بين يدي التقديم

عرف المغرب أواسط القرن العشرين نهضة علمية قادها رجال عظام، جمعوا بين العلم والمعرفة والحضور في الحياة العامة، فخلدت أسماؤهم، وسار في الآفاق ذكرهم، وتناقلت العامة والخاصة مواقفهم، فكان منهم: أبو شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي، وعلال الفاسي، والمختار السوسي، ومحمد المكي الناصري، ثم ما يفتأ طيب الذكر يعبق باسم عبد الله كنون الشيخ العلامة، الفقيه الحافظ،الخيّر الدّيّن، الأديب الأريب.

هذا الرجل العصامي الذي تخطى صيته وطنَه المغرب ليزاحم بقلمه كبار الكتاب، وفطاحل الأدباء على صفحات مجلات رائدة بالمشرق حين كتب في “الرسالة” ولما يتجاوز عتبة العشرين من عمره. الشيخ عبد الله كنون ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة؛ عبد الوهاب لوقش التطواني ـ عبد الله كنون ـ محمد المكي الناصري،  ممّن تعاطوا في القرن العشرين مع “تفسير القرآن الكريم” بعد زمن ظل فيه المغاربة علماء وسلاطين يحذَرون الخوضَ فيه لمدة أربعة قرون بدعوى : “حدوث الخراب أو موت السلطان”، فتعطلت بذلك حلقات دروس التفسير، وكفت الأقلام عن التأليف فيه، فكان حظ المغاربة خلال هذا القرن، ضئيلا في هذا العلم تدريسا وتأليفا. إذ لم تتجاوز التفاسير المطبوعة سوى تفسيرين اثنين: (تفسير سور المفصل من القرآن الكريم) للشيخ عبد الله گنون، و(التيسير في أحاديث التفسير) للشيخ محمد المكي الناصري. ومن باب إرجاع الفضل لأهله، نذكر هنا جهود شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي في تحطيم صرح هذه الدعوى، حيث بادر إلى تدريسه في “القرويين” بفاس، و”ابن يوسف” و”مسجد المواسين” بمراكش، فكان أن عاد لهذا العلم حضوره ووهجه، فانبرى عدد من بعده بعض تلامذته للانخراط في درس التفسير، فازدانت به رحاب جامع القرويين وابن يوسف، ومساجد مدن عتيقة كمراكش وتطوان وطنجة وسلا وآسفي

تقديم الكتاب

و (تفسير سور المفصل من القرآن الكريم) لصاحبه الشيخ عبد الله كنون، كتاب فريد في بابه، حدد صاحبه دواعي اختياره سور المفصل بالذات بقوله: لأنها:

  • أولا: صغارٌ، فتناولُها أيسر من تناول السور الكبار، والمفصل سبُع القرآن، فإذا لم تنجح التجربة في السبُع، فإنها لن تنجح في الكل.
  • ثانيا: لأن الأغراض التي تضمنتها سور المفصل هي التي دارت حولها الدعوة الإسلامية في البدء، وهي التي تهم عموم المسلمين اليوم، وتقديمها أولى.
  • ثالثا: لأن هذه السور بها يبدأ تعليم القرآن للصغار والكبار على السواء، وأكثرها مما تقع القراءة به في الصلاة، وهي تشتمل على النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بينها في صلاته… والمقصود أن هذه السور التي يرددها المسلم في صلواته، يجب أن يفهمها ويعرف تفسيرها قبل غيرها.
  • رابعا: لا أعرف أن هناك تفسيرا قاصرا على سور المفصل، فيكون هذا أول تفسير مستقل له، إن اقتصرت عليه، وانفراده بهذه الميزة، يجعل لنا عذرا في تفرده واستقلاله (مقدمة التفسير ص 15).

أما مقاصد تأليفه فحددها في أمور ثلاثة وهي التي قامت عليها دعوة الإسلام:
1-  تصحيح عقيدة التوحيد وتطهيرها من الشوائب.
2- تزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا.
3- إعداد المسلمين لقيادة الإنسانية إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها.

وقد حدد الشيخ في مقدمة الكتاب المصادر المعتمدة وأحال على عناوينها، وبالتمعن فيها نجد أنها تمتد ما بين القرن الرابع (الطبري) والقرن العاشر (السيوطي) مرورا بابن عطية، والفخر الرازي، والقرطبي، وابن جزي، وابن كثير، والثعالبي.

وعند تتبع أهم ما ميّز هذا التفسير نجد أمورا نذكر منها:

– اقتصاره على سور المفصل بدءا بسورة “الحجرات” إلى سورة “الناس”.

– أسلوبه البسيط الماتع الممتع، السهل الممتنع، وهي خاصية طبعت كتابات الشيخ كنون كلها على اختلاف مجالات تأليفها.

– عدم الميل عن “ظاهر الآيات” وعدم صرفها عن وجهها واعتماد المأثور في بيان المعنى المراد، أو قول السلف رضوان الله عليهم.

– الإقدام على بعض الترجيحات والتوضيحات عند تشعب الرأي.

خاتمة

هذه أهم المعالم التي ارتأينا أن نقدم بها “تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” للشيخ العلامة عبد الله كنون الحسني، وهو كتاب في سفر واحد، سهل الاقتناء، سهل القراءة، غزير الفائدة. يذكر أنه طبع مرتين: الأولى سنة 1981 عن دار الثقافة بالدار البيضاء، والثانية سنة 2019 عن شمس برينت بمدينة سلا، وهي طبعة تمت من خلال شراكة بين حركة التوحيد والإصلاح و مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي.