
المحتويات
توطئة
قَدّم الرّاحل محمد آجار المعروف بسعيد بونعيلات (1920-2017) أحد قادة جيش التحرير ومؤسّسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعضو المجلس الوطني لقدماء المقاومين؛ إضاءات عن حقبة مِن تاريخ المغرب الراهن تَعدّدت إزاءها الشهادات، وانداحت الروايات الشفهية والسِّيَرية بالإفصاح عن كثير من وقائعها وأحداثها وفواعلها. غير أنَّ المتتبِّع لبعضها، كالماسكِ بريشةٍ يحاول استكمال عناصر صورة أو لوحة؛ كلّما اقتَنص مُعطى مِن هذا إلا وأتَمّه تصحيحا أو استدراكا أو نسْفاً؛ آخَـر.
شاهدٌ على مغربية تندوف
إنّ أهمَّ ما أثارنا في الكتاب الحواري الصادِر ضِمن ملفات تاريخ المغرب الحديث تحت عنوان “وجوهٌ وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب؛ يرويها محمد آجار ويكتبها أحمد نشاطي”[1]، عن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير سنة 2001، القائم على حوار تاريخي دقيق في تسْع حلقات، ومستند إلى كمٍّ من معطيات واستحضارات الذاكرة الفردية؛ شهادة السيد بونعيلات على عصر السياسة والمقاومة بالمغرب وتأكيدهُ على مغربية تندوف التي كانت تابعةً إداريا لمدينة أگادير.
يؤكد الشاهد أنّ المنطقة المعنية بالنزاع منذ أواسط السبعينات؛ شهِدت أنشطةً سياسيةً ومدنيةً لحزب الاستقلال بها. والرجل بحكم زيارته للمنطقة ناقلا “إليها السلع والبضائع المطلوبة”[2]، وإسهامه في تنصيب الأعلام الوطنية وصُور محمد الخامس في المنطقة؛ يؤكِّدُ أنه كان بِها قائد يدعى الحبيب، مُعَيَّن بظهير ملكي من قبَل السلطان محمد الخامس (تــ 1961)، التَحق بالرباط بعد حصول المغرب على الاستقلال وقدَّم البيعة والولاء للملك باسم ساكنة منطقة تندوف[3]. الأمر الذي يدحضُ افتراءات الأطروحة الانفصالية بكَون عدم مغربية تندوف ولا وَطنية ساكنيها، أو في الأقلّ؛ كانت أرضا جزائرية!.
رأيٌ مختلِف في الإسناد العام للفعل المقاوِم
في هذه الشهادة أيضا، نقدٌ موضوعي لطبيعة ما يمكن وصْفُه بـ”التعاون والاحتضان الشعبي لتيار المقاوَمة”، فالرجل يُقرّر أنه لم تكن كل الجماهير الشعبية سندا حقيقيا وظهيرا للمقاومة، إذ كانت فيها حالات خيانة وعمالة للاستعمار!
كما يسْرِدُ طَرَفاً مِن تفاصيل تفجير قطار الرباط – الدّار البيضاء، وانعكاسات الحدث وطنيا ومغاربيا وأوربيا.
وفي الاستذكار البونعيلي هذا؛ إفصاحٌ عن أَسَامي عناصر المقاومة وجيش التحرير في منطقة الناظور – الحسيمة، ولمسات وفاء من جهته لكثير من أبطال المقاومة الفدائية الذين كان يضع فيهم الشاهد ثقته، أمثال: المقاوم محمد منصور[4]، والسيد عبد السلام بناني، والشهيد محمد الزرقطوني، والمناضل حسن العرايشي، مولاي العربي الشّتوكي، عبد الله الصّنهاجي[5]، عبد العزيز الماسي[6]، سعيد المانوزي، المقاوم حسن صفي الدين عُضو القيادة العليا لجيش التحرير، الحسين الصّغير، امبارك الرّوداني..، وإخبارٌ عن نوعية العمليات الفدائية التي أقَضّت مضاجع الاستعمار، وشجّعَت المقاومة لـ”تُعَيِّدَ” بالاحتلال في دجنبر كما “عَيّدُوا بنا في غُشت”[7] حسب عبارة السي آجار، ويَقْصِد بها تلك العملية البطولية التي قادَتْها أنوية العمل الفدائي ضد الاحتلال الفرنسي في 24 دجنبر 1953 في عِزّ عِيدِهم المسيحي لرأس السنة، انتقاماً من عملية نَفْيها لسلطان البلاد وحرمان المغاربة من الفرَح بعيد الأضحى لسنة 1953.
إنّ هذه المعطيات وغيرها مِمّا يُعِينُ على إعداد أكبر قَـدْرٍ مِن البطائق عن رجالات المقاومة في منطقة الريف والمنطقة الخليفية والسلطانية، وعن العمليات الفدائية المعروفة وغير المعروفة فيما بين 1953-1955.
ذاكرة لتوثيق محطات من النضال المغاربي الـمُشتَرَك
وعَن شكْل التّضامن المغاربي زمن الكفاح؛ يَعترف الراحل أنّ المناضلين المغاربة هم الذين أدخلوا السلاح إلى التراب الجزائري بعد تسلُّم الدفعة الخاصة بجبهة التحرير الجزائرية من لدن الباخرة (دينا)، في العملية المشهورة.
وفي شهادة نادرة؛ يَذكُر السي (بونعيلات) أنَّ القادة السياسيين في جُزر الكناري استقبَلوه معية بعض قادة جيش التّحرير المغربي، وأكرموا وفادتهم، ووعَدوهُم بالتعاون معهم، والعمل بعد استقلال المغرب على أن تنضم جزر الكناري للسيادة والتراب المغربيين. ومعطياتٌ أخرى يمكن للقارئ استيقاءها من هذا الكتيب الصادر في طبعته الأولى سنة 2001.
خاتمة
إنّ مثل الشهادات والحوار لَممّا يُثري ذاكرتنا الوطنية الجَمعية، ويسمح للأجيال بتشكيل رؤية أوسع مَدًى للأحداث والوقائع الأساسية والثانوية في مسيرة العمل النضالي والسياسي والمدني بمغرب الحماية، رحمة لشهدائنا الأبرار، ويُتيح للباحثين والخَلَف المغربي التعبير عن الشكر والتقدير لأعلام الكفاح الأخيار، والساسة النزهاء الكبار، وكافة رجال ونساء هذا الوطن، الذين صنعوا مجْده وحَمَوْه في أحبّ القِيمتين إليه؛ الحرية والاستقلال.
المراجع
[1] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب؛ محمد آجار عضو المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير"، طبْع ونَشر منشورات عُكاظ، الطبعة الأولى، أبريل 2001.[2] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 11.
[3] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 14.
[4] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 15.
[5] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 22.
[6] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 25.
[7] (نشاطي) أحمد: "وجوه وأحداث من ذاكرة المقاومة وجيش التحرير بالمغرب، مرجع سابق، ص: 21.