المحتويات
جذور تأسيس مدراس الرابطة الإسرائيلية في المغرب
مباشرة بعد تأسيس الرابطة الإسرائيلية العالمية (Alliance Israélite Universelle) بباريس سنة 1860، أخذ أعضاء اللجنة المركزية يولون أهمية كبرى ليهود الشرق وإفريقيا، وخصوصا ليهود المغرب وللأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها. وقد كان الهدف من وراء هذا الاهتمام الرقي بوضعهم الذي يوحي لهم بما عاشوه في القرون الوسطى بأوربا[1]. فمنذ أن عاد المستشرق جوزيف هاليفي Joseph Halévy سنة 1861 بتقرير دقيق عن زيارته للمغرب، والذي قدم فيه وضعية قاتمة عن ملاحات المغرب، وقد كان Piccito أول من أوحى بفكرة المدارس، حيث سبق له أن سافر إلى المغرب سنة 1859 حاملا إغاثة لليهود الذين كانوا يعيشون تخت وطأة الأوبئة والأمراض والمجاعات، فاهتدى إلى أن نجاة هؤلاء لا يمكن أن تتم إلا بالتعليم[2]. وقد اقتنع نارسيس لوفن Narcisse Leven -رئيس الرابطة الإسرائيلية العالمية- بالدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه التربية والتكوين وسط الجماعات اليهودية بالمغرب واعتبر المدرسة الوسيلة الوحيدة لتحديثهم[3]. وفي سنة 28 دجنبر 1862 فتحت الرابطة أول مدرسة لها بالمغرب بمدينة تطوان، وتم وضعها تحت حماية فرنسا وبريطانيا. وبدعم من الجمعية الإنجليزية اليهودية توالت عملية تأسيس مدارس الرابطة بالمغرب. كما أنشأ الإتحاد مدرستين مهنيتين لأبناء الفقراء الذين لم يستطيعوا متابعة دراستهم، كانت الأولى بطنجة سنة 1873 وفي تطوان سنة 1874، وأخرى خاصة بالبنات في تطوان سنة 1892، ثم أخرى مختلطة بالدار البيضاء سنة 1909. ظل البرنامج التعليمي محليا حتى سنة 1882 ففرضت اللجنة المركزية للإتحاد مقررا عاما يطبق في جميع مدارسها ويحتوي هذا البرنامج اللغة الفرنسية كلغة التدريس والتعامل داخل مدراس الإتحاد، وأيضا اللغة الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والرياضيات والفيزياء والكيمياء، بالإضافة إلى العبرية نحوا وتوراتا، والتاريخ المقدس، والتاريخ العام والجغرافيا، أما اللغة العربية فقد ظلت غائبة باستثناء فترات قصيرة[4]، هذا بالإضافة إلى مواد يضيفها المدرسون المحليون. كما تم وضع برنامج مهني من خمس سنوات يتلقى فيه المتعلم التعليم من عند أصحاب المهن، بالإضافة إلى دروس ليلية في مبادئ الرسم والحساب والهندسة والمحاسبة. أما البنات فيتعلمن الخياطة والطرز والزرابي وأعمال المنزل. أما المدرسين فإن الرابطة هي من تتكلف بتعيينهم عند تخرجهم من المدرسة اليهودية الشرقية بباريس، وأغلبهم من تركيا واليونان أسندت لهم مهمة تربية صغار ملاحات المغرب وتلقينهم اللغة الفرنسية وثقافتها.
مدارس الرابطة خلال فترة الحماية الفرنسية
رغم معارضة الأحبار اليهود ذوي التكوين التقليدي لإنشاء تلك المدارس فإنها استقطبت عددا مهما من التلاميذ اليهود، واستمر توسع شبكتها إلى أن بلغ عدها 28 مدرسة سنة 1914 ، استوعبت 5000 تلميذا وقد وصل عدد المدارس إلى نحو 46 مدرسة عام 1939 تضمّ 15761 طالب، ارتفع عددهم إلى 28 ألفاً عام 1952. وفي بعض المناطق، ولتجاوز حالة المعارضة التي وجهت به هذه المدارس من قبل اللأحبار حافظت هذه لمدراس على بعض المميزات المناطق التي أنشئت فيها؛ منها قيام المدرسين –وإن كانوا من ذوي التكوين العصري، بإعطاء مكانة للمواد الدينية واللغة العبرية ومنح حصص للأحبار لتدريسها، كما هو الشأن في منطقة سوس. ولم يكن التشدد الديني هو السبب الوحيد لمفسر لتكل المقاومة، بل يرجع الأمر أيضا إلى أن الآباء لا يستسيغون نمطا تعليميا لا يعكس واقعهم المعيش ولا تعكس الهوية الثقافية ليهود تلك المناطق[5]. بل واعتبر بعض شيوخ الطائفة المدرسة الحديثة “اش كله”، وهي عبارة عبرية تعني: نار كلها. كما اعتبروا هذه المدرسة طريق للنار[6].
وبسبب الضائقة المادية خلال الحرب العالمية الأولى، وفي أكتوبر 1915 وقعت الرابطة اتفاقية مع مصلحة التعليم العمومي التابعة للحماية الفرنسية، وسمحت لها بموجبها بفرض الوصاية على تلك المدارس، من خلال مراقبة برامجها وطرق تعليمها البيداغوجية واختيار المدرسين، مقابل تمويل المدرسين، وأطلقت عليها أسما جديدا وهو “المدارس الفرنسية – الإسرائيلية”. وقد أصبح الحاخامات ممنوعون من ارتياد هذه المدارس. ولأن تعليم “التاريخ التوراتي وما بعد التوراتي” لم يعد له عمليا مكان في المقررات الجديدة، ولأن التأطير التربوي أسند إلى غير اليهود (كويم)؛ وهم غرباء عن عقلية التلاميذ، فإن معارضة اليهود، يضاف إلى ذلك أن التلاميذ وعائلاتهم لم يستسيغوا كون التعليم الذي كانوا يتلقونه، لم يكن يهدف سوى إلى الرفع من وضعيتهم الجسدية والأخلاقية، ولا يؤهلهم إلى إلا لممارسة مهن بسيطة. كل ذلك حرض على معارضة شديدة في صفوف اليهود، الأمر الذي شجع الرابطة الإسرائيلية العالمية على حشد طاقاتها من جديد بهدف إعادة التفاوض بشأن اتفاق 1915. وقد نجحت في مسعاها سنة 1924 عندما وقعت اتفاقية جديدة مع مديرية التعليم العمومي يسمح لها بموجبها، باستعادة مراقبة جل المدارس الفرنسية – الإسرائيلية، ولم يكن ذلك فقط استجابة لضغوط الرابطة لكون لوعي سلطات الحماية للمأزق الذي يمكن أن يفضي إليه التعليم المعروف ب” النمط الفرنسي” في الأوساط اليهودية، إذ يمكن أن يؤدي تعميم هذا النمط من التعليم إلى مضاعفة حرج الإقامة العامة، إزاء مطالب التجنيس الفرنسي التي يرفعها اليهود خريجو هذه، وهو ما يتعارض مع إستراتيجية المحافظة على البنيات الاجتماعية[7]. يشار إلى أن الحماية نظمت التعليم في المغرب في ثلاثة أنماط: أوربي ، إسلامي، وإسرائيلي (يهودي). واستمر وجود هذه الأنماط إلى غاية 1961.[8]
مدراس الإتحاد بعد استقلال المغرب
ومع استقلال المغرب وهجرة اليهود المغاربة نحو فلسطين ومناطق أخرى عبر العالم، بدأت أعداد التلاميذ في الانخفاض بمدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية من 30123 عام 1959 إلى 13527 عام 1963الى 8054 عام 1968، كذلك قامت الحكومة المغربية، بدمج هذه المدارس في نظامها التعليمي الحكومي.
وحاليا تدير مندوبية الرابطة الإسرائيلية العالمية بالمغرب (الإتحاد – المغرب) أربعة مدارس تضم 640 تلميذ؛ بينهم 345 من أبناء المسلمين، 295 طفل يهودي. وتستقر كلها بمدينة الدار البيضاء، وكلها تتبع النمودج الفرنسي في التعليم أي نموذج التعليم الفرنسي بالمغرب، واعتماد اللغة الفرنسية لغة التدريس، مع إدماجها اللغة العربية ضمن مقرراتها ابتداء من السنوات الأولى للاستقلال. والمدارس الثانوية منها تؤهل للحصول على باكالوريا أكاديمية بوردو. و المدارس الأربعة هي:
- المدرسة العبرانية (Ecole Normale Hébraïque)، وتضم المستوى الإعدادي والثانوي، وتدرس بالإضافة إلى اللغة الفرنسية العبرية والعربية، الإنجليزية و الإسبانية.
- المدرسة الميمونية (Ecole Maimonide): وتضم المستوى الإعدادي والثانوي، وتدرس بالإضافة إلى اللغة الفرنسية العبرية والعربية، الإنجليزية و الإسبانية. وتستقبل إلى جانب التلاميذ اليهود تلاميذ مسلمين أيضا.
- مدرسة Ecole Y.D. Semach وهي روض للأطفال.
- مدرسة لوفن نارسيس (Ecole Narcisse Leven)، وهي مدرسة ابتدائية، وهي من المدارس التي تستقبل في صفوفها تلاميذ مسلمين أيضا. وهؤلاء يتابعون أيضا دروس اللغة العبرية، دون دروس التوراة، وذلك ابتداء من سنة 2000، حيث كان التلاميذ المسلمين يتابعون دروس في التوراة، وذلك بسبب الإشكالات التي يطرحها ذلك (الاختلاف في قضية التضحية بين إسحاق أو إسماعيل، الخوف من تهمة تهويد المسلمين).
المراجع
[1] لغمائد عبد الله، يهود منطقة سوس 1860-1960 دراسة في تاريخ المغرب الإجتماعي، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة 1، 2016، ص 235.[2] - شحلان أحمد، مرجع سابق، ص210.[3] لغمائد عبد الله، يهود منطقة سوس.....، مرجع سابق، ص 210.
[4] شحلان أحمد، مرجع سابق، ص211.
[5] نفسه ص 240.
[6] الزعفراني حاييم، ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب: تاريخ، ثقافة، دين، ترجمة أحمد شحلان وعبد الغني أبو العزم، دار الثقافة، ط1، 1987، الدار البيضاء، ص 16.
[7] كنبيب محمد، يهود المغرب، ص 54.
[8] لغمائد عبد الله، يهود منطقة سوس، ص 237.