توطئة

بني زروالَ الشامخة، تلك القبيلة القابعة في جبال إقليمِ تاوناتَ ذاتِ الإسم الحديثِ، والتاريخ القديمِ، كانت ولا تزالُ مضربَ الأمثالِ في الصمودِ، وخشية الأعداءِ منها في كل الأزمنة والعصور، صدت الرومان والعثمانيين وقاومت الفرنسيين والإسبان، أنبتت في أرضها من الأولياء والصالحين، واستقبلت بين ظهرانيها أشرافَ النسب من بني إدريسَ ومن جاء بعدهم من العربِ ومن الأشرافِ العلويين. أفخاذُ بني زروالَ خمسةٌ وهي، بومعانُ وأولادُ قاسمَ وبنو إبراهيمَ وبنو ملُّولَ وبنو مكة، وهي فرقٌ أعطت للقبيلة لقب “خمس خموس”. تنبسط أرض بني زروالَ على مساحةٍ قدرها حوالي ألف كيلومتر مربع[1]، مما يجعلها أحد أكبر القبائل الجبلية، يحد القبيلة شمالا قبائل بنو أحمد وغمارة، وشرقا قبائل كتامة ومزيات، أما غربا فبنو مستارة وسطّة وبنو مزجلدة وبنو ورياغل، ثم قبائل سلاس وفشتالة والجاية على الواجهة الجنوبية، هذا على مستوى الخريطة القبلية، أما سكانها فكانوا يناهزون 210 ألف نسمة خلال القرن التاسع عشر ، وكانوا يمدون الجيش بما يفوق الأربعين ألف مقاتل بحسب ما عرضه لنا الإثنوغرافي أوجيست موليراس(Auguste Mouliéras)  في كتاب رحلته[2].

أصول القبيلة

اختلف النسابة في أصل قبيلة بني زروال، فهناك منهم من اعتبر بأن القبيلة أصلُها من غمارة، ولفظة غمارة تطلق على القبائل التي غمرت الجبال، فيما ذهبت مصادر أخرى كابن خلدون في مصنفه “العبر وديوان المبتدأ والخبر” إلى أن أصل القبيلة من صنهاجة، وأنه كان يقالُ لها “صنهاجةَ العزِّ” لما اقتضته مَنَعةُ جبالهم[3]، أي أن جبالهم كانت منيعة تصعب على أي قوة أجنبية اختراقها. ويمكن إرجاع هذه الاختلافات فيما يتعلق بنسب القبيلة بحسب المصادر إلى ما عرفته المنطقة من حركة بشرية مستمرة عبر الزمن، لعوامل طبيعية وسياسية أثثت لبنية بشرية تلاقحت معها الأنساب. كما خاضت القبيلة صراعات مع الرومان على حدودها وسبت المئات من نسائهم وهذا ما يفسر انتشار العيون الخضر بين العديد من سكانها.

وبني زروال قبيلة أمازيغية الأصل ساهم قربها الجغرافي من فاس من جهة، ومساكنة العرب لسكانها وامتزاجها بهم من جهة أخرى، في تحويل لسان القبيلة ليكون ناطقا باللغة العربية، خصوصا زمن المرابطين والموحدين الذين نقلوا قبائل عربية من الرحل وأسكنوها مع بني زروال لأغراض سياسية، كما انتقلت إليها جماعة ممن ينتسبون لأسرة الأدارسة بعد الحملة الموحدية. أما في عهد العلويين فقد تم تأسيس مراكز لهم بالقبيلة أسكنوها جالية عربية من قبيلتي الأوداية والشراقة، كما هاجرت إليها أسر عربية، دفعت النسابين إلى القول بأنه لا توجد بالمغرب قبيلة اجتمعت بها ذرية الخلفاء الأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم) إلا بنو زروال وسجلماسة. ورغم أن قبيلة بني زروال غدت ناطقة باللسان العربي بعد هذه الهجرات، إلا أننا نجدها قد حافظت في تسمياتها للمناطق والجبال والقرى على الألفاظ الأمازيغية ك: إيغيل ملول، تاينزا، تاورارت…

بالعودة إلى الكتابات التاريخية المبكرة، ومنها المصنف الشهير “العبر” لابن خلدون والذي يعود بنا إلى القرن الرابع عشر (1350م)، نجد وصفا أوليا لمنطقة بني زروال يحيطنا بأصلها التاريخي وبنيتها البشرية وجغرافيتها الطبيعية، فيحدد موطن القبيلة بجبل سريف، ويصف أهلها بأنهم لم يكونوا يحترفون بمعاش[4]، أي أنهم خلال هذه الحقبة كانوا يعيشون على ما ينتجونه زراعيا، وليست لهم مهن أو حرف معينة.

جوانب من التاريخ الطبيعي

يقدم الحسن الوزان (ليون الإفريقي) من خلال مصنفه “وصف إفريقيا”، وصفا للمنطقة خلال الفترة التي عاصرها وهي القرن السادس عشر، فيقول في جغرافيتها الاقتصادية أنها أرض شهيرة بأشجار الزيتون وأشجار الكروم من عنب وتين، ونقل لنا عن الرحالة القدامى أنهم كانوا يسمونها بجبل الزبيب[5] وهو اللفظ الذي يطلق على العنب المجفف، مما يعطينا لمحة عما تشتهر به المنطقة من أصناف الإنتاج.

اتسمت منطقة بني زروال بغناها الطبيعي وتنوع مواردها، وتشهد الحوادث التاريخية على أن هذه الموارد كانت توظف بالصراعات القبلية، فنجد أوجيست موليراس يروي لنا أنه قامت في إحدى السنوات معركة بين عين تازغادرة وعين باردة، ولما كانت الغلبة لعين تازغادرة قامت عين باردة انتقاما بتحويل مجرى النهر الجوفي لتحرم أعدائها منه. وفي حادثة مشابهة، كان لقبيلة رهونة قائد طموح ضم عدة مناطق إلى قبيلته، ووصل إلى بني زروال وحاصرها، تولدت لدى المزراوي زعيم بني زروال فكرة قطع الماء عنهم مما سيجبرهم على الانسحاب، وقد استعان في ذلك بيهوديين استخدما نوعا صلبا من الإسمنت، لكنه تسبب بعد ذلك في كارثة طبيعية حلت بالقبيلة، حيث انفجرت العيون مولدة خمس شلالات سببت حينها قلقا واضطرابا.

ونظرا لمهمة الإثنوغرافي موليراس، والتي كانت مدفوعة بهاجس التمهيد للاستعمار الفرنسي، فقد توخى من خلال رحلته، وصف مواقع مناجم الذهب والفضة والنحاس والرصاص بكل قرى القبيلة بدقة بالغة، وهو ما يبرز ملمحين، أولهما: ما تزخر به القبيلة من موارد مهمة كان يحرِّمُ المغرب استخراجها، وثانيهما: مكانة القبيلة في استراتيجيات القوى الاستعمارية، وأن الحملات العسكرية التي قادها الفرنسيون لإخضاع المنطقة، لم يكن الهاجس فيها إطفاء شرارة التمرد والعصيان، وإنما الرغبة في السيطرة على احتياطي مهم من الثروات الباطنية التي قد تخدم مصلحة المستعمر.

الحياة الدينية للقبيلة

تعرف قبيلة بني زروال بأرض الأولياء والصالحين، وهي من القبائل المتمسكة بالعقائد الإسلامية، وفيها ميلٌ غريزي لشعائر الدين الصحيح ونبذ الخرافات والأوهام، فلا أثر فيها لمشعوذ أو طائفة مشهورة بالشعوذة بحسب ما يورده البشير الفاسي. تضم القبيلة أربعمائة مسجد، ثمانون مسجدا منها تقام به صلاة الجمعة، مما يدل على الروح الدينية عند القبيلة، ولكل مسجد أحباس مهمة من غابات الزيتون وأراض فلاحية تقوم بشؤون هذه المساجد أتم القيام. ونجد أن لأحكام النوازل الفقهية رواجاً كبيرا بين أفراد طلبتها، وللفقهاء مقام واعتبار عند عموم الناس يرجعون إليهم في أحكام معاملاتهم. ومن بين النوازل التي ترفع أنه إذا تعذر حضور العدلين لتمام الإشهاد بالزواج يقوم صاحب العرس بإرجاء العرس ليوم آخر، وإن ترتب عن ذلك مشاكل مع فرقة الطبالين نظرا لتعاقدهم المسبق مع صاحب العرس لأداء عروضهم خلال ذلك اليوم. وهو ما يدل على تشبث الأهالي بأحكام الفقه الإسلامي في سائر معاملاتهم. هذا الأمر أعطى للفقهاء قوة رمزية مشرعة، فحتى الرجل الثائر الخارج عن القانون يريد أن يلتمس الفقهاء ليجعل ثورته منبنية على الحكم الشرعي.

تضم قبيلة بني زروال العديد من الزوايا والأضرحة التي ظلت شاهدة على أعلامٍ ساهموا في نشر العلم وتحديثِ الناسِ في أمور دينهم ودنياهم. ويعود تاريخ بعض الزوايا إلى القرن السادس عشر كما هو الحال مع زاوية أولاد خزار التي تقع بفرقة بني إبراهيم ومؤسسها هو سيدي أحمد الشريف العلوي، وهو أول قادم من الأسرة العلوية لقبيلة بني زروال، ولهم عند القبيلة اعتبار بسبب نسبهم الشريف ولمروءتهم وانشغالهم بما يعنيهم. وفي فرقة بني مكة، نجد زاوية سيدي الحسن الزغاري الذي كان مؤسسها حيا أوائل القرن السابع عشر، وكان لزاويته اعتبار من قبل قبيلة بني زروال والقبيلتين الغمارية والبحمدية لوقوعها بين حدود هذه القبائل الثلاث.

إلى جانبهما نجد أيضا زاوية بوبريح التي تقع بفرقة بومعان والتي أسسها الشيخ مولاي العربي الدرقاوي بعد أن كثر أتباعه واتسعت دائرته ولم يعد محله يتسع لهم، فما كان منه إلا أن أسس الزاوية، ويقال أنه خلف أربعين ألفا من التلاميذ كلهم متأهلون للمشيخة[6]. وقد انتشرت طريقته انتشارا كبيرا خاصة في شمال إفريقيا وفي معظم المدن المغربية. وبسبب كثرة تلامذته أسست زوايا عنه في كل الأنحاء. وقد سميت بزاوية بوبريح لأن أتباعها كانوا يبتهلون ويدعون بصوت مرتفع، كما نسميه في المصطلح الدارج ب”التبريح”[7]. وبعد مؤسسها وقع نزاع بين أبنائه فانفصل عنهم ولده مولاي الطيب الذي تولى المشيخة بعده وأسس زاوية أمجوط التي نجد منها عبد الوارث اليالصوتي الذي وقف البشير الفاسي على ظهير من السلطان زيدان بن أحمد المنصور السعدي، يؤكد من خلاله ما لهذا الرجل عند السلطان من الاعتبار والمنزلة العالية[8].

عند نهاية القرن الثامن عشر، قاد شيخ درقاوة العربي الجمال، من قلب قبيلة بني زروال ثورة على نفوذ العثمانيين بالجزائر اتخذت صبغة دينية، وكانت مدفوعة بسبب عدم قدرة الرعية على دفع الضرائب. وقد كانت للثورة رغم فشلها أثر كبير على العلاقات المغربية العثمانية، دفعت المولى سليمان والسلطان العثماني محمود الثاني إلى التدخل لحل هذا المشكل؛ ويبرز هذا الحدث ما للطرق الصوفية في بني زروال من تأثير ليس فقط على الصعيد المحلي والوطني وإنما على الصعيد الإقليمي أيضا. ولأن كان للدرقاويين دور في هذه الثورة، فإن لهم أيضا دور في السعي في مصالح المسلمين وإخماد نار الفتنة بينهم، كما تشير إلى ذلك بعض الرسائل التي كان يبعثها المولى سليمان إلى القيمين على الطريقة في بني زروال، والذين كان يرسلهم أحيانا إلى وهران من أجل التهدئة والتواصل والعمل الدبلوماسي. وكان الموسم الدرقاوي يأتيه الناس من جميع الآفاق، منهم من يقدُم من الصحراء ومنهم من ينزل الجبال، في دلالة على الروابط الثقافية والدينية التي كانت تجمع المغرب بأقاليمه الصحراوية. غير أن اتجاه الدرقاويين سيأخذ منحى مغايرا خلال الحقبة الاستعمارية، حين سيتولى أمورها زعماء يميلون إلى تحقيق مصالح دنيوية، ويتم نبذهم من القبيلة وإحراق منازلهم وطردهم بعد مجيء حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي التي لم تتوان مع أي جهة موالية للمستعمر.

أما الحموميون، فقد كانت لهم الزاوية الفوقية، والزاوية الحمومية، وقد نالوا شهرة وصيتا عند القبائل لما كان لأبناء مؤسسها من الجاه والثروة العريضة والكلمة النافذة لدى ملوك الدولة العلوية الشريفة. ومؤسس هذه الزاوية هو سيدي علي بن حساين، لقب بالحمومي لأن حبوب الشعير والقمح التي كانت تملأ المطامير  لم تكن تستهلك إلا بعد سنوات من الانتظار، ولذلك كانت تمتص رطوبة الأرض وتتعفن. ويدعى التعفن في هذه المنطقة “الحمومي”. وفي إحدى السنوات كثرت الحبوب المتعفنة، فتولدت لدى سيدي علي بن حساين فكرة استخدامها كسماد في أراضيه الشاسعة التي أصبحت خصوبتها مضرب الأمثال بفضل هذه العملية التي لم تكن معروفة من قبل. وكان سيدي علال الحمومي أحد أحفاده خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، أبا روحيا لكل قبيلة بني زروال[9].

علاقة القبيلة بالسلطة المركزية

كان ملوك المغرب الأقصى يخصون قبيلة بني زروال بكثير من الرعاية والاعتناء، فيعينون لها رؤساء خاصين من عمال وقضاة وذلك على عهد السلطان السعدي أحمد المنصور. وفي أيام الدولة العلوية الشريفة يخبرنا الناصري في كتابه “الاستقصا” أن السلطان مولاي رشيد العلوي قاد حملة إلى المنطقة لقبض البيعة في سنة 1667م ضم خلالها منطقة بني زروال، واستمر تعيين نواب الدولة على عهد محمد بن عبد الله، والسلطان عبد الرحمان بن هشام. وبعد أن اشتدت المنافسة بين الزاويتين الحمومية والدرقاوية، وعرفت الدولة أوضاعا صعبة نهاية القرن التاسع عشر، صارت الحكومة المغربية تعين لكل فرقة من فرق بني زروال الخمس قائدا خاصا بها.

شكلت سلطنة فاس سلطة مركزية معترفا بها مبدئا من قبل القبيلة، إلا أن سلطتها التنفيذية لم تكن تمارس إلا بشكل جزئي، وكان يستعان بزعماء القبيلة ومنهم الحموميون في جمع الجيش والمؤونة التي تحتاجها الدولة، وكان القاضي المنتدب من قبل السلطة لا يتم تعيينه إلا بموافقة من الزاوية الحمومية، واقتصر عمله على تسجيل عقود البيع والشراء والزواج وما إلى ذلك، أما المسائل المتعلقة بالعادات المحلية والتعاليم الدينية فقد كان علماء المنطقة يشرفون عليها.

وعلى عكس ما يروج في بعض الكتابات الاستشراقية من توتر العلاقة بين القبيلة والسلطة المركزية، يسجل أحمد القوري حوادث تظهر أن التوتر لم يكن حالة طبيعية، وإنما نتاجَ فترات استثنائية تعود إلى عجز القبيلة عن الوفاء بالتزاماتها الجبائية تجاه السلطان نظرا لكثرة الفتن الحاصلة بين قبائل المنطقة والتي كانت تخلف خسائر مادية كبيرة نتيجة إحراق القرى والمنازل. نذكر أمثلة على هذه النزاعات واقعة (مائة وذيب) وهي نتاج لنزاع وقع بين بني مجرو من فرقة بني مكة الزروالية وبين قبيلة بني يحمد المجاورة لها أواخر القرن التاسع عشر، فقامت كل فرق بني زورال الأخرى لمساندة بني مجرو للدفاع عن صولتها، وبعد الفراغ من المعركة وقع إحصاء الأموات فكان عددهم مئة من بينهم ذئب.

جوانب من التاريخ الاجتماعي للقبيلة

نستشف من خلال رحلة أوجيست موليراس التي دونها في الجزء الثاني من كتاب “المغرب المجهول – اكتشاف جبالة”، جوانب أخرى من تاريخ قبيلة بني زروال ذات أبعاد سوسيولوجية، فيحيطنا علما ببعض العوائد، من ذلك ما كانت تعرفه الأسواق الأسبوعية من مظاهر من بينها تجارة النخاسة، غير أن هؤلاء العبيد لم يتم استرقاقهم، وإنما عرضوا أنفسهم للبيع لخدمة السيد الذي يشتريهم، وكان أهل بني زروال يتعاملون معهم معاملة طيبة فيلبسون أطيب اللباس ويأكلون مما يأكل أهل البيت، ولا يخرج تعاملهم معهم على نطاق ما يؤطره الدين في المعالمة. ولم تقتصر أدوار الأسواق الأسبوعية فقط على ما هو تجاري، فنجد سوق الأحد والذي كان من أهم أسواق بني زروال يصدر فيه القاضي أحكامه على المتقاضين من القبيلة برمتها ولا يعقد جلساته إلا في اليوم الخاص بالسوق الأسبوعي.

تتداول قبيلة بني زروال أساطير لها دلالاتها في المخيال الشعبي، إذ يوجد بجبل ودكة مكان يخرج من أسفله دخان، يفسره العلماء بأنه من آثار بركان، غير أن الحكايات الشعبية تروي عن المكان أنه كان بابا من أبواب جهنم، وتروي بعض الحكايات الأخرى أنه قبر ملك استبد بأخذ ما ليس له. ويقال أيضا أنه قبل الإسلام كانت تسكنه ساحرة يقال لها دادوح. كل هذه الروايات الشعبية تحيلنا على جانب من المخيال الرمزي لدى قبيلة بني زروال، التي تعكس إيمانها الراسخ باليوم الآخر في الرواية الأولى، ورفضها لأي سلطة أجنبية تأخذ ما ليس لها، أما الرواية الثالثة فتظهر نبذ الأهالي للشعوذة وإبدالها ببديل الإسلام والإيمان.

ويعرف عن بني زروال اجتهادهم في العمل، كبيرهم وصغيرهم، رجالا كانوا أو نسوة، فرغم ضعف مواردهم إلا أنهم يعيشون عيشة شريفة ويتكسبون بعرق جبينهم، فمنهم من يشتغل بالحقول ومنهم من يشتغل بالتجارة ومنهم من يتكسب الصناعة، وقلما تجد تاجرا أجنبيا بأسواقهم، ونجد أن المرأة تشارك الرجل في العمل والتجارة في الأسواق والخدمة في الحقول خصوصا في موسم الزيتون والتين مع محافظتها على شرفها وعرضها، وكم من امرأة شاركت الرجل في تجارته وفلاحته وكان لها الحظ معه في جميع ما تملكه، وهذه عادة قديمة عند سكان الجبل[10].

من أعلام قبيلة بني زروال

من أعلامِ بني زروال عبد الرحيم بن أحمد القوري، وهو عدل موثق ضابط صوفي، فاسي الأصل زروالي المنشأ، اعتنى بتقييد حوادث بني زروال بخط يده على طريقة “ابن أبي زرع” مؤرخ فاس. ومنهم أيضا أبو عبد الله محمد بن علي الشطيبي (ق 15م)، وقد كان عالما متصوفا ورحالة زار أصقاع عديدة بالمشرق والبلاد الإسلامية وألف كتبا عديدة اختص بعضها بتفسير كتاب الله وبعض التقاييد التي تشرح الحكم العطائية. ومنها ما اهتم بالتاريخ والرحلات ك”كتاب الجمان في أخبار الزمان”، ضَمَّنَ فيه أخبار الأمصار التي نزل بها في رحلاته مع ذكر ما اقترن بها من أحداثٍ تاريخية. ومنهم أيضا سيدي أحمد الشريف بن أبي القاسم العلوي، وهو أول القادمين لقبيلة بني زروال من الأسرة العلوية (ق16م)، ويوجد ضريح له بمدشر زاوية أولاد خزار، ويقام في بعض السنين موسم لإحياء ذكراه، وهناك مراسلات بين المولى إسماعيل وأبو القاسم الذي صاهر السلطان. وهي تبين ما له وللمنطقة معه من حظوة خلال هذا العصر. ومنهم سيدي عبد الوارث بن أحمد العلوي دفين زاوية خزار من فرقة بني إبراهيم، الذي أسند له ملوك الدولة العلوية أمر بني زروال وسياستها. وخصوصا المولى اليزيد والسلطان عبد الرحمن بن هشام، كما يستفاد ذلك من ظهيرين وقف عليها البشير الفاسي.

بيوتات بني زروال

من أشهر عائلات بني زروال الشرفاء العلويون، الذين هم من سلالة الرسول الأعظم (ص)، يتصلون بنسبه عن طريق الحسن بن قاسم، أول قادم على المغرب من ينبع بالحجاز في القرن الثالث عشر، حتى أن قبيلة بني زروال كانت قديما لا تفعل فعلا ولا تُقدم على أمر إلا إذا وافق عليه أحد أفراد هذا البيت، ومن الأمور الثابتة عندهم أنه لا تُنصر لهم راية إذا لم يكن في طليعتهم أحد أفراد هذا البيت. ومن سمو قدرهم أن السلطان المولى إسماعيل عقد نكاحه على بنت أحد أفرادها، كما عين لهم الملك محمد الخامس نقيبا خاصا بهم كما كان الشأن مع الأسر العريقة في المجد والشرف والسيادة[11].

ومن أشهر عائلات بني زروال الشرفاء الحموميون الإدريسيون، وهم بيت علم ودين طبقت شهرتهم آفاق المغرب، وقد بلغت هذه الأسرة من الجاه والقدر، إلى الحد الذي اشتهرت فيهم مقالة شهيرة، وهي “السماء لله والأرض للحمومي” وذلك كناية على كثرة أملاكه وتعدد رباعه، وأول قادم منهم للمنطقة هو أحمد المتقدم في أواخر القرن الثاني عشر، الذي ينتسب لمحمد نجل الإمام إدريس مؤسس فاس، والذين ينتسبون أيضا لآل البيت.

ومنهم الشرفاء الدرقاويون الإدريسيون، الذين تعدد فيهم العلماء والعباد الأتقياء، وغلب عليها لفظ الدرقاوي نسبة إلى أحد أجدادها أبي درقة قيل أنه كانت له درقة عظيمة يتوقى بها السهام في الحرب فصارت عليه لقبا، ويتصل نسبه بالشرفاء الأدارسة. وكان الشيخ العربي الدرقاوي (دفين بوبريح) أصل مجدها، بحيث اجتمع له مريدون من كافة نواحي المغرب وأحيى الطريقة الدرقاوية بعدما ضعف أمرها. وهناك ظهير يورده البشير الفاسي للسلطان المولى إسماعيل ينوه بهم ويعتني بشؤون أمرهم، ويهدد كل من تطاول عليهم بجز الرقاب[12].

ومنهم الشرفاء الجنونيون الأدارسة، والسادة الوارثيون العثمانيون الذين ينتسبون لعثمان ابن عفان، وهناك ظهير للسلطان محمد بن عبد الله ينوه بقدرهم ويعرف بشأنهم[13]. ومنهم السادات الزغاريون من ذرية الخليفة عمر بن الخطاب، وأولاد ابن الوليد المنتسبين إلى خليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه،  وقد خصهم المولى إسماعيل أيضا بظهير يؤكد نسبهم ومكانتهم. ومساكنهم بمدشر تازغدرة، وغير هذه العوائل الكثير ممن كانت لهم مكانة مهمة بالقبيلة.

بني زروال خلال الحقبة الاستعمارية

لبني زروال حماس وطني وشغف بالحرية وبغض للاحتلال خاصة سيطرة الأجنبي، فمنذ قدوم الاستعمار الفرنسي والإسباني، كانت بني زروال في طليعة المقاومين، فلم يشملهما نفوذ الاستعمارين، إلا بعد تحالف القوتين منتصف عشرينات القرن العشرين، وقد كان مدشر بني دركول مسرحا لمعارك حربية ذات أهمية بين الفرنسيين والمجاهدين أثناء الحملة الريفية بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي.

خاتمة

ليس هذا إلا غيضٌ من فيض حول قبيلةٍ ذات تاريخ عابر للعصور، كان له الأثر البالغ على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي، ولم ينل حظه من البحث والكتابة لعدة اعتبارات، منها قرب القبيلة من فاس واعتبارها من قبل الكتابات التاريخية من أحوازها، الأمر الذي جعل معظم حوادثها تنسب إلى العاصمة، من جهة أخرى لا تزال معظم الأحداث التاريخية التي شغلت حيزا لها خلال الحقبة الاستعمارية في السجلات الأجنبية، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهد من أجل ملئ الفراغات، وإعادة كتابة التاريخ المعاصر للقبيلة.

المراجع
[1] أحمد الوارث، معلمة المغرب، ج5، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1992، الرباط، ص1529-1530.
[2] أوجيست موليراس، المغرب المجهول: اكتشاف جبالة، ج2، (ترجمة عز الدين الخطابي)، منشورات تيفراز ناريف، 2013، ص87
[3] عبد الرحمن ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج6، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ص275.
[4] ابن خلدون، كتاب العبر ..، مرجع سابق.
[5] الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، دار الغرب الإسلامي، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الثانية، 1983، بيروت، ص125.
[6] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال: مظاهر حياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، منشورات جمعية علوم الإنسان، 1962، الرباط، ص40.
[7] موليراس، المغرب المجهول: اكتشاف جبالة، ج2، مرجع سابق، ص82.
[8] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال...، مرجع سابق، ص55.
[9] موليراس، موليراس، المغرب المجهول: اكتشاف جبالة، ج2، مرجع سابق، ص85-86.
[10] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال...، مرجع سابق، ص15.
[11] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال...، مرجع سابق، ص78.
[12] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال...، مرجع سابق، ص81.
[13] البشير الفاسي، قبيلة بني زروال...، مرجع سابق، ص85.