توطئة

ارتبَط تاريخ المنطقة بقبائل إحاحان الـمُنتمِية مجاليا إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير الأطلنتي _ وهي فرع من التكتّل المصمودي، شَكّلت مع الوقت اتحادية أمازيغية، وما تزال حاضرة حاليا في حدود إقليم الصّويرة _، وشياظمة الـمتكوّنة إثْر الهجرات العربية التي عَرَفَها المغرب في عهد دولة الموحّدين عندما استقَرّ الأعراب في إقليم حاحا بين القرنين 14 و15 للميلاد _ والشياضمة فرع كبير مِن المصامدة _ وبحضورهما البارز في مجرى التّاريخ المحلي والإقليمي، مِن عصر الموحّدين؛ حيثُ بَدأ التَّجلي البارز والمؤثّر للاتحاديات القبلية، إلى القرن العشرين؛ حيث ارتبط حضورُهم بتَأسيس وتوسيع مدينة الصّويرة وترقِّي كبار أُسَرِهم أمثال: (آل أبيهي، آل إنفلاس، أسرة آيتبن عدّي، أسرة آل أيكيدر، آل أغناج..) ورجالاتهم في بعض المناصب العسكرية والسّياسية والتجارية-الاقتصادية، واشتهار الاتحاديات القَبائلية في أحداث المقاومة والكفاح المسلّح ضد الاستعمار الأجنبي، مِن مطالع 1913 وإلى غاية انطلاق عمليات جيش التّحرير وعودة السلطان ونيل الاستقلال.

بعضُ أخبارِ الكفاح المحلي بإقليم الصّويرة في المادة المصدرية

تَطرّقت بعض المصادر والمراجع الـمعاصَرة لِذِكْر نُتَفٍ من الأحداث والقضايا ذات الصِّلَة بتاريخ المقاومة المحلية بإقليم الصويرة وأعلامها وإسْهامها، نستحضر منها على وجْه الجَـرْد والإجمال:

  • كتاب “الثّقافة الشّعبية بين المحلي والوطني”، وهو حصيلةُ أعمال الدورة الثالثة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير. تَضَمَّنَ مقالاً للأستاذ محند آيت الحاج بعنوان: “مقاومة إحاحان وما واكبها من أدب شَعبي”، تَنَاول فيهِ جانباً مِن المواقف البطولية المشرِّفة لقبائل حاحا ومشاركتها الدّائمة والفَعّالَة في صُنع تاريخ المغرب، مِن خلال استِنطاقِ الأدب الشّعبي الذي يزخَرُ بمواقف الشَّجَاعة والحكمة والتّبصر وروح المقاومة والنضال في سبيل نُصرة الحقّ والدّفاع عن المشروعية المتأصِّلة بين سكان قبائل حاحا منذ القِدم، يَتوارثها الأخلاف عن الأسلاف.
  • كتاب “رجراجة وتاريخ المغرب؛ زاوية بن احميدة نموذجا”[1]، لصاحبه محمد السعيدي الرجراجي، الصادر في طَبعته الأولى سنة 2004، تناول فيه بشَكْل مقتَضَب جوانب مِن إسهامات الزاوية الرّجراجية في مقاومة الاحتلال الفرنسي للمغرب، وعلاقة الرّجراجيين بالحركة الوطنية، وأدْوار رجالاتهم في المقاومة.
  • كتاب“قبائل إحاحان في مواجهة التدخّل الأجنبي؛ مراحل الاحتلالين البرتغالي والفرنسي والمقاومة المحلية[2]، للدكتور محمد أبيهي، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في طبعته الأولى سنة 2018، يَسدّ خصاصا بحثيا مهما عن تاريخ المقاومة المحلية بالجنوب، ولا سيما بالأطلس الكبير الغربي، ويُعرِّف بجانب ثَـرٍّ من ذاكرة المقاومة بإقليم الصويرة من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين.

محطّات من مُشارَكات الصّويريين في الكفاح المسلّح

وَجَّهَت السّلطات الفرنسية أنْظَارها ومَطامعها الاستعمارية “للسيطرة على الصّويرة، نظرا لما لهذه المدينة من أهمية اقتصادية وإستراتيجية، حيث ظَلَّت بَوّابةً رئيسيةً لتَموين الحملات العسكرية المتوجّهة إلى أكادير والأطلس الكبير[3]، إلا أنَّ هذه الأطماع وُوجِهَت بمقاومة شرِسَة مِن لَدُنِ اتحادية القبائل، ودَارت معارك عديدة في المنطقة، أهمّها: معركة دار لُوضَا – معركة بوتازارت – معركة تنمار – معركة واد اكزولن – معركة بوريقي، قَدّم فيها أبناء المنطقة الغالي والنّفيس، واعترَضوا طَوابير الاحتلال وهي تَجوس في المنطقة قاصدةً احتلال مدينة أكادير.

ومِن جِهَته أعلَن القائد عبد الرحمان الكيلولي والقائد محمد أنفلوس حربا جهادية ضد قوات الاحتلال الفرنسية التي خرجت مِن ميناء الصويرة في اتجاه أكادير وسوس سنة 1912م، فَوَقَعَت بين الطّرفين حروبٌ طاحنةٌ دامَت ضراوتها زهاء أشْهُرٍ من السنة الأولى لإعلان الحماية الأجنبية، أَظْهَرَ فيها الحاحيون ومَن والاَهُم مِن قبائل الجنوب الشّجاعة والثبات في سبيل الدفاع عن الوطن والحرية.

ثم كانَ أنْ انْضَمَّت قبائل إحاحان وشياضمةسنة 1914م إلى ثورة أحمد الهيبة التي اكتَسَحت بلاد الجنوب من تيزنيت إلى مراكش، وقد استغل القيّاد الكَيلوليين التّنافس الألماني-الفرنسي على احتلال المغرب ليَأْخذوا المالَ والسّلاحَ مِن ألمانيا ويُقَوُّوا بهما حَركة الشيخ الهيبة، وقد بَلْوَرَت هذه الثّورة التي ساهَمَ فيها الحاحيونَ الوعيَ المحليَّ والوطنيَّ ضِدّ الاستعمار الأجنبي[4].

لقد شاركَتِ العامّةُ في إقليم الصّويرة بتأطيرٍ مِن قادة المقاوَمَة ومِن النّضال الوطني والمحلي ضدّ الاستعمار الفَرنسي الغاشم، وَوَثّقت لنا الـمصادر جوانِبَ مُشرقة من كفاح الرّجراجيين وما لَاقاه رجالهم مِن الشّدائد والمعاناة والسّجون، فقد “ذَاق الرجراجيون في زواياهم ما ذاقه أهل المغرب أجمعين مِن تَعَسُّف وضَغط وهَتْك للحُرمات وعذابات أليمة سواء مِن طرف الاستعماريين مباشرة أو مِن طرف زبانيتهم القُواد الذين فَتَح لهم الاستعمار شَهية التسلّط فَبَغَوا واسْتَبَدّوا واستَعْبَدُوا وقَتَلوا (..) وهناك مآسٍ كثيرة ارتُكِبَت ضِدّ صلحاء وعلماء ومرابطين، خاصة في الزوايا التي كانت لها نَـجْدَة وكلمة وسمعة”[5]. ولكنّ عزيمة الرجال وقيم التصوّف الـمُقاوِم التي انْغَرَست في أفئدة أبناء المنطقة منذ عهد الإمام الـجَزولي ظلّت صامدة ومُتَيقِّظة ضِدّ كلّ محاولات الاستهداف والعدوان الاستعماري.

وما أنْ نُفِيَ السلطان محمد الخامس “رمز المشروعية رحمه الله وعائلته الكريمة؛ حتى أصابَ الرجراجيين ما أصاب غيرَهم، لكنّهم لم يَبقوا مَكتوفي الأيدي، ولم يَسترسلوا في النّواح والعَويل، وإنمّا فَعَلوا ما فَعَل الشّعب _ وما فعله مَعروف _، إلا أنه مِن الإنصاف أنْ نتعرّض لبعض الحالات الفدائية التي وَقَعَت في الإقليم والتي تَدُلّ على أنَّ مُواطِنِيه لم يَنْسَوا قضية شَعبهم الكبرى، ولا مَلِكهم المجاهد، ولا استقلال بلادِهم، ولم يَنْكُصوا أو يخافوا جبابرةَ الاستعمار وذيولَه، وسواء كانوا داخل الإقليم أم خارجَه؛ فقد ساروا في درب النضال كبقية المغاربة”.[6]

ولما اندَلَعت الأعمال الفدائية في شتى حواضر وقُرى المغرب ضد الوجود الاستعماري، وتَمّت الوشاية برَمز العمل الفدائي الشهيد محمد الزّرقطوني، لم يَجد الرجلُ إلا منطقة الشياظمة حيثُ مسقط رأس والدِه علي الزرقطوني، فاختَبَأ “أياما وليالي ذوات العدد بدارٍ بِضَيْعَةِ أحد أشياخ شياظمة قرب جمعة سحيم، والمستعمرون يبحثون عنه أسبوعين كاملين”، قبل أن يَنتقل إلى مراكش، حيث بقيَ هناكَ “شهرا كاملا بين مارس وماي سنة 1954”[7].ولم تهدأ المواجهات إلّا بَعد نيل المغرب استقلالَه عن الحامي الفرنسي.

المراجع
[1] (الرجراجي) محمد السعيدي: "رجراجة وتاريخ المغرب"، منشورات جمعية البحث والتوثيق والنشر، العدد 13، مطبعة ربا نيت، الرباط، الطبعة الأولى 2004، طُبع الكتاب بدعم من جمعية حوض آسفي، مكتب فرع الرباط.
[2] (أبهي) محمد: "قبائل إحاحان في مواجهة التدخل الأجنبي، مراحل الاحتلالين البرتغالي والفرنسي والمقاومة المحلية"، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مطبعة دار أبي رقراق، سلا، الطبعة الأولى 2018.
[3] (أبهي) محمد: "قبائل إحاحان في مواجهة التدخل الأجنبي..، مرجع سابق، ص: 152.
[4] "الثقافة الشعبية بين المحلي والوطنية"، مرجع سابق، ص: 246.
[5] (الرجراجي) محمد السعيدي: "رجراجة وتاريخ المغرب"، مرجع سابق، ص64-65.
[6] (الرجراجي) محمد السعيدي: "رجراجة وتاريخ المغرب"، مرجع سابق، ص: 66.
[7] (الرجراجي) محمد السعيدي: "رجراجة وتاريخ المغرب"، مرجع سابق، ص: 68.