المحتويات
توطئة
ارتبط المغاربة منذ القدم بدعم قضايا الأمم الأخرى ببعد إنساني وكوني متميز، أبان عن حس وروح متفردة في الاهتمام بقضايا البشرية من منطلق حق الآدمية، مصداقا لقوله تعالى: ”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. وتعد القضية الفلسطينية مرتكز القضايا، وتحتل مكانة عالية في الوجدان المغربي إلى جانب القضية الوطنية الوحدة الترابية للمغرب. وقد تميز المغرب بدعم الشعب الفلسطيني ملوكا وشعبا، وسجل بمداد الفخر جهاده وانتصاره لفلسطين والقدس. وتشكل القضية الفلسطينية نقطة التقاء واتفاق عند المغاربة مهما اختلفت الإيديولوجيات، حيث ارتبط المغرب بفلسطين منذ دخول الإسلام في المغرب في القرن الثاني الهجري، إذ كان المغاربة يتوجهون إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ثم يقصدون بلاد الشام لزيارة بيت المقدس نظرا لمكانتها الدينية. وقد حظيت قضية فلسطين باهتمام كبير من المغاربة، الذين كانوا ينظرون إليها كقضية دينية، قبل أن تكون سياسية، وقضية جهاد مقدس لحماية المقدسات، قبل أن تتحول إلى “قضية وطنية” في أدبيات التيارات السياسية الوطنية والإسلامية المغربية، مما جعل منها قضية إجماع مؤكد لدى الشعب المغربي.
وقد اهتم بها الكتاب المغاربة وجعلوها ضمن أولى أولوياتهم. ويعد كتاب “فلسطين.. قضية وطنية”، الذي صدر عن “دار الملتقى” من أهمها في عصرنا الحالي، حيث وثّق كتابات ومواقف أعلام من قبيل: علال الفاسي، المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بنجلون، أبراهام السرفاتي، عبد الله العروي، عزيز بلال، إدمون عمران المالح، عبد الكبير الخطيبي، أحمد المجاطي، جاكوب كوهين، محمد بوعبيد حمامة، إسماعيل العلوي، جمال بلخضر، لحسن أيوبي، عبد الإله بلقزيز، عبد الإله المنصوري، مصطفى الغديري، أحمد الجوماري، عبد السلام بوحجر، وسيون أسيدون. هذا العمل، الذي أعدّه الباحث عبد الصمد بلكبير والذي خصَّص ريعه لدعم القضية الفلسطينية، حضرت فيه نصوص وشهادات وحوارات ووثائق؛ من بينها ديباجة استنجاد صلاح الدين الأيوبي بالسلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، وتوقيف حي المغاربة بالقدس، ونص وثيقة وقف المصمودي المغربي دُورَه بحارة المغاربة.
مضامين الكتاب
إن اهتمام أبو بكر القادري بالقضية الفلسطينية نابع من إيمانه بمكانتها في عقيدة المسلمين باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين. وكان بعض علماء المغرب يمكثون بالقدس الشريف الأيام والأعوام والسنين أمثال العلامة أبي بكر الطرطوشي، وابن الكازروني، والإمام ابن العربي المعافري وغيرهم. وأثناء الحروب الصليبية طلب السلطان صلاح الدين الأيوبي من السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يعينه بالأساطيل المغربية لمنازلة «عكا» و «صور» و «طرابلس الشام» التي كانت محاصرة من الصليبيين، وذلك سنة 586 هـ/1190-1191م وذلك بعد موقعة حطين، وفتح بيت المقدس. وكان على رأس البعثة التي جاءت من الشرق إلى المغرب لطلب المساعدة قائد الجيش أبو الحارث عبد الرحمان بن منقذ الشيزري الذي استقبل من طرف السلطان أبي يعقوب بفاس حيث سلم رسالة صلاح الدين إلى سلطان المغرب كانت نتيجتها معونة مغربية تقدر بمائة وثمانين أسطولا.
وقد أرخ المؤلف لعلاقة المغاربة بالقدس الشريف في كتابه الذي يقع في 463 صفحة وصدر عن مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، سنة 1989م. وقد ووقف على أشهر أوقاف المغاربة ومنها وقف أبي مدين الواقع في حي البراق الشريف، كما أسست مدرسة خاصة بهم سميت بالمدرسة المالكية باعتبار أن المغاربة يتمذهبون بمذهب الإمام مالك بن أنس، وتحدث عن هذه المدرسة كثير من المؤرخين والرحالة، وهناك وقف ثالث أوقفه السلطان أبو الحسن المريني سنة 738هـ حيث خصص ستة عشر ألفا وخمسمائة دينار ذهبي لشراء الرباع في القدس الشريف والحرمين الشريفين بمكة والمدينة. ولتكاثر المغاربة بالقدس الشريف، صاروا يشترون العقارات ويبنون المباني، ويوقفون الأوقاف حتى أصبح بالقدس رواق المغاربة بقي صامدا إلى أن اعتدى عليه الصهاينة في العهد الأخير. ولا أدل على تعلق المغاربة بالبقاع المقدسة من الزيارات المتعددة، إلى إقامة دائمة وجوار، إلى تحبيس للأوقاف سواء في المغرب أو في الأماكن المقدسة نفسها، إلى كتابة المصاحف الكبيرة بخط أيديهم وجعلها في خزائن المساجد الثلاثة المذكورة. وحتى الملوك المغاربة أنفسهم، كانوا يكتبون المصاحف القرآنية بخط أيديهم أحيانا أو يأمرون أصحاب الخطوط الجميلة بكتابتها لجعلها في خزائن بيوت الله كعنوان على تمسكهم بالقرآن وخضوعهم لأحكامه، وارتباطهم بأماكن الوحي المقدسة (مقدمة الكتاب ص 8).
وقد أرخ أبو بكر لاحتجاجات المغاربة واستنكارهم للاعتداءات المتكررة للغاصبين الصهاينة. فلما أقدم اليهود سنة 1929م بانتهاكهم لحرمة أرض البراق الشريف التي تقع في حي المغاربة، قام الشعب الفلسطيني الأبي يستنكر ويحتج هذا الإعتداء، وتوالت المظاهرات والاحتجاجات التي كان يتزعمها المفتي الأكبر سماحة الحاج أمين الحسيني رحمه الله. وبمجرد ما وصل الخبر إلى المغرب، قام الشباب الوطني بواجبه في استنكار فعلة اليهود الشنيعة، وقدمت عرائض احتجاج للقنصل البريطاني، كما جمعت اكتتابات لفائدة المنكوبين والشهداء. وعندما دعا الحاج أمين الحسيني لعقد مؤتمر إسلامي بالقدس ينظر في قضية المشكل الفلسطيني الذي خلقه الأنجليز بإعطائهم وعدا لليهود كي يؤسسوا وطنا قوميا لليهود في فلسطين، قرر رجال الحركة الوطنية أن يساهموا فيه، فحضره ثلاثة شخصيات مرموقة من رجال الوطنية والعلم ليعبروا عن تضامن الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني وكان ذلك في سنة 1931م. وفي سنة 1933م لبى المغاربة النداء الذي وجهه رئيس مكتب المؤتمر الإسلامي الدائم بالقدس لإقامة صلاة الغائب على روح المجاهد السيد أحمد السنوسي فأدى المغاربة ومعهم المؤلف صلاة الغائب بالمسجد الأعظم بمدينة سلا رغم العراقيل والتهديدات التي لاقوها من السلطة الإستعمارية. وعندما عزمت السلطات الإنجليزية على تقسيم البلاد الفلسطينية سنة 1937م بين الإنكليز واليهود والعرب تنفيذا لقرار اللجنة الملكية البريطانية، قام الكاتب بمعية المناضلين المغاربة بواجب التضامن مع إخواننا عرب فلسطين، رافضين فكرة التقسيم من الأساس ومعبرين عن تضامنهم مع إخوانهم بكتابة العرائض الإحتجاجية إلى السلطات الإنجليزية ملبين النداء الذي بلغهم من إخوانهم عرب فلسطين، ونظموا اجتماعات بالمساجد، خطبوا فيها منددين بما تقوم به سلطات الاستعمار الإنجليزي، وتآمرها مع اليهود، ومؤكدين لإخوانهم برسائل بعثوها لهم تضامنهم المطلق معهم، واستنكارهم الشديد للمخططات الإنكليزية الصهيونية. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939م) واتخاذ المنتظم الدولي قرارا بتقسيم فلسطين سنة 1947م، تضامن المجاهد الكبير أبو بكر القادري مع الشعب الفلسطيني، واعتبر ذلك القرار جائرا ومرفوضا فعقدوا الاجتماعات التظاهرية وألقوا الخطب وكتبوا المناشير، واهتمت الحركة الوطنية على اختلاف اتجاهاتها أيما اهتمام بهذا الموضوع الخطير وزاد موقفهم صلابة وتأييدا ما قام بها الملك الصالح سيدي محمد الخامس نور الله ضريحه من احتجاج ضد قرار التقسيم ورفضه الإعتراف بالكيان الصهيوني (مقدمة الكتاب ص 11/10). كما قام أعضاء حزب الاستقلال بحملة اكتتابات لفائدة القضية الفلسطينية، وبالفعل نظمت لجان في مختلف الأقاليم المغربية لجمع التبرعات من مختلف الطبقات الشعبية وأظهرت المرأة المغربية من الحماس والسخاء ما يسجل لها بصفحات من ذهب. وتعرض للدور البطولي الذي قام به الملك محمد الخامس الصالح مفتي فلسطين سماحة الحاج أمين الحسيني الذي كان مسجونا بعد الحرب العظمى بفرنسا وخطابه رحمه الله للجنرال دوغول في موضوع براءته مما نسب إليه من تعاون مع دول المحور (مقدمة الكتاب ص 14/13). ولما تأسست منظمة «فتح» المجاهدة وأطلقت رصاصتها الأولى في فاتح يناير 1965م، لقد صادف الحال في ذلك الوقت أن عقد اجتماع للمجلس الوطني لحزب الإستقلال فتقرر فيه باقتراح من المرحوم الرئيس علال الفاسي أن يوجه برقية تأييد وتضامن لجماعة «فتح» المجاهدة، فكانت أول برقية تأييدية تصل إلى أبي عمار من البلدان العربية (مقدمة الكتاب ص 13).
وجاءت نكبة يونيه 1967م التي تعتبر النكسة الثالثة بعد نكبة 1948م وهجوم 1956م فبادر المغرب بالإعلان عن استعداد القوات المسلحة الملكية للمشاركة في معركة المواجهة مع إسرائيل، والوقوف جنبا إلى جنب مع إخوانه العرب ولكن الظروف لم تساعد جيوشنا للإلتحاق بالواجهة حيث بقيت تجريدة من الجيش الملكي بمدينة بنغازي في ليبيا، ولم يسمح لها بالدخول بسبب مواقف بعض القادة العرب (مقدمة الكتاب ص 15). وتحدث الكاتب عن سفره إلى إفريقيا وزيارة ثمانية أقطار وقام بعدة اتصالات مختلفة مع رؤساء الدول والأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية المختلفة كما شرح ذلك بتفصيل في كتابه “مذكرات إفريقية وآسيوية”. وفي سنة 1968 زارهم عضو من أعضاء جماعة «فتح» هو الأخ المجاهد «أبو درويش» وعقد أبو بكر اجتماعا أوليا معه في بيت الأخ الدكتور عبد الكريم الخطيب تذاكرا فيه حول الأوضاع التي استجدت في القضية الفلسطينية بعد هزيمة يونيه 1967م وما يجب القيام به لمساندة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الأمل الوحيد لإنقاذ فلسطين. وبعد سفر الضيف عقد جلسة خاصة مع الدكتور الخطيب بعيادته واتفقا على استدعاء الأخ المناضل السيد عبد الرحيم بوعبيد لمناقشة موضوع تكوين جمعية وطنية لمساندة الثورة الفلسطينية، وبعد هذه الجلسة التي حضرها الثلاثة، وبعد مذاكرة عميقة اتفقوا على تأسيس “الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني” يشارك فيهما أشخاص يمثلون كل الهيئات الوطنية المغربية والشخصيات الوطنية المرموقة في البلاد. وبعد عرضنا الموضوع على هيئاتنا الوطنية والنقابية عقدنا جمعا عاما حضره نخبة مخلصة، وأسسوا عدة فروع في مختلف نواحي المغرب وقامت بنشاطات متعددة مادية وأدبية لمساندة الثورة الفلسطينية (مقدمة الكتاب ص 16).
وتنفيذا لمقررات مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في عمان في شهر جمادى الآخرة 1387هـ/1967م والذي شارك فيه أبو بكر القادري مشاركة عملية، تأسست “الجبهة العالمية الإنقاذ القدس” التي جعلت هدفها تحرير القدس وسائر فلسطين وتعزيز صمود الفلسطينيين أمام مؤامرات التهديد والتدويل وإنقاذ فلسطين والفلسطينيين من الاحتلال اليهودي الاستعماري الغاصب. وفي غشت سنة 1969م عندما حاول اليهود إحراق المسجد الأقصى دعا جلالة الملك الحسن الثاني إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي، يشارك فيه جميع ملوك ورؤساء الدول الإسلامية للنظر في القضية الفلسطينية عموما وقضية القدس بالخصوص، فكان اجتماعا تاريخيا لم يسبق أن عقد مثله في كل الأحقاب التاريخية الماضية حيث لم يسبق أن اجتمع ملوك ورؤساء الدول الإسلامية من مختلف الأقطار والأجناس على صعيد واحد، ومن أجل قضية إسلامية كبرى كقضية القدس الشريف، ولقد نشأ عن هذا المؤتمر تكوين منظمة المؤتمر الإسلامي (مقدمة الكتاب ص 17).
وفي سنة 1972 شارك الكاتب مشاركة عملية في تأسيس “الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية” التي انعقدت ببيروت، ولقد كان المغرب ممثلا فيها بالهيئات الآتية: الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية، الاتحاد المغربي للشغل، الاتحاد العام للشغالين المغرب. ولقد كان من جملة أهداف الجبهة: مقاومة المشاريع التصفوية التي تكرس الوجود الصهيوني بأرض فلسطين، المشاركة المباشرة في كفاح الشعب الفلسطيني، تأمين الدعم المادي والسياسي والإعلامي للثورة الفلسطينية. وبعد تكوين مكتب الأمانة العامة للجبهة، انتخب أبو بكر القادري أمينا عاما مساعدا ممثلا للمغرب والقوى الوطنية المغربية (مقدمة الكتاب ص 18). وخلال حرب رمضان 1973م قرر جلالة الملك الحسن الثاني إرسال تجريدتين عسكريتين للجولان وسيناء وألقى خطابا وجهه إلى الشعب المغربي مستنفرا الهمم داعيا إلى القيام بالواجب، وكان يوم توجيههما يوما مشهودا في تاريخ المغرب، حيث وقع استعراض هاتين التجريدتين بالرباط أمام جلالته، وكان المجاهد القادري حاضرا أثناء هذا الإستعراض الذي كان يتجلى فيه صدق العزيمة والتطوع للقيام بواجب الجهاد المفروض. كما تأسست “لجنة القدس” وعهد برئاستها إلى جلالة الملك الحسن الثاني بإجماع ملوك ورؤساء الدول الإسلامية، ويعد تكليف ملك المغرب بمهمة تسيير هذه اللجنة من المفاخر التي يفتخر بها المغاربة، حيث إن تأسيس هذه اللجنة جاء جوابا عما قررته “إسرائيل” من ضم القدس واعتبارها عاصمة لها (مقدمة الكتاب ص 18).
لقد رأى أبو بكر القادري أنه من المفيد أن يجمع بعض ما كتبه في الصحف أو ألقاه من خطب أو ساهم به في مؤتمرات أو وجهه من بعض البرقيات، وكذلك بعض ما قامت به الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني مساندة للقضية الفلسطينية ودفاعا عن الشعب الفلسطيني، وتضامنا مع المجاهدين الفلسطينيين بين صفحات هذا الكتاب الذي جاءت فصوله بعد المقدمة على الشكل التالي: الجذور الأولى للقضية الفلسطينية، القضية الفلسطينية في مجال العمل العربي والإسلامي المشترك، في الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، من دروس النضال من أجل القضية الفلسطينية، الإعلام في خدمة القضية الفلسطينية، في الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية، أجوبة، بلاغات ونداءات من الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، مؤتمر العالم الإسلامي والقضية الفلسطينية.
خاتمة
هذا الكتاب وثيقة مهمة للباحثين والمهتمين بالقضية الفلسطينية وللشباب المغربي، حيث يجلي خفايا الصراع حول القدس ومحيطها وكل أرض فلسطين، ويفضح مكائد الصهاينة ومخططاتهم الاستعمارية والإحلالية واستهدافهم الأرض والإنسان، ومحاولتهم فرض سردية يريدون من خلالها كسب شرعية الاستيطان الوهمية، وقهرهم للفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم. وبين جهاد المغاربة منذ القدم ودفاعهم عن مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبرز أدوار الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، والترافع المدني عن أحقية الشعب الفلسطيني في أرضه، والدفاع عن كرامته.