المحتويات
إذاعة راديو ماروك.. بداية الحكاية
كان تدشين أول مركز إرسال إذاعي بالمغرب في فبراير 1928 بمدينة الرباط، انطَلق بِقُوّة بَثّ (2 كيلواط)، وكان تدشينا تقنيا محضًا قَبل انطلاق إرسال البرامج في 5 أبريل 1928. وهذه الطاقة كانت متواضعة جداً “مقارنةً بما آلت إليه التَّجهيزات التقنية في الفترات اللاَّحقة، وقد اتَّبَعَ هذا التدشين سلسلة مِن التنظيمات التشريعية، حتى صدور ظهير شريف مؤرَّخ في 5 يوليوز 1928 يَسمح بإذاعة الإشهار التِّجاري وتنظيمه على أمواج راديو المغرب”.[1]
وقد كان المغرب مِن البلدان التي بادرت مُبكِّرًا إلى وضْع التنظيمات القانونية التي جَعَلَت المواصلات السِّلكية واللاسلكية حِكْرًا في يدِ الدَّولة، وصَدَر في هذا الشَّأن ظهير مَلَكِي بتاريخ 25 نوفمبر 1924 يَنصُّ على احتكار مختلِف وسائل الاتصالات (الكتابية، الصُّور، الأصوات، الإشارات..)، كما يَشْمَل مختلِف العقوبات على مَن يَعتدي أو يتعدَّى هذا الاحتكار. وبِناء على هذا التَّنظيم التشريعي المبكِّر؛ فإنَّ الإذاعة عندما ظَهرت بالمغرب وَجَدَت لها إطارًا جاهزا، ممثَّلًا في إدارة المكتب الشَّريف للبريد والبرق والهاتف، وهي التي تَوَلَّت إقامة أوَّل كيان للإذاعة في البلاد، أُطْلِقَ عليه اسم “راديو المغرب”[2].
في سنة 1932 تمت الزِّيادة في قوة الدّافعة بأكثر مِن الضِّعف فأصبحت (5 كيلواط)، وفي أكتوبر 1935 تَمَّت إقامة أوَّل جهاز مُرْسِلٍ هام بمدينة تْمارة، بَلغت قوته (20 كيلواط)، بَينما محطَّة الإنتاج والبثّ كانت بمقر إدارة المكتب الشَّريف للبريد والبرق والهاتف، و”ظَلَّ التناوب على هذا الجهاز مستمرا لمدة خمس عشر سنة بين البرامج العربية ولهجة تشلحيت والبرامج باللغة الفرنسية”.[3] وقد كانت فضاءاته جِدّ متواضِعة لا ترقى إلى مفهوم “استديو” بل كانت عبارة عن قاعات تقليدية لذلك كانت جودة البث رديئة والصَّوت متقطِّع. ومَع تزايُد الاهتمام بالبرامج مِن لدن الرأي العام؛ كان لا بدّ مِن التنظيم القانوني العام لشؤون البرامج، فَتَمَّ إحداث مجلسٍ للإذاعة بالمغرب، وذلكَ يوم 15 دجنبر 1937 في عهد الحجر والحماية، وكان يتألَّف مِن: مُـمَثِّل مُعَيَّن مِن طرف كلِّ واحدة مِن الهيئات الثلاث لمجلس الحكومة، وخمسة أعضاء مغاربة معيَّنين بقرار، ويُختار كل واحد منهم مِن بين أعضاء الأقسام المغربية للغرف الاستشارية، ونادي الرَّاديو بالمغرب وأصدقاء الموسيقى، وعضو من الدِّيوان المدني، إضافة إلى أعضاء آخرين.[4]
مَقرات العمل.. تواضُع في الإمكانيات وطموحُ التّطلعات
أمّا عن بناية دار الإذاعة؛ فقد كانت ضَعيفة “التجهيزات الإذاعية، مما أدَّى إلى التّعجيل بإنشاء دار الإذاعة بِزنقة “البريهي”، وكانت هذه البناية أوَّل الأمر مقتَصِرة على البث الصَّوتي، وأُضيفَ فيما بعد مَقر التلفزيون، وتم افتتحاها سنة 1955”[5]. أمَّا التَّشكيل الذَّبْذَبي (التَّردُّدي ف.م اختصار لــ”فركنسيموديوليشن”)؛ فقد بَدأ العمل به في الدار البيضاء سنة 1959، ويَـتَميَّز بجودة الوضوح السّمعي، لاسيما داخل الوسط الحضري الآهل بالسُّكان”. [6]
خلال الحرب العالمية الثانية عَرف القطاع الإذاعي طفرة هامة، خصوصًا بَعْدَ انْعقاد مؤتمر “كوبنهاجن” سنة 1948 لتوزيع أطوال الموجات، وحصل المغرب على نصيب مُهِمّ منها، فَتَمَّ إنشاء مركز “سَبْع عيون” بمدينة مكناس. كما اعتُبِرَت سنة 1949 انطلاقة جادّة في تاريخ الإذاعة بالمغرب، تجهيزا وبرمجة، حيث تَمَّ تَدشين جِهازين مُرْسِلَين مِن طراز حديث حينئذ، وكانت قوة كل واحد منهما (20 كيلواط)، واحد منهما لنقل البرامج باللّغة العربية واللّهجات المحلية، والثاني لبرامج اللّغة الفرنسية، وحِصَّة قصيرة لنشرة إخبارية باللغة الإسبانية، ما شَجَّع على نشأة الفُرق الموسيقية والمسرحية، وازداد عدد المذيعين والتقنيين والصحافيين والفنانين الذي انتسبوا للإذاعة المغربية. “ولم تَكُن هذه القفزة النوعية تكفي لتغطية التراب الوطني وإبلاغ صوت الرباط إلى مختلف أنحاء البلاد، وخصوصا المناطق الشرقية والجنوبية، ومِن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز “سَبْع عيون” بناحية مكناس، سنة 1952 وسط احتفال شعبي ضَخم”[7] بذلك.
الإذاعة في أعقابِ استقلال المغرب
عَرفت هذه الفترة اهتماما متزايدا بالبرامج العربية، بَعدما كان المستعمِر يُسيطر على مقاليد الإذاعة.
وبُعيد استقلال المغرب بادر للالتحاق بركب التّقدم اللاَّسلكي، لِذا سَجَّل دخولَه الدَّولي للإذاعة سنة 1957 حينما انخرطت “الإذاعة المغربية” في “الاتحاد الأوربي للإذاعة” الذي أُنْشِئَ سَنة 1950. وقد كان للمغرب نشاطٌ ودَوْرٌ محسوسٌ في هذا الاتحاد، وبِخاصة في فترة تولِّي الدكتور المهدي المنجرة، منصِب المدير العام للإذاعة والتلفزة المغربية، والذي أثَّر في مسار هذا الاتحاد ومصيره. وعِندما استَقَلَّ المغرب وَجد على أرضه أكثر مِن محطّة إذاعية:
- إذاعة طنجة الدَّولية التي كانت تتوفر على تجهيزات تقنية للإرسال خاصة بالمحطة الأمريكية الكبرى “صوت أمريكا” التي كانت تبث عبر العالم قبل استقلال المغرب.
- إذاعة إفريقيا _ المغرب.
- إذاعة باناميريكان.
- إذاعة دَرْسَة في تطوان.[8]
وفي غمرة المفاوضات التي أدَّت إلى استقلال المغرب “تم تعميم احتكار الدّولة المغربية في مجال البريد والبرْق والهاتف، واحتكار المواصلات السِّلكية واللاسلكية ومنها الرَّاديوفونية، فتمَّ شراء بعض هذه المحطات أو حَلُّها، وما أنْ دَخَلت سَنة 1960 حتى كانت “الإذاعة الوطنية المغربية” صاحبة السيادة الإذاعية على طول البلاد وعرضها، بَعد أنْ اشْتَرَتْ تجهيزات إذاعة دَرسة، وانتقلَت إذاعةُ طنجة إلى السِّيادة المغربية”.[9]
المراجع
[1] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، الطبعة الأولى 1999، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 44[2] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص43
[3] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 45
[4] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 46
[5] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 65
[6] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 61
[7] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 52
[8] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 87
[9] (شقرون) عبد الله: "الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات"، مرجع سابق، ص: 90