المحتويات
توطئة
يعد كتاب “الزايغ المحجوبي أحرضان” الصادر عن منشورات إفريقيا، تقديم الدكتور عبد الكريم الخطيب، وحوار كل من محمد خليدي، وحميد خباش إحدى أهم بدايات التأريخ لمذكرات زعيم سياسي مغربي أمازيغي ومقاوم بجيش التحرير، وأول وزير الدفاع وآخره بالمملكة الشريفة في العصر الحديث، عاصر ثلاثة ملوك وجمع بين السياسة والفن التشكيلي وكتابة الشعر والرواية، وتقلد وظائف حكومية عديدة وارتبط ب”حزب الحركة الشعبية” الذي كان من مؤسسيه بعد الاستقلال، يأتي الكتاب ليبرز الاتجاه الفكري ونفض الغبار عن المواقف السياسية لهذا الرجل الذي قضى حياته في سبيل الدفاع عن الوطن والحرية والهوية. (ص 5)
مضامين الكتاب
الخطيب وأحرضان وجيش التحرير:
في تقديمه للكتاب يؤكد رفيق دربه المجاهد الدكتور الخطيب أنه تعرف على المحجوبي أحرضان في منزل إدريس المحمدي أوائل الخمسينات، وفي أول لقاء بالشهيد الزرقطوني والآخرين؛ منصور وبونعيلات بالدار البيضاء بعد التحاقه بالمقاومة عرض عليهم الاتصال به للاستعانة بخبرته العسكرية إذ كان ضابطا بالجيش الفرنسي ومؤمنا بالقضية الوطنية. فتكفل بالتعاون معه وأقاما شركة وهمية لتغطية علاقتهما، ومن أول الأعمال التي قاما بها سويا زيارة بعض الدول الأوربية كفرنسا وألمانيا وسويسرا لجمع المساعدات والاستعداد لنقل الكفاح المسلح من المدن إلى الجبال. واتصلا بعبد الكبير الفاسي الذي أعطى لأحرضان علامة تمكنه من الاتصال بأفراد المقاومة بالدار البيضاء. وقد أتاحت لهما تلك الرحلة التي استغرقت ثلاثة أشهر مزيدا من الانسجام وتمتين أواصر الصداقة والمحبة. وقد تميز خلال فترة الكفاح بموقفه الرافض للتوقيع مع القياد على نفي السلطان محمد الخامس ومساهمته في المقاومة بجبال الأطلس. لذلك عندما حصل المغرب على الاستقلال، شارك معا في السهر على إدماج جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية كواحد منهم وكانت كل الاجتماعات تعقد في منزله بالرباط.
وبعد الاستقلال وجدا أنفسهما من جديد في خندق واحد المواصلة الجهاد الأكبر، الجهاد من أجل بناء بلد تسود فيه قيم مع العدالة والحرية فكان لا بد من الاصطدام مع أعداء التعددية والديمقراطية والحريات العامة وكان لابد من التضحية، فدخلا السجن سويا، وتقاسما للمرة الثانية المسكن والمأكل والمشرب ووجده ما زال على عهده به؛ تواقا للحرية متمسكا بأصالة الأمة ومقدساتها.
وقد تعرضا للاعتقال لأنهما سعيا لنقل رفات الشهيد عباس المسعدي من مدينة فاس إلى مقبرة أجدير، وجمعا جثث الشهداء في مقبرتين واحدة في تيزي وسلي والأخرى في أجدير. ولم تطلق السلطات سراحهما إلا بعد أن اشتد ضغط سكان الجبال والبوادي الذين أشهروا السلاح وأطلقوا الرصاص احتجاجا واستنكارا. هذه الظروف جعلتهما يتمسكان بحقهما في تأسيس حركة شعبية تأوي المقهورين والمستضعفين وتدافع عن حق الشعب في الحرية والديموقراطية والتعددية. وهكذا خاضا معارك سياسية طاحنة ضد الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب يتكلمون باسمه ويصادرون حقه في التعبير عن نفسه بدعوى الوقوف في وجه المؤامرات الإمبريالية وقوى الإقطاع، إلى غير ذلك من الشعارات الجوفاء. وقد تمخض نضالهما المرير على مكتسب ثمين وهو ظهير الحريات العامة لسنة 1958، في حين تم إجهاض تجربة “المجلس التأسيسي للدستور”. وخلال تحمل الخطيب للمسؤوليات الوزارية، وجد في أحرضان زميلا متفهما، فعندما قلد صاحب الجلالة الحسن الثاني الخطيب وزارة الشؤون الإفريقية، كان كثيرا ما يستقدم حركات التحرر الإفريقية إلى المغرب، فكان وزير الدفاع المحجوبي أحرضان، يجعل رهن إشارتهم المعسكرات والتجهيزات للتدرب على السلاح.
نشأة أحرضان:
حاول “الزايغ” إماطة اللثام عن اسمه ومعناه بالأمازيغية، فبين أنه يوم ولادته نزل على أبيه ضيوف ليس له سابق معرفة بهم، هؤلاء الضيوف الذين حسب تصريحهم لم يأتوا من أي مكان، فرحب بهم وأكرم مثواهم لكنهم لاحظوا حزنا وغما على وجهه فسألوه عن السبب فأخبرهم بأن زوجته وضعت مولودا ويخاف عليه من الموت مثل سابقيه فنصحوه بأن يسميه “أحرضان” وبيعه في السوق ويشفع فيه. وقد استجابت أمه لهذه الطقوس وتظاهرت ببيعه في السوق.
وبدأ مشوراه مثل باقي أقرانه بحفظ كتاب الله والمرشد المعين” لابن عاشر (ص 11)، وكان الهدف أن يصبح فقيها، وحدث أن زارهم في تلك الفترة قبطان فرنسي زوجته، وعندما كانا يشربان الشاي ويتحدثان مع والده، كان يتتبع بعض أحاديثهما . وفطنت الزوجة إلى أنه يتقن العد، إذ تعلم الكثير من الكلمات من حراس الغابة الفرنسيين، وقد طلبت الزوجة من من زوجها أن ينشئ لأطفال القرية مدرسة يتعلمون فيها ، فأسس مدرسة Ecole de fortune فالتحق بها رفقة ثلاثين طفلا آخرين، وكانت المدرسة عبارة عن حجرة في مكتب الشؤون الأهلية. وكان يدرسهم فيها صديق والده الترجمان حرشاوي بومدين الذي كان يقيم عنده طوال أيام الأسبوع. وفي ظرف سنتين حصل على الشهادة الابتدائية وانتقل إلى مدرسة أبناء الأعيان بأزرو، وفضل أن يتابع تعليمه بالمدرسة الحربية بمدينة مكناس التي تخرج منها بدرجة ملازم سنة 1940، وكان في بداية الدراسة منتميا لتخصص الخيالة لكن وجود صديقه الحميم أرزين في تخصص المشاة جعلته ينتقل إليه قبيل امتحان بعد التخرج ، وانخرط بوحدة: Tirailleurs Marocains (القناصة المغربية)، وذهب بعد التخرج إلى تونس، وفيها أصيب بجروح ورجع إلى المغرب ومنه توجه إلى إيطاليا حيث تفتح وعيه الوطني وتوضحت رؤيته، فأصبح في شقاق دائم مع الفرنسيين. وتظاهر بالمرض كي لا رجع للجيش، وتعرف على مصطفى ابن الفقيه بلعربي العلوي شيخ الإسلام والوطنية لما رجعا من توهما من المنفى.، وتعلم منه أصول الوطنية الحقة. (ص 12 وما بعدها )
كفاح الزايغ وعمله الوطني:
يرجع المحجوبي أحرضان بذاكرته إلى زمن بعيد، حين كان تلميذا عسكريا في المدرسة العسكرية بمدينة الدار البيضاء، ويتذكر تحديدا لقاء كان له الأثر الكبير على حياته، «حظيت يومها مثل جميع دفعات المدرسة بشرف تقديمنا لجلالة السلطان محمد بن يوسف»، يقول أحرضان في مذكراته، أنه حاول يومها تقبيل يد السلطان، غير أنه سحب يده وهو يقول «الجندي يحيي ويحارب» (ص 20)، عبارة كان لها أثر بليغ في نفس أحرضان، وظلت محفورة في ذاكرته لعقود طويلة، فكان التأثر لسببين؛ أولهما امتناع السلطان عن تقبيل يده، وثانيهما قوله بضرورة أن يحارب الجندي، حيث طرح أحرضان حينها تساؤلا لم يسبق أن جال بخاطره «أحارب…نعم، ولكن من أجل من ولماذا؟ «. وبعد رجوعه من تونس أهدى له بندقية رشاشة غنمها من ضابط ألماني في الحرب. كان اللقاء الأول بين أحرضان والملك الراحل محمد الخامس مستهل لقاءات أخرى كثيرة، لعل من أكثرها بروزا وأهمية اللقاء الذي سبق نفي محمد الخامس، حيث قال أحرضان إنه كان آخر من التقى السلطان قبل نفيه في غشت من سنة 1953.
وقبل نفي محمد الخامس كانوا قد أسسوا تنظيما يتكون من سبعة ضباط مغاربة، وقد التقوا في منزل أوفقير الذي كان قبطانا وأقسموا على دمائهم بعد أن مزجوا عينات منها “serment du sang Le ” وعقدوا عدة اجتماعات وقاموا بعدة مبادرات منها أن أحرضان أرسل بعضهم إلى تطوان للالتحاق بجيش التحرير لكن غياب الدكتور الخطيب عن تطوان خلال فترة تواجدهم بها حال دون لقائهم به. (ص 21)
قضية عباس المسعدي:
وقد فتح جيش التحرير المغربي عدة جبهات للقتال في قبيلة اگرناية ومرموشة ومرئيسة والأطلس، وكان للمحجوبي اتصال بالشهيد عباس المسعدي، إذ كانت له معرفة سابقة به فقد كان كاتبا عند والده قبل انخراطه في المقاومة. ويعتبر أحرضان “أن المشرف على مقتل المسعدي مازال حيا بيننا ولم يكن يهدف من مذكراته محاكمة أحد”. فعندما وصل عباس المسعدي إلى فاس قيل له إن حجاج ينتظرك من أجل الغذاء معه فتوجه عباس لبيت حجاج وهناك تم اختطافه. حجاج لم يقتل عباس ومن أشرف على عملية الاغتيال مازال على قيد الحياة»، يقول أحرضان الذي تحدث عن عملية نقل جثمان المسعدي من فاس لأجدير، قائلا: «قمت بجمع قادة جيش التحرير في شاطئ الرباط وقررنا بأن ننقل جثمان عباس إلى أجدير وقمنا بإخبار وزير الداخلية آنذاك وذهبنا إلى فاس، أنا والخطيب، حيث كان الملك وكنا نريد مقابلته لكن لم نتمكن من ذلك، وعندما ذهبنا إلى المقبرة جاء شخص وقال للخطيب بأن شخصا يطلبه»، وفي نفس الوقت انعقد مجلس وزاري ترأسه الملك وحملوا المسؤولية لأحرضان والخطيب، ليفاجأ «الزايغ» ورفاقه بأن مفتش الداخلية آنذاك مصحوبا بوالي مدينة فاس ومئات من «المخازنية» مسلحين يطوقون المقبرة، وقالوا لأحرضان بأن الملك يطلب منهم التوقف. تطورت الأمور إلى اشتباكات بين الجيش وبعض أبناء الريف قبل أن تتم تهدئة الوضع، غير أن تلك الواقعة كلفت أحرضان والخطيب قضاء ليلتين في السجن.
إرهاب الحزب الوحيد:
لقد قتلوا الكثير من المواطنين ومارسوا إرهاب الحزب الوحيد على معارضيهم قتلوا عددا من خيرة أبناء هذا الوطن أين إبراهيم الروداني وولد الحداوية والزياني (ص 29)، يذكر أن الزباني وصحبه اتصلوا بلحسن اليوسي، وطلبوا مقابلة جلالة الملك، فلما أخذهم إليه، قالوا له: يا مولانا كافحنا في سبيل الله، فتقبل منا سلاحنا الذي جاهدنا به وفي طريق عودتهم إلى ذويهم بالدار البيضاء، نصبوا لهم كمينا في عين حرودة واغتالوهم. ومن شهود هذه الجريمة الأستاذ الشريف بركات نقيب العلميين الذي كان مسافرا بالصدفة على متن سيارته. وقد حدثه بأن الزياني قبل أن يلفظ أنفاسه، أطلق النار على المدعو “اللاز” وكسر رجله وهو من مساعدي الفقيه البصري. والأدهى والأفظع أن إرهابهم امتد إلى أهل الثقافة والفن فقد أعدموا الفكاهي الشهير القدميري بسبب كلمة وردت في إحدى تمثيلياته الإذاعية، إذ سألت الأم ابنها لماذا يلبس جلبابا أبيض، فأجابها بأنه أصبح مسيرا في الحزب. وهكذا كانت ميليشيات الحزب الوحيد تصول وتجول، تحاكم الناس على آرائهم وتسلبهم حريتهم في التعبير.
خاتمة
لقد دافع المحجوبي أحرضان خلال تزعمه للحركة الشعبية عن أهل «البادية» في أعماق البلاد. وبعد أن وقع أول انشقاق في صفوف الحركة الشعبية عبر المحجوبي أحرضان عن توجهات أمازيغية في برامجه وخطاباته محتفلا بالأصول الأمازيغية وبالتراث الأمازيغي ومطالبا بتدريس اللغة الأمازيغية ومواجهة الاتجاهات العروبية في المغرب. وكتب المحجوبي أحرضان روايات وشعرا، واهتم بشكل خاص بالثقافة الأمازيغية وبالرسم، ومن أهم ما كتبه مذكراته (1942–1962) التي اختار لها اسما أمازيغيا هو “ماسترا”، وتعني “وليكن ما يكون”، كدلالة على استباقه للأصداء التي يمكن أن تكون لشهاداته في حق شخصيات سياسية وأحداث تاريخية. وتشمل مذكراته ثلاثة أجزاء.