المحتويات
بين يدي التقديم
حظي القرآن الكريم بعناية فائقة في تاريخ الإسلام والمسلمين، عناية تليق بقدره ومكانته، كيف لا وهو كتاب الله المنزَّلُ على نبيِّنا محمد ﷺ، المعجزُ في ألفاظهِ ومعانيهِ، المتحدَّى بأقصرِ سورةٍ منه.
ومما يعزز هذه العناية، تواتر أحاديث صحيحة وأخبار صريحة، تحثُّ جميعها على تعلُّمه وتعليمه، ومدارسته وتدبُّره وفهمه، والعمل به والدعوة إليه….
ثم تطورت هذه العناية عبر توالي العصور وتعاقب الأجيال، إلى أن أبدع العقل المسلم علوما وفنونا جعلت من كتاب الله مادتها الأساسية ومنطلقها الرئيس؛ وكان من هذه العلوم بل أجلّها على الإطلاق «علم التفسير» الذي اهتم المسلمون منذ العهد الأول بعقد حلقات لتدريسه، وأسسوا -على مراحل- قوانينه وضوابطه، لينتهوا إلى التأليف فيه، فكان تراثهم في هذا المجال حافلا بالمصنفات الجَمَّة النافعة، والتي ما زالت تزخَرُ بها المكتبة الإسلامية إلى يومنا هذا.
ومع توالي العصور وتنامي زخم هذا العلم، بدأ التأريخ له، وتعرّف أعلامه ومصنفاته وفنونه ومدارسه واتجاهاته، فكان السبق للتأليف في تراث المشرق العربي، ثم بعده الغرب الإسلامي الذي كان رصيد المغرب الأقصى لا يكاد يبين بسبب الارتباط العضوي للعدوتين (المغرب والأندلس)، إلى أن تصدّت الدكتورة سعاد أشقر للتأليف في حظ المغرب الأقصى في هذا العلم، محاولة دراسة وفهم ما كان شائعا عند العديد من الدارسين كون حظ المغرب الأقصى في هذا العلم ضعيفا، ومن أسباب هذا الضعف أن العلمـاء المغاربة لم يؤلفوا فيه شيئًا يُذكر، وذلك من خلال مؤلَّفها «التفسير والمفسرون بالمغرب الأقصى» وهو موضوع هذا التقديم.
تقديم الكاتبة
الدكتورة سعاد أشقر من مواليد 13 يوليو 1965م بإقليم صفرو – حاصلة على شهادة الباكالوريا شعبة الآداب العصرية سنة 1984- حاصلة على شهادة الإجازة في الآداب شعبة الدراسات الإسلامية من جامعة سيدي محمد بن عبد اللَّه بفاس سنة 1988م – حاصلة على شهادة دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة سيدي محمد بن عبد اللَّه بفاس سنة 1989م – حازت على شهادة دبلوم الدراسات العليا من جامعة سيدي محمد بن عبد اللَّه بفاس سنة (1994م – اشتغلت بسلك الوظيفة العمومية متصرفة ممتازة بعمالة إقليم صفرو.
تقديم الكتاب
هذا الكتاب إصدار مشترك بين مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع/فاس) ودار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة، صدر في طبعته الأولى عام 2010م في 344 صفحة من القطع المتوسط، وهو كتاب يؤرخ لنشأة «علم التفسير» بالمغرب الأقصى، مع تتبّع كرونولوجي لمراحل تطوره منذ الفتح الإسلامي إلى يومنا هذا، ومدارسة متأنية لفهم ما علق بحظ علماء المغرب الأقصى من تهم الضعف والقلة.
وبإطلالة سريعة على فهرس الكتاب، نتعرّف المباحث الكبرى المشكّلة لمادته والتي يمكن عرضها كما يلي:
– معالم تاريخ المغرب الأقصى منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم: وفيه سرد تاريخي للعصور الإسلامية، والدول التي تعاقبت على حكم المغرب بدءا بالفتح الإسلامي وانتهاء بما هو عليه اليوم مع الدولة العلوية.
– حركة التأليف في التفسير بالمغرب الأقصى: حيث عرّفت بفترة دخول علم التفسير إلى المغرب الأقصى، وسبب تأخر نشأته كعلم مستقل بنفسه، وتتبعت بالدرس والتحليل أسباب ضعف حركة التأليف فيه مرجعة ذلك إلى: بطء حركة الاستعراب، سيطرة الفقه والفقهاء على الساحة الفكرية بالمغرب الأقصى، وأساليب التربية ومناهج التعليم المتبعة بالمغرب الأقصى، وانتشار ظاهرتي الحفظ والاختصار، والاعتماد على تفاسير مشرقية وأندلسية واعتبارها القمة في علم التفسير.
– إسهامات العلماء المغاربة في علم التفسير: وفيه توقفت مطولا عند جهود العلماء المغاربة وما ألّفوه في هذا المجال بحسب العصور بدءا بالعصر الموحدي، سواء كان هذا التفسير تاما أو غير تام (آية أو آيات، سورة أو سور)، حواشي أو مختصرات أو استدراكات أو تعاليق على تفاسير أخرى …
– علماء مغاربة اعتنوا بعلم التفسير ولم يؤلفوا فيه: وسلكت نفس المنهجية في تتبع أسماء هؤلاء العلماء المغاربة، وذلك من خلال عملية مسح تاريخية كرونولوجية منذ الدولة المرابطية إلى اليوم.
– اتجاهات التفسير في المغرب الأقصى: وتعرضت فيه لاتجاهات التفسير مع سوق نموذج لكل اتجاه، فكان من هذه الاتجاهات الاتجاه اللغوي مع نموذج «تفسير القرآن العظيم» لابن أبي الربيع السبتي (ت 688هـ) ثم الاتجاه الصوفي مع نماذج ثلاثة: «تفسير الفاتحة بالإشارة» لعبد الرحمن الفاسي (ت 1036هـ)، والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد» لابن عجيبة التطواني (ت 1224هـ) والاتجاه الإصلاحي السلفي، لتعرّف بثلاثة نماذج وهي: “تفسير الآيات العشر الأول من سورة المؤمنون” لمحمد بن الحسن الحجوي (ت 1376هـ) و”تفسير سور المفصل من القرآن الكريم” لعبد اللَّه كنون (ت 1410هـ) و”التيسير في أحاديث التفسير” للمكي الناصري (ت 1414هـ). ثم ختمت الكتاب بثلاثة فهارس:
- الأول: فهرس تآليف علماء المغرب الأقصى في علم التفسير.
- الثاني: فهرس الأعلام المفسرين المغاربة الذين ألفوا في علم التفسير.
- الثالث: فهرس الأعلام المفسرين المغاربة الذين اعتنوا بعلم التفسير ولم يؤلفوا فيه.
على سبيل الختم
إن كتاب “التفسير والمفسرون في المغرب الأقصى” لصاحبته سعاد أشقر، مصنف فريد في بابه، نافع في مجاله، عرّف بمدرسة التفسير المغربية وروادها، وقدّم بالدرس والتحليل جهودهم وأعمالهم في تفسير كتاب الله تعالى، مع تصنيف اتجاهاتهم وعرض نماذج منها، وبهذا العمل صار لتاريخ هذا العلم بهذا الصقع الإسلامي الأقصى مرجع نتعرف من خلاله حظ المغاربة في هذا العلم، وصار للمغرب حظ يطاول به المشرق والأندلس. ولعل هذا الكتاب يكون رافعة للبحث فيما تزخر به “مكتبة التفسير المغربية” من مصنفات ما زال معظمها مخطوطا.