المحتويات
المولد والنشأة[1]
العلامة الشيخ الفقيه النوازلي المفتي مَحمد بن محمد بن الحاج العربي بن سعيد كَنوني المذكوري ولد حوالي 1297هـ / 1898م بقبيلة ” المذاكرة ” التابعة لدائرة الكارة، والشهيرة بجهادها ضد الغزو الفرنسي بقيادة والده ورفيقه القائد المجاهد الأحمر ولد منصور وأخيه أحمد. حفظ مترجمنا القرآن الكريم في قبيلته أولا على يد الفقيه السي الماحي، ثم تنقل في عدد من زوايا القبائل المجاورة مثل زناتة، وزاوية سيدي الحاج التاغي والزاوية الحمداوية.
طلب العلم
رحل إلى فاس سنة 1920 حيث درس على علمائها الأعلام كالعلامة بلقرشي والعلامة أبي شعيب الدكالي والمهدي الوزاني وغيرهم، ثم عاد إلى مسقط رأسه حوالي 1927م واشتغل في خطة العدالة وإلقاء الدروس بالمسجد الجامع هناك ليعتزل سنة 1947 مهنة العدالة ويبقي على التدريس.
مشاركاته
انتقل مترجمنا إلى مدينة الدار البيضاء سنة 1953م، فاشتغل بتدريس الفقه والأصول والنوازل في عدد من المدارس والجوامع، وعلى غرار عدد من الوطنيين كان يدرس العلوم، ويحشد تلامذته للانخراط في أعمال وطنية ضد المستعمر الفرنسي. فكان أن اعتقل مع عدد من إخوانه الوطنيين وتعرض للتعذيب على يد سلطات الاستعمار الفرنسي، ونفي إلى مدينة سطات وخضع فيها للإقامة الإجبارية حتى سنة 1956م.
عاش رحمه الله عفيفا، عزيز النفس، كريما جوادا، مقبلا على ربه، غير مبال بزهرة الدنيا وزخرفها، مقتنعا بما قدّر له من الرزق الحلال، يعتمد في معاشه على ما يذره عليه نشاطه الفلاحي ببلاد المذاكرة المشهورة بخصوبة أرضها، ووافر منتوجها خاصة الحبوب والقطاني.
عرف عنه رحمه الله أنه كان يسدد أجور بعض المدرسين من ماله الخاص حين كان يشرف على المعهد الثانوي التابع لوزارة الأوقاف بالدار البيضاء، كما يشهد له تلامذته ومعاصروه أنه عمل على توسعة المعهد ليسع أكبر قدر من حفظة القرآن المتوافدين عليه من ماله.
ومترجمنا من الرعيل الأول الذي أشرف على تأسيس “رابطة علماء المغرب”، التي كان عضوا بارزا في أمانتها العامة، ومفتيها الرسمي، وكاتبا منتظما في جريدتها ومجلتها. جمعت الرابطة فتاواه المنشورة في جريدتها في كتاب تحت عنوان “الفتاوى” ويضم بين ثناياه فتاوى مهمة في الحث على اتباع السنة و ترك العصبية للمذاهب والأشخاص، والرد على كثير من بدع و خرافات الصوفية، والقراءة الجماعية، والتهليل عند حمل الجنائز، وبناء القبب على القبور، والاستسقاء عند الأضرحة، والنذر للقبور، والوجد والسماع الصوفي والفدية وغيرها. وقد قدم له رئيس الرابطة العلامة المرحوم سيدي عبد الله كنون الذي حلاه بكلام نفيس يبين قدر الرجل، ويثني على منهجه في الفتوى، ومما قال فيه رحمه الله: “ومن هنا نعلم أن مفتي الرابطة يقوم بعمل شاق لا يقارن بعمل غيره ممن يأتي بأقوال مسلمة من أتباع هذا المذهب أو ذاك، ويقتصر عليها كما نرى في عدد من المجلات والصحف الإسلامية التي تنشر فتاوى من هذا القبيل… والآن يقوم بهذه المهمة فضيلة الفقيه العلامة سيدي الحاج محمد كنوني المذكوري الذي أبدى كفاءة ومقدرة عديمتي النظير في هذا الباب مع غاية التثبت وعدم الاندفاع في هذه الجهة أو تلك، بمجرد الرغبة في الخلاف أو إرادة الشهرة كما يقال: خالف تعرف، بل إن دافعه هو إحقاق الحق، وبذل الجهد في إصابة حكم الله في المسألة، من غير تعصب ولا تحامل، وفتاواه المنشورة في هذه المجموعة وهي الدفعة الأولى، دليل على ذلك”.
تلاميذه
تلاميذ الشيخ كثيرون نذكر منهم:
- الفقيه العياشي المنصوري.
- الشيخ الدكتور القاضي برهون.
- الفقيه المهدي الصمدي شقيق العلامة محمد الصمدي.
- العلامة الدكتور الحسين مفراح.
آثاره العلمية
اشتهر الشيخ المذكوري بكتاب ” الفتاوى” الذي صدر بعد وفاته، والذي يشهد على تمكنه ورسوخ قدمه في الفقه والسنة، وله كتب أخرى منها:
- الاستماع إلى أحكام الرضاع.
- كتاب التحريف و التدجيل في كتابي التوراة و الإنجيل.
- كتاب فتح الإله في توحيد ووجوب وجود الإله.
- كتاب أقوم دليل وأوضح منهاج في إرشاد المعتمر والحاج .
فضلا عن عدة كتب مخطوطة زيادة على مقالاته بجريدة رابطة علماء المغرب “الميثاق” ومجلتها “الإحياء”.
شهادات
يقول عنه الدكتور محمد كرم: “عاش رحمه الله داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لا يهتم بالخلاف”. أما تلميذه الدكتور القاضي برهون فيثني على شمائله قائلا: ” كان ذا خلق عظيم، كان غاية في الخلق الحميد، غاية في التواضع والوقار، سمته سمت العلماء الربانيين الذين يخشون الله ويعملون بعلمهم، كان رحيما حليما سموحا، غاية في الأدب والصبر، رفيقا ليّنا لطيفا نصوحا، محبا لطلبته منبسطا بشوشا، سهلا حريصا على إفادتهم، لا يدبر عنهم إذا أقبلوا عليه، ولا يصدهم عنه ولا هو بصدود عنهم، لا يستعلي على أحد، أخلاقه ترغب فيه كل من رآه، ينفع ولا يضر وكان ميسرا ولم يكن معسرا”.
وفاته
توفي رحمه الله في الدار البيضاء يوم 26 محرم 1398 موافق 5 يناير 1978م وشيعه جمهور غفير من تلامذته ومحبيه من ساكنة الدار البيضاء يتقدمهم ابنه، بعد أن صليت عليه صلاة الجنازة في مسجد صديقه ورفيق دربه الفقيه الحاج محمد مفضال السرغيني.