إن الحديث عن الأطلس الكبير  (أدرار ن درن أو أدار ندرن) يدفعنا إلى الحديث عنه أولا، من الجانب الطّبونيمي، وبشكل مقتضب عن جبال  الأطلس بصفة عامة، وهذا ما يقتضي البحث في أصل وظروف تسميتها بجبال “دَرَن” من طرف ساكنتها الأصلية وبعدها باسم جبال “الأطلس” من طرف الغزاة من الإغريق والرومان والبيزنطيين والبرتغال ثمّ الفرنسيين، وبعد ذلك الإشارة إلى ساكنتها من الأمازيغ المصامدة أو “الشّلوح“.

جبال درن طبونيميا

لا أحد من المؤرخين واللسانيين يجادل في كون اسم ” أدرار ن درن” عبارة أمازيغية مصمودية صرفة، من صياغة المصامدة أنفسهم، ولا يمكن أن تُفسّرَ وتُفْهَمَ إلا في إطار اللسان الأمازيغي المصمودي (تاشلحيت)، حيث لا زالت ساكنة هذه الجبال تُطلِقُ على موطنها هذا، الذي يسمى اليوم بالأطلس الكبير، اسم “أدرار ن دْرْنْ”  أي “جبل الحياة” ، أو “أدرار ءيدْرْنْ” أي “الجبل الحيّ”  و” أدرارْ نْدرْنينْ”، وهناك من قدّم تفسيرات أخرى لهذا الاسم، حيث جعلت أصله “أدْرارْ نْ ءيدْرارْنْ” أو “جبل الجبال”[1]. وإذا كان  اسم “أدرار ن دْرْنْ”  يُطْلَقُ منذ زمن سحيق على  كلّ الأطلس الكبير، فإنّه باتَ اليومَ مقتصرا على جزءه الغربي فقط وعلى سفحه الشمال على وجه الخصوص. وهو الاسم  نفسه الذي أخذه  الإغريق عن المصامدة ) سترابون Strabon المتوفى سنة 60 قبل الميلاد) وأطلقوه بصيغة ” Dyrine ديرين” على كلّ جبال شمال إفريقيا، كما أخذوا اسم “أمازيغ” عن المصامدة كذلك وعمّموه على كل سكّان شمال إفريقيا، رغم أنّه ليس سوى اسم أطلقه جزء من ساكنة شمال إفريقيا (المصامدة) على أشقاءهم من صنهاجة وزناتة، وعلى نفس النهج سار الرومان (بلين Pline)[2]، قبل أن يطلقوا على هذه الجبال اسم السلاسل الأطلسية[3].

جبال الأطلس ميثولوجياً

من المعروف أنّ اسم”أطلس” ينتمي إلى عالم الآلهة في الأساطير الإغريقية القديمة (الميثولوجيا)، فـ”أطلس” هو ابن “بوسيدون” إله البحر في الأسطورة الإغريقية، وأخ لـ”بروميثوس” و”أيبيميثيوس”، وهو “نبتون” في الأسطورة الرومانية. فأطلس مخلوق عظيم الارتفاع، مما يحول دون رؤية جزءه العلوي، ففي إطار الحرب الضّارية بين الجبابرة من آلهة الإغريق، انهزم “أطلس” في حربه على آلهة جبل الألمب وضدّ كبير آلهة الإغريق على الإطلاق “زيوس”، فحكم هذا الأخير على ” أطلس”  بحمل قبّة السماء على كتفيه إلى الأبد  في جبال شمال إفريقيا عقابا له على هجومه على آلهة جبل الألمب. هكذا أطلق الإغريق اسم “أطلس” على جبال شمال إفريقيا، حيث يعتقدون أنّها منفى الإله “أطلس”، لكونها جبالا شاهقة لا تُرى قممها من شدة علوها وكونها مغطاة بشكل دائم بالسحب والضباب، وبشكل تجسّد صورة الإله “أطلس” وهو يحمل قبّة السماء على كثفيه.

أمَّا ما يروّجه البعض من تفسيرات خيالية يحاول بها بناء أساطير وأوهام لا دليل تاريخي على وجودها عند الأمازيغ قديما، حيث اعتبروا كلمة “أطلس” مشتقّة من عبارة “ءِينْتْلْءاسْ”، على اعتبار كلمة “ءِينْتْلْ” تعني حَجَبَ و َطَّى، وكلمة “ءَاسْ” تعني النهار والشمس، كما أنّ لفظة “تِيلّاس” تعني الظلام، وبالتالي فعبارة”ءِينْتْلْءاسْ”  هي التي تم اختصارها لغويا لتُنْطَقَ في الأخير “أطلس”، كما أن كلمة “تيلّاسْ” أكثر قربا في النطق إلى كلمة “أطلس”، مما يفيد نفس المعنى الذي يُوصَفُ به الإله “أطلس” من كونه عملاق يُحْجُبُ ارتفاعُه العالي جدا رؤيةَ قمّته، لا يمكن للقارئ الفاحص والمدقّق إلا أن يلاحظ هذا الكثير من التّكلُّف في “التأصيل” بلغة تاشلحيت المعاصرة لاسم إغريقي قديم في لغة الأمازيغ القديمة المعاصرة للمرحلة التي ظهرت فيها الأسطورة الإغريقية ل”أطلس”، فهذا التنقيب المكلّف عن أوجه الشّبه بين الكلمات في اللغة الإغريقية القديمة المكتوبة والأمازيغية الحديثة الشفوية، وخاصة في “تاشلحيث” الحالية، يكشف عن هذه المفارقة العجيبة، مع العلم أنّ من بديهياتِ اللسانيات التاريخية، أنّ كل اللغات البشرية تغّير معجمها بشكل شبه كلّي في بضع قرون، فما بالك بلغة شفوية كيف ستحتفظ شفويا باسم (في أصله كان عبارةً مركّبة وليس اسما بسيطا) لأزيد من 2500 سنة، وبقيّ يحمل نفس الدّلالة؟.  كما أن أصحاب هذا التفسير نسوا أو تناسوا أن الاسم الأمازيغي التاريخي لجبال الأطلس هو” أَدْرارْ نْ دْرْنْ” ولم يَعْرِف الأمازيغ قبله أي اسم آخر لهذه الجبال غيره.

واسم “أطلس” (Atlas) هذا الذي أطلقه الإغريق مند بطليموس[4] على جبال شمال إفريقيا يختلف عن اسم “أطلنتيس” (Atlantis) الذي بدوره اسم أسطوري يعني في اللغة الإغريقية أرض العمالقة والجبابرة، كان أفلاطون أول من تحدث عن هذه الجزيرة الأسطورية، التي تسمى بأطلنتيس  كأنّها جزيرة حقيقية موجودة في المحيط الأطلسي (أو الاطلنتيكي نسبة لاسم هذه الجزيرة) قبالة أعمدة هرقل( مضيق جبل طارق)[5].

وإذا كان الإغريق و بعدهم اللّاتين الرومان يطلقون اسم “الأطلس” على كلّ التضاريس الجبلية في شمال إفريقيا، وخاصة المكسوّة منها بالثلوج، فاحتفظ لهذه التسمية بهذا المعنى للدلالة على هذا الظهر الواسع الذي ينطلق من موكادور (الصويرة ومصب نهر درعة في المحيط الأطلسي وينتهي عند البحر المتوسط في رأس بون، بعدما يكون قد اخترق المغرب والجزائر وتونس…..  ويمكن أن نميز داخل هذه التسمية العامة بين الأطلس المغربي والأطلس الجزائري والأطلس التونسي[6]، فإنّ الأسير والجاسوس البرتغالي مارمول كربخال، خلال النصف الثاني من القرن 16م، قد ميّز في جبال  الأطلس بالمغرب بين “الأطلس الكبير” الذي أطلقه على كل السلاسل الثلاثة لجبال الأطلس الحالية (الكبير والمتوسط والصغير)، وبين “الأطلس الصغير” الذي أطلقه على جبال الرّيف الحالية[7]. وكان شارل دوفوكو هو أول من تحدث بشكل دقيق على جبال الأطلس المغربي “المكونة من 5 سلاسل متوازية ضمنها 3 سلاسل أساسية وسلسلتان ثانويتان، “نلاحظ وجود عرف رئيسي هو الأطلس الكبير، المشرف على باقي التضاريس الأخرى، ينطلق من هذا الأطلس الكبير الجزء الأكبر من أنهار المغرب، مثل أنهار ملوية والعبيد وتانسيفت وسوس ودرعة وزيز ونهر غِير، وبعد الأطلس الكبير يأتي الأطلس المتوسط”[8]. وإذا كان الاسم الحقيقي للأطلس الكبير (le grand-Atlas) حاليا في الحقيقة هو الأطلس الأعلى (le haut-Atlas)، فإن الأطلس المتوسّط سُمِي متوسّطا، من حيث موقعه وليس من حيث ارتفاعه، لأنّه يتوسّط الأطلسين الكبير (الأعلى) جنوبا والأطلس الصغير، شمالا،الذي يسمّى حاليا بجبال الريف، أمّا الأطلس الصغير الحالي، والذي يمتدّ جنوب سهل سوس، والذي سمّاه ابن خلدون جبل هنكيسة، فالجغرافيون قد استعملوا في تسميته لفظة الأطلس المضاد (Anti-Atlas) وليس الأطلس الصغير، على غرار تسمية الجغرافيين للعديد من الجبال الموازية للجبل الأصلي في الكثير من مناطق العالم، مثل جبل لبنان المضاد وجبل طورس المضاد وجبل القوقاز المضاد، فكان الرحالة الانجليزي هوكر هو أول من سمى سنة 1871م جبال الأطلس الصغير الحالية بالأطلس المضاد (Anti-Atlas)[9].

الأطلس الكبير جغرافيا

أما الأطلس الكبير، فلعلّ أدقّ تعريف وتحديد له هو الذي قام به فريديريك برومار[10]: “الأطلس الأعلى يفصل بين عالمين، العالم المتوسطي من جهة والصحراء، التي تبقى في علاقة من خلال بعض الممرّات الطبيعية المفتوحة عبر هذه السلسة. في الغرب يطلّ  مباشرة على المحيط الأطلسي بين أكادير والصويرة، وفي الشرق ينتهي عند حدود الهضاب الوهرانية، طوله يتجاوز 800 كيلومتر وعرضه يصل إلى ما متوسّطه بين 60 و 80 كيلومتر، قِممه تتجاوز كثيرا 3500 متر، وفي بعض الأحيان 4000 متر. من الغرب إلى الشرق يمكن تقسيم الأطلس الأعلى إلى أربعة مجالات غير متكافئة الأهمية، وتفصل بينها  منخفضات عرضية:

  • ما بين المحيط الأطلسي والمنخفض المعروف بواد شيشاوة (المقصود هو واد إمنتانوت)، و”تيزي أومعاشو” وأسيف نايت موسى، حيث توجد إمنتانوت وأركانة، وتمتدّ هضاب متداخلة بارتفاعات منتظمة وتنخفض في اتجاه المحيط الأطلسي، حيث الارتفاع لا يتجاوز 1800 متر.
  • ما بين “تيزي أومعاشو”و”تيزي ن تلوات” يمتدّ ما يمكن تسميته بأطلس مرّاكش، سلسلة قوية تشكّل حاجزا ممتدّا يصل علوه إلى 4165 مترا في جبل طوبقال، الذي يعتبر أعلى قمّة في كلّ شمال إفريقيا، هذه السلسة مخترقة في الوسط بواسطة واد النّفيس، الذي تسلكه طريق مرّاكشتارودانت، التي تخترق القمّة عبر ممرّ “تيزي ن تاست”، هذا الممرّ يقلّ ارتفاعه عن 2300متر، كما هو الحال بالنسبة لممرّ “تيزي ن تيشكا”، الذي يقع على بعد بعض الكيلومترات في غرب تيزي  ن تلوات، التي تمرّ عبرها طريق مرّاكش– ورزازات.
  • ما بين “تيزي ن تلوات” و”تيزي ن تالغمت” يمتدّ الأطلس الكبير الأوسط على شكل كتل جبلية أكبر من أطلس مرّاكش، يتراوح علوها ما بين 4000 متر في جبل تاركدّيت، في بلاد مْكّونة، وبين 3751 متر في جبل العياشي، الذي يُعْتَقَد منذ الماضي البعيد خطأ أنه أعلى قمة في هذه السلسة، هذا الجزء من الأطلس الأعلى مخترق بأودية هامّة: واد تسّاوت وواد أحنصال وأسيف ملّول بالسفح الشمالي، وإمدغاس ودادس وأمدغوس وغريس وإزلاتن وزيز في السّفح الجنوبي المواجه للمنطقة الصحراوية. والقمم العالية تتجاوز بالكاد 2000 متر، وحيث تضم أكليل الطيّات القصيرة لهضبة الظهرة، حيث يبدأ الأطلس الصحراوي الجزائري، بهذا القطاع يوجد الاحتياطي المعروف للمنغنيز في بوعرفة، التي تمّ ربطها بوجدة بخط حديدي.
  • أخيرا في شرق تيزي نتالغمت، التي تمرّ عبرها طريق الجنوب الكبيرة، التي تربط مكناس بتافيلالت عبر أزرو وميدلت وقصر السوق (الراشدية)، حيث ينخفض ارتفاع الأطلس الأعلى بشكل مفاجئ”.[11]

إن شساعة مجال الأطلس الكبير وغناه الطبيعي وتنوع مكوناته، وكثرة الجماعات البشرية المستقرة به، جعلت دراستنا هذه تقتصر على  منطقة الأطلس الكبير الغربي، الذي يمتدّ من المحيط الأطلسي الى “تيزي ن تيشكا”.

المراجع
[1] التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري – شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي – المركز الجامعي للبحث الرباط – السنة 14  العدد 28 سنة 1977 – ص:210.
[2]  RaymonThouvenot – La connaissance de la montagne marocaine chez Pline l’ancien – Hespéris – tome XXVI 1939  2eme trimestre – P : 113- 122.
[3] التقي العلوي – أصول المغاربة -  المرجع السابق – ص: 209.
[4] مارمولكربخال– وصف إفريقيا-  الجزء الأول - ترجمة: محمد حجي و محمد زنيبر و محمد الأخضر و أحمد التوفيق و أحمد بجلّون– منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النّشر – مكتبة المعارف الرباط – الطبعة 1 سنة 1984 – ص:19.
[5] خالد حامد  العرفي- قارة أطلانطس المفقودة، حلم البشرية الضائع– الطبعة 1 سنة 1998.
[6] شارل دوفوكو– التعرّف على المغرب: 1883-1884 – ترجمة المختار بلعربي – منشورات الجمعية المغربية للتأليف  و الترجمة و النشر – دار الثقافة الدار البيضاء – الطبعة 1 سنة 1999 – ص: 129.
[7] مارمولكربخال– إفريقيا-  الجزء الأول – المرجع السابق – ص: 90 – 91.
[8] شارل دوفوكو– التعرّف على المغرب: 1883-1884 –مرجع سابق– ص: 136.
[9] التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري – شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي- مرجع سابق – 211.
[10] Frédéric Bremard – L’organisation Régionale du Maroc – Publications de la Faculté des Lettres  et Sciences Humaines de Rabat- Université Mohamed VAgdal – Série : Les Trésors de la BibliothéqueN° 1 – IMPRIMERIE OMNIA-RABAT 2010.
[11] Frédéric Bremard – L’organisation Régionale du Maroc – Ibid- P : 248 .