مقدمة[1]

الأستاذ إسماعيل الخطيب – رحمه الله- الداعية المصلح والخطيب المفوَّه بمدينة تطوان العامرة، والمدرس بكلية أصول الدين، والرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي للمضيق الفنيدق؛ المتوفى يوم السبت 04 رمضان المعظم لعام 1434هـ/ 13 يوليوز 2013م.  أصدر – رحمه الله- كتابا بعنوان: “عرف الطيب من ذكريات الخطيب”، اعتبر سيرة ذاتية للمؤلف، يقع في (230) صفحة من القطع الكبير، صدر عن مطبعة الهداية بتطوان في حلة بهية، زينت غلافه ريشة فنية رائعة، وقد قسمه المؤلف إلى مجموعة من العناوين.

فبعد التقديم الذي يقول فيه: “هي ذكريات وليست مذكرات، فللمذكرات رجالها وكتابها، ولست منهم.. وكاتب هذه الذكريات اختلفت حالات كتابته لها، فمنها ما كتب مباشرة ومنها ما كتب بعد سنوات متعددة، ومنها ما تم الرجوع أثناء كتابته إلى أوراق أو صحف قديمة.. وها أنا وقد شارفت على السبعين أسترجع من خلال هذه الذكريات أمسي الذي مضى وآسف للتفريط الذي وقع مني بعدم تدوين الأحداث عند حدوثها.. هذه ذكريات؛ ذكريات أوقات جميلة ولحظات سعيدة أو أليمة هي جزء من حياتي، هي الآن بالنسبة لي حلم مضى في الماضي البعيد، أقدمها لك قارئي العزيز”[ص:5-6].

إسماعيل بن محمد العربي الخطيب.. النسب والنشأة والدراسة

ولد بمدينة تطوان شمال المغرب مساء يوم الإثنين 6 ربيع الأول سنة 1361هـ الموافق 24 مارس عام 1942م، بدار سكنى الأسرة بحي المطامر. وينتمي أستاذنا إلى أسرتين عريقتين، اشتهرتا بالعلم والتدين، هما أسرتا: – (آل الخطيب)، و(آل راغون). تعود شهرة الأولى إلى بداية تاريخ تأسيس مدينة تطوان أواخر القرن الهجري التاسع، حيث انتقل إليها طائفة من آل الخطيب  واستقروا بها، وعُرف جملة من رجالها في ميادين مختلفة. فيما تعود الثانية إلى أصول أندلسية، وعرفت بدماثة الخلق والصبر..

ابتدأ “إسماعيـل الخطيب” تحصيلـه العلمي تحت عنوان: من ذكريات الصبا (الأبوان والأسرة – الطفولة الأولى.. في مرحلتين)، استعرض فيه التعريف بأسرته وبتاريخ ميلاده وسكناه بأحد بيوتات المدينة العتيقة بتطوان. ثم تحدث عن طفولته الأولى وتقلبه ما بين الكُتَّاب والمدرسة الأهلية ومدرسة مولاي الحسن والمدرسة الخيرية محمد الخامس. فابتدأ الدراسة على يـد والـده- “محمد ابن العربي الخطيب”- الذي كان يزاوج بين العلم والتجارة بهذه المدينة- قبل أن يدخل الكتاب القرآني، ثم يلتحق بالتعليم الابتدائي والثانوي. فدرس السلك الابتدائي بالمدرسة الخيرية الإسلامية؛ وتُعرف بمدرسة محمد الخامس، وتابع السلك الثانوي بالمعهد المغربي للدراسة الثانوية؛ ويعرف بثانوية القاضي عياض، ودرس فيه المرحلة الإعدادية، ثم التحق بالمعهد الديني لإتمام المرحلـة الثانويـة، ويعـرف اليـوم بثانويـة القاضي ابن العربي… ثم استكمل دراسته بكلية أصول الدين بتطوان، حيث حصل فيها على شهادة العالِمية، وكان ذلك سنة 1968م. ثم حصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية بالرباط.

وعن التحاقه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يقول: «التحقت عام 1384هـ/1964م بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وبعد سنتين انتقلت إلى كلية أصول الدين بتطوان، ونلت منها شهادة العالمية (اللسانس) عام 1968. وفي سنة 1392هـ/1972م التحقت بدار الحديث الحسنية، فنلت شهادة الحديث وعلومه سنة 1973م، وشهادة التفسير وعلوم القرآن سنة 1974م، كما نلت دبلوم الدراسات العليا (الماجستر) سنة 1985م»…

الوظائف والمسؤوليات

أما في مجال عمله الوظيفي؛ فقد ذكر أنه عمل في سلك التدريس ببعض المعاهد الثانوية بكل من مراكش وطنجة وتطوان، ثم في كلية الشريعة/جامعة القرويين بفاس، ثم بكلية أصول الدين بتطوان أستاذا لمادة العقيدة والفكر الإسلامي ومقارنة الأديان..

وانتدب لعضوية المجلس العلمي المحلي لمدينة تطوان والمجلس العلمي الأعلى بالرباط، وبعد ذلك عُيِّن رئيسا للمجلس العلمي المحلي لعمالة المضيق/الفنيدق بولاية تطوان، وهي المهمة التي لازمها إلى حين وفاته. كما عمل على إصدار ونشر صحيفة “النور” سنة 1974م صحبة نخبة من زملائه الأساتذة؛ أذكر منهم: محمد المنتصر الريسوني وحسن الوراكلي وعبد اللطيف الزكاري، فكانت لسان “جمعية البعث الإسلامي” بتطوان؛.. وقد أصبحت هذه الصحيفة فيما بعد مجلة شهرية جامعة، وكانت أول منبر إعلامي إسلامي علا صوته بالمغرب، صدر منها حوالي الخمسمائة عدد.

محطات بارزة في حياة إسماعيل الخطيب

سرد المؤلف محطات هامة من مسار حياته معنونا إياها بالعناوين التالية:

  • في رحاب المدينة النبوية: وأرخ فيه لالتحاقه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد عبر عن ذلك بقوله: “لقد كانت جامعة بمعنيين؛ فهي جامعة لطلبة العالم الإسلامي، حيث التقيت في رحابها بطلبة من جل أنحاء الدنيا.. وهي أيضا جامعة علمية بكل ما في كلمة العلم من معنى..” [ص: 29]، وقد استعرض المؤلف ذكريات لقاءاته بهذه الجامعة بثلة من مدرسيها؛ منهم: عبد العزيز بن باز مفتي السعودية، ومحمد المجذوب العالم العارف، ومحمد الأمين الشنقيطي المفسر الكبير صاحب “أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن”، وعبد الغفار حسن الرحماني أستاذ الحديث وعلومه، وعبد القادر شيبة الحمد أستاذه لمادة أصول الفقه، ومحمد أمان بن علي الجامي الذي درس عليه “بداية المجتهد” لابن رشد.
  • مجالس التذكير: وقد استعرض فيه حبه لحضور مجالس العلم بالمساجد والمنتديات منذ الصبا، إلى أن بدأ هو في إلقاء دروس الوعظ بالمساجد مبتدئا بما أسند إليه من مهمة السرد حيث كان يقرأ الأحاديث النبوية من كتاب “الترغيب والترهيب”، ثم انتقل إلى مسجد العيون حيث أسند إليه درس “المرشد المعين“، وبعدها كلف من طرف نظارة الأوقاف بدرس الوعظ خلال شهر رمضان عام (1379هـ/1959م)، ثم توالت الدروس الوعظية بعد ذلك حيث كانت تشهد إقبالا ملحوظا، يقول (رحمه الله): “وقد اتسعت ظاهرة حضور الشباب في مجالس التذكير والتدريس بعد عام تسعين وثلاثمائة وألف (1970م)، فخلال هذه السنة تابعت إلقاء الدروس الأسبوعية بمسجد السوق الفوقي في التفسير، وقد اخترت من بين التفاسير “الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي، وشهدت هذه الدروس إقبالا ملحوظا.. وقد ختمت تدريس هذا التفسير القيم خلال سنوات عدة بمسجد السوق الفوقي. ثم لما انتقلت بالدروس إلى مسجد الأمة ختمته مرة ثانية، ولما انتقلت إلى مسجد الحسن الثاني ختمته للمرة الثالثة، وكانت كل ختمة تستغرق أكثر من عشر سنوات) [ص: 57]. أما خطبة الجمعة فيقول عنها: “فكانت- أولا- نيابة عن الفقيه السيد الطيب حجاج الذي طلب مني أن أنوب عنه بمسجد الزاوية الناصرية وذلك سنة (1970م).. وفي سنة (1983م) طلب مني أهل سانية الرمل أن أتولى الخطبة بجامعهم الذي تم بناؤه آنذاك وسمي “مسجد الأمة” وقد استمرت خطبتي فيه إلى سنة (1997م) حيث طلب مني الانتقال للجامع الكبير) [ص: 59].
  • قصتي مع الصحافة.. بين الميثاق والنور: وقد ذكر تحت هذا العنوان ولعه بالعمل الصحفي منذ البدايات شغفا بسيرة والده في تجربته الصحفية في صحيفتي “الإصلاح” و”شمال إفريقيا” والذي يعتبر رائدا للصحافة الوطنية، كما هو عنوان كتاب آخر صدر له من قبل يحكي فيه قصة والده مع الصحافة. وهكذا عمل وهو لا زال طالبا على إنشاء مجلة خطية باسم “النشء”.. وتطورت الفكرة مع تعاقب السنين وتقلب المهام إلى أن أصدر بمعية ثلة من مثقفي مدينة تطوان جريدة “النور” لسان جمعية البعث الإسلامي الذي كان يرأسها، يقول في ذلك: “وتطورت “النور” في حجمها وعدد صفحاتها وتاريخ صدورها، وظلت – بتوفيق من الله تعالى- ثابتة على مبدئها سائرة على منهجها عاملة بشعارها (الإسلام منهج حياة)”[ص: 63].

وهكذا تتوالى الذكريات في كتاب “عرف الطيب” يتتبع فيه الأستاذ إسماعيل الخطيب مسار حياته من خلال مجموعة من العناوين الأخرى تنبئ عن مشاركاته العديدة في مختلف المنتديات والمحافل العلمية داخل المغرب وخارجه.

آثاره الفكرية والعلمية

جاءت مؤلفاته تحت العناوين الآتية (حسب تاريخ صدورها):

  • “الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع الهجري” وهذا الكتاب هو رسالته العلمية لنيل دبلوم الدراسات العليا- صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1986 والثانية سنة 2011 بعد نفاد الطبعة الأولى.
  • “المخدرات؛ أنواعها – حكمها”، صدرت عن مطبعة النور بتطوان سنة 1989.
  • “محمد العربي الخطيب رائد الصحافة بالمغرب”، وقد صدر سنة 1994 عن مطبعة النور.
  • “المختار من (تعظيم المنة) و(المعيار) في بدع العبادات والعادات والطرقية”، وقد صدر عام 1996.
  • “نحن وفلسطين واليهود”، وصدر سنة 2003.
  • “في فقه السياسة”، صدرت الطبعة الأولى سنة 2005، والثانية سنة 2008.
  • “جمهرة أبحاث ودراسات قرآنية وحديثية وفقهية واجتماعية” وقد صدر عام 2007.
  • “التيسير؛ منهجه وضوابطه في الإفتاء”، وصدر سنة 2007.
  • “الإشراف على أعلى شرف في التعريف برجال سند صحيح البخاري” للقاسم بن الشاط (دراسة وتحقيق)، وقد صدرت الطبعة الثانية منه سنة 2011.
  • “خطب الخطيب” في ثلاثة أجزاء، وهو مجموع خطبه.
  • “خطب العيدين” وهو خاص بخطب الأعياد الدينية.
  • “عَرْف الطيب من ذكريات الخطيب” وقد أصدره سنة 2012/2013 – قبيل رحيله-، ويعتبر سيرة ذاتية له.
  • “رسائل النور”: وهي مجموعة من الكتب ذات الحجم الصغير، كانت تصدر عن جمعية البعث الإسلامي بتطوان والتي شارك في كتابتها هو وثلة من المؤلفين الآخرين.

خاتمة

هذا، ونال مترجمنا حظوة حضور الدروس الحسنية، وهي مأدبة علمية سنوية، دأب المغرب على إقامتها في شهر رمضان المبارك من كل عام، يُستدعى لها العلماء من مختلف جهات العالم، كما ألقى درس ختم صحيح البخاري في ليلة القدر ختاما للدروس الحسنية بين يدي عاهل البلاد سنة 1432هـ. وبالإضافة إلى ذلك ساهم في العديد من البرامج الإذاعية عبر أثير إذاعة تطوان الجهوية أو الإذاعة الوطنية من خلال برنامج “ومضات على الطريق”، أو بالتلفزة المغربية في برنامج “نور الإيمان”، وعلى أثير إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم منذ انطلاقها، وكذا بمختلف البرامج الدينية على شاشة التلفزة الوطنية، وغيرها من إذاعات العالم الإسلامي بالكويت والجزائر والسعودية.

المراجع
[1] اعتُمِد في إعداد هذه السيرة على السيرة الذاتية للمترجَم له: إسماعيل الخطيب، "عرف الطيب من ذكريات الخطيب" مطبعة الهداية –تطوان، 2012/2013.