مقدمة

الحضور الصحفي في شمال المغرب سابِق على دخول الحماية الإسبانية، تشهد على ذلك بعض الجرائد الصادرة في مليلية وسبتة المحتلتين بعد 1820م، وأشهَرها جريدة (الصَّدَى الدستوري) و(صَدى سبتة) و(سبتة الجديدة) و(المتحرِّر الإفريقي El Liberal Africo)، ثم في تطوان بعد احتلالها سنة 1860، حيث صدرت جريدة (صدى تطوان El Eco de Tetuan)[1] التي دام حضورها لغاية 1930، ومن طنجة، صَدرت جريدتَا (الصدّى الموريتاني) و(يومية طَنجة) بالتتابع بين سنتي 1893 و1896، باللغة الإسبانية، ذات المرامي الاستعمارية لإسبانيا، التي كانت على صِلة بالمنطقة منذ 1497، وسَعت لبثَّ الثقافة الإسبانية في المنطقة والتعبير عن طبيعة الصِّراع الذي كان دائراً بين فرنسا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا على المغرب، والذي حُسِم بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، ثم إقراء معاهدة الحماية الإسبانية سنة 1912، “أما في الجهات الصحراوية المغربية فلم تَشهد ميلاد أيّ صحيفة باستثناء منطقة إفني”.[2]

جريدة جبالة.. معطياتها وأهميتها

تحتفظُ المكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان في جناحها الخاص بالمجلات والجرائد والدّوريات والتقارير والأرشيف الإسباني بمدينة تطوان؛ بنُسخة من جريدة (جريدة جبالة LA GACETA DE YEBALA ) باللغة الإسبانية، وبالضّبط أعدادها الصَّادرة بين سنتي 1923 – 1924، التي كانت تُطبَعُ بمدينة سبتة المحتلّة إلى حين توقُّفِها عن الصّدور سنة 1926.

إن النسخة الورقية الأثيرة ذات اللّون الأصفر الغامق، الـمُحتَفَظِ بها كجزء من ذاكرة الصحافة الدولية في المنطقة الخليفية، قد تَمَّ تَـجميع الأعداد المنشورة ما بين (1923 – 1924) في مُجلَّدين من الحجم الكبير، تتُيح للقارئ معرفة عدد من المعطيات التقنية والإدارية ولُمَح من الحياة الثقافية وطبيعة المقالات الأدبية والمستجدّات وغيرها.

تأسَّست جريدة LA GACETA DE YEBALA  أوّل الأمر سنة 1922، على يدِ دييكو طْـروخيو Diego Trujillo، غير أنّنا لم نقِف على أعداد عامَيْ 1921 – 1922 بالمكتبة المذكورة، لا بِشكل مُتفرِّق ولا في مُجلّدٍ جامع، ما خَلا صفحة يتيمة تحمل طابعاً أحمرَ يدل أنها صادرة عن جهة رسمية، مكتوب أعلى جهة اليسار “السنة الأولى، رقم3″، بإشراف نيكولاس فيرنانديز، وأنّها تَصدر في مدينة سبتة الـمُحتَلّة، وثمنها 10 بسيطات.

كانت الجريدة تصدُر بشكل يوميّ، وتَقع في (8) صفحات، من حجم 375 / 260. ويُشرف على الإخراج العام للجريدة السيد مِيجيل بِرنال Miguel Bernal، أما مُساعد وحدة الإخراج فهو السيد أنطونيو سوايز Antonio Suarez، والمدير العام Nicolas Fernandiz. ويُطلِعنا الإصدار الثالث من الجريدة، المؤرَّخ بـيوم 18 دجنبر 1923، على معلومات أوْفى؛ حيث نَرى في أعلى صفحتها وجودَ طابَعين: أحدُهما باللون الأزرق، وهو خاتم الـحماية الإسبانية (Protectorado De Hemeroteca)، والآخر باللون الأحمر بداخله تاجٌ.

تنوع في القضايا وتغيُّر في الخطّ التحريري

تطرَّقت بعض الإصدارات للتأريخ لمسار الصحافة بشمال المغرب[3]، وبيَّنت قيمة الجرائد التي كانت تصدر إبان الحماية وقَبلها، حيث “تميّزت هذه الصّحف بتعدد عناوينها، ووظائفها، وتنوّع اتجاهاتها”[4] وفي سياق مرحلة تثبيت أركان الحماية الإسبانية رغم الهزيمة الـمُنكَرة في معركة أنوال على يد قوات حرب التحرير الريفية سنة 1921 بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي؛  صدَرت جريدة “جبالة” التي كان لها إسهامٌ جيّدٌ في بسْط بعض الأفكار، ومناقَشتها عبْر الأعمِدة الثَّـقافية والفكرية، سواء تلك المتعلِّقة بأوضاع المغرب أو إسبانيا، والتي كان يكتبُها صحفيّون ومُثقّفون متّسِمون بالجُرأة والخبرة. وقد تكلَّفت مَطبعة Ceuta– Imp، بطبْـع جميع الأعداد ونَشرها، وتعميمها في مدينة تطوان وأحوازها، التي يقطنها جبالة، الذين اتّخَذت الجريدة اسمهم عنوانها لها، عِلما أنَّ منسوب الوعي الصحفي والقدرة على القراءة لا شكَّ كانت في مستويات دُنيا في صفوف شباب وشيوخ قبائل جبالة خلال المرحلة المذكورة.

من جهة أخرى؛ عمِلت الجريدة على تغيير خطّها التحريري ونبرتها المتّسِمة بالجرأة، لا سيما في الأعداد اللاحقة، تلك الصادرة في سنة 1923، نتيجة سياقات وتأثيرات، “مما حَدا بها تحت الضّغط إلى توقيف خطّتها السياسية لتتفرَّغ للعمل الأدبي والفكري”.[5]

تنوّعت مواضيع وقضايا أعداد جريدة “جْبالة”، بين إيرادِ مواعيد ثقافية، وأخرى سينمائية ومَسرحية، وتخصيص صفحات للتَّرويج والدّعاية لمنتوجات منزلية أو وسائل تَنقُّل وتواصل جديدة، إضافة إلى الدّعايات والإشهارات، مَع تخصيص رُكنٍ لأثمنة الأكل وغيرها من المواضيع، وتقديم بعض الخَدمات ذات الصِّلة بالحاجات الاجتماعية للمواطنين (الهاتف، السَّكن، أغراض الأطفال..)، ونَشْر تقارير الاحتفالات التي كانت تُقيمها سلطات الحماية في المنطقة الخليفة، ومعطيات عن التنوع الجبلي والجغرافي والطبيعي لقبائل جبالة.

المراجع
[1] المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، جناح الجرائد والأرشيفات والمجلات والدّوريات، الطابق الأوّل.
[2] مجلة "دعوة الحق"، العدد 176، "مدخل لدراسة الصحافة المغربية بعد سنة 1912"، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
[3] الخراز محمد الحبيب، الصحافة بشمال المغرب؛ من التأسيس إلى الاستقلال، مطبعة تطوان، الطبعة الأولى 2012، الخزانة العامة والمحفوظات بتطوان.
[4] أوزين عبد الرحيم، الصحافة المسيحية الصادرة في المغرب زمن الاستعمار الفرنسي 1912-1946، تصدير جامع بيضا، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة الأولى، 2020، ص: 8.
[5] الخراز محمد الحبيب، الصحافة بشمال المغرب؛ من التأسيس إلى الاستقلال، مرجع سابق.