توطئة

كتاب “فلسطين: محطات تاريخية وارتباط المغاربة بها” هو عمل فريد من بين الكُتب التي أُلّفت في هذا الموضوع بالمغرب، وفرادته تأتي من تفاصيل عديدة: أولها؛ هوية صاحبه الدكتور المهدي البكدوري الذي حمله التعلّق بقضية فلسطين من ميدان الطب إلى عالم التأليف. وثانيها؛ تركيبة محتوياته المتنوّعة التي تزاوج بين المقاربة الدينية للموضوع، والجرد التاريخي الممتد من فجر التاريخ إلى التاريخ الراهن، فضلا عن البُعد الإنساني المتمثل في أشكال تفاعل المغاربة مع هذه القضية. وثالث مؤشرات فرادة هذا العمل تكمن في توقيت إصداره شتنبر 2024، أي إبان زمن تتصدر فيه القضية الفلسطينية النقاش السياسي والحقوقي عالميا وإقليميا ومحليّا، ما يجعل منه مساهمة مطلوبة في إثارة النقاش حول مسألة فلسطين في أوساط الكتابة والتأليف.

تقديم الكتاب

أشرفت “الجمعية المغربية لدعم الإعمار في فلسطين” على نشر هذا الكتاب: وهو يقع في 245 صفحة، يتناول من الناحية الدينية مكانة أرض فلسطين في العقيدة الإسلامية، التي تعتبرها أرضا مقدّسة ومباركة، وحاضنة المسجد الأقصى ذي المكانة الخاصة، كما يسلّط الضوء على علاقة اليهود بفلسطين من منظور قرآني وتاريخي.

أما ميدان التاريخ فإنه عماد الكتاب وعموده الفقري، فالمؤلِّف حاول جاهدا أن يرسم قصة فلسطين كاملة، ويقدم ماضيها في سرديّة مختصرة ومركّبة، تبدأ بومضات حول الاستقرار البشري في أرض فلسطين، ثم ينتقل بالقراء كرونولوجيا من الكنعانيين، مرورا بالتواجد اليهودي، فالصراع بين الإمبراطوريات القديمة حول هذه الأرض التي تمثل موقعا استراتيجيا في قلب الشرق الأوسط، وصولا إلى الفتح الإسلامي والتقلبات السياسية التي شهدها هذا الموضع خلال العصرين الحديث والمعاصر إلى وقتنا الراهن.

ويمكن تقسيم الكتاب من حيث الموضوع إلى قسمين:

  • القسم الأول: يتعلّق بأخبار فلسطين من عصر ما قبل التاريخ إلى معركة طوفان الأقصى.
  • القسم الثاني: يضيء جوانب ارتباط المغاربة بفلسطين منذ العصر الوسيط إلى الحقبة الراهنة.

فأما القسم الأول فقد غلب عليه التطرّق للأحداث السياسية التي تتزاحم على أرض فلسطين منذ العصور البعيدة، بحكم مكانتها في الأديان الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، وباعتبار الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به في قلب الهلال الخصيب، وفي ثنايا هذه الأحداث تلمع أسماء العديد من الشخصيات المشهورة في التاريخ الإسلامي الوسيط (عماد الدين زنكي، صلاح الدين الأيوبي، سيف الدين قطز…)، والتاريخ العربي المعاصر (السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، أمين الحسيني، عز الدين القسام، جمال عبد الناصر..).

وأما القسم الثاني: فركّز على ارتباط المغاربة بأرض فلسطين وقضيتها، بداية بالإرث الحضاري؛ المعماري والثقافي والديني، الذي خلّفه المغاربة في حارتهم بالقدس، وذلك عقب مشاركتهم في الجهاد ضد الصليبيين تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، وانتهاء بالمشاركة الفعّالة للمغاربة في جلّ الأحداث الكبرى التي شهدتها القضية الفلسطينية منذ إعلان تأسيس الكيان الصهيوني، إلى حرب غزة.

خاتمة

لم يأخذ عمل د. المهدي شكلا واحد ثابتا في تقديم كلّ هذه المعطيات التي تحدثنا عنها، وإنما جعل الكتاب لوحة متكاملة الأجزاء من نصوص وشهادات واقتباسات من الصحف، وصور ورسومات معبّرة، وخرائط توضيحية، وهو ما يضفي عليه صبغة الكتب التعريفية، التي تسعى إلى توسيع دائرة التعريف بالقضية الفلسطينية وتسلط الضوء على الأسباب العميقة التي تدعوا المغاربة للارتباط بها.