مقدمة

محمد الصغير الإفراني (أو اليفرني أو الوُفراني في بعض الكتابات)، فقيه وعالم وأديب ومؤرخ ألمعي، وهو من الشخصيات العلمية المميزة في تاريخ الفكر والثقافة المغربية، فإلى جانب تضلعه من علوم شتى وتأليفه فيها وتدريسها، فإن الرجل كان ذا استقامة ودماثة خلق وخفة روح لا تخطئها عين المطلع على حياته، كما أنه طيلة مساره الغني قد تحمل وظائف رسمية عدة: كالتدريس والخطابة وخطة القضاء، وكان أيضا أحد أعمدة البلاط الإسماعيلي بمراكش. وهو الذي قال فيه العلامة عبد الله كنون في “النبوغ“: “العلامة المؤرخ الأديب، صاحب المنن على التاريخ المغربي والأدب بتآليفه المفيدة، التي منها نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي..”.[1] ووصفه صاحب “رحلة الوافد” ب: “فقيه عصره وفريد دهره. كان ذا حفظ واتقان وفصيحا وخطيبا تضرب به الأمثال، قد بهر أقرانه من نبهاته”.[2] وقد أنشد عن نفسه قائلا:

أنا أشعر الشعراء غير مدافع *** من قال لست بشاعر ياتيني

فكري  هو البحر الخضم شبيهه *** والبحر حاوي الجوهر المكنون

نسبه ونشأته

تعود أصول المؤرخ والعلامة محمد الصغير الإفراني صاحب “نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي” إلى منطقة إفران بالأطلس الصغير في سوس، قرب مركز بويزكارن الحالي (جهة كلميم واد نون)، وهو سليل أسرة إد عزي الإفرانيون. ومنطقة إفران معروفة بمدرستها العلمية بوادي تانكرت التي تخرج منها عدد من علماء سوس، وهو الوادي الذي سماه العلامة المختار السوسي ب: “وادي الأدباء لأنه منبع الأدب العربي الطافح وتحت ظلاله الظليلة، وبين نسائمه العليلة يحيا كثيرون من أدباء زانوا القطر السوسي كله”[3]. وقبل ولادة المترجم له انتقل والده إلى مدينة مراكش، التي ولد بها أبو عبد الله محمد الصغير ابن الحاج محمد بن عبد الله الإفراني حوالي 1080ه/1670م.[4]

وفي مدينة مراكش بدأ الإفراني مسار تعليمه، فتلقى عن عدد من الشيوخ من أمثال: أحمد بن علي المداسي السوسي، وإبراهيم العطار والفقيه العربي المراني، وذلك قبل الإنتقال إلى مدينة فاس لطلب العلم في جامعة القرويين، وكان يقيم بمدرسة مولاي رشيد بفاس البالي (مدرسة الشراطين) كما ذكر صديقه وزميله صاحب “رحلة الوافد”[5]، فأخذ عن جماعة من علمائها، مثل: أحمد بن عبد الحي الحلبي، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، كما أخد عن عالم الدلائيين محمد المسناوي الدلائي[6]، وعن قاضي القضاة بفاس العربي بن أحمد بُردلة، وقاضيي مكناس سعيد بن ابي القاسم العميري والحسن بن رحال المعداني.[7]

الإفراني خطيبا ومدرسا بمراكش

في سنة 1130ه/1717م-1718م عاد الإفراني إلى مراكش فتعاطى لتدريس التفسير وصحيح البخاري، وهو في سن صغيرة، الأمر الذي جلب عليه انتقادات من طرف بعض الطلبة، فرموه بالزندقة ورفعوا أمره إلى القاضي ابن بوعبدلي محمد بن أحمد. وقد ناظره بعض فقهاء مراكش، فتبين لهم بطلان التهمة الموجهة إليه، فنال بذلك شهرة واسعة، فكثر المقبلون على دروسه.[8] وقد أورد زميله في الدراسة بفاس عبد الله ابن ابراهيم التسافتي صاحب “رحلة الوافد” وقائع عودته من فاس واستقراره في مراكش بقوله: “وتصدر لقراءة التفسير وصحيح البخاري، واجتمع عليه طلبة الحمراء بكثرة البحث والجدال في مجلس إقرائه وتدريسه، ورموه بالزندقة والجهل بأحكامها، وعدم توفر شروطها حينئذ، ورفعوا أمره للقاضي بوعبدلي سيدي محمد بن أحمد”.[9]

وقد نظم قصيدة يرد فيها على حساده من الطلبة الذين طعنوا فيه لما تصدر للتدريس بمراكش قائلا[10]:

إلى كم يهتك الحساد عرضي *** وجفني عنهم بالحلم مغض؟

وما ذنبي غليهم غير أني *** رفعت عنهم من غير خفض

يرون العلم في حبس وشيب *** وذلك عليهم بالجهل يقضي

وهل خطة الأحباس شيء *** سوى غضب الإله وهتك عرض

وكم من أشيب كالبغل يمشي *** ولحيته اللجام له بركض

ولو تركوا حظوظ النفس كانوا *** جميعا ظامئين لورد حوض

وجاءوا مهطعين لبحر علم *** يفيض على المجالس أي فيض

وفي تاريخ غير معروف أبعد بأمر سلطاني عن مدينة مراكش، فتجول في عدة مناطق من المغرب، وخاصة في الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد التي ربطته بشيخها محمد الصالح علاقة وطيدة، وجرت بينهما مراسلات، كما استمرت علاقته بالزاوية الشرقاوية في عهد محمد المعطي بن محمد الصالح، وذلك قبل العودة مرة أخرى إلى مدينة مراكش، حيث أصبح خطيبا وإماما بمسجد ابن يوسف.[11] كما ذكر صاحب “مؤرخو الشرفاء” ليفي بروفُنصال أن الإفراني تعرض لضائقة مالية كبيرة حتى أن دائنيه باعوا مكتبته الشخصية، وقد عبر عن غيظه في رسالة من جملة الرسائل التي كان يوجهها لشيخ الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد الشيخ محمد الصالح بن محمد المعطي الشرقي.[12]

مؤلفات محمد الصغير الإفراني

تنوعت مؤلفات الإفراني بين عدة تخصصات علمية، وخاصة التاريخ والتراجم والأدب وكذا الفقه، وفما يلي لائحة بتلك المؤلفات[13]:

  • “نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي” (حول تاريخ المغرب على عهد الدولة السعدية والدولة العلوية إلى عهد المولى إسماعيل العلوي).
  • “الإفادات والإنشادات”.
  • “درر الحجال في مناقب سبعة رجال” (أو “زبدة الأوطاب في مناقب الأقطاب”)، وهو مؤلف غير كامل.
  • “صفوة من انتشر في أخبار صلحاء القرن الحادي عشر”.
  • “طلعة المشتري في توبة الزمخشري”.
  • “الظل الوريف في مفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف” أو “روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف”.
  • “فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث”.
  • “المعرب (أو المغرب) في أخبار المغرب” (مفقود).
  • “المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل”.
  • “الممتنع السهل في ترجمة ابن سهل”.
  • “واسطة العقدين في ترتيب الكناشتين السعيدتين”.
  • “الوشي العبقري في ضبط لفظة المقّري” (مفقود).
  • “ياقوتة البيان” (أرجوزة في البلاغة).
  • “شرح ياقوتة البيان”.

كما ترك عددا من المقيدات والمحاورات والمسائل والمقطعات الشرعية.

وفاته

وبسبب التباين حول تاريخ وفاته فقد رجح المؤرخ عبد اللطيف الشادلي وفاة محمد الصغير الإفراني في الفترة بين 28 شعبان 1154ه/18 مارس 1742م و 4 جمادى 1157ه/17 أبريل 1745، ودفن بالمقبرة التي بالقرب من جامع ابن يوسف بمراكش.

المراجع
[1] كنون عبد الله، النبوغ المغربي في الأدب العربي، ج1، ط2، ص 288.
[2] التاسافتي عبد الله ابن ابراهيم، رحلة الوافد، تحقيق على صدقي ءازايكو، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، 1992، ص 226.
[3] السوسي محمد المختار، خلال جزولة، ج2، تطوان، ص 251.
[4] الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشادلي، ط1، 1998، ص 7.
[5] التاسافتي عبد الله ابن ابراهيم، رحلة الوافد، مرجع سابق، ص 227.
[6] ليفي بروفنصال، مؤرخو الشرفاء، تعريب، عبد القادر الخلادي، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر (سلسلة التاريخ -5-)،  1977، الرباط، ص 89/ الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، مرجع سابق، ص 7.
[7] ص 15.
[8] الشادلي عبد اللطيف، معلمة المغرب، ج 2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان، ط1، 1989، ص 551/ الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، مرجع سابق، ص 7-8.
[9] التاسافتي عبد الله ابن ابراهيم، رحلة الوافد، مرجع سابق، ص 226.
[10] الإفراني محمد الصغير، صفوة من انتشر في أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، تقديم وتحقيق، عبد المجيد خيالين مركز التراث الثقافي المغربين الدار البيضاء، ط1، 2004، ص 18.
[11] الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، مرجع سابق، ص 8-9.
[12] لبفي بروفنصالن مؤرخو الشرفاء، مرجع سابق، ص 93.
[13] الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، مرجع سابق، ص 10-13.