“غرب المتوسط” هي الرواية التي نافس بها الأديب المغربي مبارك ربيع لنيل جائزة البوكر للرواية العربية بعد اختيارها ضمن القائمة الطويلة. صدرت الرواية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت (2018) في 328 صفحة، وفيها رصد للتحولات الاجتماعية والقيمية الجارية في المغرب في علاقة مع محيطه الإفريقي والأوربي. تتابع الرواية عن كثب تيمة الهجرة ويوميات المهاجرين من جنوب الصحراء الذين استقر بهم المقام في المغرب؛ إذ يعتبر المغرب معبرا مهما ومستقرا للقادمين من جنوب الصحراء، كما يعتبر منطلقا للمهاجرين المغاربة نحو الفردوس الأروبي خاصة مع الموجة الثانية من الهجرة التي شهدتها السنوات الأخيرة.

“ماونادو من بوركينا، سامان من غانا، ممادو صو من تشاد، محماد من تزنيت، انتو من باماكو، هوري من غينيا، اوا من دكار، بوتو نغورا من نجيريا”. هذه حصة تعارف سريعة جرت داخل حاوية حديدية قابعة في عتمة الميناء، حيث تجتمع كل هذه الأعراق في انتظار أن تفتح أعينها في النور الأوربي وعلى أديم ضفة الشوق تلك.

يتتبع مبارك ربيع عبر ثلاث مسارات سردية متقاطعة فيما بينها مبتدأ الهجرة الطموح ومآلها المأساوي الذي تنتهي إليه. مسار سامان من غانا الذي حطت به آمال الهجرة بعد محاولة فاشلة ونصب من طرف سماسرة الهجرة؛ حطت به في الرباط متدبرا أمره ريثما تواتيه فرصة جديدة للإبحار. في الرباط لا يكف سامان عن الحركة والشغل “ولا تراه إلا وهو منهمك في شيء، حارس سيارات، غاسل، منظف عمارات خادم بيوت، حمال، مساعد لكل شخص في كل شيء في أي مكان وزمان”.

ثم مسار “بوتو” الفتاة النيجيرية التي تلقفها السماسرة من المدرسة على وعد لها بعوالم أخرى ساحرة وبأنماط حياة من نوع مختلف وراق جدا لا يتصور. سيارات فنادق وقصور، مراكب ويخوت سهرات باذخة طائرات وسفريات بمستويات ضيافة وخدمات بما فوق الرغبة والطلب قولي حسب الاشتهاء والتمني. ماذا تختارين أم أنك تنتظرين أن يقتطفوك يوما رهينة لدى بوكو حرام وتزفين عروسا تفترس أنوثتها يافعة نيئة؟”. هذه كانت الصورة الوردية التي أوقعت بها في شبكة للاتجار بالبشر استقدمتها إلى المغرب لاستغلالها وفق المقاسات المطلوبة لتلبية رغبات زبائن من نوع خاص.

أما المسار الأهم فهو لصفية الأستاذة في مؤسسة تعليمية، التي ستحولها خيبات الزواج المتكررة نحو الحلم الأوربي.

في الرواية الكثير عن تحولات المدينة المغربية التي اغتنت بروافد أخرى وهي تستقبل مهاجرين من آفاق مختلفة. “فضاء باب الحد بمدينة الرباط أصبح يحمل اسم سوق مونامي أو العزوة كما يطلقها آخرون إشارة ملطفة إلى سمرة الأجساد الإفريقية”. هكذا يسهب الكاتب في وصف حياة الأفارقة الذين وجدوا لهم مواطئ قدم في أسواق المغاربة أو امتهنوا مهنا يومية وتجميلية في المدن الكبرى أو اشتغلوا بحراسة مرائب السيارات. دون أن يخلو الأمر من خدمات أخرى مثل تلك الخدمات المقدمة في رياضات وفيلات فاخرة، مثلما يطلب هذا الزبون الذي نزل فيلا مضيئة على شاطئ بحر شمالي: “القهوة.. القهوة.. قهوة إفريقية خالصة.. بوتو مثل أواتي السينغالية وميناتو المالية ومثيلاتهن إفريقيات الساحل وجنوب الصحراء يمثلن قهوة، هن قهوة بلون بشرتهن بينما غيرهن من الشقراوات والقريبات من ذلك من مثيلات روزا جاكلين ينعتن باللبن”.

متن سردي مُطوّل عن الوافدين من جنوب الصحراء الذين تتقاطع خيباتهم مع آخرين مغاربة يعتبرون أن الخلاص في ما وراء البحر وأن لحظة الوصول للضفة هي “أمُّ التاريخ والكون برمته، وكل شيء إليها ينتهي ومنها يبدأ”.

في متن الرواية لم تعد الهجرة حلما لانتزاع لقمة عيش كما كانت في السابق، بل أصبحت رمزا للتحرر من أثقال أخرى نفسية واجتماعية. فها هي بطلة الرواية صفية أستاذة وذات منصب وظيفي لكنها تقرر أخيرا أن ترافق سامان المهاجر الغاني متوسلة إليه “رِجْلي على رجلك” تريد أن تؤكد بها صفية لنفسها قبل الغير أن لا مكان لها هنا في هذه الضفة اليوم أو غدا”.

أما المفارقة فهي أن الرواية تبدأ بسؤال الأستاذة لتلميذاتها عن مستقبلهن وما يردن تحقيقه، حيث تجيب إحداهن بأنها “تريده بحارا قويا تجوب معه البحار وتخوض معه صخب الأمواج يتحديان معا جنبا لجنب، ويدا في يد هول الأنواء وبرق العواصف وهدير الرعود في حلكة الليل وغمر الموج”؛ هذا الحلم الذي سخرت منه الأستاذة هو نفسه المصير الذي انتهت إليه بالضبط، وهي تصارع الأمواج على مركب غير شرعي سيلقي بجثث كثيرة في البحر قبل أن يتلقف خفر السواحل ما تبقى فيه من الأحياء.