توطئة

تحتل الشراكة مكانة مهمة باعتبارها لا تتحقق فقط عبر المساهمة في صناعات السياسات العمومية، وإنما تتعلق كذلك بالمساهمة في تنفيذها وتنزيلها على أرض الواقع، ومن هنا تأتي أهمية هذه الآلية في مساهمة تنظيمات المجتمع المدني في تدبير الشأن العام إلى جانب القطاعات الحكومية المعنية.

إن الشراكة مع المجتمع المدني ليست فقط لفهم المشاكل وإنما للتعامل معها، وهي، أي الشراكة، بمقدار حضورها كممارسة يومية وكقواعد وآليات، تضع الجميع، ولا سيما الباحثين في مواجهة مباشرة مع المسؤولية، والبحث عن حلول والمشاركة في تطبيقها وتحمل نتائجها، وكذا تتبعها وتقييمها، كما أنها تترك الباب مفتوحا لمواصلة الاجتهاد والتشاور والمراقبة والمراجعة والتطور، بحثا عن صيغ أفضل من خلال الارتقاء بالحلول التي تم التوصل إليها في وقت سابق. وهكذا تصبح الشراكة شرط التطور ووسيلته في آن واحد، وتصبح الأداة الأمينة والمجربة للانتقال من وضع إلى وضع أرقى، والطريقة لتجنيب المجتمع الهزات، وأيضا الصيغة التي تفسح المجال أمام مشاركة القوى المدنية الحية والفاعلة في تحمل المسؤولية.

ولفهم جيد لتدبير الشراكة مع المجتمع المدني وديناميتها، يحاول كتاب “ديناميات تدبير الشراكة مع المجتمع المدني” للدكتور حفيظ يونسي، و الدكتور هشام عميد، مساهمة لاستيعاب آليات التدبير والوقوف على أهمية هذه الشراكة وفعاليتها، والحاجة إلى استيعابها واعتمادها في أفق تطويرها من أجل مجتمع التنمية.

تقديم الكتاب

يقع الكتاب في 196 صفحة، عن دار الآفاق المغربية، تقديم الدكتورة حنان بنقاسم أستاذة التعليم بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات جامعة الحسن الأول، وهو من تأليف الدكتور حفيظ يونسي، والدكتور هشام عميد. والكتاب محاولة لمقاربة  موضوع يفرض بعض الملاحظات المنهجية أهمها، حسب الدكتورة حنان بنقاسم؛  يجب التعاطي معه بكثير من النسبية في التقييم بالنظر لاعتبارين أساسيين؛ يتعلق الأمر الأول بندرة الدراسات والأبحاث المؤسساتية التي تملك طابع الشمول والإحاطة. ثانيا، فأيا كانت طبيعة التقييمات. فإن الشراكة مع المجتمع المدني واقع ملموس ومؤثر في حياة المواطنين وذات صلة بكثير من الملفات الحيوية المتعلقة بالتغيير المجتمعي العام وقضاياه المركزية من قبيل المرأة الطفولة الإعاقة البيئة… وخدمات القرب الموجهة للأسر الفقيرة والفئات الاجتماعية الأكثر حرمانا. (الكتاب ص 3)

لقد شكل المجتمع المدني أحد الأركان الأساسية ضمن الدينامية المجتمعية، حيث أصبح معولا عليه حاضرا ومستقبلا من أجل المساهمة في قيادة المسيرة التنموية، وذلك جنبا إلى جنب مع جهود الدولة وباقي القطاعات الأخرى. خصوصا وأن المجتمع المدني تحول إلى قوة اجتماعية فاعلة ومنظمة، تسهم في تدبير التنمية الشاملة والمستدامة، وفي العمل على تحقيق التنمية البشرية، هذه القوة التي يؤكدها حضوره على المستويات المختلفة.

وقد تجلت وظائف المجتمع المدني الذي عرف تطورا ملحوظا، بالنظر للمكانة التي يحتلها في النسق البنيوي للديمقراطية، دور الوساطة الذي أصبح يلعبه بين الدولة والمؤسسات المنتخبة والمجتمع، والمساهمة في تطوير وتجويد مضمون السياسات العمومية. كشريك أساسي في التنمية الاجتماعية في إطار مقاربة تشاركية. (الكتاب ص 7)

إن المسألة النظرية التي سعى الكتاب لطرحها في إطار سوسيو قانوني هي مسألة طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني من خلال الشراكة والتي تبرز حدود المشاركة وتوزيع الأدوار في عملية التنمية، للعمل على إشراك الفاعل المدني في تسيير وتدبير الشأن العام.

ظلت إشكالية الشراكة مع المجتمع المدني في المغرب وتمكينه صورية حتى سنة 2011 لتتم دسترة أدوار المجتمع المدني وصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، إلا أن هذا التفاعل العلائقي الدستوري وإن اعتبر اعترافا رسميا بالتنظيمات المدنية، فالواقع أنه على مستوى القوانين المنظمة للشراكة مع النسيج الجمعوي والتعاوني ما تزال تعاني من القصور والذي لم يتم تحيينه لمواكبة المستجدات الوطنية والدولية لمواجهة التحولات والرهانات الاجتماعية، وكذا المساهمة في الإقلاع الاقتصادي.

وفق هذا المنظور برز السؤال الإشكالي المركزي والذي يمثل العمود الفقري لهذه الدراسة هو: ما مدى مساهمة الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني في الدفع بعجلة التنمية وفق مقاربة تدبيرية تشاركية؟ وبعد تفكيك هذه الإشكالية المركزية وحلحلتها تم الخروج بأسئلة فرعية مساعدة على سبر أغوار الموضوع والتعرف أكثر عن كيفية معالجة إشكالية ضعف الشراكة من خلال تقوية آلياتها وتعزيز البيئة التمكينية القانونية لإشراك النسيج الجمعوي والتعاوني. (الكتاب ص 21)

وقد تمحورت الأسئلة الفرعية حول: الشراكة مع هذا الوسيط التنموي؟ أي دور للإطار القانوني المنظم للعمل الجمعوي والتعاوني في تعزيز الشراكة مع الوسيط التنموي؟ كيف هو واقع الشراكة مع المجتمع المدني؟ وما هي المقاربات المعتمدة للمساهمة في التنمية الترابية؟

وجاء تقسيم الكتاب، وانطلاقا من تلك الأفكار التمهيدية، إلى قسمين: يتمحور القسم الأول من الدراسة حول الاطار النظري، القانوني للشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، ومراحل تطوره في المرجعيات والنصوص القانونية وتحديد الرهانات التي حكمت هذه المنظومة، في علاقتها بالتدبير التشاركي للتنمية. أما القسم الثاني، فقد خصص للإطار المؤسساتي التنموي والإشكالات التي تحد من هذا الدور للشراكة مع المجتمع المدني، انطلاقا من صياغتها وتقييمها واختبار عوامل الجمود ومستويات التحول، وذلك في أفق إعداد استراتيجية تهدف إلى الرفع من جودة الشراكة وقيمة التمويل، وتضع سبل تطوير الفعاليات المدنية للرقي بها إلى مستوى الشريك خاصة على مستوى الجماعات الترابية.

خاتمة

لقد سعى الكتاب إلى تبسيط مضمون الشراكة مع المجتمع المدني، للإسهام في بناء الصرح القانوني والتنموي بالمغرب، وتنوير السبيل أمام طالب العلم والتنظيمات المدنية. وفي ظل، الأدوار المسندة للمجتمع المدني في مغرب يدشن لدولة القانون والمؤسسات، لا بد من توفير الظروف والمناخ الملائمين من أجل تفعيل الشراكة مع المجتمع المدني، لضمان إنجاح المشاركة الفعالة وكسب رهان المجتمع المدني الذي راهنت عليه الدولة كشريك في صناعة السياسات العمومية وفي تفعيلها وتقييمها.