توطئة

وقفت على أعداد مجلة “تطوان”؛ مجلة الأبحاث المغربية الأندلسية، والتي كانت تصدر عن نيابة الشمال لوزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة، وتطبع بمطابع كريماديس بتطوان، ابتداء من عام 1956، وقمت بنشر ملخص لمحتويات مقالات أعدادها العشرة (+ ملحق خاص) على صفحات جريدة الشمال التي تصدر من طنجة، وها أنا ذا أجدني مدفوعا إلى التعريف بها هنا تعميما للفائدة.

مجلة تطوان“.. دواعي النشر

في البداية وجدتني أسعى إلى التعرف على دواعي نشر مجلة “تطوان”، وأول ما وقفت عليه هو تتبع ما نشر في العدد الأول منها من معلومات بقلم الأستاذ محمد بن تاويت التطاوني (رحمه الله) الأديب والأستاذ الجامعي، المزداد بتطوان سنة 1917 والمتوفى عام 1993، أحد أعلام تطوان في الأدب العربي والترجمة عن اللغات الحية، ألف وحقق ونشر في شتى المجلات والجرائد الوطنية وفي عدد من الدوريات العربية والدولية.. وعمل – قيد حياته- باحثا بمعهد فرانكو للأبحاث العربية الإسلامية، ثم أستاذا بالمعهد الديني العالي بتطوان فمديرا له، ومديرا لمعهد مولاي الحسن للأبحاث، وأستاذا بالمعهد الرسمي للدراسات الثانوية بتطوان، ثم أستاذا بكليات الآداب بالرباط، تطوان، أكادير وفاس (وخاصة: اللغة الفارسية والتركية)، ونشر مجموع أبحاثه ضمن عدة منابر: الأمة، رسالة المغرب، العلم، الأنوار، الأنيس، دعوة الحق، المناهل، ومن أعماله: تاريخ سبتة، الوافي بالأدب العربي بالمغرب الأقصى، تاريخ التشريع الإسلامي، الاستشراق والإسلام، ابن عبد ربه، ابن زيدون، تاريخ البلاغة العربية.. وغير ذلك.

يقول محمد بن تاويت في صدر العدد الأول من مجلة “تطوان”: “بعدما صدر العدد الأول من مجلة “تمودة” (بالإسبانية) سنة 1953، فكر بعض الأعضاء الذين تضمهم “هيئة رعاية البحوث والثقافة المغربية العليا” بتطوان في أن يردف صدور هذه المجلة مجلة عربية تتناول البحوث التي تتعلق بالمغرب والأندلس على نحو صنيع هذه المجلة الصادرة بالإسبانية”، وذكر من أعضائها بالإضافة إليه الأستاذان: عبد الله كنون ومحمد عزيمان.. ولما رفض طلبهم الأول الذي قدموه إلى نيابة التعليم بتطوان، عاودوا الطلب بعد الاستقلال -كما قال- “وما استرد المغرب سيادته، وما شكلت وزارته الوطنية، حتى عاود هؤلاء الجماعة محاولتهم الأولى لتنفيذ ذلك المشروع المثالي، فاتجهت نيابة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة بالشمال إلى وزارتها التي ما فتئت أن تلقته بمزيد الترحاب والتشجيع، فشمرت هذه الجماعة عن ساعدها –شاكرة- لإعداد العدد الأول من هذه المجلة التي تحول اسمها إلى “تطوان”، وذلك بعدما كان الطلب الأول تحت اسم:”الكتبية“.

وعن سبب اختيار أعضائها لاسم مجلة “تطوان” يحكي لنا محمد بن تاويت مخاض هذا الاختيار بقوله: “لقد انتهى المطاف إلى تسمية المجلة باسم “تطوان” وما كان ذلك عن تحيز –كما يبدو- لتطوان، ولكن ذلك كان لأن هذا الاسم سيحمل الطابع الخاص بهذه المجلة –ولو إلى حين- ولأن كثيرا من الموضوعات المغربية التي يلامسها الأندلس لها علاقة أكثر متاتا بهذه الناحية، على حين أن هذه المجلة كانت هي الأولى من نوعها تصدر بتطوان، فلا أقل من أن يسجل لتطوان هذا الحادث للذكرى والتاريخ، لا للفخر والمباهاة..”.

كما أبدى محمد بن تاويت مدى رغبة أعضاء المجلة بالكتابة باللغة العربية بسبب ما كان يطغى على الإعلام المنشور آنئذ من اللغة الفرنسية والإسبانية، ومع ما كان يصل إلى المغرب فترتئذ من مجلات مصرية، -كما ذكر- “لهذا كان من الأجدر أن تقوم مجلة “تطوان” بهذه المهمة – على قدر استطاعتها- مهيبة برجال الفكر من المغاربة أن يساندوها في هذه الرسالة بالمشاركة بأقلامهم فيها”، ويطلعنا غلاف المجلة أن رئيس هيئة التحرير أسندت للوزير الأستاذ محمد الفاسي، وخليفته الأستاذ محمد عزيمان، وسكرتير التحرير تقلدها الأستاذ محمد بن تاويت، والمكلف بالترجمة وخليفة السكرتير الأستاذ عبد اللطيف الخطيب، فيما كان أعضاء المجلة مكونا من الأساتذة: عبد الله كنون، ومحمد المنوني، وإبراهيم الكتاني، وعبد الرحيم جبور، وماريانواريباس باولا، والتهامي الوزاني.

هيكلة أعداد مجلة تطوان

من خلال الاطلاع على هيكلة إعداد مجلة تطوان ستتبين لنا طريقة اختيار الأبواب والملفات والمواضيع التي كانت تنشر بهذه المجلة. وقداشتمل العدد الأول من مجلة “تطوان” الذي جاء في حوالي المائتي (200) صفحة، على ما يلي:

  • فبالإضافة إلى التقديم،
  • وصورة حديثة لجلالة المغفور له السلطان محمد الخامس،
  • ثمان مقالات أو أبحاث،
  • ثم أخيرا، وضمن أبواب المجلة نصل إلى فقرة: نقد الكتب التي يشرف عليها الأستاذ محمد بن تاويت،
  • أما الباب الأخير فهو باب: الأنباء الثقافية ويشتمل على بعض الأخبار العامة والثقافية منها على وجه الخصوص من أنشطة ثقافية ولقاءات وندوات..
  • ثم فهرسة مواضيع العدد الأول،
  • وقائمة بمنشورات نيابة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة بالشمال، وهي على كل حال متنوعة وغنية.

اهتمامات مجلة “تطوان”.. غنى وتنوع

سنعطي مثالا لمواضيع هذه المجلة من خلال فهرسة العدد الأول تمثيلا لا حصرا، لبيان غنى وتنوع فقراتها ومواضيعها:

  1. وأول مقالة فيها بعنوان: “وثيقة تاريخية عن تطوان”، بقلم الأستاذ: محمد بن تاويت، وهي مذكرة لرجل جزائري – كما يقول- ظل في تطوان بعدما احتلها الإسبان في حرب الستين، وصف فيها الحالة التي كانت عليها تطوان خلال الاحتلال وصفا دقيقا، ومزج ذلك ببعض التعليقات عليها. وقد تضمنت المقالة جملة من القصائد التي قيلت عن هجرة أهل تطوان بعد حرب الستين، ومن ذلك قول الشاعر الفقيه أحمد الجندي (من عدول تطوان)، أنشأها في متم ربيع الأول سنة 1277 وهي من بحر البسيط:

فأهل تطوان هاجروا لبارئهم *** والعز في الهجرة والقرب والنظر

نالوا بهجرتهم ما ناله الأول *** أعلا العلا وكذاك القرب والجور

لم يلتفت أحد منهم لزينته *** والنفس منهم غلت وعزها القدر

بقوة حاربوا الكفار وامتثلوا *** أمر الإلاه وما اتاهم الكدر

  1. وحدة المغرب العربي: مظاهرها السلالية واللغوية والفكرية، للأستاذ: عبد العزيز بن عبد الله.
  2. معلومات جديدة عن سفارة محمد الدليمي، لماريانو اريباس بالار.
  3. توصيف لبعض القطع الأثرية التي أحضرت من ليكسوس إلى المتحف الأثري بتطوان.. بقلم: ميكيل طراديل ماطيو.
  4. علاقات المغرب بالشرق أيام السلطان أبي الحسن المريني، بقلم الأستاذ: محمد المنوني.
  5. طوائف وشخصيات مسيحية بالمغرب، للكاتب: الصديق بن العربي.
  6. نظرة على تاريخ “الموريسكوس” لكاتبه: محمد قشطيليو.
  7. الخوارج في الأندلس، للدكتور محمد مكي.

ويظهر منذ الوهلة الأولى أن محتويات هذه المجلة مجلة “تطوان”؛ مجلة الأبحاث المغربية الأندلسية، كانت البذور الأولى لبعض المؤلفات التاريخية التي ظهرت عند بعض الكتاب المغاربة وعلى رأسهم الأستاذين محمد المنوني ومحمد داود… وأول ما يطالعنا في ذلك موضوع بعنوان: مظاهر يقظة المغرب الحديث، لكاتبه الأستاذ محمد المنوني، حيث انطلق فيه بوضع تصميم عام ذكر فيه أنه “بحثٌ يعرض مظاهر يقظة المغرب الحديث من احتلال الجزائر عام 1245هـ/1830م إلى فرض الحماية على المغرب عام 1330هـ/1912م “.. ولذلك استعرض فيه أولا الحالة التي صار إليها المغرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وهي الحالة التي كانت سببا مباشرا لظهور يقظة المغرب الحديث، ثم درس ثانيا مظاهر هذه اليقظة؛ وقسمها إلى طورين اثنين: الطور الأول الذي يبتدئ من احتلال الجزائر حتى موقعة تطوان عام 1276هـ/1860م، والطور الذي يليه.

وخصص الجزء الثاني من هذا المقال للفترة الممتدة ما بين عام 1276-1317هـ، والتي اعتبرها فترة لامعة من تاريخ المغرب، إذ بعد حرب تطوان شهد المغرب تباشير نهضة وطنية حديثة وبوادر حركة إصلاحية قام بها الملكان: محمد الرابع وابنه المولى الحسن.. وقد استعرض المقال جملة من الأعلام المغاربة الذين ساهموا في هذه النهضة.

كما استعرض جملة من علماء المغرب الذين قدموا توجيهات للسلطات لإصلاح الحالة بالمغرب، هذا بالإضافة إلى وقوفه على ظهور الصحافة العربية بالمغرب بعدما كان يتولى إدارتها أفراد من الجالية العربية، وكانت جريدة “المغرب” أول جريدة ناطقة بالعربية صدرت آنذاك، وأخيرا عرض الكاتب إلى مظاهر اليقظة في الأدب المغربي؛ وأهم حدث معبر عنها هو حرب تطوان وما أنتجته من نصوص أدبية معبرة، نذكر منها قصيدة للسيد امفضل أفيلال جاء فيها قوله:

يا دهر قل لي على مه *** كسرت جمع السلامة

نصبته للدواهي *** ولم تخف من ملامه

وذكر عن حرب تطوان وما آلت إليه هذه المدينة قوله:

تطوان ما كنت إلا *** بين البلاد حمامة

أو كخطيب تردى *** من بعد لبس العمامة

بل كنت روضا بهيجا *** زهرك أبدى ابتسامة

أو كمحيا عروس *** علاه في الخد شامة

فقت بهاء وحسنا *** فاسا ومصر وشامة

رماك بالعين دهر *** ولا كزرقا اليمامة

ففرق الأهل حتى *** لم يبق إلا ارتسامه

 

ملحق العدد العاشر من مجلة “تطوان

ويجب التنبيه كذلك إلى أنه قد ألحق بالعدد العاشر من “مجلة تطوان”، عدد خاص خلال سنة 1962م، بمناسبة الذكرى المئوية الثالثة لجلوس المولى إسماعيل على عرش الدولة المغربية، وقد تضمن هذا العدد شطرين اثنين:

  • خصص الشطر الأول منه لعرض نبذة عن حياة المولى إسماعيل العلوي وذكر بعض منجزاته وإصلاحاته في مختلف الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية،
  • فيما اشتمل الشطر الثاني من هذا الملحق صورا لرسائل إسماعيلية مع العائلة الفاسية؛ وخاصة مع أبي عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي، تنشر لأول مرة.

خاتمة

وردت إشارة في العدد الموالي (ع 11) تفيد بأن المجلة قد توقفت عن الصدور، وأول ما يطالعنا به العدد الحادي عشر من هذه المجلة، الإخبار باستئناف الصدور بعد توقف لخمس سنوات وفق العبارات التالية: “بعد احتجاب طال مدة خمس سنوات تعود هذه المجلة إلى الظهور مستأنفة عملها، فنرجو لها الاستمرار في مهمتها السامية”. ثم استأنفته بعد ذلك.. لكنها لم تستمر أبدا، وتوقفت عن الصدور بعد هذا العدد، وبذلك أسدل الستار عن مجلة تعتبر من أرقى وأغنى الإصدارات بحاضرة الشمال مدينة تطوان في فترة الاستقلال المجيد.