مقدمة

يُعَد العلامة محمد المختار السوسي في طليعة الرعيل الأول من رجال الوطنية والفكر والثقافة بالمغرب في عهدَيِ الحماية والاستقلال، وقد أهَّله لشَغْل هذه المكانة فكرُه الإصلاحي المتجلي في أعماله العلمية، ونضاله الوطني من أجل الاستقلال وتنمية بلاده بالحفاظ على قيَمها العربية والإسلامية، وثوابتها الوطنية، وترسيخ سمات الشخصية المغربية الأصيلة المبدعة. فقد تعددت مواهبه ومعارفه وأفكاره؛ فانطلق من النضال الوطني إلى الإصلاح الاجتماعي، ومن التأليف التاريخي إلى الإبداع الأدبي، ومن التصنيف العلمي الشرعي إلى التربية والتعليم، وهذا الجانب الأخير هو الذي يُهمُّنا في هذه الشخصية السامية الفكر.

ويتجلى إبداعه النَّيِّر وفكره الراقي في المجال التربوي في مجموعة من المؤلفات، منها: “مدارس سوس العتيقة، نظامها وأساتذتها”، وكتاب “سوس العالمة”، وكتابه: “المعسول”، وغيرها من المؤلفات المتنوعة بين التربية والعلوم الشرعية.

فقد أفاد وأجاد وتعِب في تأليف كتابه المعسول، الذي يدل عليه دلالةً واضحةً قوله أثناء رحلته من الحمراء إلى إليغ: “وبعد، فإنني وفَّيْتُ بما كنت وعدت به رفاقي في تقييد هذه الرحلة، فإن كان القارئ لا يرى فيها ما يراه في الرحلات، فلينتظر حتى يطالعه ما أمامه من الذيل الطويل الذي سيُكتَبُ فيه بحول الله ما لم يُجمَعْ قبلُ في كتاب”، ويقصد بالذيل الطويل كتابه: “المعسول”، الذي يُعتَبَر من أنفس الموسوعات في العصر الحديث، التي ألفها العلامة المختار السوسي، فهو عبارة عن خلاصة فكر وتجارِبِ ورحلات وقراءات للعلامة، فنحن أمام تاريخ ينبض، وأشخاص تتنفَّس، ومعالم تتحرك، فكان الكتابُ نعم الأنيس.

في الجزء الأول والثاني من الكتاب تحدَّث فيه عن المرابطين أبناء الشيخ سيدي عبد الله بن سعيد، وحاول الحديث عن مجموعة من المدارس، منها: “مدرسة تانكرت”، و”المدرسة البرمروانية”، و”المدرسة الإلغية”، فكان الهدف والغاية من هذه المدارس تكوينَ الطلبة تكوينًا علميًّا رفيعًا، وكانت إشارتُه تدلُّ على ذلك من خلال هذا البيت الشِّعريِّ:

بُغاثُ الطَّيرِ أكثرُها فِراخًا        وأمُّ الصَّقرِ مِقْلاتٌ نَزُورُ

 فكان المدرس يرى أن البدايات مجلي النهايات، فكان يسلك بالمتعلمين مسلك الحفظ، وتنبيه ذاكرته شيئًا فشيئًا بمعاودة ما يدرس؛ ليتمرَّنَ على استحضار القواعد، وعلى الفهم، وتكرير القواعد وممارستها، وهذا جليٌّ في صنافة “بلوم” المعروفة في المجال المعرفي، التي قسمها إلى مستوى المعرفة، ثم الفهم، ثم التطبيق، ثم التحليل، ثم التركيب، وأخيرًا التقييم. فربما حاوَل السوسي تجسيدها بدون التنظير لها، فكان المتعلِّم يبدأ تدريجيًّا من خلال تدريسه وحفظه لمتن الآجرومية، وكذا المتون الصغيرة؛ كالزواوي واللامية والمبنيات، وهي متون تخص النحو، ثم يحفظ متن ابن عاشر في الفقه، فإن أتقنه استقبل الألفية، والرسالة، والمقامات، وغيرها في شتى المجالات، كما أن المدرِّسَ آنذاك كان يمتاز بالكفاءة العالية؛ مِن العِلم والخُلق والأدب.

أما في الجزء الثاني فقد ترجم لمجموعة من الفقهاء، وهو تتمة للجزء الأول، ويقف المطلع على محور مندرج تحت شخصية الأستاذ الحسن بن أحمد الإلغي، وهو محور ذو أهمية بالغة، تحدَّث فيه عن أثر الحرية في التربية والتعليم، واعتبر أن التربية القديمة لا تسايِرُ العصر الحاضر؛ فقد كانت تمتاز بالقسوة على الطفل، وكان المربون لم يستطيعوا أن يفهموا الغاية المتوخاة من وراء التربية والتعليم، فضلًا أن يصرفوا وقتًا من أوقاتهم في التعرف على مشاكل الطفل، والتفكير في طرق علاجها، فمن خلال هذا الكلام يتبيَّنُ – بوضوح– مدى قوة فهمهم ووعيهم بالجانب التربوي؛ فالذكاءات المتعددة ومراعاة الفروق الفردية وغيرها من الأمور التربوية نجدها واردة بقوَّة في التراث التربوي المغربي.

وهذه المقاربة التي قدمها العلامة تحت مَنْحَيَيْنِ:  الأول: مقاربة النظريات الغربية بتراثنا، والثاني: مقاربة المدارس الخصوصية بالمدارس العمومية، في مسألة حرية الطفل، ومَن له تجرِبة سيعرف الفحوى من الخطاب.

إن الباحث في الفكر التربوي عند المختار السوسي يجد أنه خلاصة تجربة ذاتية وموضوعية ترتبط كل منهما بعاملين أساسين؛ يتجلى الأول في الحركة الديداكتيكية ضمن الأخذ والعطاء، والثاني أثناء هذا الأخذ والعطاء، ثم أثناء المماحكة والتفاعل بشكليه الايجابي والسلبي.

لقد كانت نشأة المختار السوسي نشأة متميزة، يقول عن نفسه :(أنا ابــن زاوية) هكذا زاوية، مجردة عن العهد، وغير مخصصة بإضافة، إطلاق عام، ورغم أن اللفظ العام إذا أطلق يشمل جميع أفراده ما لم يخصص فإن في عمومية اللفظ هنا خصوصية ضمنية. انه ابن زاوية، والزاوية عبارة عن مؤسسة تعليمية وتربوية لها مناهجها وبرامجها، تفوق في نظري كل المؤسسات التعليمية، إلا التي على شاكلتها، ذلك أن أي مؤسسة تعليمية في أي بلاد مهمتها إعداد الفرد للحياة، لكن  الزاوية تعد الفرد للحياة الدنيا، وتعلمه كيف يتجنب عذاب الآخرة ويكتسب رضى ربه، مما يجعل الزوايا في المغرب ذات خصوصيات، ويجعل التربية في المغرب جزءا من تاريخه، ليس السياسي فحسب وإنما الاجتماعي والاقتصادي. ونجد أخبار هذه المؤسسات التعليمية الخاصة (الزوايا) في اغلب ما كتب سواء في المجال التاريخي أو فقه النوازل، أو بحوث اللغة وعلوم القرآن. والدول التي حكمت المغرب استمدت قوتها في غالب الأحيان من هذه المؤسسات التربوية.

مراحل التكوين عند المختار السوسي

اتخذ الفكر التربوي عند المختار السوسي مسارا مضبوطا، وتدرج عبر خطوات برهنت عن توفيق من الله، ونور منه كان يشع في الدرب،كان مسار التكوين عبر المراحل التالية:

مـــرحلــة التلـــقي:

كانت طموحاته اكبر من أن تسعها حدود قريته، فاتجه نحو المراكز الحضرية، يدفعه نهم شديد إلى المعرفة،حتى إذا أخذ منها النصيب الأوفر، وأحس بأنه ليس هو هو،… قال في المعسول موضحا حالة الانبهار  الأولي التي تكتنف الفرد في أول دخوله، لكن بعد أن يستوعب المجال تصبح أحكامه أكثر  روية وواقعية، قال حين وصل فاس لتلقي العلم: ”فبدلت أخلاقا غير التي عهدت من قبل، وأنا في مراكش، وأحواز مراكش، فقد تلقحت في جو  فاس بما لو لم أتلقح به لما كانت لي فكرة، ولا تحركت لي همة، ولا نزعت نفس عزوف تقول:

لي هـمة عالية فـذة                طموحها ليس له منتهى

لو ملكت كل الثرى لاعتلت           إلى امتلاك سدرة المنتهى

إعجاب بالجو في فاس، لكنه إعجاب سرعان ما يتضح انه برق خلب، لا يوازي ظاهره باطنه، انبهار أولي تخفف من حدته المقارنة، فيكتشف أن هناك مراكز إشعاعها أكثر  عمقا وإن بدت خافثة، وأسرع تطورا وإن كان فيها رتابة ،فيقول: “وقد ألممت بالرباط حيث احتفظت علوما وفهوما وأنظارا وبحوثا لم أقع عليها إلا في الرباط، ومشايخ الرباط “فهو يرى أن الرباط وتطوان كانتا سباقتين إلى الأخذ بالتجديد، أما فاس فقد تأخرت عنهما، ولم تكن بالقرويين حركة تجديدية إلا ما كان يشيعه العلامة محمد بن العربي العلوي من يقظة في نفوس الطلاب نزعت عنهم الغشاوة والجمود، وجعلتهم ينظرون إلى  واقع بلادهم بعقول نيرة متفتحة، أخذ المعرفة، وتعددت منابع أخذه، واغلبها ثر صاف، يقول: “وبانتهاء تلك السنة 1347/1928 انقضى ما تيسر لي أن أخذه في دور تعليمي الذي امتد نحو 19سنة، {فترة اخذ فيها الكثير، ولم يرفض إلا ما استحق الرفض} اجتهدنا أن نساير العصر، وان نتفهمه فلا ننكر اخذ ما لابد من أخذه،من أساليب الحضارة ونظمها وعلومها، لان الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها”.

مرحلــــة المخــاض:

حاز مكانته في الناس فرآها لا تقل عن سواها بل تزيد، فبدأ الفكر يتأرجح بين الزعامة العلمية  أو الزعامة السياسية، يقول: “كما نبثث في غيرة وطنية نسيت بها نفسي ومصالحي الشخصية، فأعددت نفسي فداء لوطني ولأمتي التي هي أمة العرب والإسلام جمعاء”. وليجمع بين العلم والسياسة انشأ في فاس “جمعية الحماسة” وكان لها هدفان: الأول التمكن من اللغة العربية، والثاني التدريب على الخطابة، باعتبارها وسيلة التواصل وتبليغ الدعوة الوطنية ورسالة الكفاح. فهيأ نفسه للزعامتين وبالخصوص عندما انتخب رئيسا لجمعية الحماسة. لكن طارئا ربما كان عفويا نبهه كي يعيد حساباته حتى في إيمانه بالنظرة الشمولية والوحدة الوطنية، بل في أصول التكوين المعرفي والسياسي. كان زملاؤه يشهدون له بطول الباع في العلم والقدرة على لم الشعث وجمع الصفوف، وكلها مؤهلات للزعامتين. واعتبر المختار السوسي أن التربية والتعليم والتوجيهات الإسلامية ترفض النبز وتوصي بتجنبه، واكتشف الشيخ ضمنيا، أن أي تقويم للإنسان  وأي تعديل في سلوكه يجب أن يأتي عن طريق التعليم الصحيح، والتربية الحق، تربية الروح حتى تكون متواضعة، وتربية العقل حتى يؤمن بالفوارق، فآلى أن يجعل من نفسه معلما وأن يفرغ طاقاته في مجال التعليم  مؤمنا أيضا؛ ”أن الممارسة التعليمية اخطر من الممارسة السياسية، وأن يزرع في نفوس طلابه روح التواضع، ونكران الذات وعندما قرر نفد“.

مـــرحلــة التخصص:

آلى أن يجعل من نفسه معلما، أليس في الحديث: إنما بعثت معلما، فخصص نفسه لهذا المجال، يقول: “فقد جعلت هدفي الوحيد هو نشر العلم الصحيح وبث الفكر في مراكش“.  ويقول: “حللت بالحمراء وقد ألقيت فيها مرساتي وأنوي أن اقضي الواجب علي لديني ولشعبي مابين تلميذ يهذب، وبين درس إرشاد يلقى، وأنا في جانب ذاك أناغي اليراع مما عسى أن يرفع من شأن هذه الأمة، من إحياء ما اندثر من ماضيها، ومن الحفاظ على العربية الفصحى التي أراها إذ ذاك في انهيار، ففي هذه المبادئ الثلاث قضيت أزمانا تكشفت عن أعمال كان فضل الله علي فيها عظيما”. لكن التعليم طريقة وتقـنية وبيداغوجية لم يكن لها معهد متخصص، ولا مراكز تكوين متفرغة، فاعتمد التكوين الذاتي، وآمن بأن الممارسة كفيلة بتمكينه من ديداكتيكية التعليم وحدد لذلك المراقي  التالية:

  • إصدار حكم قيمة على الطرق التربوية المتبعة من قبل أساتذته: ومن البديهي أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وأن الذي يريد أن يصدر أحكاما يجب أن يمتلك زادا معرفيا مرتبطا بالموضوع، فكانت أحكامه كالتالي: قال عن شيخه عبد الرحمان البويزكارني: “كان لي منه نصيب وأخذ جزاه الله بكل خير، فهو الذي بذر البذرة  الأدبية التي أثمرت لنا ما نحن فيه”، وقال عن الشيخ أبو شعيب الدكالي: “طلع علينا السعد بطلوع الشيخ أبي شعيب الدكالي فكان ذلك في حياتي إحافة لباب وفتحا لباب آخر، فانقشعت الغشاوة، وتنبهت للتفريط العظيم الذي مر  بي”، وقال عن محمد بن العربي العلوي: “كان مجلسه ندوة الفكر الديني الجديد، ولم يفته أن المظهر له دور في التعليم”، فقال عن شيخه المدني بلحسني: “كان أستاذنا في درسه كأنها العروس في منصتها بهجة”. هذه الأحكام أيدها الواقع واجمع عليها الرأي فلم تكن اعتباطية ولا وجدانية، وإنما كانت ملاحظة دقيقة، وذكاء وقاد وفكر تربوي ناضج.
  • الممارسة واستخلاص النتائج: الممارس الراغب في تكوين فكر في الموضوع يطرح السؤال ويترك التجربة تجيب. والسؤال الذي طرحه محمد المختار السوسي يتجلى في قوله: “كنت لا أدري كيف اصنع في ذلك، وما هي الطريقة التي سأسلكها لأن من لم يخض بعد مخاضا قلما يدرك بادئ ذي بدء مقدار غورها ولا كيف يضع الرجل في الخطوة الأولى منها”، لكنه لما فتح المدرسة ونصب نفسه للعطاء وانهالت عليه جموع الطلبة، “وهكذا صار تلاميذ الجيران يزدادون شيئا فشيئا، والزاوية تستحيل مكتبا ابتدائيا من حيث لا نشعر، ثم انهال علي المبتدئون فصرت افتح مع كل طبقة، فتكون بذلك حلق متتابعة”. أعطت الممارسة ثمارها واكتسب الشيخ ديداكتيكية التعليم وتشرب الطرق التربوية المتجلية في الأخذ بالحسنى، والإقناع والترغيب، والحب الأبوي، وكان الكل لله وما كان لله دام. ولقد وضح خلاصة تجربته في قوله: “كنت آخذ كل مبتدئ بالملاطفة والمساهلة حتى استأنسوا بالقراءة”. يعتمد الطريقة السقراطية، وكانت تعجبه طريقة الرواقيين، إذ لاحظت أنك وأنت تمشي معه تحس أنك في فصل دراسي بطريقة لا تشعرك بحرج ولا تضيع عليك متعة الفسحة. وجعل نفسه معلما أينما كان في الحل والترحال، وفي الطريق يعلم رفيقه، وفي السجن علم زملاءه، وعلم الناس في منفاه؛ وكان رفاقه في منفاه الأخير من نوابغ الفكر الوطني خريجي القرويين، وإعلام الثقافة، واختاروه معلما لهم، وأصبح مدرسة تربوية لها خصوصيتها يقول: “ولمعرفة الناس هنا بكلفي بالتعليم كان كل واحد يقترح علي درسا خاصا حتى  الأستاذ محمد الفاسي اقترح أن نمر بالقاموس كما اقترحه الأستاذ الكتاني،….وكذلك اقترح علي مصطفى المشرفي الولوع بكل استفادة أن اقرأ معه فنونا من النحو والصرف واللغة والأدب، وكان يظنني دائرة معارف”. ولقد بلغت ثقة الشيخ  بنفسه واعتزازه بقدرته على التبليغ أن قال: “والله لو كان لي في هذا المعتقل رأي وحدي لخرجت في العربية هؤلاء تخريجا يضرب به المثل”. وباعتباره ابن زاوية ورجل تعليم  فقد كان من همه أن يحقق دور الزاوية فلا يقتصر عمله على الإعداد للدنيا وإنما للآخرة أيضا،كان رفاقه في المعتقل يبدؤون صباحهم بالتمارين الرياضية حريصين عليها، وهو لا يعارض ذلك لكنه كان يفضل الجمع بين الاهتمام بالذات والاهتمام بالروح، والعناية بالدين الذي خلقت الأجسام من أجله، فقال:

يا من يبكر للـــرياضة هل تــــبكر للصلاة

ذي للحيــــاة فما تعده للذي بعد الحــــيـــاة

هاتوا الرياضة والصلاة معا تكونوا من هداة

نجح المختار السوسي في مجال التعليم، و كان شعاره” الممارسة التعليمية أخطر من الممارسة السياسية”، وكان يرى أن الجهل أقوى عدو للشعب، إذا قضي عليه قضي على كل مغتصب ومن شعره:

                  لتسقط على الأرض السماوات ولتقم          قيامة شعبي فالهلاك ولا الجهل

وكان شعاره في الوطنية: “وطنيتي من ديني وليس ديني من وطنيتي”، فكان مدرسة تربوية، ترسل إشعاعها في كل اتجاه، نجح في التعليم؛ نشرا في مدرسته، وبعثا في المدارس التي أشرف على إنشائها في الجنوب .

كان الفقيه ينظر إلى تلاميذه نظرة الأب الرحيم، وكان يحاول أن يعوض الغرباء أهلا  بأهل وأحبابا بأحباب، كان عتابه تربويا، وسلوكه تربويا ما عامل أحدا بعنف ولا سمعنا منه نابية لفظ،حتى الشعر جعله وسيلة لتحبيب الدراسة وشعره زاخر بذلك، ولنصغ إلى أبيات من قصيدة قالها في احد تلاميذه الذين نبغوا بعد حد،  وكلوا بعد قد:

ومن لم يواظب حقبة بعد حقبة            فهيهات أن يجني ثمار التعلم

ومن لم يهب للعلم كل حياتـه               فلا يطمعن منه بحبة سمسـم

   ومن لم يخاطر في المعالي بنفسه          فكيف يرى فيها له من تقــدم

إذا كان ماء في قليب ولم يكـن             دلاء، أترجو منه كرعك بالفم

فهذه ذكرى إن أصخت لها است           وإلا فقد أديت حق المعلـم

وقد يغضب لسلوك لا يعجب، تضيع فيه المحاولة الإصلاحية، ويتلجلج غضبه في صدره، ويجيش به لسانه شعرا فيه لائمة وفيه مرارة، قال في احد الطلبة الذين لم يجد فيهم نصح ولا توجيه :

اذهب فما فيك للإصلاح من سبب      ولا تليق لضرب لا ولا ضرب