مقدمة

بدأت الدولة الحديثة منذ أواخر القرن الثامن عشر تُركز على صياغة الأسس والمبادئ المتعلقة بالحكم في شكل وثيقة أُطلق عليها “الدستور”، وتزامن هذا التحول مع انتصار الثورتين الأمريكية لسنة 1776 والفرنسية لسنة 1798 ومنذ ذلك الحين أخذت الدول تؤكد على ضرورة وضع دستور مكتوب ينظم السلطات العامة فيها ويحدد طريقة عملها ويوضح المبادئ المتعلقة بحقوق المواطنين وحرياتهم[1].

وبالتالي صار الدستور بصفته تجسيدا للعقد الاجتماعي هو القانون الأسمى الذي يقيد سلطات الحكام ويضمن الحريات ويؤطر المجتمع، وبعدها انتقلت فكرة “الدستور” رويدا رويدا إلى باقي أصقاع الأرض عبر قنوات متعددة من بينها الاستعمار، فللإفلات من قبضة القوى الأوربية دعت مجموعة من مثقفي وساسة العالم الإسلامي منذ مطلع القرن التاسع عشر إلى ضرورة تبني الأطر الفكرية والمؤسسية الغربية جزئيا أو كليا بغرض التخلص من مجمل أسباب التخلف خصوصا في المجال السياسي، وكانت مغبة ذلك بطبيعة الحال ظهور وتطور فكرة الدستور في بعض البلدان الإسلامية[2].

وفي المغرب، فإذا كان أول دستور يعود لسنة 1962، فإن الوصول لهذه اللحظة الفارقة في التاريخ المغربي تطلب المرور عبر عدة محطات تجاوز فيها النقاش حول الإصلاح حدود طرح مبادرات ترمي لتقييد الحكم السلطاني المطلق، والحد من هيمنته على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، ليتجسد في شكل أفكار ومشاريع دستورية[3].

ويمكن تقسيم المحطات التي مر منها النقاش حول الدستور، والتي سيتناولها هذا المقال، إلى محطتين رئيسييتين، الأولى انطلقت مع بداية القرن العشرين وانتهت بإعلان الحماية سنة 1912، وهي الفترة (1901-1912) التي عرفت تنامي الوعي بضرورة الإصلاح وبأهمية توَفُر المغرب على دستور لحماية استقلال البلاد من الأطماع الأجنبية وبناء دولة تقوم على أسس عصرية، وهكذا تجلت الإرهاصات الأولى لإدخال المغرب للعهد الدستوري في المذكرات التي دشنها عبد الله بن سعيد سنة 1901، وتطورت مع كل من الحاج علي زنيبر السلوي، ومشروع الشيخ عبد الكريم مراد الطرابلسي سنة 1906، وأخذت بعدا جديدا مع مذكرة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي سنة 1908، ومشروع دستور 1908[4]. أما المحطة الثانية، فتهم عهد الحماية أي من سنة 1912 إلى 1955، والتي ظل الطابع الغالب عليها هو إهمالها للموضوع الدستوري، لصالح رفع شعار المطالبة بالاستقلال وتأجيل القضية الدستورية لما بعد نيل الاستقلال، ولو أن ذلك لم يمنع من استمرار بعض إرهاصات الفكر الدستوري حية خلال هذه المرحلة[5].

المبادرات والمذكرات الدستورية قبل الحماية (1901-1912)

ساهمت مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية في بلورة الوعي الدستوري عند العلماء المغاربة، حيث شهدت بداية القرن العشرين حركة دستورية في بعض البلدان العربية وفي تركيا، وبدأت أصداء حركة النهضة بالمشرق الإسلامي تصل للمغرب، كما عملت الظروف السياسية العامة التي كان يعيشها المغرب، على تطوير هذا الوعي الدستوري والتحسيس بأهميته، فبعد الهزيمة التي مُني بها المغرب أمام فرنسا في معركة إيسلي (1844م)، وبعد انتكاسة تطوان (1859-1860م)، بدأ التفكير في أسباب الهزيمة، وانتهى بعض العلماء إلى تحرير رسائل ومذكرات لتحديث نظم الدولة على كافة المستويات[6].

وإذا كان هذا الوعي الدستوري قد وجد أقوى تجلياته في بروز مذكرات إصلاحية ومشاريع وثائق دستورية، فقد تزامنت هذه الأخيرة مع محاولات ومبادرات وإن لم تكن لها طابع دستوري محض، فإنها كانت، هي كذلك، تتوخى تقييد مجال تحرك السلطان وحكم المخزن ككل[7].

البيعة المشروطة للسلطان:

بعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 ولي مكانه السلطان عبد العزيز، الذي كان صغير السن، قليل الخبرة، غير أن الفترة التي تولى فيها السلطة “رئيس الحكومة” أحمد بن موسى حتى توفي سنة 1900 كانت فترة محافظة على كيان الدولة خاصة على المستوى الخارجي، لكن بعد وفاته انفتحت على المغرب أبواب التدخل الأجنبي، حيث تقدمت فرنسا سنة 1905 عبر سفيرها بطنجة “سان روني طياندي” بما سمته “مشروع إصلاحات” تتولى بموجبه الإشراف على تسيير المغرب في ميادين الجيش والمالية والإدارة[8].

وفي مقابل مطالب الدولة الفرنسية، رد السلطان عبد العزيز، على لسان وزير خارجيته، برغبته ربط عرض تلك “المشاريع الإصلاحية” على مجمع/مجلس وطني يضم الهيأة الوزارية ومعها مجلس من الممثلين للمدن والقبائل، وهو المجلس الذي انعقد سنة 1905، وأكد “عدم قبول مشروع الإصلاح الذي تقدمت بها فرنسا”، و”رفض كل مشروع إصلاحي تريد مباشرته دولة أجنبية ما لم يكن مصحوبا بضمانات صريحة من كل الدول”، غير أن إقدام السلطان عبد العزيز على قبول مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، قاد إلى بداية تمرد شعبي قاده علماء البلاد، أدى إلى عزل السلطان عبد العزيز وتنصيب أخيه عبد الحفيظ، ولكن بشروط دقيقة،[9].

وبالتالي، شكلت “البيعة المشروطة” للسلطان عبد الحفيظ التي كُتبت بفاس ووضع صيغتها أحمد بن المواز أحد رجال الفكر بالمغرب، ميثاقا قوميا ودستوريا من الطراز الأول، كان يمكن أن يتطور بشكل طبيعي إلى دستور مكتوب في الشكل الحديث، لو لم يتم فرض نظام الحماية على المغرب سنة 1912[10].

بالإضافة إلى البيعة المشروطة للسلطان، وأمام تزايد الأطماع الخارجية المستهدفة لسيادة وثروات المغرب، ارتأى عدد من العلماء والمثقفين أن السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد هو إجراء إصلاحات سياسية عميقة كان من بينها وضع قانون أساسي للبلاد يقيد المطلق ويطلق المقيد ويضمن الحقوق ويبين الواجبات ويوزع الاختصاصات ويفصل السلط، وهكذا ظهرت مجموعة من المذكرات والمشاريع الدستورية تنبه إلى خطورة الأوضاع ومدى انعكاسها على استقلال البلاد، وتدعو إلى التعجيل بالإصلاح على ضوء الأفكار التي اقترحوها[11].

مذكرة عبد الله بن سعيد السلاوي (1901م)

تعد مذكرة عبد الله بن سعيد من أولى الكتابات حول المسألة الدستورية بالمغرب، فقد تقدم سنة 1901 بمذكرة للسلطان عبد العزيز، تتضمن عدة مطالب تختزل رؤيته للإصلاح، من أهمها دعوته لـ”العدل والاستقامة” و”نشر العلم والمعرفة”، و”نشر العدل بين الرعية”، وترتيب العسكر السعيد”، و”انتخاب أماثل الناس وأفاضلهم المجربين للأمور”، وتتميز المذكرة التي تتكون من 19 فصلا، بهيمنة الروح الدينية، وإبراز مكانة ودور التعليم في تحقيق النهضة، والتأكيد على ضرورة مراقبة الثروة الوطنية وضبط نظام الجبايات، مع اعتماد الجهوية وعدم الاكتفاء بتنظيم السلطة المركزية[12].

مذكرة الحاج علي زنيبر السلاوي (1906م)

لم يستطع السلطان مولاي عبد العزيز تخفيف ضغط القوى الاستعمارية على المغرب، فأمست البلاد حلبة صراع بين القوى الأوربية، حسمته فرنسا لصالحها لا سيما بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 الذي كبّل المغرب المرهق أصلا بالديون وسوء التدبير، وفي خضم هذه الأزمة كانت بعض الشخصيات الوطنية مازالت تؤمن بأن خلاص المغرب رهين بإصلاح المخزن وتحديث هياكله، وهذا ما تعكسه مذكرة الحاج علي زنيبر السلاوي التي عنونها بـ”حفظ الاستقلال ولفظ سيطرة الاحتلال”، والمشتملة على مقدمة طويلة و31 مادة، فبعد تفسيره لمعنى الاستقلال والاحتلال لبيان وضعية المغرب، يُقدم المؤلف خارطة الطريق التي يمكن اتباعها لضمان الحفاظ على استقلال البلاد، خصوصا انتخاب “مجلس تأسيسي” توكل له مهمة إعادة تأهيل المعترك السياسي المغربي عبر سن قوانين عقلانية وإحداث مؤسسات فعالة[13].

مذكرة الشيخ عبد الكريم مراد الطرابلسي (1906م)

تقدم الشيخ عبد الكريم مراد الطرابلسي بمذكرة إلى السلطان عبد العزيز ضمن مشروع إصلاحي للحفاظ على سيادة المغرب واستقلاله، ويرى هذا المثقف أن السبيل الوحيد للإفلات من القبضة الاستعمارية هو الانخراط في عملية التحديث معظم هياكل الدولة المغربية دون الانسلاخ عن الثوابت الإسلامية[14].

وباستقراء المذكرة يتضح أن الشيخ عبد الكريم مراد الطرابلسي انفتح على تجارب كل من مصر وتونس والدولة العثمانية، إلا أنه ركز بشكل كبير على الحياة السياسية اليابانية، وبحث في سر نجاح اليابان وإمكانية الاستفادة من تجربتها، وركز على الأمور التالية: اختصاصات تشريعية لمجلس أمة بالاعتماد على الانتخاب، ومجلس أعلى تحت رئاسة السلطان مع توظيف الشورى في إقرار المسائل الخلافية، بالإضافة إلى ضبط السياسة الجبائية، وبشكل مجمل تمحورت عناصر مذكرته حول ثلاثة مجالات أساسية هي التشريع، المالية والجيش[15].

مذكرة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (1908م)

وجه الحجوي مذكرته التي عنونها بـ”انتحار المغرب بيد ثواره”، إلى السلطان عبد الحفيظ في السنة الأولى من توليه الحكم خلفا لأخيه السلطان عبد العزيز سنة 1908، ورغم أن موضوعها الرئيسي هو “ثورة بوحمارة” التي يعتبرها أحد الأسباب الرئيسية في تقويض دعائم الحكم العزيزي، فإن مذكرة الحجوي تعد نوعا من الاحتجاج ليس فقط على ما آلت إليه الأوضاع فب عهد السلطان عبد العزيز وإنما أيضا على ما أخذ يظهر من انحراف في السلوك السياسي للسلطان عبد الحفيظ وحاشيته ومن انزياح عن مضامين “البيعة المشروطة”[16].

وتتضمن مذكرة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي ستة أبعاد أساسية هي: تعزيز حضور السلطان في تتبع ومراقبة الأوضاع الداخلية عن كثب، والتنظيم الجيد والمحكم للجهاز الحكومي والإداري، وإعادة تنظيم قطاع المالية والأحباس، إضافة إلى تنظيم الميدان العسكري والتركيز على ضرورة إصلاح التعليم، مع إشراك المغاربة في التقرير في قضاياهم[17].

مشروع دستور 1908م

عُرف مشروع دستور 1908 بـ”دستور لسان المغرب” وهو اسم الجريدة التي نشرته في 4 أعداد متتابعة من 11 أكتوبر إلى 01 نونبر 1908، وكانت تصدر بطنجة تحت إدارة الأخوين اللبنانيين فرج الله وأرتور نمور، وقد تمثل الهدف من نشره في مطالبة السلطان عبد الحفيظ بإقراره بعد مرور أربعة أشهر على بيعته المشروطة[18].

ويرى بعض الباحثين أن من خط مشروع دستور 1908 مجهول، وأن سبب ذلك مخافة غضب السلطان عبد الحفيظ الذي تولى السلطة ببيعة مشروطة، بل إن منهم من اعتبر أن من كتب “البيعة المشروطة الحفيظية” هم من كتبوا دستور لسان المغرب، كما أن هناك من اعتبر جماعة لسان المغرب هم جماعة الاتحاد والترقي المغربية، وهي نسخة من جماعة تركية تحمل نفس التسمية، وكانت لها أدوار في التحولات التي عرفتها التجربة التركية[19].

ويتكون مشروع دستور 1908 من 93 مادة تتوزع على 10 أبواب تتعلق بـ”الدولة والدين والسلطان” و”أبناء الدولة الشريفة حقوقهم وواجباتهم”، و”منتدى الشورى”، و”مجلس الأمة”، و”مجلس الشرفاء”، و”كبار الموظفين”، و”مالية الدولة”، و”رواتب الموظفين”، و”الجبايات”، و”المدارس الوطنية”، وهي الأبواب التي يمكن حصر مضامينها في أربعة مجالات رئيسية تهم “المبادئ العامة للدولة”، و”الحقوق والحريات”، و”تنظيم الدولة ومؤسساتها”، وأخيرا “مالية الدولة وكيفية تحصيلها ومراقبة صرفها”[20].

الفكرة الدستورية في مغرب الحماية (1912- 1956)

بعد فرض الحماية بتاريخ 30 مارس 1912، فإن كل المذكرات والمشاريع الدستورية قد فشلت في المحافظة على الاستقلال، وبالتالي فإن سلطات الحماية ستوقف كل مباردة إصلاحية لمساسها بمشاريعها الاستعمارية، ولذلك عمد الوطنيون إلى إعطاء الأولوية لموضوع المطالبة بالاستقلال وتأجيل المسألة الدستورية[21].

وفصَل نظام الحماية بين عهد الاستقلال الذي كان المغرب يتمتع فيه بسيادته الكاملة وحريته المطلقة في تنظيم شؤونه وسن قوانينه، وعهد التبعية الذي أصبح فيه المغرب قطرا تابعا لفرنسا وإسبانيا لهما وحدهما الحق في تدبير شؤونه واقتراح وتنفيذ السياسة التي تريدانها، وقد شكلت نصوص المعاهدة التي أمضاها السلطان عبد الحفيط مع ممثل فرنسا تنازلا خطيرا عن كل مظاهر السيادة الداخلية والخارجية[22].

ورغم “الاحتشام الدستوري” الذي طبع فترة الحماية، فإنه كانت هناك بعض الاستثناءات من قبيل “مشروع دستور ثورة الريف”، وبعض كتابات محمد بلحسن الوزاني حول المسألة الديمقراطية عموما، والدستورية على وجه الخصوص، ومبادرة حزب الإصلاح لسنة 1954 الخاصة بوضع مشروع دستور[23].

مشروع دستور ثورة الريف:

دفعت الانتصارات التي حققها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف خاصة في معركة أنوال المجاهدين إلى محاولة تنظيم الدولة على أسس جديدة، عبر وضع دستور وجمع برلمان يدرس تنظيم “البلاد” ويُسير الثورة، وهكذا تم تأسيس “الجمعية الوطنية” التي وضعت دستورا مبدأه سلطة الشعب، ونص الدستور على تأسيس حكومة من أربعة وزراء تكون مسؤولة أمام الرئيس، وهو مسؤول أمام الجمعية الوطنية، كما وضعت الجمعية ميثاقا قوميا من مواده:

  • عدم الاعتراف بأية معاهدة لها مساس بحقوق البلاد وخاصة معاهدة الحماية لسنة 1912.
  • جلاء الإسبان عن المنطقة الريفية التي لم تكن في حوزتهم قبل معاهدة الحماية.
  • الاعتراف بالاستقلال التام للدولة الريفية.
  • مطالبة إسبانيا بأن تدفع تعويضا عن الخسائر التي لحقت بالشعب من جراء الاحتلال، وفدية للأسرى الذين وقعوا في أيدي المجاهدين.
  • إنشاء علاقات ودية مع كل الدول وعقد اتفاقيات تجارية[24].
مذكرة محمد بلحسن الوزاني:

كان الزعيم التاريخي لحزب الشورى والاستقلال محمد بلحسن الوزاني صوتا متميزا في أوساط القيادة الوطنية خلال فترة الحماية بنزعته الديمقراطية، حيث ربط بين استعادة الاستقلال وبناء دولة تستند إلى الحرية والقانون على نحو ما عكسه الشعار الذي رفعه وهو “الاستقلال رائدنا وسبيلنا إليه الدستور”، وضمن هذه الرؤية التي دافع عنها سيشكل مطلب الدستور نقطة مركزية في فكره السياسي، حتى أنه بادر إلى تقديم مذكرة إلى الإقامة العامة وإلى السلطان من أجل إلغاء معاهدة الحماية وتعويضها باتفاق مؤقت، وتكوين مجلس وطني يمثل الرأي العام المغربي توكل إليه مهمة وضع دستور يؤكد على فصل السلطات ويضمن الحريات العامة، ويجعل من بلاد المغرب ملكية دستورية، دينها الإسلام ولغتها العربية[25].

 مبادرة حزب الإصلاح:

جاءت مبادرة حزب الإصلاح بوضع مشروع دستور قبل سنتين من انتهاء فترة الحماية، وتضمن هذا المشروع خمسة أبواب، الأول يتعلق بتنظيم نوع الحكم، والثاني بالتشريع، والثالث بالتنفيذ، والرابع بالقضاء، بينما خصص الباب الخامس والأخير لحقوق المواطن، وأكد المشروع على طبيعة نظام الحكم في المغرب باعتباره ملكية دستورية، وعلى الأمة باعتبارها مصدر جميع السلطات، والتي أوكلت مهمة التشريع إلى برلمان مكون من مجلسي الشيوخ والنواب، وعلى ممارسة الوزارة للسلطة التنفيذية، التي يقودها رئيس تحدد سلطاته ومهامه قوانين صادرة عن البرلمان، ويعين من طرف الملك من حزب الأغلبية في مجلس النواب، وعلى اختصاص المحكمة العليا والمحاكم المغربية الأخرى التي يحدثها البرلمان في ممارسة السلطة القضائية، فضلا عن إقراره بعدد من الحقوق[26].

وبصفة عامة، يبدو واضحا خلال فترة الحماية إعطاء الحركة الوطنية الأولوية لمطلب الاستقلال على حساب المسألتين الدستورية والديمقراطية، ففكرة المطالبة بالاستقلال كانت أهم من المطالبة بالديمقراطية، فالنظام الديمقراطي أعطيت له المرتبة الثانية، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا بعد الاستقلال[27].

ويعكس هذا التصور عريضة المطالبة بالاستقلال التي قدمت بتاريخ 11 يناير 1944، حيث تميزت بتغييبها للمسألة الديمقراطية بشكل عام وللمسألة الدستورية بشكل خاص، فباستثناء إشارة فريدة وعابرة تتعلق بـ”إحداث نظام شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالمشرق، تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب…وتحدد فيه واجبات الجميع”، لا يوجد ما يدل على انشغال موقعي العريضة بقضية “شكل الحكم وتنظيم السلطات”[28].

المراجع
[1] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى، بيروت 2015، ص 13.
[2] محمد نبيل ملين، فكرة الدستور في المغرب.. وثائق ونصوص (1901-2011)، تيل كيل ميديا، 2017، ص 10.
[3] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، إصدارات المركز متعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية، شمس برينت-الرباط، الطبعة الأولى 2019، ص 15.
[4] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مرجع سابق، ص 85.
[5] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 15.
[6] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مرجع سابق، ص 37.
[7] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 21.
[8]عبد الكريم غلاب، التطور الدستوري والنيابي بالمغرب (1908-1988)، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1988، ص 101 و102.
[9] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 22 و23.
[10] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مرجع سابق، ص 83.
[11] محمد نبيل ملين، فكرة الدستور في المغرب.. وثائق ونصوص (1901-2011)، تيل كيل ميديا، 2017، ص 11.
[12] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مرجع سابق، ص 87.
[13] محمد نبيل ملين، فكرة الدستور في المغرب.. وثائق ونصوص (1901-2011)، تيل كيل ميديا، 2017، ص 16.
[14] محمد نبيل ملين، فكرة الدستور في المغرب.. وثائق ونصوص (1901-2011)، مرجع سابق، ص 24.
[15] محمد العمراني بوخبزة، الفكر الدستوري المغربي: مسار ومنعرجات، ضمن أعمال الندوة الدولية حول التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبيلة، 10-11 يوليوز 2018، ص 114.
[16] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 29.
[17] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 30.
[18] عبد العلي حامي الدين، الإسلام وتكوين الدولة العربية الحديثة دراسة للتجربة الدستورية المغربية، مرجع سابق، ص 127.
[19] محمد العمراني بوخبزة، الفكر الدستوري المغربي: مسار ومنعرجات، مرجع سابق، ص 116.
[20] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 32 و33.
[21] محمد العمراني بوخبزة، الفكر الدستوري المغربي: مسار ومنعرجات، مرجع سابق، ص 117.
[22] عبد الكريم غلاب، التطور الدستوري والنيابي بالمغرب (1908-1988)، مرجع سابق، ص 127.
[23] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 37.
[24] عبد الكريم غلاب، التطور الدستوري والنيابي بالمغرب (1908-1988)، مرجع سابق، ص 134-135.
[25] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 38.
[26] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 39.
[27] عبد الكريم غلاب، التطور الدستوري والنيابي بالمغرب (1908-1988)، مرجع سابق، ص 139.
[28] أحمد بوز، الدستور المغربي.. سياق النشأة ومسار الطور (الجزء الأول) دراسة في التاريخ الدستوري للمغرب 1900-2011)، مرجع سابق، ص 41 و42.