مقدمة

إذا كان عون السلطة اليوم يعتبر الحلقة الأولى في بنية السلطة، فوجوده ضارب في تاريخ المغرب،  حيث كان تقديم القرية أو الحي لرجل للقيام إما بدور الوساطة بين السلطة في المدن أو تنفيذ ما اتفق عليه أهل القرية؛  أولى معالم هذا الظهور؛ ويمكن اعتبار مقالنا هذا؛ تسليطا للضوء على الأدوار التي قام بها هذا الشخص بداية من ظهوره إلى مرحلة بداية مرحلة الاستقلال.

البدايات الأولى..  الوساطة بين السلطة والمجتمع 

ارتبط ظهور مقدمي الأحياء بظهور هذه الأخيرة؛ كوحدات داخل المدن بداية من زمن المرابطين؛  وذلك لاعتبارات ترتبط بالدفاع عن مراكش في مواجهة هجمات الموحدين، وهي أحياء كان لها أبواب تقفل بعد صلاة العشاء، وهو ما أشار إليه  غستون دوفيردان حول مراكش؛ ذلك أن كل أجني عن الحي عثر عليه في أحد أزقة الحي، سيق إلى السجن وبات فيه إلى صباح الغد.[1]

وقد عرفت فاس بدورها نظام الأحياء ذات الأبواب؛ حيث  كان يتم غلقها وفتحها من قبل المقدمين وأعوانهم؛  كما أورد روجي لوطورنو، حيث كانت المدينة مقسمة إلى عدد من الأحياء؛ على الأقل منذ الزمن المريني إن لم يكن قبل ذلك. فقد كان لكل حي منها رئيس يختاره الوالي؛  بناء على توصية أصحاب النفوذ في الحي. ولذلك فقد كان رئيس الحي في الوقت ذاته يمثل الإدارة المركزية؛ التي كانت تعينه، كما كان يمثل الساكنة التي اقترحت اسمه. وهذه العلاقة المزدوجة وضعته في دور الوسيط، فكان ينقل آراء الأعيان في حيه إلى سلطات المدينة. ثم كان يطلع بعد ذلك الأعيان بنوايا السلطات؛ محاولا حملهم على الموافقة على الرغبات الرسمية[2].

وإذا كنا لا نملك المعلومات الدقيقة عن رؤساء أحياء فاس زمن المرنيين، فإن صاحب “نشر المثاني” أسعفنا حين أرخ للصراع الذي عرفته المدينة بين اللمطيين والأندلسيين زمن السلطان المولى عبد الله بن إسماعيل، وقد كان أحد أبطال هذا الصراع  المقدم المسمى ابن سليمان،  مقدم درب سبع لويا ودرب الطويلة وجينارة. يقول صاحب الكتاب: ” وقصدوا -أي اللمطيين-  دار ابن سليمان وابن عاشر ففروا من دورهم حتى سكن الهرج، وعزل اللمطيون بن سليمان من التقديم وقدموا غيره”[3].

وقد كان سبب عزله؛ عجزه عن القيام بدوره كمقدم في مواجهة اعتداءات الأندلسيين على المحلات التجارية للمطيين.  وهي إشارة ذات دلالة إلى أن السكان كانوا يتمتعون وحدهم بحق إعفاء المقدمين، وإن كان تنصيبهم يخضع لتوافق بين السكان وممثلي السلطان.

هذا الحادث دفع  المؤرخ روجي لوطورنو إلى الجزم بأن هؤلاء لم يكونوا ينتمون إلى فئة الأعيان، فبسبب الدور الصعب الذي كان رؤساء الأحياء يقومون به، فقد كان الأعيان يخشون أن تتعرض أموالهم ومكانتهم الاجتماعية للخطر، ومن ثمة فقد كانوا يفضلون أن يتركوا هذه المنصب لمن يمكن أن تكون خسارتهم أقل. ولم يكن هذا يعني أن رؤساء الأحياء كانوا من أصل وضيع؛  وإن كان عملهم يقتضي صفات خاصة من الشجاعة والخبرة والمهارة .

وقد قدم  لوطورنو وصفا دقيقا للمقدم في كتابه “فاس قبل الحماية”، حيث أشار إلى أن مظهره لا يوحي بالثقة لأول وهلة، فهو رجل من عامة الناس لا تميزه عنهم بذلة ولا مراسيم، قليل الدخل، رغم ما يمكن أن توفر له وظيفته من أرباح مباحة قليلة أو كثيرة. وباختصار،  فإنه ليس رجلا معروفا كما يقال في فاس. فلا تظن -يؤكد نفس المؤرخ-؛ بأن الحماية هي التي قللت من أهميته؛ بل على العكس، فمقدم الحومة الحالي أكثر انشغالا من ذي قبل، يتقاضى أجرا أحسن، ويرتدي لباسا أحسن في الاحتفالات الكبرى على الأقل. فتأثيره الحقيقي ازداد، فهو يعين اليوم من طرف الباشا، وغالبا ما ينتقل من حي إلى حي آخر، بينما في السابق كان يعين من طرف العامل باقتراح من أعيان الحي، ويستقر مدة طويلة جدا في نفس المكان؛ إذا أظهر النزاهة والحذق الكافيين، ويقدم لوطورنو كذلك  مثالا على ذلك؛ مقدم حي البليدة؛ الذي يزاول مهامه منذ 30 سنة ( رسالة نائب القنصل الفرنسي بفاس بتاريخ 13 نونبر سنة 1898)[4].

وتتلخص مهام المقدم، حسب لوطرنو؛ في تنفيذ أوامر المخزن المبلغة من طرف عامل المدينة أو نائبه، وبجمع مختلف الرسوم الاستثنائية التي كان يجمعها المخزن من حين لآخر (مصاريف نفقة السفراء الأجانب والهدايا المقدمة للسلطان عند دخوله الرسمي للمدينة وغيرها ….). كما كان على المقدمين أن يحافظوا على النظام في حيهم، ويسهروا على النظافة وحسن الأخلاق فيه؛  وبهذه الصفة كانوا مكلفين بمراقبة المومسات، فكانوا يأخذون منهن معظم دخلهم القليل. بل إن مهام المقدمين تتجاوز ذلك إلى قيامهم بمهام عملاء الاستخبارات، وهو ما أعطى لهؤلاء سلطة حاولوا استغلالها حسب نفس المؤرخ.

وقد كانت إحدى أدوارهم البارزة تتمثل في عملية التجنيد، فعندما كان السلطان يعتزم تجنيد حركة عسكرية استثنائية، كما حدث على سبيل المثال إبان زحف بوحمارة على فاس زمن السلطان المولى عبد العزيز، فإن مقدمي الحومات بمساعدة من الأعيان كانوا يشرفون على عمليات التجنيد وأخذ ضريبة الإعفاء. وأخيرا بمناسبة جميع الحفلات الرسمية (كدخول السلطان، والبيعة في الأعياد الدينية الكبرى) كانوا يحملون عصيهم الطويلة بأسنتها الحديدية ويصحبون عامل المدينة في أبهة كبيرة على رأس سكان حيهم. وقد كان المخزن يقدم لهم كل جمعة، بعد أن يحضروا صلاة السلطان الرسمية، غذاء في الجامع الكبير في فاس الجديد.  وقد كان هؤلاء المقدمين لا يتقاضون أي راتب رسمي، إنما تصلهم الهدايا بمناسبة الأعياد الكبرى؛ كالقفاطين، وبرانس، وأحذية يقدمها إليهم المخزن. وعندما كان أعوان العامل يقومون بتحريات في حيهم، كانوا يقتسمون مع المقدمين الصلات المعهودة. وأخيرا كان الأعيان يستدعونهم بمناسبة الأفراح العائلية، ولا ينسونهم في عيد الأضحى ويقدمون إليهم الأكباش يعطووهم حبوبا إبان الحصاد[5].

أما على مستوى البوادي فقد كان الأمر بخلاف ذلك، ففي مجتمع الأطلس الكبير مثلا، كان المجتمع القبلي يتكون من جماعة الأعيان يتم انتخابهم بطريقة ديمقراطية؛ يترأسهم  المقدم  المنتخب بدوره، وهو الذي يقوم بتعيين مساعدين له يسمون بأيت أربعين.  والمقدم هو الذي يسهر على  إنجاز ما  اتفقت عليه الجماعة؛  سواء من أجل السلم والحرب. إلا أن المقدم لا يتجاوز في انتدابه  مدة سنة خوفا من أن يتحول إلى طاغية، وفي بعض المناطق الجبلية الأخرى كالريف والأطلس المتوسط؛ فإن الجماعة تستغني على اختيار المقدم حفاظا على الطبيعة الديمقراطية التي يجب أن تظل سائدة في المجتمع[6].

مرحلة الاستعمار الفرنسي.. نفس الأدوار  وإصلاح معطوب 

لقد كان من نتائج سياسة الحماية خلق جهاز سياسي إداري مزدوج؛ جزء منه كان يتحكم فيه المقيم العام والجزء الثاني تحت إشراف السلطان، سواء على مستوى الإدارة المركزية أو المحلية، حيث شملت الثنائية على المستوى المحلي وجود رجال السلطة الفرنسيين من مراقبين مدنيين وعسكريين ورؤساء جهات، في مقابل وجود أعوان السلطات المغربية من مقدمين وشيوخ؛ والذين واصلوا نفس المهام التي كانوا يقومون بها في العهد المخزني.

وإذا كانت الإدارة الفرنسية قد باشرت ما اعتبرته عملية تحديث للإدارة المغربية؛  فقد شملت عملية التحديث هاته تكوين إدارة مركزية بالعاصمة الرباط. كما شملت تكوين إدارة محلية تميزت بطابعها العسكري، وقد كانت توجهات الحماية تقوم على تجميع القبائل أثناء السيطرة عليها، لتعمد بعد ذلك إلى تشتيتها حتى تسهل عملية مراقبتها الإدارية، وذلك عبر خلق وحدات إدارية تمثلت في المقاطعات والدوائر والملحقات، إضافة إلى  الجهات التي تعتبر حلقة الوصل أساسية بين السلطة المركزية والسكان[7].

وهكذا عمد الاحتلال إلى تقسيم المدن إلى دوائر، بعد أن كانت مقسمة إلى أحياء زمن ما قبل الدخول الفرنسي للمغرب، دوائر خضعت لسلطات الخلفاء المغاربة. وينوب عنهم في الأحياء أعوان سلطة؛ أو ما يعرف بالمقدمين، حيث خضع هؤلاء لسلطة الباشا والمراقب المدني، هذا الأخير أصبح الحاكم الفعلي للمدينة، فتمتع بجميع السلطات الكاملة على شكل سلطة الوالي أو العامل اليوم. بل إن باشا المدينة  ومحتسبها، وهما من نسيج المخزن القديم، احتفظ بهما ضمن إستراتيجية الاحتفاظ بالبنيات القديمة لتسهيل عملية السيطرة على السكان؛ ووجب عليهم أن ينتظروا ساعات طوال قبل أن يدخلوا مكتب المراقب[8] .

ففي عاصمة المملكة الرباط مثلا،  والتي  كان الباشا فيها  بمثابة رئيس البلدية في نظام الحماية، كان تحت سلطته مجموعة من الموظفين، من ضمنهم مقدمي الأحياء. حيث كان المقدم بمثابة مخبر للباشا، حيث  كان يطلعه على كل ما يحدث من ولادات ووفيات وأفراح وأتراح أخبار الأسر والعائلات القاطنة في حيه[9].

أما الأدوار التي كان يقوم بها هؤلاء في المجال القروي، فتلخصها حكاية السي حميدة عن أعمال السخرة لفائدة قائد قصبة تيوت؛ وهي الحكاية التي أودها عبد الله حمودي في كتابه “الشيخ والمريد”: يقول السي حميدة: “كان المقدم يصرخ في المساء، ينادي على كل واحد باسمه للكلفة، ويرسل الأب أبناءه … لقد نقلت التراب والماء والطين، ونقلنا العوارض، أما خشب البناء؛ فكانت تحمله بغالنا وجمالنا .. صودرت الحيوانات، من بغل وجمل، من أجل بناء الطرق والجسور، وحين نرجع إلى القرية نخدم القايد،…وحين تكون محاصيلنا جاهزة ينادى علينا كي نحصد أراضي القايد أو نشتري حريتنا من المقدم أو الشيخ أو من القايد نفسه[10]“.

وقد حاولت سلطات الحماية في إطار إصلاح البنيات التقليدية للمخزن، وذلك حين رغب رئيس المصالح البلدية الفرنسي في تقليص وظيفة المقدمين، مثلما رغب في تقليص وظيفة زملائهم أمناء الأحياء. كما رغب تقليص الأجور التي يتقاضونها؛ بحيث أن لا تتجاوز مبلغ 150 فرنك، بعد أن كانت قد حددت الأجور التي يتقاضاها هؤلاء سابقا. ففي مدينة فاس مثلا،  قامت السلطات الفرنسية مباشرة بعد إقرار نظام الحماية الفرنسية  بتحديد أجر هؤلاء، حيث أن الجنرال “جورو”  الحاكم العسكري لفاس ونواحيها؛  سيعمد إلى  تحديد أجور مقدمين  الحومات ومخازنية الباشا، عوض ما كان يسمى سابقا “السخرة “، والتي كانت تنزع من الناس بصفة عشوائية.  بل إن السلطات الفرنسية وفي إطار نفس عمليات تحديث البنيات المخزنية، حاولت تحديد سن تقاعدهم، وذلك حين طالب رئيس المصالح البلدية الفرنسي باشا الرباط المغربي بضرورة تقاعد أكبر المقدمين وهو محمد بريطل؛ والذي  كان عمره 66 سنة. وفي مقابل ذلك اقترح الزيادة في عدد الحراس (العساسة)؛ وخصوصا في الأحياء الموجودة خارج السور؛ مثل دوار العكاري وتجزئة قريون وحي الأحباس وطريق تمارة[11].

بداية  الاستقلال.. البيروقراطية في خدمة التقليد 

بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 سيتم، وفي إطار توزيع مهام الدولة والأدوار المنوطة بها،  إسناد مهمة الحفاظ على الأمن العام ومراقبة الجماعات المحلية والسكان بصفة عامة إلى وزارة الداخلية، التي ستخلف إدارة الداخلية زمن الحماية. وهو الأمر الذي سيتولى القيام به على الصعيد المحلي شبكة من النخب القروية والأعيان والشيوخ والمقدمين، الذين كانوا يشتغلون في دواليب الإدارة المحلية الاستعمارية. وهكذا قام القصر في مرحلة أولى بفرملة كل الجهود المبذولة من طرف حزب الاستقلال للتحكم في العالم القروي من خلال الإدارة والحزب. والذي تم من خلال المجالس المحلية التي تم إنشاؤها في نهاية عهد الحماية. فبعد بضعة أشهر من العزلة، أعاد القواد الجدد تدريجيا إنشاء شبكة من الشيوخ والمقدمين، تماثل تقريبا الشبكة التي كانت قائمة في فترة الحماية. وهؤلاء القواد الذين أصبحوا موظفين (بعدما أن كانوا أعيانا). فالنية كانت معقودة على تنظيم هيئاتهم على غرار النموذج النظري الخاص بالإطار الفرنسي للولاة، ثم تبعا للتطبيق المتبع بالنسبة للمراقبين المدنيين الذين سيخلفون القواد الجدد، كما يبدو، سيرثون عنهم مناصبهم المالية ومكاتبهم ومحلات سكناهم. غير أنه إذا كان التكفل بأربعمائة  موظف جديد لا يطرح على المسؤولين مشاكل ليس لها حلول، فإن موضوع التعهد بإلفين من الشيوخ وعشرين ألف من المقدمين من شأنه أن يطرح صعوبات جمة، حيث إن توظيف هؤلاء كان يفوق ميزانية وزارة الداخلية برمتها،  لكن رغم ذلك لم يكن بالإمكان التخلي عن خدمات هؤلاء الأعوان دون السقوط في شلل الإدارة المحلية. وفيما يخص بداية الاستقلال، فإن دور الشيوخ والمقدمين قد ازداد توسعا مع مرور الأيام[12] .

فالإدارة المغربية المحلية، من خلال ما تتصف به من طابع توجيهي مبالغ فيه؛ إلى درجة تفوق بكثير الطابع التوجيهي لدى الحماية، هي إدارة تبالغ في مضاعفة التحريات، والإكثار من إنشاء اللجان الإدارية، وهي المسؤوليات التي تقع تحت مسؤولية القائد، هي في الواقع تتم بإجراء مباشر من لدن الشيخ والمقدم.

وفي الواقع، يؤكد ريمي لوفو في كتابه “الفلاح المدافع عن العرش”، فإن دور المراقبة السياسية المنصب على السكان، لم يكف عن التوسع منذ بداية الاستقلال، فلا يحق لأحد الغرباء عن المجموعة السكانية التابعة للمقدمين أن يشتغل داخل مجالها، أو أن يتحدث إلى الساكنة، دون أن يبلغ المقدم بالأمر. إذ ستنقل هذه المعلومات بسرعة إلى القائد الذي يتابع الأمر عن كثب، وليس فقط أنشطة الأحزاب السياسية من كانت مراقبة، بل وأنشطة الممثلين الآخرين التابعين للإدارات الأخرى. ومن هنا يبدو أن المقدمين ذو قيمة بالغة في ميدان الانتخابات مثلا. إنهم يشاركون في عمليات التسجيل في اللوائح الانتخابية، وينظمون مكاتب التصويت، ويسهرون على النظام العام في هذه الأخيرة، كما يقومون أحيانا برئاسة مكاتب التصويت، وقد يضاف إلى ذلك كله؛ القيام بالدعاية للمرشحين الحكوميين، بالإضافة إلى تدخل المقدمين في اختيار المرشحين للانتخابات المحلية[13].

وهكذا كانت حكومة بداية الاستقلال وقبل إجراء الإنتخابات الجماعية، قد أعادت تكوين شبكة إدارية قاعدية تتولى القيام بجزء كبير من الدور السياسي والاجتماعي والسياسي الذي من المفروض أن يكون من اختصاص المنتخبين (بفتح الخاء). حيث أن التأخر والتردد اللذين واجههما المسؤولون في إطار انجازهم للقانون الجماعي المؤطر لإختصاصات الجماعات المحلية، قد ساهما في دفع الإدارة نحو تكوين شبكة قاعدية مماثلة لنفس الشبكة التي كانت قبل الحماية. وقد كان من مقتضيات ذلك؛ أن صدرت مذكرة عن وزارة الداخلية في عام 1958، والتي أنجزت بتعاون مع وزارة المالية؛ وتتعلق بوضعية هؤلاء وتحدد صلاحياتهم .

وعلى العكس من الافتراض الشائع، فيما يخص فترة بداية الاستقلال، فإن دور الشيوخ والمقدمين قد ازداد توسعا مع مرور الأيام، فالقواد الجدد  لم يعدوا كما كان الأمر في السابق ينتمون إلى الجماعات الإثنية، بل أصبحوا مأمورين تابعين للمخزن، بعد أن توارثوا رموز السلطة الإدارية التي كانت بيد المراقبين المدنيين الفرنسيين زمن الحماية. فالبنيات التقليدية المخزنية الممثلة في الولاة والعمال والقياد،  وأعوانهم من مقدمين وشيوخ كانت بحاجة ماسة إلى البيروقراطية الاستعمارية لتقوم بأدوار الضبط والرقابة؛ وذلك بشكل يفوق ما كانت تقوم به السلطات الاستعمارية، وهو ما لخصه عبد الله حمودي بشكل ممتاز بالقول: إنها زودت سلطوية النظام المغربي بأرضية صلبة[14].  

المراجع
[1] غستون دوفيردان، مراكش من التأسيس إلى الحماية  (1912م).
[2] روجي لوطورنو، فاس في عهد بني مرين.
[3] القادري محمد، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني عشر، ج 4.
[4] فاس قبل الحماية، مرجع سابق.
[5] فاس قبل الحماية، مرجع سابق.
[6] الهادي هوري، المغرب من الاستبداد إلى الدولة الوطنية: دراسة في تحول المغرب القبلي وعوائق التنمية والتحديث، 1844-1956. 
[7] جورج سيبلمان ، المغرب من الحماية إلى الاستقلال 1912-1956، ترجمة محمد المؤيد، منشورات مجلة أمل، 2014.
[8] محمد شقير، تطور الدولة في المغرب : من القرن الثالث ق.م إلى القرن العشرين، إفريقيا الشرق.
[9] عبد الإله الفاسي، بلدية الرباط في عهد الحماية 1911-1930 ودورها الإقتصادي والعمراني والإجتماعي في حياة العاصمة.
[10] عبد الله حمودي، الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، 2010.
[11] عبد الرحيم الودغيري، فاس في عهد الاستعمار الفرنسي 1912-1956، مطبعة المعارف الجديدة.
[12] الهادي هوري، المغرب من الاستبداد إلى الدولة الوطنية، مرجع سابق.
[13] ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش، منشورات وجهة نظر،ترجمة محمد بن الشيخ. 
[14] محمد شقير، تطور الدولة في المغرب : من القرن الثالث ق.م إلى القرن العشرين، إفريقيا الشرق.