تقديم

رواية “عشاق الصحراء” للأديبة زبيدة هرماس نسجت لتحكي لنا مقاومة وممانعة جيل استعصى على المستعمر الإسباني والفرنسي، وما لم يكن القارئ ملما بالتاريخ لن يفك خيوط الرواية التي تبحر به في عالم جميل، تعانق فيه أرواح المجاهدين وترثي الذين استشهدوا والذين عذبوا، ومن هم في سجون تندوف محاصرون من طرف زعماء الجمهورية المزعومة. أبطالها الشيخ ماء العينين، الشيخ أحمد الهيبة، والشيخ مربيه ربه، وغيرهم كثير من المتجذرين في تاريخ هذه الصحراء … الأبطال الحقيقيون الذين حرروا الأرض من المستعمر وأزلامه. (الرواية ص 188 ـ 189)

سياق وتاريخ الرواية وفصولها

تطل علينا رواية ”عشاق الصحراء” للأديبة زبيدة هرماس بعد مجموعتين قصصيتين؛ الأولى ”كنز في تارودانت”، والثانية: ”لم أرحل إلى الضفة الأخرى”، وروايتين؛ ”فراشات مكة …. دعوها تحلق”، و”حب على رصيف القرويين”، تأخذنا كعادتها في رحلة شيقة مزجت فيها بين المعرفة الدقيقة بتاريخ المغرب، والحبكة الدرامية، وتشدك إليها شدا، وأنت تتابع تفاصيل الأحداث كأنك تراها رأي العين، وإن لم تكن ملما بالحقبة التاريخية تضيع منك فصول الرواية، العاصفة  المغامرة، اللقاء، المسيرة، المصير، السفر، العودة.

رواية من قلب الصحراء تبدأ باستحضار التاريخ القديم للمغرب، فالمرابطون ينحدرون منها، من قبائل صنهاجة تحديدا، وكذلك السعديون من أصول صحراوية، وهم الذين حكموا البلاد في القرن السادس عشر ووسعوا حكمهم إلى حدود نهر السينغال، وكذلك العلويون الذين يحكمون الآن، وينحدرون من الصحراء، وتحديدا من تافيلالت. (الرواية ص 200 )

إن تاريخ الرواية يمتد منذ دخول الاستعمار الإسباني إلى الصحراء إلى اليوم، حقبة تاريخية قاوم فيها المغرب كل أشكال التغريب والمسخ. لقد قاوم المجاهدون المستعمر الإسباني منذ دخوله. لقد تنكر المجاهدون في زي النساء ونظموا عملياتهم وتمكنوا من هزم الغاشم في أكثر من موقعة، وغاضهم أن يبني ماء العين ويشيد في الصحراء وهم يخربون ” يجب أن تعلموا أيها الجنود الأوفياء أن الشيخ ماء العينين قام ببناء مدينة السمارة بعد سنوات من ترحاله بين الساقية الحمراء وأدرار، هذا البناء الذي جمع قوة الكثير من الصحراويين ونظمها، وصاروا يقصدونه في زاويته البئيسة، وينطلقون بتعليماته التي يستمدها من سلطانه الذي يجدد له البيعة، وشكل رباطا سياسيا لم يكن في صالحنا، لأنه يقويهم ويكثل وحدتهم، وكلما توحدوا .. كلما ضعفنا ” (الرواية ص 43 ). العدو ينعم بخيرات البحر والصيادون لا يجدون من يشتري منهم ليسدوا به بطونا جائعة تنتظرهم كل ما أمسوا.

حكت الرواية عن تفاصيل التعذيب والمعاناة في سجون تندوف، ويربط الماضي بالحاضر، حيث عانى الصحراويون الويلات من طرف المستعمر الغاشم،….. وكيف كانت سيادة المغرب منذ أمد بعيد على كل تلك الصحاري الشاسعة، وتحدثت عن لقاء الشيخ ماء العينين في سنة 1906 ومعه وفود الصحراء وموريتانيا بالسلطان المغربي مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول من أجل دعمهم في مقاومة المستعمر الأوربي، و عن الفترة التي أرسل فيها المغرب مولاي إدريس ابن عم السلطان مع وفود القبائل الصحراوية والموريتانية من أجل قتال الفرنسيين بموريتانيا … ”. (الرواية ص 190)

حب الصحراويين للصحراء .. أرض الصمود

الصحراويون يحبون دينهم ويتشبثون به: ”الصحراويون يحبون دينهم يا خوسي، حتى الخيام لا ينصبونها إلا باتجاه القبلة” (الرواية ص 68) . والصحراء تبقى شامخة: ”الصحراء كالبحر يا سيد سيباستيان، تحتاج لتركب أمواجه سنوات طويلة لكي تصطاد أسماكه” (الرواية ص 47) . وأهلها صامدون: ”ابتسم محمد وقال: هذا السجن لا يرهبني … سأظل صامدا حتى آخر نفس … كل هؤلاء المظلومين في تندوف سيعودون إلى ذويهم يوما، لأن الليل المظلم يلحقه الفجر الوضاح، وأحب أن أكون من الذين يحملون الشمع وهو يحرق أصابعهم ليستنير الآخرون … حب العطاء يغريني أكثر من حب الأخذ” (الرواية ص 251)، لقد أرادتهم زورا مسيحيين ولاؤهم لإسبانيا ومسحت ذاكرتهم لكن االله أراد لهم الهداية والرجوع إلى الوطن، محمد تربى في كنف الشيوخ وتتلمذ عليهم وسار فقيها، وأطر معتقلي تندوف، وأخوه مولود الرفيق رجع من الشيوعية وحلم الجمهورية الوهمية إلى رفيق لأخيه في رحلة مباركة للديار المقدسة، ” تذكر مولود كلمة الرفيق التي طالما استعملها، فصار يتعجب من الأقدار والأحوال” (الرواية ص278) .

الاستعمار يريد اليوم التفريق بين الإخوة المغاربة والجزائريين، والله يوحد القلوب: ”اعتز كثيرا بأخوتك وعطفك، هذه اللعبة التي تحاول التفرقة بين شعبينا …. لعبة خاسرة …. يلعبها المختفون بطريقة قذرة ..” (الرواية ص 261)، الاستعمار نصب بن عرفة ليخلف محمد بن يوسف والله أوقد نار الجهاد ضد الفرنسيين، وأنبث أمثال علال بن عبد الله.

الصحراء أرض الصمود: ”الصحراء أرض صابرة يا بني، لقد مكث فيها الاستعمار 91 سنة متصلة، من 1844م إلى 1975م… وقد توزع صبرها على كثير من أبنائها، وأنت واحد منهم”. (الرواية ص 268). كما لقنت الصحراء للغاشمين درسا لن ينسوه، وما تزال صامدة في وجه كل من سولت له نفسه خيانتها، أو التنكيل بأهلها.

”عشاق الصحراء” حلم راود محمد ولد سالم: ”فقد ظل يحتفظ بتلك الأوراق البالية التي كان يصادفها في معتقل تندوف كلما خرج وحملتها الرياح إلى تلك الباحة البئيسة، دون عليها أبواب روايته التي عنونها ب ”عشاق الصحراء” يقصد كل عاشق تاقت نفسه إلى الحرية والكرامة، بعيدا من أغلال الاستعمار الذي نبت تحت عباءته، وارضعه الذل منذ طفولته”. (الرواية ص 268-269)

خلاصة

وأنت تتمتع بفصول الرواية وتتبع الأحداث تحس أن كاتبتها عاشت المرحلة بكل تفاصيلها من خلال السرد القريب، أو المتابعة فيما مر معها من أحداث. روح غريبة تسري في متن الرواية تخاطبك في الأعماق وتشدك إليه شدا، وتتمنى أن يتحقق حلم طالما حلمت به وهو أن ييسر للرواية من يجعلها حركية يتابعها المغاربة عن طريق فيلم تاريخي، ويتحقق بالتالي حلم مولود ولد سالم: ”سأنجز فيلما عن قضيتنا الوطنية، كنت دائما في إسبانيا أستنكر السينما التافهة التي تتناول بعض المواضيع الفارغة البعيدة عن هموم الناس، وأنوه بتلك التي تحمل رسالة تشد الأجيال إلى تراثهم وقضاياهم… شيء مؤسف أن لا ترتقي بعض الأعمال بالمشاهد إلى مستوى الذوق واللياقة، بل أحيانا تدمره وتحتقره وتفرغ صورا داخل مخيلته تجعله يمزق تذكرة الدخول إلى القاعة قبل الخروج منها … لا … ما أصبوا إليه أن تكون أفلامي رسالة إلى هؤلاء الأجيال ليعرفوا الكثير عن ماضينا المجيد …. عن قضايانا العادلة، وعن أبطالنا عبر التاريخ، عن الحياة والحب الصادق والنصر والقيم”. (الرواية ص 281 – 282)