بين يدي “الرسائل”

“رسائل السجن”؛ هي رسائل المناضل والأديب ابن باب تازة إقليم الشاون عبد القادر الشاوي إلى الأديبة خناتة بنونة، اعتنى بها وأعدها الكاتب والروائي والناقد مولاي أحمد صبير الإدريسي، وهي من منشورات “الموجة”، وهي رسائل  تنضاف إلى رسائل عدة لفلاسفة ومثقفين ومفكرين وزعماء سياسيين وقادة عسكرين وأدباء شعراء متفننين وعاشقين ولهين، أغنت الساحة الثقافية وراكمت رصيدا معرفيا امتد في الزمان والمكان. فما الذي اشتملت عليه، وما السر الذي بين ثناياها، لاسيما أنها رسائل بين نقيضين يساري ويمينية في تصور عدد من الكتابات والحوارات.؟

في تقديمه لهذه الرسائل والاعتناء بها يؤكد مولاي أحمد صبير الإدريسي أن “الرسالة كانت ولا تزال دفقة شعورية طافحة بالحنين، مثخنة بالشوق لا يحدها زمان، ولا تحجبها مسافة ولا تغلها أسوار. تطير مثل فراشة ربيعية متفلتة من الضيق والضنى، تنشد أريج الحرية، وتحمل تباريح الشوق والحنين إلى اللقاء، فتأتي صوتا ضاجا بالأمل، يحمل البشرى، ويفصح عما يجيش بالدواخل، فإذا بالكلمات دافئة تمسح عن القلب الكسيح بعض تباريح العزلة والحزن والألم والمنفى والغربة والأسر والوحدة والبعاد والرتابة والتمزق والتلف والضياع” (الكتاب ص 5).

والأهم بالنسبة لمولاي أحمد صبير الإدريسي هو كم تحمل هذه الرسالة بين ثناياها من أسباب الحياة المفعمة بالشهود على اللحظة، وكم فيها من العبارات الشامخات المنتصبات لفضح جوانب مظلمة مقفرة محرقة مقرفة حد الموت، حد العدم، وأخرى مشرقة متلألئة مضيئة حد الأمل والحياة.

“ولعل الاعتناء برسائل عبد القادر الشاوي إلى خناثة بنونة، وبعثها من رماد قد يشكل إضافة نوعية، ولبنة أساسية إلى هذا الصرح المزهر المورد، نظرا لما تزخر  به من بوح، وتطفح به من مواقف ذات صلة بتفاصيل دقيقة تهم واقعا سياسيا وثقافيا واجتماعيا ينتمي إلى مرحلة زمنية حارقة من تاريخ المغرب المعاصر امتدت على مدى ما يقرب من عقدين، حيث اتسعت هذه الرسائل للشهود على هذه الفترة التي لم تتسع لها نصوص إبداعية إلا لاحقا، ولم تطلع على بعض تفاصيلها إلا بعد طي صفحتها زمن ما بعد الإنصاف والمصالح” (الكتاب ص 6).

“وإن مما يميز هذه الرسائل عن غيرها أنها جمعت قامتين تعالى انتماؤهما الثقافي على انتمائهما الإيديولوجي والسياسي… مما يؤكد مرة أخرى قدرة الثقافة على الجمع بين النقيضين والضدين، حتى تخالهما شبيهين ونظيرين. ولا تفسير لهذا السحر إلا بما قاله الراحل محمد بدران كون الرسائل الشخصية هي روح المرء السافرة ومرآة قلبه الصادقة. ينعكس عليها ما يدور بخلده وما يخفيه في قرارة نفسه فيظهر فيها واضحاً على حقيقته غير مشوه” (الكتاب ص 7).

محتويات الكتاب

طرفي الرسائل:
  • الطرف الأول: عبد القادر الشاوي: من مواليد باب تازة / إقليم الشاون سنة 1950م، حصل على البكالوريا 1968م، خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تخصص فلسفة، عمل أستاذا، وتعرض للاعتقال في يناير 1970 وحكم عليه ب 20 سنة سجنا قضى منها 15 سنة. بدأ الكتابة صغيرا، اشتهر عبد القادر الشاوي روائيا حيث صدر له فضلا عن «كان وأخواتها”، “سلطة الواقعية”، دمشق، اتحاد الأدباء العرب 1981م، “النص العضوي”، البيضاء، دار النشر المغربية 1982م، “السلفية والوطنية”، بيروت، مؤسسة الأبحاث الجامعية 1985م، رواية  “كان وأخواتها”، البيضاء، دار النشر المغربية 1986م، “دليل العنفوان: تخييل ذاتي”، البيضاء، منشورات الفنك 1989م، “حزب الاستقلال”، البيضاء، منشورات عيون 1990م، “اليسار في المغرب”، الرباط، منشورات على الأقل 1992م، رواية “باب تازة”، الرباط، منشورات الموجة 1994م، تقرير “الشيطان والزوبعة قضية العميد ثابت في الصحافة”، الرباط، منشورات الموجة 1995م، الذات والسيرة (الزاوية) للتهامي الوزاني”، الرباط، منشورات الموجة 1996م، “التخلف والنهضة”، منشورات الموجة 1997 م، “فناء الشرف، بقلم إجناسيو فيراندو”، كوروم، قادس 2005م، “الكتابة والوجود”، منشورات إفريقيا الشرق 2000م، “إشكالية الرؤية السردية” 2002م، “الحوارات” منشورات الموجة 2002م، “المتكلم في النص”، منشورات الموجة 2003م… فضلا عن إسهامات في الترجمة، وله أيضا كتابات باللغة الإسبانية.
  • الطرف الثاني: خناتة بنونة: أديبة وروائية مغربية وصاحبة مسار أدبي وإبداعي وإنساني غني، من مواليد مدينة فاس بتاريخ 24 شتنبر 1940، استكملت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها، ثم حصلت فيما بعد على شهادة البكالوريا لتلتحق بالمعهد العراقي العالي وتتخرج منه بعد ثلاث سنوات. اشتغلت بالتدريس ب”ثانوية بنكيران” بمدينة فاس، ثم التحقت بالدار البيضاء مديرة لثانوية «ولادة» سنة 1968 وبها أنهت مسارها المهني إلى أن أحيلت على التقاعد خلال سبعينيات القرن الماضي. ارتبط اسمها بالزعيم المغربي علال الفاسي الذي حماها من الزواج المبكر، وفتح عينيها على الانخراط في معترك الحياة الثقافية والسياسية منذ مطلع الستينيات بعد أن آمن بقدراتها ومواهبها، وقال فيها كلمته الشهيرة: «هذه بنتي وبنت المغرب». شكلت خناتة بنونة استثناء في جيلها، حيث عاشت مسكونة بالقضايا الوطنية والقومية، وانخرطت مبكرا في مناصرة قضايا عربية وإسلامية وإنسانية عادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي راكمت فيها مواقف خالدة تنم عن وعي نضالي متميز وحس قومي ملفت منذ أن تبرعت بجائزة الكتاب المغربي وريع روايتها النار والاختيار أواخر الستينيات لفائدة منظمة التحرير الفلسطينية تتوالى مواقف الدعم على مدي خمسين سنة كان آخرها تبرعها بالقيمة المالية – جائزة القدس» التي حصلت عليها عام 2013 في سلطنة عُمان لـ «بيت مال القدس» قائلة: «مال» القدس يرجع إلى القدس.

من مؤلفاتها: “ليسقط الصمت” عام 1967؛ وهي أول مجموعة قصصية نسائية في المغربية – “النار والاختيار” عام 1969، وهي أول رواية نسائية في المغرب، وقد وقررت وزارة التربية الوطنية بالمغرب تدريسها في السلك الثانوي مدة طويلة – “الصورة والصوت” عام 1975-  راية “الغد والغضب” عام 1984؛ وطبعت عدة مرات فى المغرب والعراق – “الصمت الناطق”؛ وهي مجموعة قصصية عام 1987م- المجموعة القصصية: “العاصفة”- المجموعة القصصية: “الحب الرسمي” عام 2006 م.  وفي عام 2008 صدر لها عن وزارة الثقافة “الأعمال الكاملة». كما كانت  بعض أعمالها موضوع أطروحات جامعية في المغرب والمشرق.

وتضمن الكتاب، بالإضافة إل التقديم وترجمة طرفي الرسائل:  عبد القادر الشاوي وخناتة بنونة، المحاور الآتية:

  • رسائل 1976و رسائل 1981، بالإضافة،
  • رسائل بدون تاريخ،
  • ملحق حول مذكرات عبد اللطيف اللعب،
  • يوم الاعتقال قبل غده،
  • قصيدة الدار البيضاء لمحمد الأشعري
  • رسوم.

خاتمة

وإذ تقدم هذه الرسائل للقارئ، فإن معدها يأمل أن تستتبعها شهادات ودراسات ومناقشات المهتمين وباحثين أو تعليقات ممن وردت أسماؤهم في ثناياها أو من أولئك الذين عايشوا لحظة من لحظاتها وذلك من أجل مقاربة هذه الإضافة النوعية في صرح ” فن / جنس الرسائل” والنبش من جديد في بعض تفاصيل المرحلة التي غطتها هذه الرسائل، والوقوف عند متنها الطافح بالمشاعر والمواقف ذات الصلة بفضاء السجن وواقع المجتمع وبنية الدولة (الكتاب ص 7).