طفولة عبد الله إبراهيم ومساره الدراسي بمراكش

عالم وأديب ومفكر وسياسي مغربي ذو ثقافة موسوعية لا تخطئها العين المتفحصة لمسار  الرجل. ولد بمدينة مراكش يوم 24 غشت عام 1918م/1336ه بحي المواسين درب حمان، لأسرة من الشرفاء الأدارسة. كان أبوه يشتغل في تجارة الجلود.

بدأ عبد الله إبراهيم مساره التعليمي بحفظ القرآن الكريم بكتاب بسوق الغسول عند الفقيه النظيفي، وقد أظهر نبوغا كبيرا وهو في سن صغيرة، فحفظه وهو ابن عشر سنوات. كما درس في كتاب خاله السيد بومدين الكائن بحي المواسين. كما التحق بمدرسة الباشا الكلاوي بنفس الحي، والتي أنشئت سنة 1922. كما حفظ بعض المتون على عادة الطلبة المغاربة في الكتاتيب القرآنية المغربية، مثل الآجرومية والألفية وغيرهما[1].

وفي سن 15 سنة تاقت نفسه لتعلم اللغة الإنجليزية فاتصل بشاب إنجليزي كان يملك محلا لبيع الكتب الأجنبية في حي المواسين قصد مساعدته في تعلم الإنجليزية، وقد واظب على تعلمها  إلى أن تم اعتقاله، وبعد إطلاق سراحه عاود التواص بالشاب البريطاني، فربط له هذا الخير علاقة براهبة أجنبية بمدينة الجديدة تتحدث الإنجليزية بطلاقة، فأصبح يتردد عليها في الجديدة للتعلم. كما درسها على يد مبشر إنجليزي بمراكش. أما اللغة الفرنسية فقد تعلمها بمفرده لشعوره بأهميتها في الحياة الاجتماعية والنضالية. كما التحق بجامعة ابن يوسف المشهورة بمراكش، والتي كانت بمثابة مؤسسة تخريج منها عدد من قادة المقاومة المغربية؛ كمحمد البصري ومحمد بن سعيد أيت إيدر  وعبد السلام الجبلي، وكذا عدد من القادة النقابيين كنوبير الأموي، وقيادات الحركة الإسلامية كالشيخ عبد السلام ياسين[2]. وقد درس في جامعة ابن يوسف على يد عدد من الشيوخ: كالعلامة أحمد أكرام، والعلامة الرحالي الفاروق، والعلامة علي السباعي رافع، والعلامة الصوفي مولاي إبراهيم السليطين، والعلامة أحمد ولد الحاج المحجوب، والعلامة محمد بلحسن الدباغ وغيرهم. وطيلة هذا المسار من الدراسة تميز عبد الله إبراهيم بين أقرانه بالذكاء والفطنة والتفوق الدراسي الناذر[3]. وقد نال من جامعة ابن يوسف شهادة العالمية.

مساره في دروب النضال الوطني

وقد انخرط مولاي عبد الله ابراهيم مبكرا في دروب النضال من أجل الاستقلال، فعمل على إنشاء عدد من الخلايا الوطنية في صفوف الحرفيين بمدينة مراكش، والتي كانت آنذاك تحت قبضة الرجل القوي الباشا الكلاوي. وفي سنة 1364/1945 شد عبد الله إبراهيم الرحال إلى فرنسا فدرس في السربون الآداب والتاريخ والاقتصاد. وبالإضافة إلى دراسته تلك، فقد حضر لدروس في أفكار هيجل ونيشه وماركس مدفوعا في ذلك بحبه للفلسفة[4].

وإلى جانب الدراسة والاجتهاد الأكاديمي نشط بشكل كبير في قضية تحرير بلاده من الاستعمار، فبدل جهودا كبيرة لتنظيم العمال المغاربة بالمهجر في صفوف حزب الاستقلال. وفي سنة 1368/ 1949 عاد إلى المغرب وتولى رئاسة تحرير جريدة العلم التابعة لحزب الإستقلال.

لقد كان عبد الله إبراهيم من المؤسسين الأوائل للحركة الوطنية المغربية وفي مدينة مراكش على وجه الخصوص. فقد كان عضوا في الكتلة الوطنية باعتبارها أول التنظيمات الوطنية في المغرب، وبعد حلها من طرف السلطات الإستعمارية أصبح عضوا في الحزب الوطني الذي خلق الكتلة، والذي حظر بدوره من طرف الفرنسيين. وهو من المؤسسين لحزب الإستقلال. وقد أعتقل أول مرة سنة 1354/1936 من طرف الباشا الكلاوي ومصالح الأمن. وفي سنة 1356/1937 اعتقل للمرة الثانية وتم نفيه إلى تارودانت لمدة ثلاثة أشهر مع جماعة من الوطنيين وعلماء جامعة ابن يوسف. وفي سنة 1363/1944 اعتقل لمرة ثالثة. ليتكرر الأمر سنة 1946 وأودع سجن تازناقت. وفي سنة 1371/1952 اعتقل مع عض أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال[5]. هذا دون أن ننسى أن مولاي عبد الله إبراهيم كان من الموقعين على وثيقة 11يناير 1944 للمطالبة بالإستقلال.

المسؤوليات السياسية والحكومية

بعد الاستقلال كان عبد الله ابراهيم من العناصر السياسية التي ستطبع مغرب السنوات الأولى للإستقلال ببصماته الواضحة؛ سواء على مستوى النضال السياسي من أجل الديمقراطية أو على مستوى النضال من داخل دواليب الحكومة المغربية. وقد كان عبد الله إبراهيم من الشخصيات الأساسية، إلى جانب المحجوب بن الصديق، التي رفضت خضوع نقابة الإتحاد المغربي للشغل لنفوذ وسلطة اللجنة التنفيدية لحزب الإستقلال والذي كان عبد الله إبراهيم عضوا فيه وممثلا بارزا، إلى جانب الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي، للجناح الراديكالي داخل الحزب. وقد ساهمت مواقفه تلك ورفضه لاحتكار القرار من طرف القيادة التاريخية لحزب الإستقلال في انقسام الحزب.  وقد كان يطلق على هذا الجناح ب”الشباب الأتراك”[6].

وفي 22 ربيع الثاني 1375/ 7دجنبر 1955 تشكلت حكومة مبارك لهبيل البكاي الأولى وعين مولاي عبد الله إبراهيم كاتبا للدولة مكلفا بالأنباء وناطقا باسم الحكومة. وفي 4 شوال 1376ه / 5 مايو 1957م عين وزيرا للشغل والشؤون الإجتماعية في حكومة مبارك لهبيل البكاي الثانية. وبعد انقسام حزب الإستقلال عينه محمد الخامس في 15 جمادى الثانية 1378ه / 26 دجنبر 1958م رئيسا للحكومة. وهي الحكومة التي وصفت بأنها أول حكومة يسارية في تاريخ المغرب. وخلال تلك الفترة بلغت شعبية الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ذرتها. وخلال رئاسته للحكومة، والتي تولى فيها زميله عبد الرحيم بوعبيد منصب وزير الاقتصاد والمالية، توجه مجهود مولاي عبد إبراهيم نحو تحقيق الإستقلال الوطني وإطلاق أوراش إقتصادية وإجتماعية كبرى، من بينها: الخروج من منطقة الفرنك، العمليات الأولى للإصلاح الزراعي، إنشاء الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي (CNSS)، وفي عهد تم إغلاق القواعد الأمريكية في المغرب وفق شروط شروط جيدة (في عهد الرئيس إيزنهاور)، وفتح مع فرانكو  ملف استرجاع الساقية الحمراء وواد الذهب. لكن كل هذه الجهود جعلت بعض الأطراف داخل دواليب الدولة تسعى جاهدة لعرقلة عمل حكومته خصوصا من طرف محمد الغزاوي (المدير العام للأمن الوطني) وأحمد رضا كديرة  (المقربين من ولي العهد مولاي الحسن). وفي 23 مايو سنة 1960 أنهى محمد الخامس مهام حكومته، وتولى الملك شخصيا رئاسة الحكومة بمساعدة ولي عهد آنذاك الأمير مولاي الحسن لنائب للرئيس[7].

ورغم قصر  التجربة كحومة عبد الله إبراهيم (18 شهرا فقط)، إلا أن المشاريع التي أطلقها، وكذا الإلتزام الأخلاقي الصارم للرجل جعل من هذه التجربة تجربة فريدة في تاريخ المغرب، واعتبرت من طرف المتتبعين من الفرص الضائعة في مغرب بداية الإستقلال، وكانت تكلفتها كبيرة سواء على مستوى السياسي والديمقراطي أو على المستويات الإقتصادية والإجتماعية. كما كان إجهاض تلك التجربة سببا في إطلاق سلسلة لا نهاية لها من الصراعات السياسية في مغرب بداية الإستقلال.

وفي يوليوز 1970 دشن عبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق ما أطلق عليه: “الكتلة”، والتي لم تدم طويلا، حيث انقسم الإتحاد الوطني للقوات الشعبية والإتحاد المغربي للشغل بسبب الموقف من دستور 1972. وقد تعمق هذا الانقسام والشك بين الطرفين بسبب الموقف من حكومة الوحدة الوطنية التي سعى إلى الملك الحسن الثاني تشكيلها.

وفي 30 يوليوز 1972 قادت النخب الشبابية داخل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية (والعلو والراضي واليازغي) التصويت من أجل حل الكتابة الدائمة التي تم إنشاؤها سنة 1967، وتمت الدعوة إلى المؤتمر الوطني. وقد تم طرد عبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق من الحزب. وقد ندد آنذاك عبد الله إبراهيم بما سماه انتهازية النخب الشابة داخل الحزب.

الإرث الفكري والعلمي لمولاي عبد الله إبراهيم

بالإضافة إلى المسؤولية السابقة الذكر، فقد خلف مولاي عبد الله إبراهيم عددا غير يسير من الأعمال الفكرية والعلمية، وهي الأعمال التي تكشف بشكل جلي، الجانب الفكري والعلمي الموسوعي لعبد الله إبراهيم:

  • أوراق من ساحة النضال (1975).
  • صمود وسط الإعصار (1961).
  • الإسلام في آفاق سنة 2000 (1979).
  • بالذكاء وقوة الكلمة (1990).
  • نداء الحرية (1995).
  • ثورة تقدمية ذات طابع تاريخي (1995).
  • تقرير المذهبية: المؤتمر الثاني 1962، والمؤتمر الثالث 1974، والمؤتمر الرابع 1982.
  • نظرية الجدلية والتفسير المادي للتاريخ (1967).
  • جدلية السلام والحرب في المغرب العربي.
  • حتى لا تدمر شعوبنا بعضها بعضا: خاص بالصحراء.
  • فعاليات الشباب تكمن في التحامهم بالجماهير(1984).
  • أزمة التعليم تعكس الأبعاد البنيوية للأمة العامة في المغرب (1981).
  • الإتحاد الوطني للقوات الشعبية أمام أزمة الخليج (1990).

وقد توفي رحم الله بمدينة الدار البيضاء عن عمر 87 سنة، يوم الأحد 6 شعبان 1426/ 11 شتنبر 2005، ودفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء.

المراجع
[1] متفكر أحمد، معلمة المغرب، الجزء 24، ملحق 1، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2008، ص 8-9.
[2] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p356.
[3] متفكر أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 8-9.
[4] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques,coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, Idem.
[5] متفكر أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 8-9.
[6] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, Ibid, p 357.
[7] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, Ibid, P 357-358.