بتستّر المرأة، ووجوب الالتزام بالحجاب الشرعي الذي هو “معلوم آخَر من المعلوم بالدين بالضرورة (..) جهِل البعض مكانته في التشريع الإسلامي وتَـجاهَله آخرون” (الكتاب ص 28) ، ويُورد الكاتب مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثلة من حياة الصحابيات وأمهات لمؤمنين لتعزيز مضمون هذا المبحث من كتابه.

وعلى الإجمال؛ فإن “هذه العناصر الثابتة لا يُعذَرُ أحد بجهلها، ولا يَفْهَم الإسلامَ أحد تَجاهَلَها” (الكتاب ص 08).

الفصل الثاني: العناصر الـمَرِنة في التشريع الإسلامي

أنواع العناصر المرِنة:

يَعتمد الكاتب منهج التركيب والاختصار في تأصيل الفقه الدعوي، ويورد ما يُعين على تنهيج العقل الإسلامي الممارس للدعوة في الواقع، وذلك ببيان:

أولا: أنواع العناصر الثابتة، التي تتمثل في نوعين أساسيين؛ دلالة على رحمة الإله بالأمة وإفساحه المجال للعقل البشري وإعماله منهج اليُـسر.

ثانيا: هناك النصوص الظنية، التي تفسح للأفهام والاجتهادات الباب ما دامت تنسجم وروح النصوص وأهدافها.

ويُبيِّـن الكاتب أسباب ظنية النصوص، مجملا إياها في:

  • وجود الألفاظ الـمشترَكة.
  • ارتباط الأحكام بعلَلها ومقاصدها.

ثالثا: منطقة الفراغ التشريعي: التي أرادها الله قصْداً منه لمراعاة البشرية للظروف والمتغيرات كي يملئها العقل البشري بما يناسب البيئات والظرفيات والذّهنيات.

أسلوب التعامل مع العناصر المرنة:

يوجّه الكاتب العاملين في الحقل الدعوي إلى عدم القول في ما يُستَفْتَى فيه المرء من قضايا “هذا رأي الله”، وإنما يقول برأيه واجتهاده ونظره.

وينوِّه إلى أهمية الوعي بأنَّ الخلاف والاختلاف في الأمور الاجتهادية طبيعي جدا، واستيعاب كَوْن الأمور الاجتهادية الفرعية لا تُفسِد الودّ والمـؤاخاة وأدب الاختلاف، وتعميق المعرفة الواسعة بالاختلاف بين الأوطان والناس والظروف، والاقتناع بأنّ الاعتصام بالإجماع هو عَين الصواب والـمطلوب ضرورةً.

الخاتمة.. كلمة للدّعاة

يوجِّه الكاتب عناية العاملين في الدعوة والباحثين في الفقه وأصوله والفقه الدّعوي إلى ضرورة الوعي بأنه لا أحد فَوق النقد والتّصويب وقَبول النصيحة، وأنه لا يُعقَل أنْ يَختَلِف العاملون في الدعوة الإسلامية على أمور ثانوية مُتَناسِينَ لاهين عن القضايا الكبرى التي تَجـمعهم وتوحّد صفوفهم.

مُشيراً إلى أنّ العمل الإسلامي مجال الاجتهاد، وفضاء المرونة، وحيّز إعمالِ الـفُهوم واختلاف الآراء وتَطبيق الشورى واستدامة التناصح بين {الذين آمنوا وعمِلوا الصالحات وتَواصَوا بالحقّ وتَواصَوا بالصَّبر} (سورة العَصر، قرآن كريم، رواية ورش).

لقد كان الهدف العام مِن هذا الكتاب وضْع القواعد الأصولية والضوابط الشرعية تحت تصرّف المشتغلين بالعمل الإسلامي، ليكونوا على بينة بمبدأ الثبات والمرونة في التشريع الإسلامي، وليُؤصلوها في أعمالهم الدعوية لتكون النتائج مُرضية لله وللدعاة ولمسار الحركية الإسلامية.

المراجع
[1] العثماني سعد الدين: "في الفقه الدعوي؛ مساهمة في التأصيل"، الجزء الأول، منشورات حركة الإصلاح والتجديد، الطبعة الرابعة 1996، دار قرطبة للطباعة، ص: 5.