مقدمة

كانت مدينة الصويرة المغربية على المحيط الأطلسي، موطن ولادة المؤرخ والمفكر المغربي حاييم الزعفراني الذي يعتبر واحدا من أشهر المؤرخين والكتاب اليهود المغاربة في القرن العشرين. والمدينة مشهورة بكونها كانت مستقرا وموطنا لعدد مهم وكبير من العائلات اليهودية وخاصة العائلات التي تتخذ من التجارة الدولية مهنة لها. في هذا الوسط اليهودي النشط تجاريا وفكريا ولد ونشأ مترجمنا حاييم الزعفراني، الذي أصبح من أهم المثقفين اليهود المغاربة الذين تخصصوا في تاريخ الجماعات اليهودية في المغربية والغرب الإسلامي وفي العالم الإسلامي بصفة عامة. ولأن المجتمع الصويري تميز بالتناغم والتعايش بين المكون المسلم واليهودي فإن هذا الجو الفكري والثقافي جعل من الزعفراني، وفي حالة فريدة بين أبناء عقيدته، واحدا ممن “اعتبروا الثقافة الإسلامية والفكر العربي مكونين من مكونات الثقافة اليهودية، فزاوج في تكوينه بين التعليم العصري الحديث من جهة، والثقافة التقليدية اليهودية والعربية الإسلامية من جهة أخرى”.[1] وقد انعكست بشكل جلي هذه القناعة على أعماله واهتماماته العلمية والفكرية؛ آخذا على عاتقه مهمة إحياء التراث اليهودي المغربي والأندلسي على جميع المستويات التاريخية والثقافية والإجتماعية والدينية، وقد أهله تكوينه العلمي الرصين وإتقانه لعدة لغات أن ينجز مهمته بشكل مثير للإعجاب.

ولادته ونشأته

ينتمي حاييم الزعفراني إلى أسرة زعفراني المعروفة في مدينة الصويرة المغربية، والتي كانت تكنى – حسب المترجم له- أصلا ب “القايم”، ووقع في تاريخ ما أن كان أطفال العائلة الذكور يموتون بعد أن يولدوا. فأشار أحد الربيين بأن تبلل كسوة المولود في الماء المخلوط بالزعفران ليلة الختان، فانقطع مذ ذاك الوقت هذا المقدور الذي كان يحصد أرواح الأطفال، فتسمت العائلة بهذه الكنية. وقد ذكرت الكنية للمرة الأولى عند M/ Steinschneider  الذي أورد اسم موسى الزعفراني الذي عاش في النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي وكان يلقب بالتفليسي، وقد ولد في بغداد واستقر في مدينة تِفليس التي كانت إذ ذاك مدينة أرمينية، وأنشأ بها مذهب “القرائين”. وقد كانت كثير من الأسر اليهودية في حوض البحر الأبيض المتوسط تكنى بهذه الكنية.[2]

ولد حاييم الزعفراني بمدينة الصويرة يوم 10 يونيو سنة 1922م. وبعد أربع سنوات من ولادته توفي والده فاعتنى بتنشئته جديه تنشئة يهودية تقليدية. وفي سنة 1938 التحق بالمدرسة العليا اليهودية بباريس الفرنسية، لكن انفجار معارك الحرب العلمية الثانية اضطره إلى العودة إلى الصويرة بالمغرب. كما تابع دراسته بمدينة الدار البيضاء في القانون واللغة العربية. كما حصل على شهادة دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية وشهادة الدكتوراه في الدراسات الشرقية. كما حصل على دبلوم في اللغة العربية في الرباط، إلى جانب زميله وصديقه عبد السلام ياسين مؤسس جماعة العدل والإحسان فيما بعد، حيث كانا من أوائل المبرزين في المغرب في اللغة العربية في فترة الحماية الفرنسية بالمغرب. وحصل أيضا دبلوم في اللغة العبرية من جامعة القدس بفلسطين المحتلة. ونال شهادة الإجازة في القانون والإقتصاد.

الوظائف والمسؤوليات

اشتغل حاييم الزعفراني في بداية مساره الوظيفي كمعلم في مدرسة تابعة للإتحاد الإسرائيلي (اتحاد المغرب) بمدينة الصويرة وذلك سنة 1939، وهو لم يتجاوز بعد سن السابعة عشر من عمره، وذلك قبل أن يشتغل أيضا مفتشا لمادة اللغة العربية بمدارس الإتحاد الإسرائيلي بالدار البيضاء. كما سبق له أن عمل كمدرس في إحدى المدارس المهنية بنفس المدينة. وتحمل مسؤولية إدارة إحدى مدارس الرابطة الإسرائيلية بمدينة بجعد (أبي الجعد).

وبعد استقلال المغرب عين مفتشا عاما للغة العربية، وعضوا باللجنة الملكية لإصلاح التعليم. كما شارك سنة 1959 بتأليف أحد المقررات الدراسية للتربية المدنية موجه للمدارس الإبتدائية العمومية. وفي سنة 1962 شغل كرسي اللغة العبرية بالمدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية بباريس. وفي سنة 1969 عين في منصب أستاذ فخري بجامعة باريس الثامنة مترئسا شعبة اللغة العبرية الحضارة اليهودية. كما اشتغل بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS) 1970، وباحثا في اللسانيات العبرية والعربية والأمازيغية، وفي الفكر والآداب اليهودية، ومحاضرا في عددا من الجامعات الأوربية والأمريكية وفي آسيا، وخبيرا باللجة الوطنية الفرنسية، وعين أيضا عضوا مراسلا بأكاديمية المملكة المغربية ابتداء من سنة 1991 إلى حين وفاته يوم 31 مارس 2004 بمدينة باريس الفرنسية.

التكريمات والأوسمة

حصل الزعفراني على عدد من الجوائز والتكريمات العلمية والأوسمة التقديرية سواء في المغرب أو خارجه:

  • الوسام العلوي بدرجة ضابط من طرف الملك الراحل الحسن الثاني عام 1997.
  • جائزة Irving and Bertha Neuman Distinguished Scholar Award (1982-1983)
  • جائزة Yad Yitzhak Ben-Zvi (1985)
  • جائزة Grand atlas (1999)
  • جائزة المغرب عام 2001.

أعماله والعلمية الفكرية

ألف حاييم الزعفراني أبحاث ودراسات عدة شملت كتبا بلغت 15 كتابا، وعددا كبير من المقالات العلمية المنشورة في عدد من المنابر الأكاديمية. وقد تناول في أباحاثه ودراساته موضوعات علمية متنوعة سواء في التاريخ اليهودي أو في قضايا الشريعة والقانون اليهوديين، والتعليم والحكاية، والأدب العبري، والقبالة (التصوف اليهودي).. وقد أصدر أغلب تلك المؤلفات والأبحاث باللغة الفرنسية؛[3]

الكتب:
  • الوضع القانوني للمرأة اليهودية بالمغرب (1952).
  • التربية والتعليم اليهوديين في بلاد الإسلام (1969)
  • يهود المغرب، الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية، دراسة في الفتاوى والنوازل (1972)
  • الشعر اليهودي في الغرب الإسلامي (1977)
  • الأدب العامي والشعبي اليهودي في الغرب الإسلامي (1980)
  • ألف عام من حياة اليهود في المغرب (1983)
  • القبالا حياة تصوف وسحر (1986)
  • يهود الأندلس والمغرب (1996)
  • الأخلاق والتصوف (في الموروث اليهودي) (1991)
  • ألفا عام من حياة اليهود في المغرب (1998)
الدراسات:
  • فكر تشريعي ومحيط اجتماعي واقتصادي.
  • دراسات وأبحاث حول أدب يهود المغرب المكتوب والشفاهي.
  • الوعي الشعري اليهودي بالغرب الإسلامي.
  • العلاقات اليهودية الإسلامية في الأدب التشريعي.
  • آداب شفاهية ومكتوبة ذات تعبير لهجي في المجتمعات اليهودية بالغرب الإسلامي.
  • تاريخية المحيط الثقافي واليهودي المغاربي.
  • اليهود الأمازيغ بالمغرب.
المراجع
[1]  الزعفراني حاييم، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، ج1، منشورات مرسم، 2000، الرباط، ص 08.
[2] الزعفراني حاييم، يهود الأندلس والمغرب، ترجمة أحمد شحلان، ج2، مرجع سابق، ص 343-344.
[3] أنظر: شرماط عبد السلام، يهود المغرب في كتابات حاييم الزعفراني، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 2021، ص 19-21.