عن منشورات “الراصد الوطني للنشر والقراءة” بطنجة، صدر مؤخرا للباحث المغربي ابراهيم السهلي، كتاب بعنوان: “تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة”، يقع الكتاب في 162 صفحة، من الحجم المتوسط، تتصدر غلافه لوحة تشكيلية للفنان عبد الحفيظ مديوني.
ويضم الكتاب ثلاثة فصول؛ إذ يتطرق الباحث إبراهيم السهلي في الفصل الأول الموسوم بـ“التأصيل التاريخي لمفهوم النص“، إلى تاريخية المفهوم، وتتبع تطوره في مختلف الحقول الدلالية التي يستحضر فيها النص، وذلك من خلال العودة بمفهوم النص إلى أصوله الأولى، والبحث في دلالته الاشتقاقية اللغوية في اللسان العربي، وفي المعجم الفرنسي وأصوله اللاتينية. بناء على ذلك كان لا بد من ربط النص بالحقول المعرفية التي تعتمد على النص في بناءاتها المعرفية، كما هو الأمر في علم الأصول، كونه يشتغل بشكل قطعي على النصوص. كما أن تشعب معاني النص ودلالاته يقتضي من المشتغل عليه نوعا من الفقه بالنص لاستجلاء معانيه ومقاصده وأحكامه وتأويل معانيه.
وتناول في الفصل الثاني الذي عنونه الباحث بـ”النص وانشغالات الفكر الفلسفي: نحو ديداكتيك النص الفلسفي”،علاقة النص بانشغالات الفكر الفلسفي وبالأجرأة الديداكتيكية للنص ومساهمته في تعليم الفلسفة من جهة، والعمل على تعلم التفلسف من خلال التركيز على النص كدعامة في إنجاز درس الفلسفة باعتباره فضاء تعليميا-تعلميا يتيح للمشتغل عليه القيام بمجموعة من الأنشطة: الفهم والتحليل، المساءلة والنقد، والتفكيك، والتركيب والبناء…، وفي هذا الإطار تم فتح نافذة على تاريخ الفلسفة باعتباره تاريخ تراكم النصوص والخطابات، لذلك ارتأينا أن نربط النص بالمبحث الفلسفي المعاصر الذي يهتم بدراسة النص، والحديث هنا عن الهيرمينوطيقا التي وجهت اهتمامها الكلي نحو تأويل النص، باعتبارها حقلا متعدد الدلالات ومتشعب المعاني يقتضي تأويلا وفهما صحيحا، خاصة وأن الهيرمينوطيقا تمتد بجذورها الفلسفية إلى الفلسفة اليونانية، وتتموقع في الإرث الأرسطي بالخصوص، ولا يستقيم الحديث عن الهيرمينوطيقا في الفلسفة إلا كتيار فلسفي معاصر مستقل، تولد بعد مخاض فكري عسير مع تيار الفينومينولوجية، حتى يكاد يزعم بعض الدارسين إلى الإقرار بصعوبة التمييز أو الفصل بينهما. وعليه فإن الاشتغال الهيرمينوطيقي للنص يفرض الإلمام بهذا المبحث، لذا وقف الكتاب عند أبرز أعلام فكر الهيرمينوطيقا: فريدريك شلاير ماخر، وفلهام دلتاي، وهانز جورج غدامير، وبول ريكور. وكان استعراض البناء النظري الهيرمينوطقي للنص فقط أرضية للحديث عن درس الفلسفة ومقاربته الإجرائية بالاعتماد على النص [المقاربة النصية] ما دام الهاجس الرئيسي الذي حكم إنجاز هذا العمل هو هاجس ينبع من العمق الديداكتيكي لتدريس الفلسفة بالنص، ونقل المعرفة من مستواها العالم إلى المستوى المدرسي الذي يهدف إلى إكساب المتعلم مهارات من خلال العمل بالنص، باعتباره مجالا حيا غنيا بالرموز والدلالات والإيحاءات، وفضاء تعليميا ينمي قدراته من خلال أنشطة ذهنية تركز على الفهم، والتحليل، والتركيب، والنقد، والبناء…
كما أصر الباحث في الفصل نفسه إلى لفت نظر الباحثين والمدرسين إلى أهمية النص البصري في بناء درس الفلسفة، لما له من دور فعال في إثارة تفكير ذهن المتعلم ودفعه للتفاعل عبر إثارة انتباهه أكثر من النص الملفوظ، إذ أن القوة التي تمارسها الصورة اليوم تشكل قوة جذب حقيقية لانتباه المتعلم لحقلها الدلالي، والدفع به نحو التفكير من خلال أنشطة إجرائية: قراءة، وفهم، وتحليل، وتركيب، وبناء، وتفكيك…
أما الفصل الثالث الذي وسمه الباحث بـ”القراءة مدخل إجرائي للاشتغال على النصوص“، خصصه للحديث الجانب الديداكتيكي للاشتغال على النص من خلال فعل القراءة كمدخل إجرائي للاشتغال على النصوص، فإذا كان النص منجزا لغويا حاملا للمعنى مستقلا بذاته عن القارئ، فإن تذويب المسافة بينهما يمر عبر نشاط القراءة كجسر عبور نحو معنى النص، وهو نشاط يقود إلى تفكيك بنية النص وفهم دلالات ومعاني الخطاب الذي يحمله النص. غير أن تحقيق هذا الغرض يتطلب من المشتغل على النص–المتعلم- تملك مهارات القراءة، وجعلها إجراء منهجي صارم موجه لأغراض فلسفية تعليمية، تقود لتفكيك بنية النص وكشف أبعاده وامتدادات المعنى فيه، وبهذا يصبح فعل القراءة أداة منهجية لاكتشاف عوالم النص. وهذا الأمر لا يتأتى إلا إذا كان القارئ يعي جيدا أهمية فعل القراءة كممارسة إجرائية تقود على تملك المعنى، ويقتضي ذلك تملك مهارات القراءة من أجل سبر أغوار النص، فيصبح نشاط القراءة نشاط فهم وبناء وتركيب وتفكيك، من أجل إعادة بناء النص أو إعادة إنتاجه عبر نشاط القراءة.
أما مؤلف الكتاب الأستاذ إبراهيم السهلي، فهو باحث من منطقة أوطاط الحاج، حاصل على الإجازة في علم الاجتماع، أستاذ الفلسفة بالثانوي التأهيلي، له مجموعة من النصوص الإبداعية والمقالات منشورة بالعديد من المنابر الورقية والإلكترونية، صدر له كتاب “تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة” (2022)، وشارك في كتب جماعية منها: “الاجتهاد والتجديد في قضايا الأسرة في السياق الكوني سؤال الثابت والمتغير” (2020)، “خواطر الليل” (2021).