مقدمة

بعد فراغه من تأليف كتابه المرجعي القيم “تاريخ المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال”[1] وتقديمه للقراء؛ بادَر الدكتور الباحث امحمد جبرون إلى إصدار مؤلَّف تأريخي لمسارات المغرب الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية لفائدة التلامذة والناشئة عنونَه بــ “المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار”، جاء في شكل نص حواري متسلسل، بطله أبٌ مغربي متشبِّـع بتراث وتاريخ بلده، يَرويه في جلسات حوارية مشوِّقة مَـعية ستـة من أبنائه: مالك، إخلاص، عياض، رائد، جِنان، سارة، في ما مجموعه 13 كُتَيِّبا من الحجم الصغير (40 صفحة)، تغطِّي مرحلة تاريخية من عُمر المغرب الأقصى، من الفتح الإسلامي إلى عصْـر الإمارات، مرورا بمرحلة الدول الكُبرى: المرابطون، والموحدون، وكذا المرينيون والوطاسيون، ثم السعديون (الزيدانيون)، وصولاً إلى العصر العلوي، وتجمع بين التاريخ والسياسة والثقافة والاقتصاد والمجتمع، صدَرت طبعته الأولى عن دار سليكي أخوين –طنجة، في فبراير 2020.

ونظرا للقيمة التأطيرية والعلمية لهذه السلسلة؛ فإننا نُقدِّمها للقراء في موسوعة “معلمة” الإلكترونية عبر حلقات، تتضمَّن كل حلقة قراءةً وتقديماً لكِتابين من السلسلة، بما يُساعد على تقريب وتلخيص مضامين الكُتيِّبات.

الحوار الأول.. الفتح الإسلامي للمغرب الأقصى[2] (681م-739م)

يهدف الجزء الأول إلى ترسيخ معرفةٍ وافية بأحوال المغرب الدينية والسياسية والاجتماعية قبل دخول الإسلام إليه، واعتناق أهله له. بحيث تتعرَّف الناشئة أن المغرب كان له شكلٌ من أشكال النظام السياسي، تُدبِّر أموره مجموعة من الممالك القبلية الأمازيغية المحلية والجهوية. ومن أهمّها وأشهرها: مملكة سجلماسة – مملكة طنجة – مملكة الغرب الأقصى – مملكة سوس.

وقد سادت في هذه المناطق أو الممالك ديانات عديدة قبل الإسلام، من أبرزها:

  • النصرانية: وقد كانت منتشرة فيما بين القرن الثاني الميلادي إلى غاية القرن 11 منه تقريبا؛
  • اليهودية: وهي ضاربة الجذور في كثير من تلك المناطق، وبقيت إلى مجيء الإسلام، وما تزال أقلية يهودية بالمغرب إلى اليوم؛
  • الوثنية: وقد تمركزت أكثر في أماكن نفوذ الأمازيغ الأحرار.

يتطوَّر الحوار بين الأب وأبنائه فيسألون عن تاريخ وصول الفاتحين العرب إلى بلاد المغرب الأقصى، فيُجيب أنَّ ذلكَ وافَق بدايات سنة 61 للهجرة، على عهد الخليفة الأُمَوي يزيد بن معاوية المتوفى سنة 64 هجرية.

توالى الوُلاة على المغرب فاتحين وناشرين للإسلام، ومن أشهرهم عُقبة بن نافع الذي وافته المنية سنة 63 للهجرة على يد كُسيلة وجيشه الذي اجتاز إلى المغرب الأوسط ونسَّق ما قائد الحامية الرومية بها للإيقاع بعُقبة وقَتْله.

تلا ذلك إسنادُ الخليفة الأموى الشهير عبد الملك بن مروان (تــ 86هـ) عمليات الفتح في الشمال الإفريقي إلى القائد زهير بن قيس البلوي، ثم حسان بن النعمان، اللذان تـمكَّنا من ترسيخ الإسلام بأرض المغرب ونشر الدعوة في القبائل وإكمال مسار عملية الفتح التي بدأها عُقبة وأبو المهاجر دينار.

إلا أنّ استِتبابَ الدين وتَبعية المغرب للأمويين لن تتم إلى على عهد الوالي يوسف بن نصير ومولاه طارق بن زياد حوالي العام 90 هجرية، ثم بداية الانطلاق من المغرب صوبَ الجزيرة الخضراء والأندلس.

دخل المغرب عقِب ذلك طَور حُـكم الوُلاة الذين تولّوا أمره بتكليف من الخلفاء الأمويين. ومن الولاة الذين تعاقبوا على الحكم نذكر:

  • محمد بن يزيد، المعيَّن من قِبَل الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99هـ)؛
  • إسماعيل بن أبي المهاجر المعيَّن من قِبَل الخليفة عمر بن عبد العزيز (99-101هـ)؛
  • يزيد بن أبي مُسلم المعيَّن من طَرف الخليفة اليزيد بن عبد الملك (101-105هـ)؛
  • عبيدة بن عبد الرحمن السُّلَمي  المعيَّن من قِبل الخليفة هشام بن عبد الملك (105-125هـ)؛
  • بِشر بن صفوان وعبد الـمُرادي.

غير أنَّ الوضع لم يستَتِبَّ للولاة، لأسبابٍ ترجع إلى سوء معاملة بعضهم للأهالي، واستفحال الخراج والجبايات؛ فثار المغاربة بقيادة ميسرة الـمطغري سنة 122هــ خارِجين على الحكم الأُموي وساعين لتحقيق الاستقلال السياسي.

الحوار الثاني.. المغرب في عصر الإمارات[3] (739م – 1070م)

في أعقاب الاستقلال عن الخلافة الأموية وطَرد وُلاتها؛ توزَّعَت بلادَ المغرب إماراتٌ أشرفت على إدارة مناطق متعدِّدة لفترة طويلة من الزمن، لعل أشهرها وأهمّها على الإطلاق:

إمارة بني صالح في النكور (790م – 1067م)[4]: أسّسها صالح بن منصور الحميَري، أحد القّواد العسكريين المشارِكين في حملة موسى بن نصير لفتح المغرب، نزل بمنطقة الريف حوالي سنة 92 للهجرة، فاستخلص منطقة نكور لنفسه، ووطّد بها حكمه، وهي أول إمارة إسلامية ببلاد المغرب الأقصى. ظلَّت في عقِبِه إلى غاية سقوطها تحت ضربات قبيلة ازْداجة الأمازيغية التي ستحكم المنطقة إلى غاية سنة 460 هجرية.

إمارة برغواطة[5] (741م – 1058م): أسسها طريف بن عبد الله أبو صالح، أحد قادة الأمازيغ المغاربة الذين كلَّفهم الفاتح طارق بن زياد بسَرية استِطلاعية صوبَ شَذونة في الأندلس[6]، بخليط من القبائل الأمازيغية، وامتدّ نفوذها من تامسنا إلى أحواز أسفي. واستمَرّ حكم أسرة آل طريف مدة تزيد على ثلاثة قرون إلى أن أنْهى المرابطون وجودهم وإمارتهم.

إمارة سجلماسة (757م – 1053م): وهي إحدى أقدم وأعرق الإمارات الإسلامية بالمغرب، أمَّرَت عليها عيسى بن يزيد الأسود (تــ 155) أشهر أمراء بني مدرار. ثم خضعت في مرحلة لاحقة لحكم الشيعة العُبيديين مدة 40 سنةً، وعادت لحكم محمد آل الشاكر لله وذريته، إلى أن أنهى خزرون بن فلفول المغراوي آخِرَ وجود لني مدرار في المنطقة، وذلك حواليْ سنة 366هـ.

إمارة بني عصام الغمارية بسبتة (931م): حكمت هذه الأسرة سبتة مدةً غير متَّفقٍ عليها بين الإخباريين والمؤرخين، واشتهَر منهم الأمير عصام بن ماجكس الغماري. تغلَّب عليهم الخليفة عبد الرحمن الناصر، فضمّ سبتة إلى نفوذ الخلافة الأموية بالأندلس سنة 316هـ.

إمارة الأدارسة[7] (788م – 985م): أسسها المولى إدريس بن عبد الله الكامل، وتولى قيادتها بعد تحالف متين مع زعماء قبيلة أوربة، وإثْر وفاته، بايعت القبائل المولى إدريس الثاني، وهو المؤسس والموطِّد الأكبر للإمارة الإدريسية، ثم خَلَفه ابنه محمد، وإخوته الذين وزَّعوا نفوذ الإمارة بينهم، وظلّت في أيديهم إلى أن دخل الشيعة العُبيديون المغرب فناكَفوا الأدارسة وخَلعوهم عن الحكم سنة 307هـ.

إمارة مكناسة (719م – 1070م): امتد نفوذ أمرائها بتعاونٍ مع الشيعة العُبيديين من أحواز تازة إلى تلمسان شرقاً فكُور طنجة شمالا، ومن أشهر أمرائها مصالة بن حبوس وموسى بن أبي العافية.

إمارة زناتة (987م – 1069م): تعاقَب على حكم هذه الإمارة فَرعان كبيران هما زناتة المغراويين وزناتة بني يفرن.

ولم تظفر أيٌّ من هذه الإمارات بهدف توحيد المغرب سياسيا ولا دينيا ولا مذهبيا طيلة أربعة قرون تقريبا، إلى أن تمكن المرابطون من تأسيس أول كيان سياسي وحدوي في تاريخ المغرب الوسيط.

المراجع
[1] جبرون، محمد، تاريخ المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال، منشورات منتدى العلاقات العربية والدولية، قطر، الطبعة الأولى 2019.
[2] جبرون محمد، "الفتح الإسلامي للمغرب"، ضمن:"المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار، منشورات سليكي أخوين، طنجة، الطبعة الأولى فبراير 2020.
[3] جبرون، محمد، "المغرب في عصر الإمارات"، الكتاب الثاني، ضمن: المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار، منشورات سليكي أخوين، طنجة، الطبعة الأولى فبراير 2020.
[4]  الفكيكي حسن، معلمة المغرب، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، الطبعة الأولى 1992، ص: 1539-1540.
[5] القبلي، محمد، تاريخ المغرب؛ تحبين وتركيب، إشراف وتقديم، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، الطبعة الأولى 2011، ص 154.
[6] حركات، إبراهيم، معلمة المغرب، الجمعية المغربي للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، طبعة 1991، من الصفحة 1165 إلى الصفحة 1168.
[7] نصر الله، سعدون بن عباس، دولة الأدارسة في المغرب؛ العصر الذهبي 176 هــ - 223 هـ / 788م – 835م)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1987.