المحتويات
مقدمة
تعتبر المدرسة المصباحية بمدينة فاس حلقة من الجهود التي بذلها السلاطين المرينيون لتنشيط الحركة التعليمية والعلمية بالمغرب خلال فترة حكمهم. وقد أسسوا لذلك عددا كبيرا من المدارس في كل أنحاء البلاد: كفاس، ومكناس، وسبتة، وتلمسان، والقصر الكبير، وسلا، وتازة، ومراكش، وأزمور، وآسفي، وأنفا (الدار البيضاء)، وأغمات، وخاصة في عهد باني المدرسة المصباحية السلطان أبو الحسن المريني، والذي شيد عددا آخرا من المؤسسات التعليمية كمدرسة الصهريج بنفس المدينة والمدرسة الجديدة بمكناس ومدرسة الطالعة بمدينة سلا. وتبقى مدينة فاس أكثر المدن المغربية التي استأثرت بالعدد الأكبر من المدارس العلمية، إلى جانب طبعا جامعة القرويين الشهيرة، فقد ذكر الحسن الوزان أن “في فاس إحدى عشرة مدرسة للطلاب جيدة البناء كثيرة الزخرف بالزليج والخشب المنقوش، بعضها مبلّط بالرخام، وبعضها بالخزف المايورقي … وكلها من تأسيس ملوك بني مرين”.[1]
تأسيس المدرسة المصباحية
تحمل المدرسة المصباحية أسماء أخرى غير اسم المصباحية، فإضافة إلى الاسم الذي أطلق عليها أول أمر بناءها؛ أي مدرسة الرخام، نسبة إلى بيلتها (حوض) الرخامية، وكذلك استعمال الرخام في تبليط بعض مكوناتها كالصحن وقاعة الصلاة، فإنها عرفت أيضا بالمدرسة المصباحية نسبة إلى أبو الضياء مصباح بن عبد الله الياصلوتي (توفي 750ه/1349) لأنه أول من درّس بها بعد بنائها، وهو من فقهاء المالكية البارزين في القرن الثامن الهجري (14م).[2] كما يطلق عليها أيضا إسم مدرسة النافورة.
شيدت المدرسة المصباحية أو مدرسة الرخام بأمر من السلطان المريني أبو الحسن علي سنة 1346م/747هــ. وقد اعتنى السلطان أيما اعتناء بالجوانب المعمارية للمدرسة، فاستورد لها مثلا بيلة (حوض) من الرخام الأبيض من ألمرية (Al-Meria) بالأندلس، حيث نقلت إلى مرسى العرائش ثم نقلت بعد ذلك إلى مدرسة الصهريج قبل أن تنقل بعد أعوام إلى المدرسة المصباحية.[3]
المكونات المعمارية للمدرسة
أنشأت المدرسة على مساحة كبيرة بحي بوطويل بجانب القرويين؛ أمام الباب الشمالي للجامع. وتتميز الهندسة المعمارية للمدرسة المصباحية برقي فني وثراء معماري كبير على شاكلة هندسة المدارس المرينية التي تميزت بجمالية لا تضاها، وذلك عكس المدارس التي تأسست في العهود السابقة، والتي كانت تتميز هندستها المعمارية بالبساطة وخلوها من كل أشكال الزخرفة. ويتم الدخول إلى المدرسة عبر ثلاثة أبواب، ويقع بابها الرئيسي (باب الخصة) مواجها لإحدى سواقي جامع القرويين. ويؤدي هذا الباب إلى صحن المدرسة المكشوف عبر ممر ملتوي يشبه مدرسة العطارين، وقد زين هذا الممر بزخارف جبصية، كما زينت جدرانه بالزليج. ويقع وسط الصحن حوض رخامي أبيض اللون يزن مائة وأربعين قنطارا، ويبلغ طوله 3 أمتار وعشرون سنتمرا وعرضه متر وخمسة سنتمرات، وقد وضع أول الأمر في مدرسة الصهريج قبل أن ينقل إلى المدرسة المصباحية.[4]
أما قاعة الصلاة فتتخذ شكلا مربعا (7 مx 7م)، وتم تزيين واجهاتها بزخارف إسلامية جميلة، وقد كان مسجد المدرسة في ظروف ما مركزا لقاضي القضاة. كما تتوفر المدرسة على 117 غرفة لإيواء الطلبة، 23 غرفة توجد في الطابق الأرضي والباقي موزع في الطبقات العليا التي يتم الصعود إليها بواسطة درج. كما تتوفر المدرسة على ميضأة داخلية يقع مدخلها على يسار مدخل المدرسة بجانب الدرج الذي يؤدي إلى الطبقتين العلويتين.[5]
المدرسة المصباحية بين الأمس واليوم
ظلت المدرسة المصباحية منارة علمية بارزة تردد عليها عدد كبير من العلماء والطلبة الذين كانوا يأوون فيها ويدرسون بها النحو والفقه والفلك من أمثال: مصباح بن عبد الله أبو الضياء الياصلوتي(ت 750ه)، ومحمد بن عبد السلام البناني، وعبد الرحمن الكلالي، ومولاي عبد الله الشريف الوزاني، والشيخ عبد القادر الفاسي، وسيدي حدو السوسي، والسلطان العلوي المولى الرشيد.[6] ومن الذين سكنوا أيضا المصباحية نجد: أبو المحاسن الفاسي، ومبارك بن عبابو الكوش، وسيدي محمد بن أحمد، وسيدي الحسين الزويلي، وسيدي محمد السالمي…[7].
وبفضل الأوقاف الكثيرة التي حبست لها من: حوانيت ودور وفنادق وجنان وأراضي وغيرها، سواء داخل المدينة أو خارجه مما جعلها توصف بكونها أغنى مدرسة من حيث الموقوفات المحبسة عليها[8]، فإن المدرسة استمرت في القيام بأدوارها العلمية وخضعت لعدة ترميمات وإصلاحات، إلى أن تم إغلاقها بسبب تصدع وخراب أصابها. وبعد سنوات من الإغلاق خضعت المدرسة للترميم بإشراف من “وكالة التنمية ورد الإعتبار لمدينة فاس”، وتم إعادة افتتاحها سنة 2017 وإلحاقها بجامعة القرويين لتأوي بعض أساتذة جامعة القرويين القادمين من خارج مدينة فاس ومن خارج المغرب، وتخصيص جزء آخر كمكاتب إدارية للجامعة. كما كان طلبة المدرسة المصباحية من أكثر طلبة المدارس بفاس حرصا على أن يكون سلطان الطلبة منهم.
المراجع
[1] الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت –لبنان، ط2، 1983، ص 225.[2] الحضري نعيمة، معلمة المغرب، ج21، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2005، ص 7046.
[3] الناصريي أحمد، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج3، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، ص 176.
[4] التازي عبد الهادي، جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس، المجلد 2، دار نشر المعرفة –الرباط، ط2، 2000، ص 359./ الحضري نعيمة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7046.
[5] التازي عبد الهادي، جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس، مرجع سابق، ص 359./ الحضري نعيمة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7046.
[6] التازي عبد الهادي، جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس، مرجع سابق، ص 359.
[7] الكتاني محمد بن جعفر، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس (3أجزاء)،دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004، في مواضع متعددة)/ الحضري نعيمة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7046.
[8] ابراهيم القادري بوتشيش/السعيد المليح، الوقف العلمي بالمغرب الأقصى ودوره في تأسيس المدارس خلال القرن _هــ/14م (أوقاف مدينة فاس نموذجا)، مجلة "عصور الجديدة"، ع 11-12، 2013-2014، ص 47-73.