المحتويات
(المهدي الصمدي في وسط الصورة)
المولد والنشأة[1]
الفقيه الأستاذ المهدي بن التهامي، ولد سنة 1949م بمدشر الخربة قبيلة بني يسف، إقليم العرائش بشمال المغرب، من أبوين كريمين ينتسبان إلى أسرة آل الصّمدي (رحمة الصمدي والتهامي محمد الصمدي). نشأ في أسرة متدينة محافظة مولعة بحفظ القرآن وضبطه بالروايات أبا عن جد، ومن بينهم كان والده الفقيه سيدي التهامي، الذي يعتبر في المنطقة من الحفاظ المتقنين للقرآن حفظا وضبطا ورسما، يقصده كثير من الطلبة ليختموا عليه حفظ القرآن.
كان والده رحمه الله يحب العلم والعلماء ويبدي أسفه الشديد دائما على عدم تعلمه العلم الشرعي واللغة العربية وتوسعه فيهما. وانطلاقا من هذا الشعور حاول أن يعوض ذلك في أبنائه، وكانت البداية مع الولد الذي يكبر مترجمنا بنحو اثنتي عشرة سنة (هو العلامة محمد الصمدي رحمه الله)، فاعتنى به عناية شديدة، وساعده على ذلك ما كان يتمتع به هذا الولد من موهبة كبيرة في الحفظ والذكاء، فكان منه الخير الكثير.
ثم سرعان ما اعتلّت صحة الوالد فلزم البيت، ولم يعد يزاول مهمة تعليم القرآن بالمساجد، فحفظ مترجمنا القرآن على يديه بالبيت، مع بعض المتون مثل ألفية ابن مالك ومتن ابن عاشر في الفقه المالكي المسمى “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين”.
الرحلة في طلب العلم
بعدها ابتعثه والده إلى الفقيه عبد الرحمان البراق الذي كان يدرّس فنون الفقه واللغة العربية بإحدى مساجد القبيلة، فمكث هناك نحو سنة، قبل الالتحاق بالمعهد الأصيل بمدينة العرائش، حيث درس هناك مدة سنة ثم انتقل إلى مدينة القصر الكبير بحكم أنها الأقرب إلى مسقط رأسه، ليلتحق بها متابعاً دراسته بمعهد التّعليم الأصيل المعروف هناك. وفي هذه السنة، أي عام 1965م، توفي السيد الوالد رحمه الله؛ وبعد هذا الحادث بدأ أستاذنا المهدي يفكر في الانقطاع عن الدراسة خشية افتقاد النفقة وعدم القدرة على مواجهة صعاب الحياة ومتطلباتها، إلا أنّ الوالدة رحمة الله عليها – وكانت امرأة عصامية معروفة بين سكان القرية بالجدية والإتقان في العمل- ألحّت عليه أن يواصل الدراسة، وأكدت له أنها ستقف بجانبه وتمُده بكل ما يحتاجه. وفعلا أَوْفَت رحمها الله بوعدها، وكان لها الفضل عليه بعد الله سبحانه وتعالى في مواصلة تعليمه بالمعهد الأصيل بالقصر الكبير حوالي ثمان سنوات إلى أن وصل إلى مستوى الباكالوريا، حيث درس خلالها المواد الفقهية واللغة العربية والتفسير والمنطق والأدب والبلاغة على يد فقهاء وأساتذة أجلاء مثل: الفقيه السوسي سي أحمد المرتجي والفقيه عبد السلام الجباري والأستاذ عبد السلام اليعقوبي، وغيرهم كثير. ناهيك عن مجموعة من الأساتذة الذين درس على أيديهم العلوم العصرية مثل الرياضيات والفيزياء والهندسة، وكان من أبرزهم الأستاذ عبد السلام الشنتوف …
الالتحاق بمدرسة المعلمين
وخلال وجوده بمدينة القصر الكبير التحق بمدرسة المعلمين بالقنيطرة، ليقضي فيها نحو سنتين؛ وكان من أهم ما درس فيها علم التربية، علم النفس وعلم الاجتماع… على يد أستاذ عز نظيره، كان يحب مهنته ويتفانى في أدائها، إنه الأستاذ عز الدين البردعي رحمه الله، كما تعلم على يديه كيفية إتقان استغلال الوقت وتدبيره…
التجربة العلمية والدعوية بالدار البيضاء
بعدها عُيّن مترجمنا بمدينة الدار البيضاء معلما للغة العربية والتربية الإسلامية، وكان هذا التعيين نقلة نوعية في حياته العلمية والدعوية، حيث التحق بثُلة من الإخوة من رجال التعليم منهم: العياشي المنصوري والقاضي برهون ومحمد زحل وغيرهم ممّن كانوا يمثلون في ذلك الوقت الكوكبة الأولى للدعوة الإسلامية بمدينة الدار البيضاء، فانتظم معهم وكان أصغرهم سنّا، ولازمهم وتعلم منهم الشيء الكثير وخاصة ما يتعلق بالطباع والخصال؛ حيث كان منهم الحليم ومنهم الكريم ومنهم الشديد في الحق. وزاد تلك المرحلة جمالا وتألقا انضمامه للحلقات العلمية التي كان ينظمها الشيخ محمد گنوني المذكوري رحمه الله بمسجد عين الشق العتيق؛ ذلك العالم الذي اجتمع فيه ما تفرّق في غيره من مكارم الأخلاق، لم يشغله غناه المادي الذي كان قد مَنَّ الله به عليه، ولم تصرفه دنياه عن الاشتغال بالعلم ومحبة طلبته، حيث رافقه مدة ست سنوات، درس خلالها على يديه علم التفسير وعلم الأصول والبلاغة والأدب.. وكان ارتباطه بالشيخ المذكوري رحمه الله مفيدا له في المجال الدعوي، وكذا على مستوى الاتصال بالدعاة الذين كانوا يفدون إلى الدار البيضاء في تلك المرحلة كالشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ أبو بكر الجزائري اللذين استفاد من مجالستهما استفادة عظيمة، لأن أفراد المجموعة التي كانت تدرس في مجلس الشيخ المذكوري في تلك الفترة ـ ومترجمنا واحد منهم ـ كانت بمثابة دليل للدعاة الوافدين على مساجد الدار البيضاء. وقد كان للشيخ المذكوري، فضل كبير عليه في اكتساب الجرأة في الحديث أمام الناس في المساجد وإلقاء الخطب يوم الجمعة، وقد كان رحمه الله وراء التجربة المُقدرة التي عاشها في مسجد الكرماعي بحي بوشتنوف في الدار البيضاء يومي الأحد والجمعة بين العشاءين مدة ثلاث سنوات. ومن بركات هذه المرحلة أيضا استقرار الدكتور تقي الدين الهلالي بمدينة الدار البيضاء، الذي بدأ بإلقاء دروس في تفسير ابن كثير وشرح ألفية ابن مالك في النحو. فالتحق به مترجمنا رفقة عبد السلام المودن (العرائشي)، حيث كانا يسكنان معا في حي عين الشق، في حين كان الدكتور الهلالي في حي “اسباته”، فكانا يخرجان قبل الفجر ويصليا الصبح ثم يجلسان إلى الدروس حتى التاسعة صباحا، ويلتحقا بعدها بالعمل، وكان رحمه الله يكرم وفادتهما ولا يتركهما يغادران مجلسه حتى يتناولا معه طعام الفطور، وسألهما مرة من أين يأتيان في هذا الوقت؟ فقالا له: من حي عين الشق، فأبدى إعجابه قائلا: ما كنت أتوقع أنه لا زال في الأمة من يحرص على طلب العلم بهذه الدرجة، فزاد حبه لهما، وأهدى لهما كتاب فتاوى ابن تيمية الكبرى، ليستمر ارتباطهما به إلى أن توفاه الله تعالى.
كما حضر مترجمنا دروس الفقيه السرغيني بمدرسة “الفلاح” وبالمعهد الإسلامي بحي القريعة. واستفاد أيضا من دروس عمر محسن في علم التجويد. كما استفاد من الأنشطة التي كان يمارسها بمقر جمعية “شباب الدعوة الإسلامية” في عين الشق، ولا زال يحتفظ بذكريات رائعة عن هذه المرحلة، وخاصة ما تعلق بالدروس التي كانت تلقى في مقر الجمعية بالتناوب بين أعضاء مكتبها. ولم يمنعه كثرة اشتغاله من مواصلة تعليمه الرسمي، حيث حصل على البكالوريا من المعهد الإسلامي بمدينة الجديدة سنة 1979م، وأنتسب إلى كلية أصول الدين بتطوان حيث تابع فيها دراسته لمدة سنتين، إلا أن الظروف حالت بينه وبين متابعة الدراسة بهذه الكلية.
الالتحاق بالقصر الكبير
ثم جاء قدر الله، وقضى بوفاة الشيخ محمد گنوني المذكوري يوم 06 يناير 1979 فشعر بعد رحيله بفراغ كبير وأحس ـ رفقة زملائه ـ مرارة اليتم وهم كبار. وبعد مدة قصيرة من هذا المصاب، انتقل إلى مدينة القصر الكبير في إطار الوظيفة بوزارة التربية الوطنية، ولا زال بها إلى حدود كتابة هذه السطور، يواصل بها نشاطه خطيبا بمسجد “الرجاء في الله”، منذ أكثر من 20 سنة، إضافة إلى إلقاء الدروس في مسجد النور ومسجد فتح الله، مساهما في تنوير الرأي العام، ورفع درجة وعيه الديني.