المحتويات
بين يدي التقديم
عوّدتنا سوس على العطاء الممتد في المكان والزمان منذ عهود بعيدة، فقد توارثت أسر سوسية العلم كابرا عن كابر، وساح عدد من رجالاتها في أنحاء المغرب، بله أنحاء العالم الإسلامي تجارا ومدرسين ومربين. والمتتبع لموسوعة “المعسول” مثلا سيقف على هذه الميزة التي يكاد أهل سوس يتفردون بها، حيث شاع علمهم، وذاع صيتهم، وعم فضلهم، حتى لا تكاد تجد جهة أو إقليما بل دوارا أو مدشرا في طول البلاد وعرضها، إلا وللسوسيين فيه حضور علمي أو تربوي أو تجاري أو مالي.
والأستاذ امحمد العثماني موضوع هذا التقديم، واحد من رجالات سوس الذين امتدّ العطاء العلمي في أسرته منذ ما يقارب عشرة قرون، حتى قال فيها المؤرخ العلامة الفقيه المختار السوسي: ” …. هذه الأسرة التي تسلسل فيها العلم والصلاح في “سوس” منذ القرن السادس إلى الآن. ولم أعرف الآن في المغرب أسرة تسلسل فيها العلم أبا عن جدّ في زهاء ألف سنة إلا هذه، والأسرة الفاسية بفاس التي عرفت أول عالم منها في أواخر القرن الخامس، وهي مزية أنفردت بها الأسرتان وحدهما”[1]. ومن جميل ما يذكر في سيرة العلامة الفقيه امحمد العثماني أنه زاوج في تحصيله العلمي من خلال مدرستين: تقليدية وعصرية، فانتسب على عادة أبناء جيله إلى المدرسة العتيقة (تنالت) وتوّج مساره في هذا النوع من التعليم بالعالمية من جامع القرويين، ثم انتسب إلى المدرسة العصرية (دار الحديث الحسنية) ضمن طلبة فوجها الأول سنة 1964، ومنها تخرج حاصلا على دبلوم الدراسات العليا بتقديمه رسالة تحت عنوان: “ألواح جزولة والتشريع الإسلامي: دراسة لأعراف قبائل سوس في ضوء التشريع الإسلامي” تحت إشراف العلامة الأستاذ علال الفاسي. وهي موضوع تقديم اليوم.
تقديم الكتاب
الكتاب في سفر واحد من 360 صفحة، صدر في طبعته الأولى ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2004. أول ما يطالعك منه، ترجمة وافية للمؤلف بقلم نجله الدكتور سعد الدين العثماني، ثم تقرير الأستاذ المشرف العلامة الفقيه علال الفاسي، وفيها حيّـى الأستاذ علال المؤلفَ، وأبدى ملاحظات اعتبر أنها “لا تنقص من قيمة الكتاب، ولكن تزيد في تحسينه”، ومن جميل ما سطّره في تقريره تمنّيه ” لو أن كل الأقاليم المغربية وجدت من يقوم من أبنائها بدراسة عاداتها وصلتها بالدين والأخلاق، لما في ذلك من التدقيق الاجتماعي والإبانة عن مواطن القوة والضعف في مجتمعنا” (ص 13). ثم ثالثا، كلمة شكر في حق الأستاذ المشرف، وبعض المتعاونين الذين أفادوا المؤلف في إنجاز عمله.
الكتاب من: مقدمة، وثلاثة أبواب، وأربعة فصول، وخاتمة.
- المقدمة: بيّن فيها المؤلف سبب اختياره (ألواح جزولة) موضوعا لبحثه، وجعلها أسبابا أربعة:
1 – لكونها “لم يتناولها الدرس ولا البحث، ولا عالجتها يد الصناع بالنقش والنحت، ولم تعج عليها أقلام الباحثين، ولم تنتبه إليها عقول المفكرين”.
2 – ” لكونه يتعلق بإقليم كان من أعظم النواحي في البوادي المغربية، ومن أكثرها غناء في المحافظة على التراث الإسلامي وروحه، وفي المحافظة على اللغة العربية”.
3 – ” لكون بعض الناس يدعون أن هذا النوع من التشريع لا صلة له بالشريعة الإسلامية”
4 – لكون تأريخ هذا الإقليم مجهولا خصوصا ميدان القضاء، ومهملا حتى من أبنائه إلا النزر اليسير”.
- الباب الأول: جزولة جغرافيا واجتماعيا، وهو من فصليْن اثنين: عرّف في الأول (جزولة) بجزولة وقبائلها الرئيسة، ثم أشاد باللغة الشلحية ودورها في الحياة المحلية. وفي الثاني: (الحياة الاجتماعية في جزولة) توقف بإسهاب عند بنية الأسرة ودور المرأة الجزولية في الحياة العائلية والقبلية، راصدا بعض المظاهر الدينية في جزولة وملامح القضاء والتحكيم فيها.
- الباب الثاني: الألواح: تحريرها وأنظمتها، وهو من فصلين: تعرّض في أحدهما (ألواح جزولة أو أعرافها) لوجه التسمية، وكيف تُحرّر، وكيف يتمّ إشهارها حتى تكون لها الصفة الإلزامية، مع تعيين المرافق التي وضعت لها، والموضوعات التي عالجتها، ثم قدم نموذجا منها مع الدراسة، وسرد موقف علماء جزولة من هذه الألواح. أما الفصل الرابع: (نظام الحكم في جزولة بواسطة إينفلاس الأعيان) فبيّن فيه معنى “إينفلاس” (الأعيان)، وكيف قامت الجماعة مقام القاضي والحاكم مبينا الطريقة التي يتم بها الترشيح للعضوية وطريقة الانتخاب، معرفا الاختصاص والسلط، مجيبا عن سؤال: هل سبقت جزولة إلى النظم الديموقراطية الحديثة؟.
- الباب الثالث: الألواح والتشريع الإسلامي، وهو من فصل واحد: (موضوعات الألواح في ضوء التشريع الإسلامي) وفيه وطّأ بمدخل عن المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، ليعرض بعد ذلك موقف الألواح من الحدود الشرعية باسطا عددا من الأقضية في ضوء التشريع الإسلامي.
- الخاتمة: وهي عبارة عن خطاب مباشر للقارئ ذكره فيه بأهمية البحث وصعوبات الاشتغال عليه ومعيقات إنجازه، ثم وجه نداء إلى شباب جزولة خاصة، مذكرا إياهم بأمجادها، داعيا إلى الانتباه إلى ما ضاع من تراثها، مرغبا من يعنيهم الأمر إلى “مراجعة القوانين المغربية الوضعية أو العرفية في ضوء الشريعة الإسلامية، وإلى العودة إلى منبعها الصافي…” ليختم بالتنويه بنخبة من الأعلام ممن وجد منهم “الآذان الصاغية والقلوب المتفتحة” وهم يقدمون له يد العون لإنجاز هذا البحث.
يذكر أن ملاحق الكتاب شكلت أكثر من ثلث حجمه، وهي عبارة عن ألواح لعدد من القبائل بلغ مجموعها 16 لوحا.
خلاصات
” ألواح جزولة والتشريع الإسلامي” كتاب أماط اللثام عن تراث ثقافي وقضائي، ضمّ أعرافا خاصة بمنطقة سوس كان الغرض منها استتباب الأمن، وصيانة الحقوق، وضمان شروط سلامة الأبدان والممتلكات، وقد استطاع المؤلف مسلحا بتكوينه الشرعي أن يتتبّع صلة هذا التراث بالتشريع الإسلامي من زاوية منظور الفقه المالكي، وأن يثبت أن مضامين هذه الألواح استندت إلى المصالح المرسلة والسياسة الشرعية.