سبب التسمية: أبي الجعد (بجعد)

مدينة أخذت اسمها – على ما يقال – من اسم الوادي الذي استقرت المدينة على جانبه والذي يفترض أنه كان في الأصل مرتعا للذئاب (وأبو جعدة كنية للذئب) أو كان يكثر به نبات الجعدة الطيب الرائحة.

تقع مدينة بجعد في الجناح الشرقي لهضبة خريبكة الفوسفاطية، على ارتفاع 670م عن سطح البحر الذي تبعد عنه بنحو 140 كلم على خط مستقيم، بينما لا يفصلها عن جبال الأطلس المتوسط سوى 40 كيلومترا. ونظرا لموقعها الداخلي هذا، فإن المدينة تعرف مناخا قاريا، يتميز بصيف طويل شديد السخونة والجفاف، وبشتاء قارس البرودة تتركز فيه جل أيام المطر المعدودة التي نادرا ما تتجاوز تهاطلاتها في المجموع 300 ملم في السنة[1].

قصة ميلاد مدينة أبي الجعد

وقد ارتبط ميلاد وترعرع مدينة بجعد بتاريخ الزاوية الشرقاوية التي تأسست حوالي منتصف القرن العاشر الهجري (16م). مع بداية ظهور الدولة السعدية، على يد الشيخ ابن عبد الله محمد الشرقي. وقد استقرت أصلا على بعد نحو ميل إلى جهة الغرب من مقرها الحالي. في اتجاه مدينة وادي زم. غير أن المكان لم يعمر طويلا، إذ تعاقبت سنوات من القحط والمجاعة والوباء خلال العقد الأخير من القرن. فتسببت في نزوح أو وفاة العديد من أهل الزاوية وعلمائها ومتصوفيها ومريديها. وقد دفن بعض هؤلاء بعين المكان فغدت تعرف هذه المجموعة من المقابر والأضرحة باسم (قباب رجال الميعاد)، وهو مكان تم تسجيله ضمن المواقع الاركيولوجية بالمغرب القمينة بالدراسة الأثرية[2].

وبانتقال الزاوية إلى مقرها الحالي، انطلق عمران مدينة بجعد، ذلك أن الزاوية الشرقاوية، لما استأنفت نشاطها مع مستهل القرن السابع عشر، كانت الأوضاع السياسية العامة قد تغيرت بشكل واضح بالمقارنة مع الفترة السابقة.

فإضافة إلى تناقص التهديد التركي في جهة الشرق، كان الضغط الأوربي قد خف كثيرا على السواحل المغربية بسبب اشتغال أوربا بحرب مدمرة طاحنة (حرب الثلاثين سنة التي امتدت بين 1618م و1648م) من جهة، وتمكن الأوربيين من الاتصال بالسودان مباشرة، دون وساطة المغرب، من جهة ثانية، وكان من شأن كل هذه التغيرات أن تراجعت بوضوح أهمية عامل الجهاد في نشاط الزوايا التي أصبحت لذلك تسعى أكثر فأكثر إلى تقوية نفوذها السياسي وتوسيع رقعة سلطتها، يشجعها في مسعاها هذا حالة الضعف المتزايد التي راحت تظهر على السلطة المركزية مع تفسخ الدولة السعدية.[3]

ونظرا لوجود بجعد من جهة، في منتصف الطريق بين عاصمتي المغرب، فاس ومراكش، ومن جهة أخرى عند اتصال مناطق متنوعة ذات وزن بشري واقتصادي هام (الأطلس المتوسط شرقا، وبلاد زعير وزيان شمالا والشاوية وهضبة ورديغة غربا وتادلا جنوبا)، فإن الزاوية الشرقاوية راحت تتمتع بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، وقد فسح تراجع ثم انقراض الزاوية الدلائية (العقد السابع من القرن 17) المجال أمام الزاوية الشرقاوية، التي تنشر هي كذلك تعاليم الطريقة الجزولية، لكن توسعت رقعة نفوذها عن طريق إنشاء فروع ومراقبة الأسواق والتوسط بين القبائل المحلية وبين هذه السلطة المركزية. وبذلك أصبحت تدريجيا قوة روحية واقتصادية وسياسية محلية لها ثقلها في ميزان الصراع على السلطة، كما أخذت بجعد تبرز كأهم مركز ثقافي وتجاري عبر كل المجال الممتد بين فاس ومراكش، يؤمه الطلبة والعلماء والمتصوفة من أصقاع قريبة وبعيدة، وتمر به القوافل ويقصده التجار، مما عمل على استقرار المزيد من السكان بالمدينة وتوسع عمرانها[4].

وأدت حالة القلاقل والفتن والفوضى الشاملة، التي عمت المغرب زهاء ثلاثين سنة إثر وفاة السلطان المولى إسماعيل، إلى تمرد العديد من القبائل وتزايد نفوذ الزوايا بها، إلى أن تمكن السلطان محمد بن عبد الله من تكسير شوكتها بتثبيت الأولى وإجبار الثانية على الاقتصار على وظيفتها الروحية والثقافية دون القيام بأي نشاط سياسي. وكانت زاوية بجعد من بين تلك التي تعرضت لحملة تأديبية من طرف السلطان، مما أسفر عن تدمير جزء كبير من الزاوية وطرد جل الوافدين عليها ونفي شيخها إلى مراكش.

وتلت هذا الحادث فترة ركود نسبي استمرت نحو أربعة عقود. ثم زالت الأزمة بعد وفاة السلطان المولى سليمان وتخلي خليفته عبد الرحمان بن هشام عن البرناج الوهابي الإصلاحي المناهض للزوايا والطرق. فانتعشت مدينة بجعد من جديد بانتعاش الزاوية الشرقاوية التي تعاظم شأنها أكثر من ذي قبل بين قبائل المنطقة، حتى غدت من أقوى الزوايا بالمغرب، لا تقل أهمية ونفوذا عن الزاوية الوزانية.[5]

فخلال رحلة شارل دوفوكو (Charles De Foucauld) الاستكشافية Reconnaissance au Maroc التي قام بها عبر المغرب في 1883، يصف مدينة بجعد بأنها تعج بالزوار والحجيج الوافدين على الزاوية الشرقاوية من كل القبائل المحيطة بها على مسافة يومين من المشي، حاملين معهم مختلف أصناف الهبات والهدايا، نقدا وعينا، قصد التقرب بها لأهل الزاوية، ونيل بركة شيخها بنداود، كما كانت قبائل المنطقة (بني زمور والسماعلة وورديغة والشاوية وتادلا وأيت يسري بالأطلس المتوسط…) تؤدي الإتاوات للشيخ مقابل حمايته ورعايته لها. وكان هذا الأخير يحتفظ بعلاقة جيدة مع السلطان الحسن الأول الذي دأب على إرسال هدية هامة إلى الزواية كل سنة، وهو ما كان يفعله أيضا أصحاب النفوذ وجهاء القوم بفاس ومراكش وغيرهما.[6]

وقد مكنت كل هذه المنح والعطايا المختلفة والمتلاحقة على عقود كثيرة أهل الزاوية الشرقاوية من تكديس ثروات وإعالتهم حشدا كبيرا من الخدم والعبيد الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من سكان المدينة؛ كما أن تقاطر الزوار والحجاج وتواتر القوافل بالزاوية التي كانت تأخذها تحت رعايتها وتؤمن سفرها عبر مجال نفوذها الواسع سمح باستقرار بعض التجار والصناع وأصحاب الخدمات المختلفة، من ضمنهم طبعا عدد من اليهود.

وتظهر مدينة بجعد، في أواخر القرن الماضي، مكونة من أربع وحدات سكنية متميزة في جهة الغرب، حي الزاوية بالذات، حيث يقطن الشيخ وأهله الأقربون، في منازل فخمة ذات الطراز المعماري الأصيل أسوة بما يوجد في الحواضر المغربية، وسط رياض وبساتين. إلى ناحية الجنوب، نمت تدريجيا، بمحاذاة هذه النواة الأصلية، عدة أحياء كل منها حول مدفن جديد لشيخ من شيوخ الزاوية فيسمى الحي باسمه، مثل درب القادرين (نسبة إلى الشيخ عبد القادر) ودرب الغزوانة (الشيخ الغزواني) ودرب عرباوة (الشيخ العربي) وغيرها؛ تقطنها الأسر الشرقاوية الأخرى ومن لها نوع من القرابة والانتساب إليها، وكذا أسر العلماء وبعض أعيان القبائل المرتبطة بالزاوية. ثم إلى ناحية الشرق، تنتشر، عبر أراض مهملة، أكواخ ومنازل بسيطة مبنية بالطين والقش، حيث يعيش غالبية سكان المدينة من أتباع الزاوية وخدامها وكذا صغار الفلاحين والتجار الحرفيين. وأخيرا يتجمع اليهود (حوالي 200 نسمة) في حارتهم بالشمال الشرقي[7].

إلى جانب هذه الأحياء السكنية المختلفة، تتوفر المدينة على عدة مرافق دينية وثقافية، أهمها الزاوية وخزانتها، والمسجد العتيق مع المدرسة المرتبطة به. وتشهد بجعد نشاطا استثنائيا أيام الخميس بمناسبة انعقاد السوق الأسبوعية التي تجتذب إليها الزبناء من كل القبائل المجاورة قصد اقتناء مختلف السلع المغربية والأجنبية التي تأتي بها القبائل من فاس والداربيضاء لتعود محملة إلى هذا الميناء ببعض منتجات المنطقة للتصدير.

إذا كانت بجعد تملك هكذا كثيرا من أوجه الشبه مع غيرها من المدن المغربية. فإنها كانت تختلف عن هذه الأخيرة بافتقارها إلى بعض المعالم الحضرية الأساسية آنذاك من أهمها: عدم توفرها على موارد مائية، إذ إن غالبية المنازل كانت تتزود بالماء من آبار بعيدة نسبيا أو تختزن مياه المطر في أحواض خاصة؛ غياب التنظيمات المهنية والإدارية، عدم وجود سور يحيط بالمدينة. لأن هذه الأخيرة لم تكن في حاجة إلى تحصين نفسها ضد قبائل كانت هي التي تسعى إلى اكتساب الحماية والأمان من الزاوية، إلا أن هذا لم يمنع من تحصين الأحياء الكبرى (الدروب) بأبواب عند مداخلها تغلق ليلا.[8]

الزاوية التي أصبحت مدينة

تشير مراجع كثيرة غاصت في تاريخ المدينة، أن مؤسسها سيدي محمد الشرقي قال عنها: “إني راحل إن شاء الله إلى بلد أمورها في الظاهر معسرة وأرزاقها ميسرة، هذا المحل إن شاء الله محل يمن وبركة لعله يستقيم لنا في السكون بعد الحركة”، لخصت هذه القولة البليغة الرهان الذي انطلق منه وعليه تأسيس مدينة أبي الجعد رغم وعورة موقعها الجغرافي مقارنة مع مناطق مجاورة، فالكلمة الفصل كانت لإرادة “صلاحها” إذ سرعان ما تحولت لقطب روحي وسياسي وازن، يستقطب عليه القوم من كل صوب وحدب[9].

تجمع الكتابات التاريخية على أن تأسيس مدينة أبي الجعد يعود إلى القرن العاشر الهجري على يد الولي الصالح سيدي محمد الشرقي وهو مؤسس الزاوية الشرقاوية ويتصل نسبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولد الشيخ سيدي محمد الشرقي على ضفاف نهر أم الربيع، في مكان يبعد عن مدينة قصبة تادلا بحوالي ثلاث كيلومترات، سنة 926 هـ، حفظ القرآن الكريم ودرس على يد والده سيدي بلقاسم بن الزعري دفين قصبة تادلا ومعه إخوته الخمسة (سيدي عبد العزيز وسيدي عبد النبي وسيدي سعيد وسيدي السموني وسيدي عبد الرحمان)، ولما ظهرت محبته للعلم أرسله والده إلى مراكش ليتتلمذ على يد علماء كبار. منهم سيدي عبد العزيز التباع وسيدي عمر القسطالي الملقب بلمختار وسيدي عبد الله الساسي وسيدي محمد الغزواني المكني بـ (مول القصور). وكلهم دفيني مدينة مراكش. وخلال الفترة التي قضاها بالمدينة اشتهر بين الناس بعلمه ونباهته وكرمه[10].

عاد الشيخ إلى مسقط رأسه ليمكث فيها فترة قصيرة قبل أن ينتقل إلى الأطلس المتوسط وبالضبط في المكان المسمى الآن بـ “غرم العلام” حيث تفرغ للعبادة، وفي سنة 966هـ سيحط الرحال بمكان يبعد عن مدينة قصبة تادلة بنحو 23 كيلومتر، نصب خيمته وحفر بئرا تم بنى مسجدا وسط غابات كثيفة الأشجار، مليئة بـ “الوحوش” والذئاب المسماة “أبو جعدة” الاسم الذي اشتق منه اسم الموقع “أبو الجعد”. كما أسلفنا الذكر في بداية المقال، والمكان الذي نزل به الشيخ يعرف الآن بالآبار قرب “رجال الميعاد” والبئر الذي حفره يسمى اليوم “بئر الجامع”.[11]

ما إن عرف المكان الذي أقام فيه الشيخ حتى قصده الزوار والمؤيدون وطلبة العلم، لكنه ما لبث أن انتقل مجددا إلى موضع يقال له (اربيعة) المعروفة الآن برحبة الزرع، فبنى مدرسة لتدريس العلم بـ “المرح الكبير” الذي يعرف اليوم بدرب القادريين، وكان الطلبة يأتون إليها من جميع الجهات، وأصبحت مدينة أبي الجعد مركز إشعاع ديني وعلمي، ومركزا تجاريا مهما. وقد لعبت الزاوية الشرقاوية دورا مهما في نشر محتلف العلوم وتخرج منها فطاحل العلماء ومنهم أبو علي الرحالي وسيدي العربي بن السائح دفين الرباط والشيخ سيدي صالح دفين أبي الجعد والشيخ سيد المعطي صاحب الذخيرة.[12]

الزاوية الشرقاوية

تعتبر الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد، من بين أهم المعالم الدينية والحضارية بالمغرب باعتبارها مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت وظائفها داخل المجتمع المغربي.

يعتبر أحمد بوكاري الشرقاوي مؤرخ الزاوية ومتخصص في دراسة التصوف وتاريخ الزوايا، بأن تأسيس الزاوية الشرقاوية من طرف الشيخ العالم الصوفي سيدي بوعبيد الشرقي منتصف القرن العاشر الهجري (16م) جاء بتزامن مع حكم الأشراف السعديين في منطقة  وادي أبي الجعد، مضيفا أن الشيخ الشرقي عمل على خلق إشعاع ديني وعلمي وصوفي امتد نفوذه إلى بلاد تادلة وورديغة والشاوية ودكالة والغرب والصحراء.[13]

ويكمل الدكتور بوكاري، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن المشروع الحضاري للزاوية تواصل لعدة قرون بفضل جهود الأبناء والأحفاد والتلاميذ والمريدين كالشيخ العالم الصوفي والأديب المربي سيدي محمد الصالح مجدد الزاوية في عهد السلطان مولاي إسماعيل، والشيخ والعالم المبدع سيدي محمد المعطي بن محمد الصالح، مؤلف كتاب “ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج” صى الله وعليه وسلم.[14]

ولاحظ الأستاذ الباحث بأن الزاوية الشرقاوية اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة تجديد معالمها وإحياء أدوارها الدينية والعلمية والتربوية والروحية حتى تضطلع بواجباتها ومسؤولياتها في إشاعة الثقافة الإسلامية الحقة، القائمة على الانفتاح والتعايش والتسامح والتلاقح وكذلك نشر أخلاق التصوف السني القائم على الاعتدال والأخلاق الفاضلة دون تعصب أو تمييز أو انغلاق.

وقد ساهمت الزاوية الشرقاوية التي اتخذت الزاوية الشاذلية أفقا لها، لتعلقها بالكتاب والسنة، بقسط كبير في ازدهار العلم بالمغرب خلال القرن العاشر الهجري وما بعده، وتكريس ثقافة التكافل الاجتماعي بمختلف أنواعه من خلال المساعدات والإيواء والإطعام، والقيام بدور التحكيم والفصل في قضايا الأفراد والجماعات. والتوسط في حل مشاكل القبائل المجاورة، والتدخل للصلح بين المولى سليمان وبربر الأطلس بغاية الهدنة ونشر الأمن والاستقرار.[15]

موسم الحج إلى أبي الجعد

” الموسم هو مرآة الزاوية الشرقاوية، والزاوية هي مرآة المدينة” جملة تكررت بأكثر من لسان وبين فئات من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية. ويتجاوز الموسم في رمزيته ودلالته بالنسبة لشرقاوة الطقوس الاحتفالية، إلى كونه مركز ثقل لإشعاع الزاوية ومعها المدينة وطنيا ودوليا.[16]

ولم يكن موسم بوعبيد الشرقي يوما طقوسا للبهرجة أو السهرات الغنائية، ولم يكن لمعارض بيع الأواني البلاستيكية، الموسم كان لتقديم تاريخ وتراث زاوية يتجاوز صداها الحدود، وكان موعدا للقاء أبناء أبي الجعد من داخل وخارج أرض الوطن، وصلة الرحم، وإقامة ليالي الذكر بالمسجد العتيق، وأضاف سي الشرقي (شيخ طاعن في السن ابن المدينة)، الموسم كان هو المغذي للدورة الاقتصادية للمنطقة للسنة بأكملها لأن ما كان يروج هو الصناعة التقليدية المحلية والمنتجات الحرفية لأهل بجعد.[17]

بالنسبة للإعلامي والباحث في التواصل الأستاذ خالد التايب، فإن الموسم الديني للولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي، يشكل مناسبة سنوية يتجدد فيها التعريف بالمقومات الدينية والهوية الثقافية للزاوية الشرقاوية. ويضيف الأستاذ بأن هذه التظاهرة الدينية والثقافية، تعد فرصة سانحة للمحافظة وتثمين الموروث الثقافي للمدينة واكتشاف المعالم التاريخية والمؤهلات السياحية التي تزخر بها مدينة الأولياء والصالحين.

ويمثل هذا الموعد السنوي (موسم الحج إلى أبي الجعد)، المنظم من طرف الزاوية الشرقاوية بشراكة مع المجلس البلدي للمدينة وبتنسيق مع المجلس العلمي المحلي ومندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخريبكة.

فرصة للاحتفاء بمؤسس الزاوية وإشعاع المقومات الدينية والتراثية باعتبار أن الزاوية الشرقاوية فضاء للإشعاع الديني والثقافي والعلمي. والتعريف بالمؤهلات التراثية لمدينة أبي الجعد وخلق دينامية اقتصادية وتجارية بالمدينة.[18]

وما يميز استعدادات استقبال هذه التظاهرة، الأشغال المتواصلة لتهيئة “المحرك” الذي يحتضن عروض الفروسية التقليدية (التبوريدة) التي تشكل أحد الروافد الأساسية للموروث الثقافي بالمنطقة، وتثبيت العديد من الأروقة والفضاءات لاحتضان معارض الصناعات التقليدية والمنتجات الفلاحية وأخرى للكتاب والفنون التشكيلية. وكذا إحداث منصة لإحياء مختلف أمسيات المديح والسماع والسهرات المسائية المبرمجة.

ويتضمن برنامج التظاهرة السنوية سلسلة من الأنشطة تهم على الخصوص تنظيم ندوات ومحاضرات علمية ودينية ومسابقاتفي حفظ وتجويد القرآن الكريم، إلى جانب برنامج ديني يتعلق بتنظيم دروس في الوعظ والإرشاد وأمسيات في فن المديح والسماع بمشاركة مجموعات محلية وأخرى وطنية.

كما يشمل البرنامج تنظيم معرض للفنون التشكيلية ومسابقات رياضية خاصة في ألعاب القوى والعدو الريفي وكرة القدم والسباحة.[19]

الوجود اليهودي في مدينة أبي الجعد

أماط فيلم “فين ماشي ياموشي” أو “إلى أين أنت ذاهب ياموشي” للمخرج حسن بن جلون، اللثام عن قضية هجرة اليهود المغاربة، أو ما عرف بـ “الحركة الكبرى لليهود المغاربة”، وانطلق المخرج في كتابته السينمائية التي اتخذت منحى توثيقيا، من النبش في التاريخ الحديث لمظاهر حياة اليهود المغاربة بمنطقة أبي الجعد في المرحلة التي أعقبت استقلال المغرب، وهي الفترة التي عرفت هجرة مكثفة لليهود المغاربة.[20]

الفيلم الذي صور بمدينة أبي الجعد، قدم صورة قوية لحجم التعايش والتآزر والتآخي داخل المجتمع البجعدي، من خلال تقديم صور واقعية للوعة الفراق بالنسبة لمن هاجروا وحجم الألم الذي شعر به المسلمون بعد مغادرة جيرانهم، وهي المشاهد التي حكت عنها بالتفصيل شخصيات كثيرة هجرت المدينة لكن هذه الأخيرة ظلت مستقرة في وجدانها.

“يهودا لانكري” الممثل السابق “لإسرائيل” بالأمم المتحدة وباريس والنائب السابق لرئيس الكينيست. هو واحد من اليهود المغاربة الذين لايفوتون مناسبة دون التذكير بجذورهم البجعدية.[21]

ولد يهودا في مدينة بجعد في 25 شتنبر 1947، لعائلة يهودية مغربية بسيطة، فوالده عمران كان يشتغل في الصناعة التقليدية، ويعرف في الحي الذي عاشوا فيه بـ “القراشلي” وهو الشخص الذي يفك الصوف بأداة تعرف القرشال، من أجل جعله صالحا لنسج الزرابي وغيرها، في حين كانت والدته رحمة تشتغل في مجال الخياطة، وكانت شقيقته تشتغل مولدة نساء بالمستشفى، ويحكي أنها قامت بتوليد أزيد من 180 سيدة مغربية مسلمة، مما جعلها تحظى بالاحترام والتقدير. ظل الرجل الذي وشحه الملك محمد السادس بوسام العرش في عام 2008، يزور المغرب كلما سنحت له الفرصة، مثلما ظل محافظا على صداقاته في أبي الجعد، من أيام الطفولة والشباب.

يحكي يهودا عن لحظة مغادرته لأبي الجعد بألم لم تخفف من قوته الأيام، يقول يهودا لانكري “هذه السنوات محفورة في ذاكرتي على أنها سنوات جيدة جدا، مع عائلتي، عشنا حياة بسيطة ولكنها سعيدة، كان الانفصال عن وطننا وأصدقائنا مفجعا، ما زلت أتذكر دموع أمي في 28 دجنبر 1964 عندما غادرتنا إلى إسرائيل”، يتذكر الرجل، الذي يحتفظ بدفتر الحالة المدنية لوالديه وبطاقة هويته الوطنية موسومة بخاتم المملكة المغربية.[22]

يؤكد الباحث محمد الشرقاوي البزيوي، دكتور في التاريخ المعاصر، بأنه “أمكننا معرفة الوجود اليهودي بأبي الجعد من خلال مذكرات الرحالة “شارل دوفوكو”، الذي أدعى أنه يهودي كي تسهل مهمته، في كتابة مذكراته، وهذا ما رده لكونه على علم مسبق بالعلاقة الودية ما بين البجعديين واليهود، حيث أخفى هويته الأصلية لكي تسهل مهمته في التجسس، لقد قدر هذا الأخير ساكنة أبي الجعد بحوالي 1700 نسمة أواخر القرن 19 م (الزيارة كانت سنة 1883م)، منهم 200 يهودي.[23]

كما يمكن ربط اليهود بأبي الجعد بنهاية الزاوية الدلائية، فحسب بعض المصادر اليهودية كان عدد اليهود يفوق 2000، ربما بعد منح المولى الرشيد مهلة قصيرة لهم لإخلاء ديارهم قصدوا مدينة أبي الجعد، مشيرة إلى فرضية أخرى تتحدث عن قدوم بعضهم من مكناس؛ وهم ذوو أصول أندلسية أو انتسابهم إلى “بربر” الأندلس، أو أنهم من يهود دمنات الفقراء الذين كانوا يقدمون إلى أبي الجعد خلال المواسم الفلاحية أجراء عند كبار الملاكين الزراعيين؛ لكنها تبقى كلها مجدر فرضيات، المهم فيها هو استقرارهم في المدينة ومشاركتهم في تكويناتها الاجتماعية غيرهم كباقي سكان المدينة.[24]

وأردف الأكاديمي: “وجدت أيضا بأبي الجعد أضرحة تضم رفات صلحائهم وأتقيائهم، لا سيما “رابي لوي هلوي”، و”مولى غيغة”، أو في المقبرة اليهودية كما هو الشأن بالنسبة للتقي “كاباي”، وقد كان من بين أهم الشخصيات الدينية والاجتماعية التي كانت تشغل مكانة اجتماعية متميزة لدى طائفة أبي الجعد اليهودية الشيخ أبراهام والحزان يوسف، وكانوا يعطون للاحتفالات الدينية أهمية قصوى، حيث إن أغلب شعائرهم كانت تمارس في معبد وجد بدرب القادريين في المدينة العتيقة في جزء منه سكنوا فيه ولا يزال يسمى بالملاح”.[25]

ومن الكتابات التاريخية التي وثقت علاقات التعايش داخل مدينة أبي الجعد منذ قرون ولعل آخرها، كتاب صدر مؤخرا عن الدار الأوروبية للمنشورات الجامعية بالفرنسية لحاتم السكتاني يحمل عنوان:” يهود ومسلمو أبي الجعد.. قصة رائعة للتعايش في حضن الصوفية الشرقاوية”.

وتناول هذا الكتاب، الذي يقع في 225 صفحة، قصة تعايش ما انفكت تثير اهتمام الباحثين وتحضن على التشبع يقيم المواطنة والإنسانية، من خلال تثمين التراث اليهودي المغربي بعد أن كرس الدستور الرافد العبري للهوية المغربية.[26]

المراجع
[1]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، منشورات دار الأمان، الرباط، 2014، ص 1039.
[2]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1039.
[3]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1039.
[4]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1039.
[5]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1039.
[6]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1039- 1040.
[7]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1040.
[8]  عبد اللطيف فضل الله، معلمة المغرب، ج3، مرجع سابق، ص 1040.
[9]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، ع الثالث، شتاء 2022، منشورات الوكالة المغربية للأنباء، ص 27 - 28.
[10]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 28.
[11]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 29.
[12] هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 29.
[13]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 32.
[14]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 32.
[15]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 33.
[16] هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 33.
[17]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 34.
[18]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 34.
[19]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 34 - 35.
[20]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 35.
[21]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 35.
[22]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 36.
[23]  مقال مشاهد تاريخية في أبي الجعد تحاكي التعايش الديني للمدن العتيقة، منشور بجريدة هسبريس، 8 ماي 2020م.
[24]  مقال مشاهد تاريخية في أبي الجعد تحاكي التعايش الديني للمدن العتيقة، منشور بجريدة هسبريس، 8 ماي 2020م.
[25]  مقال مشاهد تاريخية في أبي الجعد تحاكي التعايش الديني للمدن العتيقة، منشور بجريدة هسبريس، 8 ماي 2020م
[26]  هشام الأزهري، مقال "أبي الجعد.. المدينة الزاوية"، مجلة الثقافة المغاربية، مرجع سابق، ص 37 - 38.