المولد والنشأة[1]

العلامة المفكر الوطني الجسور محمد الحمداوي بن داود بن الحاج محمد بن الطاهر بن الحاج التاغي مؤسس الزاوية التاغية الواقعة قرب ابن أحمد بإقليم سطات. ينتهي نسبه إلى الشيخ سيدي أحمد بن علي المشهور في “وادي درعة”. ولد يوم 22 محرم 1331ه/ فاتح يناير 1913م، نشأ يتيما بعد أن توفي والده في إحدى المعارك، فبقي تحت كفالة جده الحاج محمد بن الطاهر الذي أنزله منزلة ولده في الإرث. حفظ القرآن الكريم بزاوية جده على يد الفقيه سيدي الجيلالي بن الگـانة الحمري، ثم لازم العالميْن ـ خريجيْ القرويين والمدرّسيْن بالزاوية ـ سيدي الحاج العربي القاضي، والعدل الفاضل ابن عمه سيدي الحاج محمد بن الحاج اللذين ملآ الزاوية بالتدريس في كل الفنون.

نبوغه العلمي المبكر

درس مترجمنا عن الشيخين سيدي الحاج العربي وسيدي الحاج محمد النحو والفرائض والفقه، وكان القارئ في حلقات الدروس، والسارد الذي يتولى سرد المقروءات، وقد حدث يوما أن أصابه رمد، فتطلع بعض الطلبة ليتولى السرد، فإذا بمترجمنا يندفع بعد اختتام الدرس يملي الكتاب بشرحه من حفظه، بعد أن انكب عليه ليلا رغم رمد عينيه فمهر في استحضاره، وأعجب الأستاذ بهمته وزف البشرى إلى والدته.

الرحلة في طلب العلم

بعد أن استتمّ متون المبادئ، وأتبعها بالألفية والموضح والمختصر، رحل إلى النواصر وقضى في مدرستها حوالي ستة أشهر، ليلتحق بجامعة ابن يوسف بمراكش سنة 1930م، وبقي هناك إلى سنة 1932م، حيث لازم شيخ الجماعة سيدي محمد بن عمر السرغيني المشهور بـ “ابن النوح” وبعض أقرانه، فصدر عن مراكش بتفوق في كل ما أخذ وخاصة النحو.

ثم رأى أن يتوّج أخذه بالقرويين فنزلها، وأخذ الأصول عن العلامة الفضيلي، والبيان والمنطق والفقه عن الأستاذ ابن عبد الرحمان وسيدي الحسين العراقي، وبيوع الفقهيات عن الفقيه الصنهاجي. ثم غادر فاس بعد مرض ألمّ به، ليلتحق بـ “ابن أحمد”، وظل يختلف إلى زاويتهم يلقي فيها دروسا كل يوم، فضلا عن دروس خاصة لفائدة بعض الطلبة.

تبنيه الفكر الإصلاحي

صادف مترجمنا بـ “ابن أحمد” أحد التطوانيين يروّج كتبا لبعض المعاصرين، وبعض الجرائد في مقدمتها جريدة “الحياة” التي كان يصدرها الشيخ محمد المكي الناصري من تطوان، فتنبهت منه ـ بسبب هذه القراءة ـ عبقرية علمية فذة، وروح وثابة إلى الإصلاح في المجتمع، فارتحل إلى الدار البيضاء واشتغل أستاذا ثم مديرا، فسطع نجمه والتف الناس حوله يتابعون دروسه في المسجد المحمدي.

كفاحه الوطني

التحق الأستاذ محمد الحمداوي بالحركة الوطنية سنة 1934م، وأبان عن نشاط خارق، وصدق ظاهر، وإقدام منقطع النظير، ليصبح بعد سنتين واحدا من قادتها ودعاماتها بالدار البيضاء، حيث كان من الموقعين المؤيدين لوثيقة المطالبة بالاستقلال ل 11 يناير  1944 رفقة أبي الشتاء الجامعي وعمر بن عبد الجليل وأحمد بندلة ومحمد بناني ومحمد العلمي وكلهم من الدار البيضاء. كما كان أحد قادة مظاهرة أكتوبر 1937م، التي اعتقل على إثرها ليقضي سنة بسجن “أغبيلة” بالدار البيضاء وسجن لعلو بالرباط. وخلال الاضراب الذي نظمته الحركة الوطنية في دجنبر 1952م إثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، اعتقل مرة أخرى وأبعد إلى جبال الأطلس، ثم إلى معتقل أغبالو نوكردوس بقصر السوق (الراشيدية) رفقة عدد من رجالات الحركة الوطنية كالمهدي بن بركة بعد إلقاء القبض عليه رفقة محمد المختار السوسي يوم 9 يناير 1953م واحتفظ بمترجمنا بمركز تالسينت.

الحمداوي مثقفا ومربيا وقاضيا  

كان الأستاذ محمد الحمداوي ولوعا بعلوم العربية، ماهرا فيها، حريصا على اقتناء كتبها قديمها وحديثها، وكان على قدر تحرره من الجمود والتقليد، ولوعا بكتب السلفية، فلا يكاد يحادث إلا عن مدرسة ابن تيمية مع مشاركة في استحضار نصوص الحديث واستحضار التفسير، كما استفرغ جهده في تعلم الفرنسية والإنجليزية فدرس كثيرا مما كتب في علم النفس والتربية وما إلى ذلك، حتى صار مرجعا في هذا الشأن. كما تعلق مترجمنا بقطاع التربية والتعليم، فكرس حياته لخدمته مدرسا ومديرا، فقد أدار “مدرسة النجاح” بحي الحبوس أولا، وعندما عمل بعض الوطنيين الميسورين وفي طليعتهم محمد بن الحاج ادريس بن كيران على تشييد بناية جديدة لها، قامت الأميرة للا عائشة على تدشينها يوم 12 مارس 1947م، وأطلق عليها منذ ذلك الوقت: معهد الأميرة للا عائشة بدل مدرسة النجاح، وأصبح الأستاذ الحمداوي مديرا لها.

وبعد حصول المغرب على الاستقلال طُلب مترجمنا لمهمة القضاء فتولاه في مدينة سطات نحو خمسة أشهر فقط، ليقدّم استقالته ويعود إلى إدارة معهد الأميرة للا عائشة إزاء المسجد المحمدي. كما ولج في السبعينات من القرن الماضي سلك التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس.

آثاره الفكرية

ترك الأستاذ الحمداوي عددا من المقالات التي نشرها في منابر إعلامية قبل الاستقلال وبعده مثل: جريدة “الأطلس” و جريدة “المغرب”  التي أصدرها سعيد حجي، وجريدة ” الزهرة التونسية” ومجلة “دعوة الحق”، كما أصدر كتابا بعنوان: “الفكر المعاصر”.

وبعد مرض طويل ألزمه الفراش توفي رحمه الله بمدينة الدار البيضاء يوم الاثنين 02 شوال 1422/ 18 دجنبر 2001م وبها دفن.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. ص 210- 213.