مجال إتحادية كنفيسة/ إيكْنْفيسْنْ

يقول الأستاذ التقي العلوي عن كنفيسة -بالكاف المعقودة-، والتي تعرّب أحيانا “جنفيسة”:  “وأما كنفيسة فهي بالجيم المعقودة، يقول بعض المؤرخين أن الكلمة من وضعها تعني فوق نفيس لأنها مركبة من مقطعين أولهما : إكّـي  بالكاف، أو الجيم المعقودة، وهو يؤدي معنى فوق  وأعلى. والثاني نفيسة، وهو يعني وادي نفيس، وبالفعل فمواقع هذه الاتحادية القبيلة المصمودية كانت منبثة بالحوض الأعلى لنفيس حيث تحمل المنطقة الآن اسم (أغبار) وقد انتشرت فروع القبيلة فوق المناطق العليا لدرن وعلى المصبات الشمالية والجنوبية لسلاسله، فيما بين الجادتين الكبيرتين اللتين يقع بهما الاتصال بين الشمال والجنوب، أولهما طريق مراكش تارودانت عبر طريق “تيزي نْتاسْت”، وثانيهما طريق شيشاوة أكادير عبر إمنتانوت وأركانا عبر طريق “تيزي ن أومعاشو.. وقد كانت قبيلة كنفيسة عزيزة الجانب صعبة المراس منيعة الخضوع والانقياد للغير، وذلك بفضل موقعها وبسالة أبنائها، وتعتبر لغتها من أفصح اللغات في ذلك اللسان على حد تعبير المراكشي، والفضل في ذلك يرجع إلى علو جبالها وهيبة أبنائها وعزلة ترابها .. وتتوالى أزمنة التاريخ على استخدام هذا اللفظ عندهم لتعيين اسم هذه القبيلة التي تجمع عدة فصائل إلى أن يحلّ القرن العاشر الهجري فيختفي هو الأخر عن الأسماع، ويبتعد عن الألسنة والأفواه.”[1].

ولأن إتحادية كنفيسة تنتمي إلى قبائل الموحدين السبعة (وهي: تينمل وهرغة وهنتاتة وكدميوة وكنفيسة وهزرجة ووريكة، إضافة إلى قبيلة عبد المومن بن علي  كومية[2] )، فقد أورد  البيذق أسماء فروعها وأفخاذها، فقال عن كنفيسة في سياق سرده لقبائل الموحدين: “كنفيسة أكرمهم الله، لهم من الأفخاذ اثنان وعشرون فخذا أولهم زداغة  إيداوزداغ، ومنتاكة أواِمنتاكن معا، أهل تكوكا أيت تكوكا معا، بنو مصاظواك، ايدا ومصاطواكا معا، سكساوة، ايسكساون معا، مدلاوة، ايمدلاون معا، هسانة إسّاتْن معا، بنو واكاس، أيت واكاس معا، مصغالة، أيت مْصْغالْت معا، المهاجرون العبيد سمكة، إيسمكان معا، كزولة أو كزولن معا، محمودة الجبل، إيدا ومحمود معا، بنو إيزيمر، أيت يزيمر معا، ايداويزيمير معا، محمودة الظل، ايداو محمود معا، مديسيرة إيمديسيرن معا، بنو وين يران، أيت وين يران معا، بنو واكصكن، أيت واكصكن معا، لكونة، أيداو لكون معا، أهل السّن، أيت يسّن معا، هزكيتة أييزكيتن معا، مسكينة أو مسكينن معا.”[3].

الرؤية الطبونيميا لدلالة إسم كنفيسة

ويبدو لنا أن ربط اسم هذه الاتحادية القبلية الكبيرة بموقعها الجغرافي، لا يفيد ولا يساعد على تفسير اسم “كنفيسة” في لسان تاشلحيت، سواء كان أصل الاسم “إكِّي ن نفيس” أو “فوق النفيس” أو كان ” كُّونفّيس” أي المنتمي لـ”نفّيس” والمنحدر منه،  وذلك لبُعد مجال استقرار القبائل المشكلة لهذه الاتحادية عن أعالي وادي نفيس، في حين أن اتحادية كدميوة (إيكْدْميوْنْ) هي المحاذية لمجرى واد “نفّيس” في الجبل ومنابعه في الأعالي، لتكون بذلك هي الأولى بهذا الاسم لو كان بالفعل مرتبطا بواد “نفّيس”، الذي لا يخترق إلا السفح الشمالي للأطلس الكبير الغربي في اتجاه الشمال. في الوقت الذي يمتد فيه مجال استقرار اتحادية “إيكْنْفيسْنْ”(كنفيسة) بعيدا عن واد “نفّيس” على السفحين الشمالي والجنوبي لجزء من لأطلس الكبير الغربي. ولهذا يمكننا اعتماد ثلاث فرضيات في تفسير اسم “كنفيسة”، ثلاث فرضيات تجعل الدلالة اللغوية لهذا الاسم في لسان تاشلحيت  توافق وتطابق دلالته الطوبونيمية:

الفرضية الأولى:

ترى أن الإسم الشّلحي الموافق للمجال الجغرافي للقبائل التي تنحدر من “إيكْنْفيسْنْ” (كنفيسة) هو “إكّي ن إسافّن”، الذي يمكن أن يعرّب ب “فوق الوديان”، لأن مجال هذه القبائل هو بالفعل في أعالي معظم الوديان التي تنبع من تلك المنطقة، فكُتِبَ خطأ عند نقله إلى اللغة العربية بـ”كنفيسة” (بتقديم حرف الفاء على السّين في الاسم) لكثرة تداول اسم مدينة “نفّيس” وواد “نفّيس” في المصادر التاريخية الوسيطية، بدل اسم “كنسيفة” (بتقديم حرف السّين على الفاء في الاسم)، ولازالت بعض مناطق وفروع أيت حدو يوسف بقبلية سكساوة بأعالي الأطلس الكبير الغربي، تسمى بـ”كّْرْ إييْسافن”، التي تعني “بين الأودية”.

الفرضية الثانية:

ترى أن اسم “كنفسية” تصحيف لاسم “كنسيفة”، الذي هو تعريب لاسم ” أنْكِي إييْسافنْ”، الذي يعني في لسان تاشلحيت منبع وفيض الأودية وليس تعريبا لاسم “إيكْنْفيسنْ”، وهذا الاسم يحمل دلالة طبوغرافية تتطابق مع المجال التاريخي لاستقرار بطون هذه الاتحادية القبلية التي تحمله.

الفرضية الثالثة:

تسير في اتجاه تبني اسم “كنفيسة” كما ورد في المصادر التّاريخية، باعتباره تعريبا لاسم “إكّونْفيسْنْ”، الذي هو جمع لـ “أكونفيس”، الذي معناه في اللغة العربية مأوى الضبع أو الوجار، فـ “أكُّونْ” أو”أسْكُّونْ” تعني المكان الذي يأوي إليه الحيوان أو الانسان لينام فيه، و”إيفيس” التي تعني الضّبُع. على اعتبار أن تلك المنطقة قد تكون في مرحلة تاريخية سابقة معروفة بتواجد الضباع بكثرة، خاصة وأن هذا الاسم لازال متداولا يطلق على بعض المواقع في مجال سكساوة، بمنطقة تيزي ن توشكا، حيث يوجد موقع يُعرفُ بـ”أزمو نو كُّونفيس” أي “مرعى كُّونفيس”، كما يوجد حاليا موضع في أيت محند، بالقرب من لالة عزيزة، يسمىّ بـ “بوكُّونفيس” أي صاحب “كُّونْفيس”.

وعليه، يمكن القول أن من فسّر الاسم الطوبونيمي “جنفيسة” بـ”إكِّي ن النفيس”هو في الحقيقة ليس سوى محاولة لنقل اسم “كنفيسة” الذي ليس سوى تعريبا خاطئا لاسم “أكونفيس” أو ” أنكّي ن إسافن” أو “إكّي ن إيسأفن”، على اعتبار أن البيذق  عربّه خطأ، كما عرّب خطأ غيره من الأسماء، ظانّا منه  أن “إيفيس” (الضبع) أو”إيسافن” (الأودية) يُقصد بهما اسم وادي نفّيس أو مدينة نفيس المعروفين آنذاك، وبعدما حاول بعض المؤرخين البحث عن الجذر الشلحي ل”كنفيسة” وجدوا أن الإسم الأقرب إليه هو “نفيس” و”كنفيس”، وبذلك تم تشلحيه أو تمزيغه خطأ بناء على الخطأ الذي وقع عند تعريبه في البداية.

المراجع
[1]  التقي العلوي - بحث  أصول المغاربة: القسم البربري شعب المصامدة - مجلة البحث العلمي- المعهد الجامعي للبحث العلمي الرباط- الصفحة 220  العدد 28 السنة 14 يوليوز دجنبر1977.
[2] عبد الواحد المراكشي – المعجب في تلخيص أخبار المغرب-  المكتبة العصرية  بيروت لبنان- ط 1  سنة 2006– ص 243. وابن خلدون في كتاب العبر ج 6 – عبد الرحمن ابن خلدون - " كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر- ج 6- منشورات محمد علي بيضون- دار الكتب العلمية بيروت لبنان- ط 2 سنة 2003- ص:316- 317.
[3]  البيذق ( أبو بكر الصنهاجي) المقتبس من كتاب الأنساب لمعرفة الأصحاب –  تحقيق عبد الوهاب بن منصور - دار المنصور للطباعة و الوراقة 1971 – ص: 47 – 48 – 49.