المولد والنشأة[1]

الفقيه العلامة المشارك محمد بن احمد المعتمد الحاحي أصلا (نسبة إلى منطقة حاحة) البيضاوي ولادة وقرارا، تلقى مبادئ الحروف وحفظ ما تيسر من القرآن على يد والده –رحمه الله- في الزاوية الناصرية بالمدينة العتيقة القريبة من جامع السوق بالدار البيضاء حيث كان والده قيّما بها أذانا وإمامة، ثم انتقل به والده إلى مدينة مراكش الحمراء عند الشيخ الجليل محمد المختار السوسي –رحمه الله- بمدرسة الرميلة، وعاش طفولته في كنف هذا المربي الذي وفر له جميع ما يحتاج إليه أثناء دراسته.

التحصيل العلمي

مع تصاعد بطولات الوطنيين بمدينة مراكش، امتدت يد الاستعمار الفرنسي إلى الشيخ محمد المختار السوسي فنفته إلى مسقط رأسه “إلغ”، فاضطر مترجمنا للعودة إلى الدار البيضاء، وحدث أن حل على والده ضيفا الكاتب الموسوعي السيد أحمد إقبال –رحمه الله-، فاقترح على والد مترجمنا أن يرسله إلى مراكش من جديد للدارسة بجامع “ابن يوسف”، وبعد نجاحه في امتحان الولوج، انخرط في الأولى ثانوي، وخلال هذه الفترة درس على عدد من شيوخ الجامع نذكر منهم: سيدي عبد الرحمان الدكالي، وسيدي عبد السلام جبران، وسيدي أحمد الكنسوسي وغيرهم كثير.

كفاحه الوطني

وفي سنة 1944م وبعد تقديم وثيقة الإستقلال دخل طلبة جامعة القرويين في إضراب عام، فتضامن معهم طلبة ابن يوسف، فكان مترجمنا من أبرز وجوه الطلبة المضربين، وحدث أن حزب الإستقلال أوعز إلى ثلة من الطلبة التوجه لمقابلة باشا مراكش فكان مترجمنا واحدا منهم، وبعد المفاوضات، أعطى الباشا أمره لزبانيته بإغلاق جميع المدارس التي يسكنها الطلبة، وطرد وفد الطلبة بعد أن أشبعهم الزبانية رفسا ولكما. ثم تكون وفد آخر من الطلبة وكان مترجمنا واحدا منهم مرة أخرى، وكانت الوجهة هذه المرة مدينة الرباط لملاقاة المغفور له الملك محمد الخامس، فاستقبلهم وأحسن وفادتهم، والتمسوا منه التدخل لإعادة فتح المدارس، فوعدهم خيران ويحكي ترجمنا أنه قبل توديعه –رحمه الله- نصحهم بعدم التدخل في السياسة وترك الأمر لأهله، وطلب منهم الدعاء له وزيارة ولي عهده آنذاك مولاي الحسن.

الإنخراط في التعليم

عاد مترجمنا إلى الدار البيضاء يحمل معه الشهادة الثانوية من كلية ابن يوسف التي كانت تخول لحاملها آنذاك ولوج مهنة العدالة، لمنه لم يكن متشوفا لهذه المهنة، بل كان يطمح لمتابعة دراسته والحصول على العالِمية، فحدث أن تم فتح الباب أمام حملة هذه الشهادات وما يعادلها لولوج سلك التعليم، فاجتاز مباراة الدخول إلى مدرسة المعلمين فنجح في الكتابي وتغيب عن الشفوي مخافة البحث في سيرته فيتم رفضه، ثم ما لبث أن التحق بمراكش لنفس الغرض، فأجرى امتحان الولوج تحت إشراف الأستاذين: مولاي العربي المسعودي وعبد السلام ياسين، والتحق بمدرسة المعلمين بالرباط سنة 1953م، والتي قضى فيها سنة في التكوين ليعيّن بمدرسة المزرعة بالدار البيضاء أولا، ثم أستاذا بمدرسة المعلمين بعين الشق بنفس المدينة، ومدرسا بمدرسة ابن خلدون التي عمل بها إلى أن أحيل على المعاش سنة 1989م.

تاقت نفس مترجمنا لمواصلة تعليمه العالي والحصول على شهادة العالِمية بعد التقاعد، فكان له ذلكن ثم التحق بدار الحديث الحسنية أيضا، ودرس بها غلى أن تخرج منها.

مشاركاته العلمية

كان مترجمنا أحد مؤسسي رابطة علماء المغرب فرع الدار البيضاء، وقد عرفته مساجد المدينة واعظا وخطيبا على مدى عقود، كما اشتغل حفظه الله أستاذا بالمدرسة القرآنية التابعة لمسجد الحسن الثاني.

حلاه شيخه المختار السوسي في كتابه “الإلغيات” تحت عنوان: ” بيني وبين ولدي محمد البيضاوي الحاحي الأصل” فقال:

أرأيتم وقد لمحتم جبيني  *** كيف نوري يعشى لحاظ العيون

أتلالأ كزبرقان مطل  *** غير أن الكسوف لا يعتريني

من يشمني ويكتنه كنه قدري  *** يك من سر رفعتي في يقين

قد حفظت القرآن عن ظهر قلب  *** وأنا بعد دون تسع سنين

فحويت الوحي الرطيب كاني  *** أتلقاه من يدي جبرئين

فاستنارت أسرتي من سنا الأنو  *** ار من غرة الكتاب المبين

أي فخر با قوم لم أدرعه *** أي أفق من بعد لم يك دوني

قد شأوت الأتراب طرا ومن ذا  *** يدعي بعد أنه يعتليني

إن أكن ناحلا شخيتا فأنكى  *** صارم ذو مرقق مسنون

فأنا صوت الهداية فيكم  *** فاعرفوا الرشد بالسنا من جبيني

المراجع
[1] أنظر كتابنا: الإدريسي مولاي أحمد صبير. (2020). مدارج الثناء بتراجم علماء الدار البيضاء. دار الرشاد الحديثة. الدارالبيضاء. ص 297-300.