مقدمة

شمعون ليفي كاتب وسياسي يهودي مغربي، وهو أحد الوجود البارزة لليهودية المغربية في الفترة المعاصرة، وقد دأب على وصف نفسه ب”المغربي اليهودي والمناضل” متخصص في الدراسات اللغوية وفي تاريخ اليهود في المغرب. وبالإضافة إلى اتقانه للعربية والعبرية، وإبداعه في مجال الدراسات اللغوية المقارنة، فقد أتقن الحديث بالفرنسية والإنجليزية الإسبانية والبرتغالية.

ولد شمعون ليفي بمدينة فاس المغربية سنة 1934، وهو ما طبع بشكل كبير شخصيته وآراءه الفكرية والسياسية خصوصا فيما له له علاقة بقضايا؛ التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، ودفاعه المستميت عن خصوصيات اليهودية المغربية وماهضة الصهيونية، وفي انحيازه غير المشروط للمشروع الوطني من أجل الإستقلال والنضال في سبيل ذلك.

شمعون ليفي…دمج خلاق بين النضال والبحث

وقد كان سيمون ليفي، رغم التزاماته السياسية المبكرة ضد الإستعمار الفرنسي ونشاطه النقابي والطلابي، أيضا طالبا مجتهدا وباحثا مقتدرا، حيث تمكن سنة 1956 من نيل شهادة الإجازة في الآداب الإسبانية والبرتغالية، ثم دبلوم الدراست العليا سنة 1958حول موضوع: “حرب الريف في عهد الملك ألفونصو الثالث عشر”، بحث فيه خصوصا دور ملك إسبانيا ألفونصو 13 وتحالفه مع الفرنسيين للإنتقام لهزيمة أنوال وقمع مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي[1].

وفي سنة 1990 سجل أطروح للدولة في جامعة باريس الثامنة تحت إشراف الأستاذ حاييم الزعفراني في موضوع: “الدوارج (اللهجات) العربية ليهود المغرب”. وخصص لها سنوات طويلة من عمره فأثمرت من بين ما أثمرت تجميع رصيد وثائقي كبير حول اليهود المغاربة وتراثهم الثقافي والديني. وبالإضافة إلى اهتمامه اللغوي/اللساني فقد كان مهتما أيضا بشكل كبير بالتاريخ؛ خصوصا ما تعلق منها بتاريخ الجماعات اليهودية في المغرب، خصوصا خلال بعض الفترات التاريخية الصعبة على تلك الجماعات  كفترة حكم الدولة الموحدية. فكان يحاول دائما أن يعيد فحص كثير من المقولات والروايات السائدة حول بعض من تلك الفترات التاريخية للمغرب واليهود المغاربة على وجه التحديد. كما مارس التدريس بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط لسنوات في شعبة اللغة الإسبانية.

ومن القضايا التي نالت بشكل كبير اهتمام شمعون ليفي دراسة “الهجرة الجماعية” لليهود المغاربة إلى فلسطين بعد سنة 1948، والسلوك السياسي للهؤلاء المهاجرين في مواجهة الهيمنة الإشكنازية في “إسرائيل”. وعلاقة بهذا الموضوع، فإن شمعون ليفي كان من الشخصيات اليهودية البارزة التي رفضت تلك “الهجرة” واعتبر السماح لليهود المغاربة بالهجرة “خطأ تاريخيا لا يغتفر”، كما أنه كان لا يخفي مناهضته للصهيونية[2].

شمعون ليفي و النضال من أجل الإستقلال والوحدة والديمقراطية

التحق شمعون ليفي بصفوف الحركة الوطنية المغربية المقاومة الاستعمار ولم يتجاوز سنه 20 سنة؛ حيث بدأ مساره السياسي سنة 1953 مدافعا عن استقلال المغرب داخل الحركة الشيوعية، والحركة الطلابية، ثم الحزب الشيوعي المغربي (حزب التحرر والإشتراكية لاحقا ثم حزب التقدم والإشتراكية حاليا). وقد استمر ليفي لمدة 30 سنة  في عضوية المكتب السياسي للحزب، وسبق له أن انتخب مستشارا جماعيا في الفترة بين 1976 و 1983 بالمجلس البلدي لمدينة الدار البضاء. كما ناضل في صفوف نقابة الإتحاد المغربي للشغل. كما كان مناضلا في قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، والكونفدرالية الوطني للتعليم ما بين 1958 و1970. كما اشتغل في فترة من حياته في الصحافة الوطنية، حيث تولى رئاسة تحرير مجلتي “الوطن” و “الجماهير”، وكان عضوا أيضا في هيئة تحرير صحيفة البيان باللغة الفرنسية. وبسبب نضالاته المتعددة الواجهة تعرض شمعون ليفي للإعتقال خلال أحداث الدرا البيضاء في مارس 1965.

وعلى جبهة الوحدة الترابية للمملكة وقضية الصحراء المغربية، بذل شمعون ليفي جهودا كبيرة للدفاع عن أم قضايا المغرب المصيرية (قضية الصحراء المغربية)، وبفضل خلفيته العلمية (إجادته للغة الإسبانية) وعلاقاته مع بعض النخب الإسبانية، فقد دافع بقوة عن الحوار  المغربي الإسباني، كما نشر مقالات عديدة في الصحافة الإسبانية، ونظم ندوات وزيارات عمل؛ كلها كانت تصب في اتجاه الدفاع عن مغربية الصحراء عبر آلية الحوار مع الجارة الإسبانية[3].

شمعون ليفي والدفاع عن اليهودية المغربية

كما رفض الحصول على الجنسية الفرنسية بموجب أحد القوانين الاستعمارية الفرنسية التي منحت فرنسا بموجبها جنسيتها لكل يهود المغرب العربي حينما كانت تحتل كلا من الجزائر، تونس والمغرب. غير أنه فضل أن يعيش بدون أوراق وبدون جنسية أكثر من 24 عاماً إلى أن صدر قانون الجنسية المغربية في نهاية 1958. وقد تحدث بتحفظ شديد عن قصته مع الجنسية المغربية، واعتبر أن فتح هذا النقاش، كما قال قد يفتح الباب على مصراعيه، للتشكيك في ولاء الناس لوطنهم، لكنه أكد في المقابل أنه بالفعل عاش بدون أوراق إلى أن صدر قانون الجنسية المغربية في نهاية الخمسينات، رغم أنه كان بإمكانه أن يحصل على الجنسية الفرنسية. وقال ليفي في هذا السياق، “لا أريد الدخول في التفاصيل، وأكتفي بالقول إن الجنسية المغربية تكفيني” [4].

دافع ليفي عن يهوديته، واعتبرها مكوناً أساسياً من الهوية المغربية، لكنه لم يدافع عن مغربيته ويهوديته من موقع الإحساس بالنقص والدونية والتهميش، بل دافع عنهما من موقع الاعتزاز، اعتقاداً منه أن يهود المغرب ساهموا في تعزيز قيم التعايش بين أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية. وكان ليفي دائماً في قلب الصراع الاجتماعي والسياسي طيلة مغرب ما بعد الاستقلال، مدافعاً عن مغرب ديمقراطي يتمتع فيه جميع المغاربة، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، بكامل حقوق المواطنة[5].

بعد تقاعده من وظيفته في الجامعة كأستاذ جامعي، وبعد عملية الإبعاد التي تعرض من حزب الهيئات القيادية لحزب التقدم والإشتراكية بعد وفاة الأمين العام علي يعتة سنة 1997. تفرغ شمعون ليفي للعمل من أجل صيانة وحماية التراث اليهودي المغربي، فساهم بشكل فعال، إلى جانب شخصيات يهودية، عديدة في إنشاء متحف التراث اليهودي المغربي بمدينة الدار البيضاء، والذي أصبح مديرا له. كما كان له دور في ترميم المعبد اليهودي “صلاة الفاسيين” بمدينة فاس[6].

وقد وافته المنية يوم 2 دجنبر 2011 عن عمر يناهز 77 عاما بعد صراع طويل مع المرض، ووري الثرى بالمقبرة اليهودية بمدينة الدار البيضاء. وقد جمعت جنازة شمعون ليفي كثيرا من الوجوه السياسية والمدنية منها؛ أندري أزولاي وعمر عزيمان مستشارا الملك محمد السادس، وعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة آنذاك، والوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي وسيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، والأمين العام السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار وغيرهم.

المراجع
[1] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, coordination Jillali El Adnani et Mohammed Kenbib, faculté des lettres et des sciences humaines Rabat, 2015, p 413-414.
[2] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, Ibid, p 415,
[3] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, Ibid, p 416.
[4] تقرير الحالة الدينية بالمغرب، المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، التقرير3(2011-2012)، ط1، 2015، الرباط، ص 359.
[5] تقرير الحالة الدينية بالمغرب، مرجع سابق، ص 359.
[6] Histoire du Maroc Indépendant: Biographie Politiques, Ibid, p 416-417.