
المحتويات
توطئة
يُعتبر الأستاذ محمد العربي الخطيب رائداً للصحافة بالمغرب في بداية القرن العشرين، سخَّر قلمَه خلال السنوات الأولى لفترة الاستعمار للدعوة إلى تصحيح العقيدة ومحاربة الخرافة وإصلاح التعليم، كما يعدّ أوَّل الرَّاحلين من طلبة العلم من تطوان إلى مصر.
المولد والنشأة
ولد محمد العربي الخطيب بمدينة تطوان عام 1304هـ/1886م من والده: -السيد “أحمد بن محمد الخطيب”،- وأمه السيدة “أم كلثوم بنت محمد بن عبد الوهاب لوقش”، وتلقى تعليمه الأولي بالكتَّاب القريب من “الجامع الكبير” حيث حفظ القرآن الكريم، ودرس بعد ذلك القراءات السبع والتجويد إلى جانب مبادئ علوم العربية والفقه، على يد مجموعة من علماء البلد آنئذ. ثم رحل عام (1326هـ/1908م) إلى مدينة فاس من أجل متابعة الدراسة، فهي موطن العلم وأهله. وقد عبر في مذكراته التي كتبها بمدرسة “الصّفّارين” التي كان مقيما بإحدى غرفها، أن حياة الطلب قد راقته، خاصة وأنه قد رافق بها بعض الطلبة من تطوان كالفقيه محمد المرير، والفقيه محمد أفيلال، وتتلمذ هناك على يد كل من العلامة محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي درس عليه التفسير والحديث، والفقيه أحمد ابن الخياط مفتي فاس وآخر من بقي بها من وعاة الفقه المالكي، والشيخ أبي شعيب الدكالي محدّث المغرب في القرن الرابع عشر/19م، وقد ذكر ابن الحاج في ترجمته له أن العربي الخطيب قطن بفاس بمدرسة الصفارين، وقرأ على عدة مشايخ ذكر منهم: محمد اقصبي ومحمد بن عبد القادر بناني وعبد الصمد كنون وغيرهم[1].
وستتضمن هذه الترجمة ثلاثة عناصر رئيسية: تتعلق الأولى برحلته العلمية في طلب العلم خارج المغرب والتي عد بسببها أول الراحلين من الطلبة من تطوان إلى مصر، والثانية بريادته للصحافة المكتوبة بتطوان على عهد الحماية والاستقلال حتى اعتبر رائد الصحافة بالشمال، والثالثة لبيان إسهاماته الكبرى في مجال إصلاح التعليم بالمنطقة الخليفية وسعيه لإنشاء المدرسة الوطنية بالشمال.
أول الراحلين من الطلبة من تطوان إلى مصر
ذكر الأستاذ إسماعيل الخطيب في كتابه الذي بسط فيه سيرة والده، بعنوان: “محمد العربي الخطيب رائد الصحافة بالمغرب”[2]، والذي صدر سنة 1994 عن جمعية البعث الإسلامي بتطوان، أن والده يعتبر أول الراحلين من طلبة تطوان إلى مصر، فقد جاء على لسانه في مذكراته قوله: “ولما رأيت أن حال فاس تغيَّر، عزمت على السفر لمصر بقصد طلب العلم بالأزهر الشريف، لِما أسمع عنه من حسن التنظيم ورونق المسلك”[3]، وذلك بفضل ما كان يصل إلى سمعه من نشاط الحركة العلمية بالأزهر الشريف وسير نظام التعليم فيه ومناهجه وطرقه. ويضيف في التأريخ لسفره إلى مصر سنة 1329/1911 بقوله: “وبتشجيع من السيد علي الخطيب- وهو إذ ذاك أحد وجهاء المدينة- واستدعاء من السيد رشيد رضا، توجَّه إلى مصر فركب البحر من جبل طارق، وفور وصوله القاهرة اتصل بالأستاذ رضا الذي أشار عليه بالانتساب للأزهر، وهناك في رواق المغاربة التقى مع طلبة شمال إفريقيا، وتقوَّت الصلة بينه وبين جماعة منهم”. وقد تتلمذ – العربي الخطيب- في الأزهر على يد طائفة من المشايخ؛ وخاصة على يد رشيد رضا حيث انتسب إلى دار الدعوة والإرشاد التي كان من أهدافها تخريج الدعاة والعلماء، وفي ذلك يقول: “وقد حدثني أنه عندما أتم الاختبار دخل مسلِّما على السيد رشيد، وجلس أمام مكتبه، وأثناء ذلك دخل أحد أعضاء جمعية الدعوة فقال له السيد رشيد: هذا أول طالب من شمال إفريقيا يلتحق بالدار..”[4].
ومما ذكره مؤرخ تطوان العلامة محمد داود عن رحلته في “تاريخ تطوان”، أن محمد العربي الخطيب كان أول من توجه من تطوان إلى مصر للدراسة العلمية بها في هذا القرن، وقضى بها ثلاث سنوات.
كما وقف ابنه إسماعيل الخطيب في حديثه عن رحلته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1350هـ/1932م، أنه في هذه الرحلة تم لقاء والده – الثاني- بصديقه رشيد رضا بالقاهرة، ثم لقاؤه في بلاد الحرمين بطائفة من العلماء، ولقاؤه بالشام بأفراد البعثة العلمية التطوانية في مدينة نابلس والتي كانت تتكون من جلة من طلبة تطوان كالمهدي بنونة وعبد السلام بنجلون وغيرهما.
ريادة الصحافة بشمال المغرب
بالإضافة إلى انتساب محمد العربي الخطيب إلى مجال الوعظ والإرشاد بإلقاء الدروس الدينية بمسجدي “المسندي” و”العيون” وإمامة الصلوات الخمس “بالجامع الأعظم“، وعمله بالتجارة وعمله كذلك عدلا موثقا، فإنه لمَّا تأسَّس “المجمع العلمي المغربي” سنة 1335هـ/1916م، الذي كان يضم خيرة رجال المدينة أمثال: أحمد الزواقي، وعبد السلام الخطيب، وأحمد اللوجري، ومحمد المرير، وأحمد الرهوني، وعبد السلام بنونة وغيرهم، عُيِّن مندوبا له للقيام بأعباء المجمع الإدارية، ثم عمل محررا ومندوبا للمطبوعات، ثم أُسندت إليه مهمة رئاسة صحيفة “الإصلاح” الصادرة عن المجمع؛ وهي إذاك أول صحيفة عربية تصدر من تطاون، وبعدها كُلِّف بتحرير الصفحة العربية من جريدة “شمال إفريقيا”..
وقد مكنته هذه المهمة من إبراز اهتمامه بعالم الصحافة، خاصة مع ما كان يصله من منشورات دار الدعوة والإرشاد كصحيفة “المنار” و”العروة الوثقى”، فدخل بذلك مجال الصحافة من بابه الواسع، يقول في ذلك: “وهكذا كان دخوله إلى ميدان العمل الصحفي ليكون أول مغربي يترأس تحرير أول صحيفة مغربية تصدر بتطوان“[5].
ثم عيّن كذلك أستاذا “بالمعهد الديني” بتطوان عند افتتاحه، وكان يمثل في تلك الفترة المنارة العلمية التي خَرَّجت جُل المتعلمين والمثقفين، حيث اختص بتدريس مادة التفسير، ثم انتُدب أخيرا مُدرِّسا بمدرسة المعلمات بتطوان عند افتتاحها في موسم 45-1946م، وكان المعهد الديني آنذاك المنارة العلمية التي خرَّجت جل المتعلمين والمثقفين، وقد أهَّله عملُه في سلك التدريس من تطوير فكرة إصلاح التعليم لديه، بعدما رأى عن كثب ما تتخبط فيه المؤسسات التعليمية بالمغرب من ضعف المناهج والنتائج.
محمد العربي الخطيب.. مصلحا تربويا
من خلال هذه المهام العلمية والإدارية برزت اهتمامات العربي الخطيب بمجال إصلاح التعليم بالمغرب، فقد نشر-رحمه الله- ابتداء من العدد السابع من جريدة “الإصلاح” برنامجا لتنظيم التعليم الابتدائي، وقد تكلَّلت جهوده في هذا المجال بإنشاء أول مدرسة ابتدائية وطنية سنة 1920م أراد أن يُطبِّق بها برنامجه إلى جانب شريكه آنذاك السيد محمد السلاوي، وكان من أوائل طلبتها عبد الخالق الطريس، والطيب بنونة، وذلك تحقيقيا لرغبته السابقة حين قال: “الذي أراه ناجعا نافعا لأبنائنا في التربية والتهذيب هو أن نشيِّد المدارس لأبنائنا يتربون فيها تربية دينية علمية أدبية استقلالية”[6].
وقد بيَّن محمد العربي الخطيب بعض بنود مشروعه الإصلاحي في مجال التعليم من خلال مجموعة من المقالات. وبمراجعتنا لبعضها يبرز لنا الاهتمام الكبير الذي أولاه للتربية والتعليم، ومما نشره في ذلك قوله: «أفضل غذاء يُقدَّم للصبي بعد استغنائه عن لبان أمه وتربية أبيه على الوجه الكفيل بنجاحه المستقل بصلاحه.. غذاء التعليم لأنه روح الحياة وحياة الروح ومشكاة العيش ونور العقل ووسيلة الهداية، وكلما كان مُنَظَّما كان أوقعَ في النفوس وأعونَ على حصول المقصود كما يُشاهَد في الأمم التي أسست نظاماته وأتقنت إحكاماته، فوجب الاعتناء بتنظيمه على طريق يفضي إلى تسهيل تحصيله..»[7]، وهكذا وضع برنامجا متكاملا لإصلاح المنظومة التعليمية في تلك الفترة من تاريخ المغرب، ابتداء من خصال المعلم وعدد التلاميذ في كل فصل وعلاقة المعلم بالتلميذ، وبيان مناهج التربية والمواد الدراسية ثم المراقبة التربوية، وكذا العقوبات والعطل.. إلى غير ذلك من مسائل التعليم ومقتضياته، وكان كذلك من الأوائل الذين نادَوا بتعليم المرأة وساهم مساهمة كبيرة في تدريس الفتيات بمعهد تكوين المعلمات بتطوان.
مؤلفاته وأبحاثه
نذكر في الختام أن مترجمنا قد ألَّف أبحاثا على رأسها:
- “فتح الرحمن الرحيم في فهم القرآن العظيم”، وهو كتاب في تفسير القرآن على نهج سلفي، اشتملت مقدمته على الفصول التالية: -الاعتصام بكتاب الله عز وجل- أحسن وأصح الطرق في تفسير القرآن- التفسير بالرأي- فضل القرآن وتلاوته..
- كتاب: “الإرشاد المفيد ببيان بعض معاني كلمة التوحيد”، وهو رجز يشتمل على (212) بيتا.
- كما له أيضا “شرحا على شمائل الترمذي”؛ وهو شرح مختصر لأحاديث الشمائل، وصل فيه إلى باب ما جاء في صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن أهم مؤلفاته التي اشتهرت عنه هي:
- أرجوزته حول القرآن الكريم المسماة: “الأرجوزة القرآنية” أو “أرجوزة النظر في الكائنات”، وهي أرجوزة تقع في (158 بيتا) قدَّم لها بتمهيد في ضرورة فهم ما تضمنته الآيات القرآنية من الدعوة إلى تحصيل المعرفة الحقة بالنظر في المكونات حسب المنهج القرآني، وقد طبعت عام 1363/1944.
يقول في مقدمتها:
وبعد فاذكر الذي أقصه *** عليك وعظا بالذي أخصه
بذكرى القرآن والأكوان *** آي من الله الذي أعان
فكل ما في الكون من مكون *** يشهدنا للرب أعلى السنن
فاصرف من اللب بفكر نظرا *** في كل ما في الكون علما أثرا
تبدو لك العجائب الدفينة *** والسنن البديعة الرزينة
وفاته ونعيه
ومِمَّا ذَكَره المؤرِّخون في تاريخ وفاته ما ورد في كتاب “إسعاف الإخوان” قوله: «التحق بالرفيق الأعلى زوال يوم الثلاثاء 20 ذي القعدة الحرام عام 1400هـ/1980م وشيعت جنازته إلى مرقده الدائم في عصر يوم الأربعاء، وأقبر بمقبرة سيدي المنظري بتطوان»[8].
وممن نعاه من علماء المغرب في عصره الشيخ المكي الناصري الذي قال عنه: «السيد الحاج محمد العربي بن أحمد الخطيب عالم من علماء تطوان ووجيه من وجهائها، عرف بين المواطنين بالتمسك بأهداب الدين الصحيح والدفاع عن الفكرة السلفية والحماس لها، كما عرف ببثها بين سائر الطبقات سواء في حلقات الدروس أو في المنتديات والمجتمعات، وله في النضال عنها عدة مواقف مشهورة».
وقال عنه صفيه من أسرته محمد بن محمد الخطيب الأستاذ والكاتب المعروف: «أكثر من ستين سنة قضاها الأستاذ الخطيب في جهاد كبير ومواجهة، فقد كان أبدا يسعى للقضاء على أسباب النكبة التي ابتليت بها بلاده، فقد كان يعتبر أن الوضع الذي أصبح عليه المغرب من الناحية السياسية بعد سنة 1912م كان نتيجة طبيعية لعوامل كثيرة منها التخلي عن الدين الصحيح واللغة العربية..».
وشهادة الأستاذ عبد القادر الإدريسي الذي يقول فيها: «يعتبر المرحوم العلامة محمد العربي الخطيب من رواد الحركة السلفية بالمغرب، فقد اتصل في وقت مبكر بالمشرق العربي وأفاد من النهضة الفكرية والإسلامية التي انبثقت على يد المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ الإمام محمد عبده، وتبلورت على صفحات مجلات وصحف ومنابر إعلامية..»[9].
وأخيرا شهادة مؤرخ تطوان وعالمها الأستاذ محمد داود حيث يقول عنه: «وله -حفظه الله- في الإصلاح الديني والاجتماعي نظرات صادرة عن عقيدة راسخة وإيمان متين وإخلاص عظيم، وله اعتناء كبير بكلام الله العزيز وفهم دقيق لمعانيه وتذوق عجيب لإشاراته ومغازيه، وقد نظم في ذلك أرجوزة سماها الأرجوزة القرآنية أو أرجوزة النظر في الكائنات بالقرآن..»[10].
المراجع
[1] محمد بن الفاطمي السلمي (ابن الحاج)، إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، ص: 452.[2] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، صدر سنة 1994، عن منشورات جمعية البعث الإسلامي بتطوان.
[3] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 30.
[4] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 05.
[5] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 05.
[6] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 05.
[7] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 258.
[8] محمد بن الفاطمي السلمي (ابن الحاج)، إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، مرجع سابق، ص 452.
[9] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 256.
[10] محمد العربي الخطيب، رائد الصحافة بالمغرب، مرجع سابق، ص 256.