
المحتويات
توطئة
وُلد الأستاذ رضوان بنشقرون في الثاني من أكتوبر سنة 1944 بمدينة فاس، وتلقّى تكوينه الفقهي والشّرعي في التعليم العتيق ثم في التعليم الابتدائي الحرّ الذي كان يُشرف عليه رجال الحركة الوطنية في عهد الاحتلال الفرنسي، ثم التَحق بعد ذلك بالتعليم الثانوي الأصيل التابع لجامعة القرويين؛ مُتِمًّا بنجاح دراسته الجامعية في تخصّص الأدب العربي، وهو ما أهّله لمزاولة التدريس الجامعي في اللغة العربية وآدابها بجامعة فاس منذ سنة 1980 ثم بالدار البيضاء[1] حيث مقرّ سُكناه.
العمل الدّيني.. تَجربة ومَسار
اتخذ مسار الفِعْل الدّيني للشّيخ رضوان بنشقرون اتجاها مخالفا لحالات بعض العلماء والنخب الدينية المحسوبة على الحركة الإسلامية، التي تحوّلت إلى العمل الديني تحت مظلة “الإسلام الرسمي”، ونستحضر في هذا السياق تجربة الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، ومحمد الروكي عضو المجلس العلمي الأعلى، ومحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء.
فبِعَكس تحوّلهم هذا؛ انتقل الخطيب السابق لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ورئيس المجلس العلمي المحلي لعين الشق، مِن الوظيفة الدّينية الرسمية إلى الفعل الديني المستَقِل بسبَب تمسّكه بنموذج العالم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهو الأمر الذي لم يُرض وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فَسَارعت إلى إقالته يوم الأربعاء 14 يوليوز2010 مِن عضوية المجلس العلمي الأعلى ومِن رئاسة المجلس العلمي لعين الشق.
تَبَلْوَرَت البوادر الأولى لسوء الفهم الكبير بين الشيخ رضوان بنشقرون والمؤسسة الدينية الرسمية، بعد الضّجة الإعلامية والسياسية التي خلّفَتها خطبته الشّهيرة ليوم الجمعة 25 يونيو سنة 2004 من منبر مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، والتي بُثَّت مباشرة على أمواج الإذاعة والتلفزة الوطنية، متضمِّنَةً انتقادا قويا لمظاهر الاختلاط بين الجنسين في الشواطئ خلالَ فصل الصيف، ولبعض الممارسات اللاأخلاقية المشِينة المرافِقة لبعض المهرجانات الفنية في أرجاء البلاد[2].
وقد كانت لخطبة بنشقرون تداعيات سياسية بعد وصول صَدَاها إلى البرلمان، بحيثُ تَقَدَّمَت المستشارة زبيدة بوعياد عن الفريق الاشتراكي بسؤال لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ضِمن جلسة الأسئلة الشّفوية بمجلس المستشارين، اعتَبَرت فيه بأنّ الخطبة تعكس “استمرار الخطاب الرِّجعي الظلامي في مجالنا الدّيني الرسمي، المدعوم بالتغطية الإعلامية الرسمية المباشرة، وهو ما يُشَكِّل انزلاقا خطيرا”.[3] كما أصدَرت في نفس السياق عِدّة جمعيات نسائية محسوبة على “التيار الحداثي” بيانات تنديدية بخطبة بنشقرون، مع مطالبتها بإقالته وعزْلِه،[4] في استثمار غير أخلاقي لظرفية سياسية حرجة كان فيها النقاش العمومي مُنْصَبّا حول سؤال علاقة التأطير الديني بتنامي نزوعات العنف والتطرف وتحديات الإرهاب بَعد مرور سنة على ذكرى الأحداث الإرهابية الأليمة لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء.
وقد خَلّفَت هذه الحملة السياسية والإعلامية المناوئة لخطبة بنشقرون، والتي قادتها بعض الجمعيات والشّخصيات والصُّحف المحسوبة على “التيار الحداثي” واليسار الحكومي ردودَ فِعْل تضامنية قوية مع الشيخ رضوان بنشقرون.
رضوان بنشقرون.. في مرمى النيران
عقِبَ الحملة التشهيرية بالخطيب رضوان؛ أعلَن أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان جلسة الأسئلة الشّفهِية ليوم 07 يوليوز سنة 2004 بمجلس النواب في معرض جوابه حول الموضوع بأن “المؤسسة العلمية، لا يجب أن تُبتذل”[5]، في دعم وزاري واضِح للشيخ رضوان بنشقرون تجاه المعارضِين لخطبته من التيار العلماني.
تَلا هذا تَصريح لـمحمد يسّف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى تعليقًا على الحملة الإعلامية المعارضة لخطبة بنشقرون وصَفها فيه بأنها “استفزاز وتجريح وتَرهيب مِن شأنه أنْ يُلْحِقَ ضَرَرا برسالة العلماء”[6] في بلادنا.
مِن جهته؛ ساندَ فريقُ حزب العدالة والتنمية الإسلامي بمجلس النّواب خطبةَ الشيخ بنشقرون مِن خلال تدخل النائب سعيد خيرون في إطار المادة 66 مِن النِّظام الداخلي للمجلس في الجلسة العامة ليوم الأربعاء 30 يونيو 2004، عَبَّرَ فيه عن رفض الفريق النيابي لحزبه لِتَصَرُّفات “أصوات إعلامية وسياسية تتجرّأ بشكل غير مسبوق على الرّسالة النّبيلة للعلماء والخطباء والوعّاظ الذين يَقومون بدورهم التّأطيري والتربوي داخل المجتمع المغربي، وِفْقَ للأعراف والقواعد العلمية الأصيلة التي دَرَج عليها المغاربة في تقدير واحترام الوظيفة الدّينية”[7].
وبِفِعْل هذه الدّينامية السياسية والحزبية المتفاعِلَة مع خطبة بنشقرون، وما رافقها مِن مواقِف وتقاطب إعلامي حادّ بين التيار الإسلامي بقيادة جريدة “التجديد” المغربية حينئذ، وصُحُف اليسار التقليدي مِثْل “الأحداث المغربية” و”الاتحاد الاشتراكي”؛ انحازت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومعها المجلس العلمي الأعلى إلى خيار الانتصار لــــ”هيْبة العالم” عن الخضوع للضّغط الإعلامي للتّيار الحداثي المطالِب بإقالة الشيخ رضوان بنشقرون، وقد تحدّد موقف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هذا، باعتبارينأساسيين:
- الأول: ارتباط النّقد الدّيني لخطبة بنشقرون بمنكرات المجتمع وعدم تطرّقه لمسؤولية الدولة عن ذلك.
- الثاني: خضوع الحقل الدّيني للمجال المحفوظ للملك، الذي تَبْقَى له الصّلاحيات المطلَقة في التقرير بشأنه، بمعزل عن ضغوط ومطالب الفاعل السياسي والحزبي.
وقد عَرَف الموقف الرسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد سِتّ سنوات مِن ذلكَ تَحَوُّلاً جلِيا، مِن الدّفاع عن الوظيفة الشّرعية للخطيب بنشقرون في وجْه المطالِب الحزبية والمدنية الحداثية المطالِبَة بعزله، إلى اتخاذ قرار إداري وسياسي بإعفاء خطيبِ أكبرِ مسجدٍ في البلاد أي مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء من جميع مهماته الدّينية الرسمية في 14 يوليوز منة سنة2010، على خلفية موقفه المعارِض لاستضافة المغني البريطاني إلتون جون في مهرجان موازين بالعاصِمة الرباط[8].
النّاصِح الذي لا يَكْذِبُ أهْلَه واختصاصه
عبّر الخطيب رضوان بنشقرون عن موقفه الناصح للدولة والمجتمع من الفنان الماجِن الـمُستَضافِ من قِبَل جمعية “مغرب الثّقافات” عبْر استِصْدارِ بيان رسمي باسم المجلس المحلي للدّار البيضاء بتاريخ 06 ماي من سنة 2010، تضمّنَ إدانة شرعية واضحةً لسياسة المهرجانات المثيرة و”لما يَعرِفه المغرب مِن انتشار لِنَبْتَةِ سُوء، تدعو إلى الفساد وتُشَجِّع المفسدين، كما هو ملاحَظ في بعض المهرجانات التي تُقام هذه الأيام، لم يَتَوَرّع منظِّمُوها مِن استضافة مَن لا يحترم قِيَم بَلَدِنا ولا مشاعِرَ أمَّتِنا، ذلك أنه تَقَرَّر استضافة أحد المغنِّين المعروفين بالمجاهَرَة بالشّذوذ الجنسي، والمعلِن لمثليته، بلِ الأدْهى مِن ذلك؛ أنه في أحد تصريحاته تهكَّمَ على نبي الله تعالى سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ونَعَتَه بأقبح النّعوت، فهل هذه هي النّماذج التي نُقَدِّمها لأبنائنا لِتَكُونَ لهم قدوة؟”[9].
لم يكن هذا البيان في سِياقِ موجةِ انتقاد الفقهاء وسريان مفعول خُطّة إصلاح الحقل الديني إلّا أن يُؤَدّيَ إلى عزْلِ الشيخ رضوان بنشقرون مِن جميع مناصبه الدِّينية، وإيصالِ رسائل سياسية، توخَّى مِن خلالها الجهاز الدّيني في الدّولة تحذيرَ كلّ رؤساء وأعضاء المجالس العلمية مِن الجهر بمواقف مخالفة للتّوجهات الرسمية للدولة، والتشديد على أمورٍ ثلاثة:
- أولها: عدَم تسامح السّلطة السياسية والدّينية البتةَ مَع أية مواقف نقدية صادرة عن “علماء المؤسّسات” تجاه السّياسات الحداثية للدّولة في مجالات الإعلام والفن والسّياسة والاقتصاد، كما كان عليه الأمر نسبيا قبل الشّروع في تنزيل مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني سنة 2004.
- ثانيها: ضرورة تَقَيُّد كافة أعضاء المجالس العلمية المحلية ورؤسائها بمهامهم كموظفين دينيين في الدّولة، يَتَحَتَّمُ عليهم التّحفظ عن إبداء مواقف وأفكار علنية تتمثّل رسالةَ علماءِ الدِّينِ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو مفصّل في أدبيات التراث الإسلامي.
- ثالثها: إلزامية عدم تجاوز الفِعْل الدّيني للعالم الرسمي حدودَ التّقسيم الإداري والترابي للمجلس العلمي المحلي، وذلك وفق رؤية وقراءة سُكُونية للدّين ولوظيفة العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنُّصْحِ للهِ ورسوله وأئمة المسلمين وعامّتِهم.
وهي كلها محدِّدات إدارية تجعل مِن الخطاب الدّيني الرسمي على هامش التّحولات المجتمعية، وبمنأى عن التّفاعل الايجابي مع اهتمامات المجتمع وهمومه.
خاتمة
لقد أدّى الشيخ رضوان بنشقرون ضريبة الموقف النّاصح والتعبير الفاضِحِ لأهدافِ الـمُفسِدين في البلاد، وهو رغم ذلكَ؛ لم يُثنه العَزْل والتضييق عن الاستمرار في رسالته الدّعوية والحضور العلمي المتميِّز في الفضاءات العلمية والجامعية الوطنية والدّولية، وعن الجهْرِ بالكلمة الناصحة في الفضاء الرقمي عبْرَ قناة “روضة العلم والمعرفة” بموقع اليوتيوب التي يُبلِّغ مِن خلالِها مواعظه وخُطَبه وكلماته إلى الآفاق، ومنها حديثه عن “الشّريعة ومدونة الأسرة”، وعن “شهادة زكية أَوْلَى مِن حياة دنيّة”، و”لا قيمة للحياة بلا أمان”، وهي عناوين كلمات مفعَمَة بالمبدئية والرّسالية، وحابِلة بإشاراتٍ لمن يهمّه الأمر من أهل الحكم والسياسة والعلم والتّربية.
المراجع
[1] حوار مع الشيخ رضوان بنشقرون مع الصحفية المغربية المتخصّصة في الشأن الديني حبيبة أوغانيم لفائدة الموقع العربي،www.lahaonlaine.net.[2] انظر: ندوة "الإعلام والإسلام السياسي بالمغرب دراسة عن صورة الإسلاميين المغاربة في الصحافة"، منشورات حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 2007 :ص 45-47.
[3] جريدة الأحداث المغربية عدد، 1984 بتاريخ 01 يوليوز 2004.
[4] انظر: جريدة الأحداث المغربية عدد 1985، ليوم 2 يوليوز2004.
[5] جريدة التجديد، عدد 969، للأيام 9-11 يوليوز 2004.
[6] جريدة التجديد، عدد 969، للأيام 9-11 يوليوز 2004.
[7] جريدة التجديد، عدد 968، ليوم 8 يوليوز2004.
[8] انظر: جريدة الصباح، عدد 3139، ليوم الجمعة 16 يوليوز 2010.
[9] انظر: بيان المجلس العلمي المحلي للدار البيضاء عين الشق حول استضافة "إلتون جون"، جريدة التجديد، عدد 2389، ليوم 24 ماي 2010.