توطئة

تتمثل تحديات الإصلاح في الفكر المغربي المعاصر في الصدام بين التاريخ الاستعماري وفكر الحداثة، والاختلافات الأيديولوجية والسياسية، والهشاشة المؤسساتية. فضلاً عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيق التغيير. ومن أبرز هذه التحديات:  أزمة الهوية والشرعية، التخلف التاريخي، الصراع الأيديولوجي، ضعف التنفيذ؛ بحيث غالباً ما تفشل مشاريع الإصلاح بسبب غياب الوعي الشعبي، وعدم إشراك الجماهير، والتركيز على الجوانب السطحية. وأيضا تحديات اجتماعية واقتصادية  مثل الفقر، والبطالة، والتفاوتات الطبقية، والفساد، والتي تخلق مناخاً من الاحتقان الاجتماعي، مما يعيق تطبيق أي إصلاحات حقيقية.

والكتاب الجماعي “تحديات الإصلاح في الفكر المغربي المعاصر” هو نتاح عمل وجهد مختبر دراسات الفكر والمجتمع، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، جامعة شعيب الدكالي. واجتهد في مقاربة موضوع الإصلاح من جانب التحديات التي يواجهها الفكر الإصلاحي المغربي المعاصر، ووقف على مجموعة من عوائق نجاح عدة تجارب إصلاحية فردية كانت أو مؤسساتية. وبسط الرؤى والمناهج الاصلاحية لدى مجموعة من الأعلام أمثال: علال الفاسي، طه عبد الرحمن، فريد الأنصاري، الإمام الشاطبي، عبد الله العروي، المهدي المنجرة، أبو شعيب الدكالي، الشيخ ماء العينين، و أحمد الريسوني… وطرح إشكاليات تؤرق المصلحين، مرتبطة بأمور الإصلاح، من قبيل: أولويات الإصلاح، وعوائقه، وما مدى تجاوب المشاريع الاصلاحية ومتطلبات الواقع وهوية المجتمع؟.

مضامين الكتاب

تعد مسألة الإصلاح من أجَل القضايا التي عليها مدار الكون، ومعاش الناس ومعادهم، تحكمها سنة التدافع بين ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وما يضرهم ويفسد حالهم، فيذهب جفاء. أما غاية الخلق من ذلك، فتصريف معاني الإصلاح بكل مكوناته، وتثبيت أسسه وترسيخ مقوماته، لتصير حجة وبرهانا وواقعا يلمس الناس أثاره وينعمون بنتائجه ويجنون ثماره فيسود الأمن والنماء، والطمأنينة والرخاء. وإذا كانت فضائل الإصلاح كثيرة ومتنوعة، فمدار مقاصد العمل من أجلها يتمثل في مرتكزات ثلاثة: الاستخلاف في الأرض، وإعمارها، والتوجه بالعبادة فيها للخالق سبحانه. (مقدمة الكتاب، ص: 11)

وغني عن البيان أن المغرب من أكثر الدول التي عرفت تطورا إصلاحيا على مر العصور، حتى شمل الإصلاح المجال الاجتماعي والديني،  والسياسي ، والاقتصادي. وقد تضافرت جهود المفكرين المصلحين في كل هذه المجالات لخلق روح متجددة تساير حاجات الوطن الإصلاحية في مختلف محطاته التاريخية. وقد  انبرى لهذا الجهد في المغرب علماء جهابذة ومفكرون متنورون من أمثال: علال الفاسي، والمختار السوسي، وعبد الله كنون، وأبي شعيب الدكالي، ومحمد الحجوي، والمهدى بن عبود. ومن جاء بعدهم من أمثال: الأستاذ محمد المنوني، والمفكر طه عند الرحمان وغيرهم.

وقد تضمن الكتاب محاور هامة عن قضايا الإصلاح في مجالات شتى هي:

  • أولا: ورقات مؤطرة: الورقة الأولى من إعداد الدكتور عبد المجيد بوشبكة مدير مختبر دراسات الفكر والمجتمع في موضوع “تحديات الإصلاح في المغرب المعاصر”،  جاءت هذه الورقة مدخلا مهما في رصد أهم المعطيات التي تخص الإصلاح بالمغرب. حيث اعتبر الأستاذ أن الحديث عن عملية الإصلاح ليس مرتبطا بالأشخاص ولا بالشعوب أو الدول، بل هو عملية التجلي لما يحمله أو يعمله كل هؤلاء أو بعضهم، وما يكون له من آثار عامة طيبة، قد تضيق أو تتسع بحسب ما رافقها من أسباب وعوامل الضيق والسعة في عالمي الصلاح والفساد.

أما الورقة الثانية: فأعدها الدكتور محمد جكيب عضو المختبر في موضوع “رأي الإصلاح والتغيير، تأملات فكرية وتصورات معرفية”، اعتبرت أن التاريخ مدرسة لأخذ الدروس والعبر وهو ديوان للاستئناس وبث الطمأنينة الروحية في أفق الانطلاق إلى المستقبل.

  • ثانيا: شمل الكتاب محورين رئيسين، اهتما بمعالجة أهم قضايا الإصلاح والمصلحين بالمغرب، من خلال عدة أبحاث أنجزها ثلة من الباحثين في سلك الدكتوراه بالمختبر. حيث تفننوا في سبر أغوار التاريخ، ونقبوا بأساليب شتى عما يمكن أن يشكل سجلا حافلا بالعطاءات الفكرية، فوضعوا بين يدي القارئ نماذج مما قدمه المفكرون المصلحون من آثار طيبة في مجال النهوض بأوضاع الفكر والمجتمع.

وقد هم المحور الأول أبحاث علمية أكاديمية في فكر الإصلاح المغربي في مجالات علمية شتى؛ في المجال العقدي والتشريع والتصوف والفقه والأوقاف. وأخرى في السياسية وعلم الاجتماع. وكل هذه الأبحاث تعالج قضايا الإصلاح والإشكاليات والتحديات المعاصرة. كما تحاول تقريب القارئ من ملامح الصيرورة التاريخية التي أفرزت اهتمام علماء الحركة الإصلاحية وخبراء علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، ومحاولة تقديم إجابات وحلول لقضايا ومشكلات المجتمع. فضلا عن فك العزلة الفكرية والثقافية عن الناس في مراحل التقوقع الثقافي أو الغزو الفكري في فترات الاستعمار، وكذلك مواجهة التحديات المعاصرة الكبرى في مجالات متعددة.

أما المحور الثاني فقد اهتم برجالات الإصلاح في المغرب، من مثل: الأستاذ فريد الأنصاري في قضايا الدين والأمن الروحي للأمة. والأستاذ علال الفاسي في مشروعه التربوي الكبير واهتمامه بقضايا الأسرة وما يلزمها من مقومات المحافظة على الهوية المغربية في زمن الاستعمار. وكذلك في المشروع الفكري للأستاذ طه عبد الرحمان واهتمامه البالغ بقضايا الفكر والتحديات المعاصرة. والأستاذ عبد الله العروي من خلال اهتمامه البالغ بمقومات الدولة الحديثة. وأيضا نظرية الإصلاح عند الأستاذ المهدي المنجرة. وفي المشروع المقاصدي للأستاذ أحمد الريسوني والشيخ ماء العينين. وفي مشروع إصلاح التعليم للشيخ أبي شعيب الدكالي. (مقدمة الكتاب، ص: 12\13\14)

وقد جاءت مضامين الكتاب التفصيلية، بعد المقدمة، على الشكل الآتي:

  • المحور الأول: فكر الإصلاح المغربي.. الأسئلة والتحديات، وتضمن الأبحاث الآتية:
    1. أسس ومقومات الإصلاح في المغرب المعاصر – دراسة في المفاهيم المرجعية ومنظومة القيم، لـ د. عبد الله أخواض .
    2. ملامح الخطاب النهضوي في الحركة الإصلاحية الحديثة بالمغرب، للباحث بلال التليدي .
    3. الإصلاح العقدي بالمغرب بين تحدي التنظير ومقتضيات التنزيل، للباحث عبد اللطيف التواصلي .
    4. جماعة لسان المغرب وتحديات الإصلاح من خلال المدخل الدستوري والسياسي، للباحث جواد الحريزی.
    5. الابتداع والاتباع في الفكر الإصلاحي المغربي، للباحث إخلف وسعيد
    6. التحديات الكبرى للفكر الإصلاحي المغربي المعاصر، للباحث ميمون قرمون.
    7. تحديات إصلاح الاستعمار الثقافي بالمغرب، للباحث عبد الله العلوان .
    8. تحديات الفكر الإصلاحي الصوفي المغربي المعاصر، للباحث عبد الحكيم عاطف.
    9. تحديات الإصلاح التشريعي المنظومة الأوقاف في الفكر المغربي المعاصر – قضايا ونماذج -، للباحث حفيظ الحمامصي.
  • المحور الثاني: شخصيات إصلاحية مغربية.. قراءة في الفكر والمنهج، وتضمن الأبحاث الآتية:
    1. الفقه السياسي من إقامة الدولة إلى إقامة الدين فريد الأنصاري أنموذجا، لـ د. محمد صابير .
    2. تحدي تزكية الإنسان من خلال رؤية العلامة فريد الأنصاري الإصلاحية، للباحث عبد اللطيف تحفين.
    3. منهج فريد الأنصاري في الدفاع عن الإصلاح الدعوي بالمغرب، للباحثة: هاجر حسناوي.
    4. تحديات تربوية في المشروع الإصلاحي للأستاذ ، علال الفاسي، للباحث محمد القاسمي.
    5. مقاصد الاصلاح الأسري عند الأستاذ علال الفاسي، للباحثة سناء بن الشيخ.
    6. تحديات الإصلاح الفكري عند الدكتور طه عبد الرحمان، للباحث الشرقي قصاب.
    7. تحديات الإصلاح عند الإمام الشاطبي (790هـ)، للباحث: مولاي السالك شريف.
    8. تحديات الفكر الإصلاحي الثقافي المغربي، للباحثة زهراء الشرقي .
    9. تحدي بناء الدولة في فكر عبد الله العروي من خلال كتابه “مفهوم الدولة”، للباحث الحسن ضهراني.
    10. نظرية الإصلاح عند المهدي المنجرة وأحمد الريسوني: إشكالية التصور والمنهج، للباحث عثمان كضوار.
    11. مركزية التعليم في الإصلاح الشيخ أبو شعيب الدكالي النموذج والمثال، لـ د. عبد العزيز الإدريسي.
    12. قضايا التقريب بين الأدلة في تجربة الشيخ ماء العينين الإصلاحية القضايا السلوكية أنموذجا، لـ د. الخليل الواعر .

خاتمة

يعد هذا المنجز/ الكتاب الجماعي وثيقة علمية جادة تخلد أثرا مباركا وجهدا مشكورا بذله المختبر، فجمع وأوعى مختلف دروب الإصلاح والمصلحين في المغرب المعاصر، بأبحاث علمية جادة، ساهم فيها إلى جانب الأساتذة المؤطرين، ومجموعة من الباحثين في سلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة.