الولادة والنشأة[1]

الفقيه البركة الصوفي المربي الخلوق الحسن بن إدريس بن الحسين بن علي بن محمد منتصف التانسمتي المانوزي التافراوتي، ولد بتانسمت الواقعة على بعد 15 كلم عن تافراوت في اتجاه “تمگيشت” –إقليم تنزنيت- في يناير سنة 1934 م / شعبان 1352هـ.

ولما بلغ تسع سنوات، افتتح مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم على يد والده الفقيه إدريس بن الحسين، الذي كان مشارطا بآيت عبد الله على بعد 30 كلم من تانسمت، فلما أتقن حفظه لفظا ورسما، أرسله والده إلى صديقه الشيخ سيدي الحاج امحمد الجدوري الإيسي بمدرسة “إيگيسل” بآيت صواب، فأخذ عنه عددا من العلوم الفقهية واللغوية والأدبية التي كانت تدرس حينذاك بالمدارس العتيقة بسوس، فدرس عليه الأجرومية، وابن عاشر، والزواوي، ولامية الأفعال، وقطر الندى، والألفية، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومختصر خليل بشرح الدسوقي والإكليل، ومقامات الحريري، وجمع الجوامع، ولامية العجم…. وكانت مدة التحصيل عند الشيخ الجدوري ثمان سنوات، لا زال مترجمنا يعيش على ثمارها الطيبة وذكرياتها الرائقة، حاز عند شيخه حظوة ومكانة خاصة، وعاش معه سنوات يطبعها الرفق والود، والموعظة الحسنة التي تحض على طلب العلم والتحلي بمكارم الأخلاق، قوامها القرآن الكريم والسنة النبوية والكلمة البانية، ومما يذكره من أبيات في الموضوع قول الشاعر:

أيها العلم قد أبيت جاهلا        ونوّما ومخالطة السفهاء

أيها العلم إن جهدت بكلي       نلتُ شيئا من منحة الكرماء

أيها العلم إن جهدت ببعضي      قلتَ لي فابعدن بغير عطاء

إذا هُجر العلم يوما هجَرْ         وزال ولم يبق منه أثر

كماء ترقرق فوق الحجر         إذا ذهب الماء جف الحجر

وفي سنة 1956م، انتقل الفتى الحسن بتزكية من شيخه إلى دشر “تازكّا ” ـقرب سوق تافراوت ـ إماما ومدررا، ومكث هناك ثلاث سنوات يقوم بما تعاهد عليه مع السكان، يؤمهم في صلواتهم المكتوبة، ويقرأ وثائقهم، ويكتب رسائلهم، ويحفّظ أبناءهم القرآن ويعلمهم الآداب الدينية، إلى غير ذلك مما هو متعارف عليه ويناسب سنهم وقدراتهم الإدراكية.

الرحلة إلى الدار البيضاء

تاقت نفس مترجمنا إلى السياحة في الأرض طلبا للرزق، فوقع الاختيار على مدينة الدار البيضاء، فلم يكن هناك بدّ من استئذان شيخه سيدي الحاج مَحمد الجدوري فأذن له، فارتحل إليها سنة 1959م، فخاض غمار طلب الرزق، لكنه لم ينس فضيلة طلب العلم وتحصيله، فكانت له صحبة للعلامة الحافظ الحجة حسن المراكشي الذي لازمه ملازمة التلميذ لشيخه، ثم لازم الفقيه العلامة العدل السيد بلقايد الهراوي الذي كان يرافقه في جولاته الدعوية والعلمية وخاصة إلى مدينة أزمور وسطات، حيث كان يسرد عليه ما يختاره الشيخ بلقايد من الكتب التي يدرّسها.

تحويل المسكن إلى مزار للعلماء

أبدع مترجمنا أسلوبا فريدا في الاعتناء بالعلم والاحتفاء بالعلماء، وسخر عالم التجارة والمال لهذه المهمة النبيلة، ففتح بيته بمدينة الدار البيضاء للعلماء، وأحسن وفادتهم، وأجزل لهم العطاء، وبالغ لهم في الإكرام، فكان بيته نزلا مفتوحا يقصده المقيمون والآفاقيون، فحل به العلامة حسن المراكشي، والعلامة بلقايد الهراوي، والعلامة الحسن العبدي، والعلامة محمد بن أبي بكر الأزاريفي البيضاوي، والعلامة القاضي عبد الله السالمي، والعلامة القاضي التجاني، والعلامة ابن عبود، والعلامة الرحالي الفاروق، والعلامة جبران المسفيوي وغيرهم كثير.

ولا زال مترجمنا مقصد عدد من الجهات والمؤسسات متعاونا ناصحا، خدوما للقرآن الكريم وأهله، محفزا على طلب العلم ونشره، بارك الله في عمره وأنجاله.

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. ص 92-94.