مقدمة

ازدادت حِدّة العنف في أكثر من بؤرة توتّر بالمنطقة العربية، وتنامَت بشكل أفقي وعمودي على شتّى الصُّعُد، فمن العنف الأسري إلى العنف الإلكتروني، ومن عالم السياسة إلى ساحات الفضاء العمومي، وبين الصغار والكبار، رمزيا وماديا ومعنويا؛ بشكل يُنذِر بتحوّله إلى “بِنية” أو خصيصة من خصائص الواقع المعيش، الأمر الذي

تقديم الكتاب

الكتاب الذي بين أيدينا مِن الحجم المتوسّط، يقع في مائة وإحدى عشرة صفحة – لصاحبه المقرئ الإدريسي أبو زيد ومن إصدارات سنة 1432 هـ الموافق لسنة 2011، مطبعة لينا بالرباط -، يحمل عنوان: “معضلة العنف؛ رؤية إسلامية”، يتوزّع الكتاب إلى: مدخل، ثلاثة فصول، خاتمة، ومُلحق بعنوان “هذا هو الإسلام”، إضافة إلى قائمة المصادر والمراجع.

يندرج الكتاب في إطار تقديم رؤية مِن داخل المنظومة الإسلامية لتبيان أوجُه موقِف الإسلام مِن العنف والقوَّة والإرهاب، ولجَعْل الأمّة قادرة على توضيح تَبَنّي وتعميم موقِفها مِن الأحداث المتوالية منذُ واقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001، مِن قَلب الرُّؤية القرآنية وإرشادات السُّنة النبوية الفِعلية والقولية والتّقريرية للآخر والأنا ولضرورات التّعايُش المشتَرَك. كما يُعتبَرُ الكتاب استقلالٌ بالإجابة عن أسئلة وفهوم وقَلق الخارِج (الآخر) الذي لم يَفهم _ أو لم يشأ _ أنْ يَفهم بعْدُ أنَّ الإسلام بريء مِن كلِّ ما يُنْسَبُ إليه مِن إرهاب وإرعاب وإجرام وتفجيرات وانحرافات فكرية وسلوكية وعملية ولو تدثَّرت بردائه؛ ولعلَّ ورود الملحق المعنون بــ “هذا هو الإسلام” خيرُ مُعَبّـِر عن هدف الكتاب ومساعِي الكاتب ضمن هذا السِّياق.

هَدفَ الكاتِب إلى وضْع القارئ أمام مسألتين: تختصُّ أُولَاهَا بتسليط الضَّوء على إشكالية قديمة/جديدة، عنوانها البارز “مُعضلة العُنف”، وسعيه لإخضاعها لمجهر الدِّراسة والنّقد والتَّعديل. وتختصُّ ثانيها في محاولة الكاتب تقديم رؤية إسلامية لمعضلة العُنف مِن منظور قرآني – حديثي، عن طريق قراءة متجدّدة مَرِنَـة أصيلة ومُعاصِرة.

بيّن الكاتب الأسُس العامّة لموقِف الإسلام من العنف:

  • فالإسلام يُؤسّسُ لقبُول الآخر نظريا وعمليا وواقعيا، وذلكَ برفضه كلَّ أنواع العُنصرية تُجاهه، وتنتفي ذاتيا كلّ أسباب ممارسة العُنف والإرهاب ضدَّ الآخر. ويُعطي المؤلِّفُ أمثلة من القرآن والسنّة وحياة الصحابة على ذلك؛
  • والإسلام يَنظُرُ إلى الاختلاف باعتباره طبيعة أو جِـبِلَّة بشرية متأصّلة في الإنسان، فلا يعتبره انحرافا ولا منكراً ولا استثناءً، بل يراهُ أصْلاً وضرورةً، بل يعتَبر الاختلاف جزء من الحرية، ويُؤسّس الاجتهاد إذا ما ارتبطَ بالمجال الفِقهي أو الشّرعي أو السّياسي، ويُخصِّبُ أرضية الفكر والواقع الإنساني المتفاعِل والمتواصل والمتدافِع، بل والمشهد البشري على وجْه البَسيطة.
  • والإسلام ينظُر إلى الإنسان باعتباره كائنا متجاوِزا متعدّيا ذا أبعادٍ متعددة، ويعتبر ببعُد الرُّوح فيه الذي يستعصي على القوة والإكراه المادّيين ويتعالَى على الإجبار، وبالتالي يُلغي لديه كلّ فكرة أو وسيلة لإكراه الآخر أو نفيه.

واختار المؤلِّفُ مسألة قد تبدو مناقِضة على المستوى الظّاهري لما تمَّ بسْطُهُ منذ البدء بين دفّتَي المؤلَّف، وهي قضية “الجهاد” في الإسلام، التي سيعمَل على مُعالِجها من خلال بعْض المحدّدات والمبادئ والسلوكات، وذلك على المستوى التصوّري، وببيان سياقات ودوافع التّشريع السياسي والتاريخي لتشريع القتال في القرآن.

وبَعد سردِه للدّوافع والسياق السياسي الذي فُرِضَ فيه الجهاد؛ يخلُص المقرئ الإدريسي إلى ذِكْر ميزاتٍ ثلاثٍ للجهاد في الإسلام، وهي:

  • خصيصة الدّفاع أو ما يُطلِق عليه الفُقهاء جهادُ الدَّفع _ في مُقابِل جهاد الطلب_؛
  • خصيصة الاضطرار؛
  • خصيصة التأقيت.

ويَرى أنَّ أسباباً عديدةً تقِف وراء ذلكم الفهم المفارِق لدى المسلمين لكتاب ربِّهم وتشريعاته وتوجيهات نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم، نورِدها في عناوين بارزة:

  • قانون سيكولوجية المقهور؛
  • الحالة الإعلامية الـمُقادَة غربيا؛
  • الإشكال الثقافي المستعصي عند المسلمين المتأخّرين منذ عصر الانحطاط إلى اليوم؛
  • العقلية العسكرية الغالبة على الزعامات والانقلابيين وحتى بعض الساسة؛
  • الحالة السياسية للمسلمين اليوم.

الأمر الذي أدّى إلى حدوث ما هو أخطر وأعظم أثراً في القريب والبعيد، ألا وهو سَعْيُ المسلمين إلى إعادة تأصيل حالة عبادة القوّة والعنف من داخل الدين الذي يتناقَض مبدئيا وجوهريا ونظرياً مع هذا الاختيار الأهوج، لأنّه مشرُوع وفكرة تحرُّر وتحرير وسلام للعالمين، دين سلامٍ بلا استسلام، واختلاف بلا خِلاف، وتديُّن بلا تطرُّف، وجهاد بلا إرهاب.