صدر كتاب “الإيمان في الأديان الإبراهيمية.. دراسة مقارنة” ضمن منشورات دار رؤية للنشر والتوزيع بمصر، سنة 2020م للدكتور الحسن حما وقدم للكتاب الدكتور سامي محمود الإمام، أستاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر رحمه الله تعالى. ويقع الكتاب في 371 صفحة من القطع المتوسط.
ويندرج الكتاب ضمن البحوث المهتمة بسؤال عودة الدين في دائرة التدافع الثقافي والسياسي، وجعله أرضية الانطلاق لعدد من مراكز الأبحاث، سواء في الغرب أو في العالم العربي والإسلامي، والعودة إلى النظر في الدين والمقدس عموما؛ نقدا وتقويما، وتجديد آليات قراءته؛ عند النخب الدينية والإسلامية خاصة التي أسست مشروعها المجتمعي على مرجعية النص، أو من قبل نخب فكرية وثقافية ترى في المقدس عائقاً للتقدم والتنوير، ومن ثم السعي الحثيث إلى تقويض الإيمانيات.
ساعد في هذه العودة كذلك؛ انتشار حالة اللاتدين، وغطرسة الغرب الاستعمارية ورغبته في تعزيز مركزيته التي شكلت دافعاً قوياً لانبثاق عدد من الحركات الأصولية المتطرفة. ومن ثمة ظهور الصراع بين منظومة تسعى إلى إزالة الدين والتدين في الاجتماع والسياسية والاقتصاد والحياة بشكل عام -وفي أحسن الأحوال الدعوة إلى تدين ودين على مقاس حركية السياسي والاجتماعي-؛ وجهة أخرى ترى في الدين مرجعاً ومؤسساً للتشريع والاجتماع والسياسية و الاقتصاد بل تعتبره القادر على إعادة الاعتبار للمجتمع في الحالة الإسلامية، وصنف ثالث ينظر إلى الدين من خلال إجابته على حاجة الإنسان الروحية والاجتماعية، لكنه يعطي له من الحرية ما يدبر به شأنه الاقتصادي والسياسي… تبعاً لهذه العودة انبثق سؤال مقاربتنا لموضوع الإيمان، والنظر في أثره على حياة الأفراد ضمن سياق ثقافي سياسي متسم بالدينامية والتحول بشكل كبير. الكل يتجه فيه إلى الخطاب الديني والعمل على إعادة قراءته ضمن الإطار المرجعي لكل باحث ومؤمن..
لهذا يُنظرُ إلى البحث في موضوع “الأدوار الاجتماعية للإيمان”، بأنه يوحي بذاته إلى البحث عن علاقة الإيمان بالإنسان؛ وذلك هو جوهر الخطاب الديني التوحيدي، توجيه السلوك الإنساني في الواقع بعد أن يستقر الإيمان في النفوس. خاصة في المجال التداولي لنصوص الأديان الكتابية الإبراهيمية، إذ لكل منها أنموذج إدراكي في توجيه عموم المؤمنين إلى الإيمان بحثاً عن عالم آخر مخالف لعالم الإنسان الذي يكتنفه الشقاء والخطايا، عالم يجد فيه الإنسان ما افتقده في الحداثة التي حققت له كل الإمكانات المادية والاقتصادية، وعجزت عن اقناعه بمشروعها ورؤيتها في الجانب الروحي، هذا الأمر يعيدنا بشكل آخر إلى السؤال عن دوائر المشترك والالتقاء بين هذه الأديان في إيمانها، ومقدرتها التفسيرية في الانتقال بالإنسان إلى مستوى إنساني متجاوز إلى لغة الدمار والقتل والغزو والتطرف والاقصاء التي أصبحت سمة عامة لما نشهده في وسائل الإعلام.
الأمر الذي شغل هذه الدراسة ورامت توضحيه في سياقات دينية واجتماعية، وثقافية، متصلة بمستويات التعايش الإنساني الممكنة، إذ غاية الإنسان الأسمى دوماً بحثه المستمر عن الأمن الروحي والاجتماعي، والثقافي والسياسي والاقتصادي، واتخاذه معتقدات وطقوس في مراحل مختلفة من تدينه ظناً منه أنها تقيه الشر وغضب الطبيعة، وشهد هذا تطوراً في مسار بحثه عن إيمان يقربه أكثر من العالم الغيبي، لذلك كان الدين والتدين –ومازال- جزءً مهما في حياة الإنسان يصعب انتزاعه رغم كل المحاولات والمشاريع التي تهدف إلى استبعاد الدين واقصاءه من دائرة التدافع الاجتماعي والثقافي.
لقد شكل الإيمان بمعناه العام وبإطلاقه، منطلق العديد من الدراسات والأبحاث سواء في اليهودية أو المسيحية و الإسلامية، إلا أن هذه الدراسة تنفرد بمقاربة تستدعي مفهوم الإيمان لا بشكل تقريري لاهوتي لجملة من العقائد التي تشكل الإيمان بدين من الأديان المدروسة، أو بمنهج نقدي تقويضي؛ إنما غاية هذه الدراسة الكشف عن الدوائر المغيبة في النصوص الثلاثة من جهة أولى، ومحاولة البحث عن تجليات الإيمان الاجتماعية من جهة ثانية، وفلسفتها في كل أنموذج من خلال جملة من المفاهيم الدينية سعيا لإبراز دور العقيدة من خلال مفهوم «الإيمان» في البناء الاجتماعي لجماعة المؤمنين.
لهذا جاءت محاور هذا العمل موزعة على خمسة فصول؛ الفصل الأول مخصصلدراسة مفهوم “الإيمان” في الأديان الإبراهيمية؛ حيث تقتضي المنهجية تحديداً مفاهيمياً للفظ المدروس وبيان بنيته الدلالية في المجال التداولي للأديان، بما يتيح فهم واستيعاب المفهوم والتمييز بين التأسيس النصي والتداول التاريخي.
وجاء الفصل الثاني معنوناً بـ “الدين والإيمان في المجتمع” نهدف من خلاله إلى دراسة أشكال العلاقة بين الدين والدراسة الاجتماعية، وعلاقة الإيمان بها، ويعد هذا الفصل مقدمة نظرية مؤسسة لرؤية البحث أي ابراز أنماط العلاقة بين الاشتغال على نصوص الأديان الكتابية وما تقدمه الدراسة الاجتماعية في مقاربتها للدين، إلا أن هذا العمل وإن كان يوظف السوسيولوجيا الدينية ويشتغل بمفاهيمها؛ فإنه في نفس الوقت يستقل بالتوظيف المنهجي للمفاهيم وآليات النقد وقراءة النصوص. ويستفيد من متاحات المداخل المعرفية الأخرى بما ينسجم مع موضوع الدراسة ويخدم أغراضها التفسيرية.
أما الفصل الثالث المعنون بـ :”تجليات الإيمان السلوكية بحث في رموزه الاجتماعية عند الأديان الثلاثة” فيقدم نماذج تطبيقية لمظاهر اجتماعية يتشكل من خلالها الإيمان الديني التوحيدي، عبر حزمة مفاهيم ومؤسسات اجتماعية، الأمر الذي مكننا من تحديد نماذج من الدلالات الاجتماعية الممكنة للإيمان في نصوص الأديان السماوية، وتحديد بعض التقاطعات الممكنة مع قضايا العقيدة (الإيمان).
ويعنى هذا الفصل بالكشف عن جانب من تلك التجليات في شكل ما نسميه بالرموز الاجتماعية (الايمان بالطقوس الكتابية، جماعة المؤمنين، الكنيسة…).
أما الفصل الرابع؛ المعنون بـ “الإيمان بالأنبياء والكتب المقدسة وأبعاده القيمية في الأديان الإبراهيمية”؛ فإنه يهدف إلى تقديم قراءة عن تجليات الإيمان بالأنبياء عليهم السلام والكتب السماوية، والانتقال من المقاربة الكلامية لموضوعات العقيدة إلى مستوى إدراكها على الصعيد الاجتماعي من خلال ما تقدمه النصوص الدينية، وابراز وظيفة الإيمان بالأنبياء والكتب السماوية، ودورها في البناء الاجتماعي.
وجاء الفصل الخامس من هذا العمل بعنوان: “إيمان الأديان الإبراهيمية في ميزان الواقع المعاصر”؛ نهدف من خلاله تقديم قراءة تقيمية لإيمان الأديان الكتابية من خلال معطيات الواقع وتحدياته السياسية والاجتماعية، التي تكشف عن تحولات مهمة في اتجاه استثمار المقدس الإيماني التوحيدي، ومقدرته في تحقيق الأمن الاجتماعي، الأمر يسمح بفهم تحولات الخطاب الديني المعاصر عن بعض القضايا أفرزتها الأحداث السياسية في الوطن العربي..
وتنفرد هذه الدراسة بمقاربة تستدعي مفهوم الإيمان لا بشكل تقريري لاهوتي لجملة من العقائد التي تشكل الإيمان بدين من الأديان المدروسة، أو بمنهج نقدي تقويضي؛ إنما غاية هذه الدراسة الكشف عن الدوائر المغيبة في النصوص الثلاثة من جهة أولى، ومحاولة البحث عن تجليات الإيمان الاجتماعية من جهة ثانية، وفلسفتها في كل أنموذج من خلال جملة من المفاهيم الدينية سعيا لإبراز دور العقيدة من خلال مفهوم «الإيمان» في البناء الاجتماعي لجماعة المؤمنين.
وتهدف إلى تلمّس مدى حضور المعطي الاجتماعي في الإيمان العقدي بالأديان الكتابية بغرض البحث عن علاقة تكشف عن الروابط والصلات التي تؤسس من خلالها نصوص (العهدين العتيق والجديد والقرآن المجيد) لمفاهيم اجتماعية ترشد جماعة المؤمنين وتنظم أمورها، وهذا يعكس زاوية أخرى للإيمان الذي يجمع بين ارتباط الإنسان بالمفاهيم الغيبية في العقيدة وبين مفاهيم إنسانية جديدة، من خلال التعبير عن هذا الإيمان في مجالات اجتماعية يتحول معها إلى سلوك ومفاهيم اجتماعية، ثقافية وسياسية.
ويقدم القرآن الكريم هذه الحقيقة في صورة تؤكد على أن الإيمان الحق هو الذي يُحدث أثراً له على الصعيد الاجتماعي، كالزكاة والانفاق على الغير والوفاء بالعهود، والتضامن الاجتماعي في صوره المختلفة..)، كما ذُكِر في غير موضع.
وقد خلص الكتاب إلى أن الوصول إلى هذه الغاية الحميدة, على المستوى الإسلامي، يعيدنا مباشرة إلى منهج تناول قضايا الفكر الكلامي، بالشكل الذي يجعلها أكثر ارتباطاً بالحياة الاجتماعية والواقع الإنساني، مهتديًا في هذا المسعى بالمنهج القرآني في بناء خطابه على أصول الواقع الكوني والإنساني لا كما نحت حلول اللاهوت المسيحي والتفكير الميتافيزيقي القديم، في التصدّي للإشكالات الدينية المعاصرة.